وقد شرع في القسم الأول فقال : شروط الصلاة خمسة والشروط جمع شرط بسكون الراء وهو لغة العلامة ومنه أشراط الساعة : أي علاماتها هذا هو المشهور وإن قال شيخنا : الشرط بالسكون : إلزام الشيء والتزامه لا العلامة وإن عبر بعضهم بها فإنها إنما هي معنى الشرط بالفتح ا . ه .
فإن هذا من تفرداته .
واصطلاحا : ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته .
والمانع لغة الحائل واصطلاحا : ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته كالكلام فيها عمدا .
فإن قيل : قد تقدم أول الباب الماضي أن الشرط هو الذي يتقدم على الصلاة ويجب استمراره فيها والركن ما تشتمل عليه الصلاة فكان الأولى تقديم هذا الباب على الباب الذي قبله .
أجيب بأنه لما اشتمل على موانعها وهي لا تكون إلا بعد انعقادها ناسب تأخره .
فإن قيل : من شروطها أيضا الإسلام والتمييز والعلم بفرضيتها وبكيفيتها وتمييز فرائضها من سننها فلم لم يعدها ؟ أجيب بأن ذلك ليس بشرط مختص بالصلاة فلو جهل كون أصل الصلاة أو صلاته التي شرع فيها أو الوضوء أو الطواف أو الصوم أو نحو ذلك فرضا أو علم أن فيها فرائض وسننا ولم يميز بينهما لم يصح ما فعله لتركه معرفة التمييز الواجبة ونقل عن الغزالي أن من لم يميز من العامة فرض الصلاة أي أو غيرها من سننها تصح صلاته أي وكذا غيرها من العبادات بشرط أن لا يقصد النفل بالفرض وصححه المصنف في مجموعه .
قال في المهمات : وتقيده بالعامي يفهم أن العالم إن لم يميز بقصده الفرض من السنة بطلت صلاته وهو ما في فتاوى الإمام وفيه نظر والظاهر الصحة فلا يعتبر إلا أن لا يقصد بفرض نفلا ا . ه .
بل الظاهر ما في فتاوى الإمام .
ولو اعتقد عامي أو غيره أن جميع أفعالها فرض صحت لأنه ليس فيه أكثر من أنه أدى سنة باعتقاد الفرض وذلك لا يضر .
أول الخمسة : معرفة دخول الوقت يقينا أو ظنا بالاجتهاد كما دل عليه كلامه في المجموع وليس المراد مدلول المعرفة الذي هو العلم بمعنى اليقين ليخرج الظن فمن صلى بدونها لم تصح صلاته وإن وقعت في الوقت " .
و ثانيها : الاستقبال وقد تقدم بيانهما في كتاب الصلاة ( 1 / 185 ) و ثالثها : ستر العورة عن العيون ولو كان خاليا في ظلمة عند القدرة لقوله تعالى : خذوا زينتكم عند كل مسجد قال ابن عباس : المراد به الثياب في الصلاة ولقوله : " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار " رواه الحاكم .
وقال : إنه على شرط مسلم والمراد بالحائض : البالغ التي بلغت سن الحيض لأن الحائض في زمن حيضها لا تصح صلاتها بخمار ولا غيره .
فإن عجز وجب أن يصلي عاريا ويتم ركوعه وسجوده ولا إعادة عليه في الأصح وقيل : يوميء بهما ويعيد وقيل : يتخير بين الإيماء والإتمام .
فإن قيل : ما الحكمة في السترة في الصلاة ؟ أجيب بأن مريد التمثيل بين يدي كبير يتجمل بالستر والتطهر والمصلي يريد التمثل بين يدي ملك الملوك فالتجمل له بذلك أولى ويجب ستر العورة في غير الصلاة أيضا ولو في الخلوة إلا لحاجة كاغتسال وقال صاحب الذخائر : يجوز كشف العورة في الخلوة لأدنى غرض وقال : يشترط حصول الحاجة قال : ومن الأغراض كشف العورة للتبريد وصيانة الثوب من الأدناس والغبار عند كنس البيت وغيره وإنما وجب الستر في الخلوة لاطلاق الأمر بالستر ولأن الله تعالى أحق أن يستحيا منه فإن قيل : ما فائدة الستر في الخلوة مع أن الله سبحانه وتعالى لا يحجب عن بصره شيء ؟ أجيب بأن الله سبحانه وتعالى يرى عبده المستور متأدبا دون غيره .
ولا يجب ستر عورته عن نفسه بل يكره نظره إليها من غير حاجة .
والعورة لغة النقصان والشيء المستقبح وسمي المقدار الآتي بيانه بذلك لقبح ظهوره والعورة تطلق على ما يجب ستره في الصلاة وهو المراد هنا وعلى ما يحرم النظر إليه وسيأتي إن شاء الله تعالى في النكاح " .
وعورة الرجل أي الذكر ولو عبدا أو كافرا أو صبيا ولو غير مميز وتظهر فائدته في الطواف إذا أحرم عنه وليه ما بين سرته وركبته لما روى الحارث بن أبي أسامة عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن النبي " قال : " عورة المؤمن ما بين سرته إلى ركبته " وروى البيهقي : " وإذا زوج أحدكم أمته عبده أو أجيره فلا تنظر " أي الأمة " إلى عورته " والعورة ما بين السرة والركبة " .
وكذا الأمة ولو مدبرة ومكاتبة ومستولدة ومبعضة عورتها ما بين السرة والركبة " .
في الأصح إلحاقا لها بالرجل يجامع أن رأس كل منهما ليس بعورة .
والثاني : عورتها كالحرة إلا رأسها أي عورتها ما عدا الوجه والكفين والرأس .
والثالث : عورتها ما لا يبدو منها في حال خدمتها بخلاف ما يبدو كالرأس والرقبة والساعد وطرف الساق وخرج بذلك السرة والركبة فليسا من العورة على الأصح وقيل : الركبة منها دون السرة وقيل عكسه وقيل : السوأتان فقط وبه قال مالك وجماعة .
فائدة : .
السرة موضع الذي يقطع من المولود والسر ما يقطع من سرته ولا يقال له سرة لأن السرة لا تقطع وجمع السرة سرر وسرات .
والركبة موصل بين أطراف الفخذ وأعالي الساق والجمع ركب وكل حيوان ذي أربع ركبتاه في يديه وعرقوباه في رجليه " .
و عورة الحرة ما سوى الوجه والكفين ظهرهما وبطنهما من رؤوس الأصابع إلى الكوعين لقوله تعالى : ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها " .
قال ابن عباس و عائشة رضي الله تعالى عنهم : هو الوجه والكفان .
وفي قوله أو وجه أن باطن قدميها ليس بعورة .
وقال المزني : ليس القدمان عورة .
والخنثى كالأنثى رقا وحرية فإن اقتصر الحر على ستر ما بين سرته وركبته لم تصح صلاته على الأصح في الروضة والأفقه في المجموع للشك في الستر وصحح في التحقيق الصحة ونقل في المجموع في نواقض الوضوء عن البغوي وكثير القطع به للشك في عورته وقال الإسنوي : وعليه الفتوى .
وعلى الأول يجب القضاء وإن بان ذكرا للشك حال الصلاة ويمكن أن يقال : إذا دخل في الصلاة مقتصرا على ذلك لم تصح صلاته للشك في الانعقاد وإن دخل مستورا كالحرة وانكشف شيء من غير ما بين السرة والركبة لم يضر للشك في البطلان نظير ما قالوه في صلاة الجمعة أن العدو لو كمل يخشى لم تنعقد الجمعة للشك في الانعقاد وإن انعقدت الجمعة بالعدد المعتبر وهناك خنثى زائد عليه ثم بطلت صلاة واحد منهم وكمل العدد بالخنثى لم تبطل الصلاة لأنا تيقنا الانعقاد وشككنا في البطلان " .
وشرطه أي الساتر ما أي جرم منع إدراك لون البشرة لا حجمها فلا يكفي ثوب رقيق ولا مهلهل لا يمنع إدراك اللون ولا زجاج يحكي اللون لأن مقصود الستر لا يحصل بذلك .
أما إدراك الحجم فلا يضر لكنه للمرأة مكروه وللرجل خلاف الأولى .
قال الماوردي وغيره : فإن قيل يرد على عبارته الظلمة فإنها مانعة من الإدراك ولطخ العورة بنحو حبر كحناء .
أجيب بأن مراده ما قدرته إذ الكلام في الساتر وما ذكر لا يسمى ساترا بل غير الظلمة يسمى مغيرا " .
ولو هو طين أو حشيش أو ورق وماء كدر أو نحو ذلك كماء صاف متراكم بخضرة لمنع ما ذكر الإدراك .
وصورة الصلاة في الماء أن يصلي على جنازة أو يمكنه السجود فيه .
قال في المجموع عن الدارمي : ولو قدر على أن يصلي فيه ويسجد على الشط لم يلزمه أي لما فيه من الحرج ( 1 / 186 ) والأصح وجوب التطين على فاقد الثوب ونحوه ولو لمن هو خارج الصلاة خلافا لبعض المتأخرين لقدرته على الستر والثاني : لا للمشقة والتلويث " .
ويجب ستر أعلاه أي الساتر وجوانبه للعورة لا أسفله لها ولو كان المصلي امرأة فستر مصدر مضاف إلى فاعله لتذكير الضمير في قوله أعلاه وجوانبه وأسفله ولو كان مضافا إلى مفعوله لأنثها فقال : ويجب ستر أعلاها إلخ " .
فلو رؤيت عورته أي المصلي ذكرا أو أنثى أو خنثى سواء أكان الرائي لها هو كما في فتاوى المصنف الغير المشهورة أم غيره من جيبه أي طوق قميصه لسعته في ركوع أو غيره لم يكف الستر بهذا القميص فليزره بإسكان اللام وكسرها وضم الراء على الأحسن ويجوز فتحها وكسرها " .
أو يشد بفتح الدال في الأحسن ويجوز الضم والكسر وسطه بفتح السين على الأصح ويجوز إسكانها حتى لا ترى عورته منه ولو ستر بلحيته أو بشعر رأسه كفى لحصول المقصود بذلك فإن لم يفعل شيئا من ذلك انعقدت صلاته ثم تبطل عند وجود المفسد وفائدته في الاقتداء به وفيما إذا ألقي عليه شيء بعد إحرامه وقيل : لا تنعقد بالكلية .
والجيب هو المنفذ الذي يدخل فيه الرأس كما مرت الإشارة إليه .
ولو رؤيت عورته من ذيله كأن كان في علو والرائي في سفل لم يضر ذلك .
ومعنى رؤيت عورته كانت بحيث ترى وليس المراد رؤيت الفعل ولو وقف مثلا في خابية أو حفرة ضيقي الرأس يستران الواقف فيهما جاز لحصول المقصود بذلك وشرط الساتر أن يشمل المستور لبسا ونحوه فلا تكفي الخيمة الضيقة ونحوها " .
وله ستر بعضها أي عورته من غير السوأة أو منها بلا مس ناقض بيده في الأصح لحصول المقصود والثاني : لا لأن بعضه لا يعد ساترا له .
أما بيد غيره فيكفي قطعا وإن فعل محرما كما قاله في الكفاية كما لو ستر بقطعة حرير وكذا لو جمع الثوب المخرق وأمسكه بيده .
وإذا وجد المصلي سترة نجسة ولا ماء يغسلها به أو وجد الماء ولم يجد من يغسلها وهو عاجز عن غسلها أو وجده ولم يرض إلا بأجرة ولم يجدها أو وجدها ولم يرض إلا بأكثر من أجرة المثل أو حبس على نجاسة واحتاج إلى فرش السترة عليها صلى عاريا وأتم الأركان كما مر ولو أدى غسل السترة إلى خروج الوقت غسلها وصل خارجه ولا يصلي في الوقت عاريا كما نقل القاضي أبو الطيب الاتفاق عليه .
ولو وجد المصلي بعض السترة لزمه أن يستتر به بلا خلاف .
فإن قيل : من وجد ماء لا يكفيه لطهارته جرى فيه خلاف والأصح وجوب استعماله .
أجيب بأن المقصود من الطهارة رفع الحدث وهو لا يتجزأ والمقصود هاهنا الستر وهو يتجزأ " .
فإن وجد كافي سوأتيه أي قبله ودبره تعين لهما للاتفاق على أنهما عورة ولأنهما أفحش من غيرهما وسميا سوأتين لأن كشفهما يسوء صاحبهما قال تعالى : فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سؤآتهما أي ظهرت لهما وكان لا يريانها من أنفسهما أو لا يرى أحدهما من الآخر كما قالت عائشة رضي الله تعالى عنها : " ما رأيت منه " ولا رأى مني " " .
أو كان أحدهما فقبله يستره وجوبا سواء أكان ذكرا أم غيره لأنه بارز إلى القبلة والدبر مستور غالبا بالأليين وبدل القبلة كالقبلة كما لو صلى صوب مقصده .
ويستر الخنثى قبليه فإن كفى لأحدهما تخير والأولى كما قال الإسنوي : ستر آلة الرجل إن كان هناك امرأة وآلة النساء إن كان هناك رجل " .
وقيل يستر دبره وجوبا لأنه أفحش في الركوع والسجود " .
وقيل يتخير بينهما لتعارض المعنيين وسواء في ذلك الرجل وغيره .
وقيل : تستر المرأة القبل والرجل الدبر ومنهم من حكى بدل الوجوب الاستحباب .
والقبل والدبر بضم أولهما وثانيهما ويجوز في ثانيهما الإسكان .
فروع : ليس للعاري غصب الثوب من مستحقه بخلاف الطعام في المخمصة لأنه يمكنه أن يصلي عاريا ولا تلزمه الإعادة إلا إن احتاج إليه لنحو دفع حر أو برد فإنه يجوز له ذلك .
ويجب عليه قبول عاريته وإن لم يكن للمعير غيره وقبول هبة نحو الطين لا قبول هبة الثوب ولا اقتراضه لثقل المنة .
ويجب شراؤه واستئجاره بثمن المثل وأجرة المثل ولو وجد ثمن الثوب أو الماء قدم الثوب وجوبا لدوام النفع به ولأنه لا بدل له بخلاف ماء الطهارة .
ولو وصى بصرف ثوب الأولى الناس به في ذلك الموضع أو وقفه عليه أو وكل في إعطائه وجب تقديم المرأة لأن عورتها أفحش ثم الخنثى لاحتمال الأنوثة ثم الرجل وقياس ما مر فيما لو أوصى بماء لأولى الناس به أنه لو كفى الثوب المؤخر دون المقدم قدم المؤخر .
ولا يجوز لأحد أن يعطي ثوبه لآخر ويصلي عاريا لكن يصلي فيه ويستحب أن يعيره ممن يحتاج إليه .
ولو وجد ثوب حرير فقط لزمه الستر به ولا يلزمه قطع ما زاد على العورة وإن قال الإسنوي : المتجه لزوم قطعه إذا لم ينقص أكثر من أجرة الثوب لأن لبس الحرير يجوز لأدون من ذلك كدفع القمل .
ويقدم على المتنجس للصلاة ويقدم المتنجس عليه في الخلوة ونحوها مما لا ( 1 / 187 ) يحتاج إلى طهارة الثوب .
ولو صلت أمة مكشوفة الرأس فعتقت في صلاتها ووجدت سترة بعيدة بحيث إن مضت إليها احتاجت إلى أفعال كثيرة أو انتظرت من يلقيها إليها ومضت مدة في التكشف بطلت صلاتها فإن لم تجد السترة بنت على صلاتها وكذا إن وجدت قريبا منها فتناولتها ولم تستدبر قبلتها وسترت بها رأسها فورا .
ولو وجد عار سترته في صلاته فحكمه حكمها فيما ذكر .
ولو قال شخص لأمته إن صليت صلاة صحيحة فأنت حرة قبلها فصلت بلا ستر رأسها عاجزة عن سترها عتقت وصحت صلاتها أو قادرة عليه صحت صلاتها ولم تعتق للدور إذ لو عتقت بطلت صلاتها وإذا بطلت صلاتها لا تعتق فإثبات العتق يؤدي إلى بطلانه وبطلان الصلاة فبطل وصحت الصلاة .
ويسن للرجل أن يلبس للصلاة أحسن ثيابه ويتقمص ويتعمم ويتطيلس ويرتدي ويتزر أو يتسرول وإن اقتصر على ثوبين فقميص مع رداء أو إزار أو سراويل أولى من رداء مع إزار أو سراويل ومن إزار مع سراويل وبالجملة فالمستحب أن يصلي في ثوبين لظاهر قوله تعالى : خذوا زينتكم عند كل مسجد والثوبان أهم الزينة ولخبر : " إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه فإن الله تعالى أحق أن يزين له فإن لم يكن له ثوبان فليتزر إذا صلى ولا يشتمل اشتمال اليهود " رواه البيهقي .
فإن اقتصر على واحد فقميص فإزار فسراويل ويلتحف بالثوب الواحد إن اتسع ويخالف بين طرفيه فإن ضاق اتزر به وجعل شيئا منه على عاتقه .
ويسن للمرأة ومثلها الخنثى في الصلاة ثوب سابغ لجميع بدنها وخمار وملحفة كثيفة .
وإتلاف الثوب وبيعه في الوقت كالماء ولا يباع له مسكن ولا خادم كما في الكفارة .
ويكره أن يصلي في ثوب فيه صورة وأن يصلي عليه وإليه وأن يصلي بالاضطجاع وأن يغطي فاه فإن تثاءب غطاه بيده ندبا وأن يشتمل اشتمال الصماء بأن يجلل بدنه بالثوب ثم يرفع طرفيه على عاتقه الأيسر وأن يشتمل اشتمال اليهود بأن يجلل بدنه بالثوب بدون رفع طرفيه وأن يصلي الرجل متلثما والمرأة متنقبة " .
و رابعها : طهارة الحدث الأصغر وغيره عند القدرة لما مر في باب الحدث فإن عجز فقد تقدم في باب التيمم .
فلو لم يكن متطهرا عند إحرامه مع قدرته على الطهارة لم تنعقد صلاته وإن أحرم متطهرا ثم أحدث نظر فإن سبقه الحدث غير الدائم بطلت صلاته في الجديد كما لو تعمد الحدث لبطلان طهارته بإجماع .
ويؤخذ من التعليل أن فاقد الطهورين إذا سبقه الحدث لم تبطل صلاته وجرى على ذلك الإسنوي وظاهر كلام الأصحاب أنه لا فرق .
والتعليل خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له كقوله تعالى : وربائبكم اللاتي في حجوركم فإن الربيبة تحرم مطلقا فلفظ الحجور لا مفهوم له " .
وفي القديم والإملاء وهو جديد يتطهر و يبني على صلاته لعذره بالسبق وإن كان حدثه أكبر لحديث فيه لكنه ضعيف باتفاق المحدثين كما في المجموع وعلى هذا يجب أن يقلل الزمان والأفعال بحسب الإمكان .
ولا يجب عليه البدار الخارج عن العادة فلو كان للمسجد بابان فسلك الأبعد لغير عذر بطلت صلاته .
ويشترط أن لا يتكلم إلا إذا احتاج إليه في تحصيل الماء وليس له بعد طهارته أن يعود إلى الموضع الذي كان يصلي فيه إلا لعذر كأن كان إماما لم يستخلف وانتظره المأموم فله العود إليهم وأما إذا لم ينتظروه بل أتموا صلاتهم فرادى أو قدموا واحدا منهم مثلا فلا يعود للاستغناء عن ذلك بما ذكر أو مأموما يبتغي فضيلة الجماعة ولم تحصل له في غير موضعه كأن يكون في الصف الأخير لما سيأتي من كراهة وقوف المأموم فردا فلو كانت صلاته في الصف الأول مثلا فتطهر وعاد لم يتجاوز الصف الأخير لأن فضيلة الجماعة تحصل له في غير موضعه .
أما الحدث الدائم كسلس بول فلا يضر على تفصيل مر في الحيض وإن أحدث مختارا بطلت صلاته قطعا سواء أكان عالما أنه في الصلاة أم ناسيا .
ولو صلى ناسيا للحدث أثيب على قصده لا على فعله إلا القراءة ونحوها مما لا يتوقف على الوضوء فإنه يثاب على فعله أيضا قال ابن عبد السلام : وفي إثابته على القراءة إذا كان جنبا نظر ا . ه .
ويؤخذ مما تقدم عدم الإثابة " .
ويجريان أي القولان في كل مناقض أي مناف للصلاة عرض فيها بلا تقصير من المصلي وتعذر دفعه في الحال كما لو تنجس بدنه أو ثوبه بما لا يعفى عنه واحتاج إلى غسله أو طيرت الريح سترته إلى مكان بعيد " .
فإن أمكن دفعه في الحال بأن كشفته ريح أي أظهرت عورته أو وقعت على بدنه أو ثوبه نجاسة يابسة أو على ثوبه نجاسة رطبة فستر العورة أو ألقى النجاسة اليابسة أو ألقى الثوب في الرطبة في الحال لم تبطل صلاته لانتفاء المحذور ويغتفر هذا العارض اليسير .
ولا يجوز أن ينحي النجاسة بيده أو كمه فإن فعل بطلت صلاته فإن نحاها بعود فكذا في أحد وجهين هو المعتمد " .
وإن قصر في دفعه بأن فرغت مدة خف فيها أي الصلاة بطلت قطعا لتقصيره حيث افتتحها في وقت لا يسعها لأنه حينئذ يحتاج إلى غسل رجليه أو الوضوء على القولين في ذلك فلو غسل رجليه في الخف قبل فراغ المدة لم يؤثر لأن مسح الخف يرفع الحدث فلا تأثير للغسل قبل فراغ المدة وكذا لو غسلهما بعدها لمضي مدة وهو محدث حتى لو وضع رجليه في الماء قبل فراغ المدة واستمر إلى انقضائها لم تصح صلاته لأنه لا بد من حدث ثم يرتفع وأيضا لا بد من تجديد نية لأنه حدث لم تشمله نية الوضوء الأول .
وصورة المسألة كما قاله السبكي : أن يدخل في الصلاة وهو يظن بقاء المدة إلى فراغه فإن علم بأن المدة تنقضي فيها فينبغي عدم انعقادها نعم إن كان في نفل مطلق يدرك منه ركعة فأكثر انعقدت ولو افتصد مثلا فخرج منه الدم ولم يلوث بشرته أو لوثها قليلا لم تبطل صلاته لأن المنفصل في الأولى غير مضاف إليه وفي الثانية مغتفر .
ويسن لمن أحدث في صلاته أن يأخذ بأنفه ثم ينصرف ليوهم أنه رعف سترا على نفسه وينبغي أن يفعل كذلك إذا أحدث وهو منتظر للصلاة خصوصا إذا قربت إقامتها أو أقيمت ( 1 / 188 ) و خامسها : طهارة النجس الذي لا يعفى عنه في الثوب والبدن أي بثوبه أو بدنه حتى داخل أنفه أو فمه أو عينه أو أذنه " .
والمكان أي مكانه الذي يصلي فيه فلا تصح صلاته مع شيء من ذلك ولو مع جهله بوجوده أو بكونه مبطلا لقوله تعالى : وثيابك فطهر ولخبر الصحيحين : " إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي " ثبت الأمر باجتناب النجس وهو لا يجب بغير تضمخ في غير الصلاة فيجب فيها والأمر بالشيء نهي عن ضده والنهي في العبادات يقتضي فسادها فلزم ما ذكر " .
فلو رؤيت عورته أي المصلي ذكرا أو أنثى أو خنثى سواء أكان الرائي لها هو كما في فتاوى المصنف الغير المشهورة أم غيره من جيبه أي طوق قميصه لسعته في ركوع أو غيره لم يكف الستر بهذا القميص فليزره بإسكان اللام وكسرها وضم الراء على الأحسن ويجوز فتحها وكسرها .
وإنما جعل داخل الفم والأنف هنا كظاهرهما بخلاف غسل الجنابة لغلظ أمر النجاسة بدليل أنه لو وقعت نجاسة في عينه وجب غسلها ولا يجب غسلها في الطهارة فلو أكل متنجسا لم تصح صلاته ما لم يغسل فمه ولو رأينا في ثوب من يريد الصلاة نجاسة لا يعلم بها لزمنا إعلامه لأن الأمر بالمعروف لا يتوقف على العصيان " قاله ابن عبد السلام " كما لو رأينا صبيا يزني بصبية فإنه يجب علينا منعهما وإن لم يكن عصيانا .
واستثنى من المكان ما لو كثر ذرق الطير فإنه يعفى عنه للمشقة في الاحتراز منه .
وقيد في المطلب العفو بما إذا لم يتعمد المشي عليه قال الزركشي : وهو مقيد متعين قال شيخي : وأن لا يكون رطبا أي أو رجله مبلولة .
فرع : .
لو تنجس ثوبه بما لا يعفى عنه ولم يجد ماء يغسله به وجب قطع موضعها إن لم تنقص قيمته بالقطع أكثر من أجرة ثوب يصلي فيه لو اكتراه هذا ما قالاه تبعا للمتولي وقال الإسنوي : يعتبر أكثر الأمرين من ذلك ومن ثمن الماء لو اشتراه مع أجرة غسله عند الحاجة لأن كل منهما لو انفرد وجب تحصيله ا . ه .
وهذا هو الظاهر .
وقيد أيضا وجوب القطع بحصول ستر العورة بالظاهر قال الزركشي : ولم يذكره المتولي والظاهر أنه ليس بقيد بناء على أن من وجد ما يستر به بعض العورة لزمه ذلك وهو الصحيح ا . ه .
وهذا هو الظاهر " .
ولو اشتبه عليه طاهر ونجس من ثوبين أو بيتين اجتهد فيهما للصلاة قال في المحرر : كما في الأواني وتقدم الكلام على ذلك .
ولو صلى فيما ظنه الطاهر من الثوبين أو البيتين بالاجتهاد ثم حضرت صلاة أخرى لم يجب تجديد الاجتهاد في الأصح ولا يشكل ذلك بما تقدم في المياه من أنه يجتهد فيها لكل فرض لأن بقاء الثوب أو المكان كبقاء الطهارة فلو اجتهد فتغير ظنه عمل بالاجتهاد الثاني في الأصح فيصلي في الآخر من غير إعادة كما لا تجب إعادة الأولى إذ لا يلزم من ذلك نقض اجتهاد باجتهاد بخلاف المياه كما مر .
ولو غسل أحد الثوبين بالاجتهاد صحت الصلاة فيهما ولو جمعهما عليه ولو اجتهد في الثوبين أو البيتين فلم يظهر له شيء صلى عاريا أو في أحد البيتين لحرمة الوقت وأعاد لتقصيره لعدم إدراك العلامة ولأن معه ثوبا في الأولى ومكانا في الثانية طاهرا بيقين .
ولو اشتبه عليه بدنان يريد الاقتداء بأحدهما اجتهد فيهما وعمل باجتهاده فإن صلى خلف واحد ثم تغير ظنه إلى الآخر صلى خلفه ولا يعيد الأولى كما لو صلى باجتهاد إلى القبلة ثم تغير اجتهاده إلى جهة أخرى فإن تحير صلى منفردا " .
ولو نجس بفتح الجيم وكسرها بعض ثوب أو بعض بدن أو مكان ضيق وجهل ذلك البعض في جميع ما ذكر وجب غسل كله لتصح الصلاة فيه إذ الأصل بقاء النجاسة ما بقي جزء منه فإن كان المكان واسعا لم يجب عليه الاجتهاد ولكن يسن فله أن يصلي فيه بلا اجتهاد .
وسكتوا عن ضبط الواسع والضيق والأحسن في ضبط ذلك العرف وإن قال ابن العماد : المتجه في ذلك أن يقال إن بلغت بقاع الموضع لو فاقت حد العدد غير المحصور فواسع وإلا فضيق وتقدر كل بقعة بما يسع المصلي ا . ه .
قال في المجموع عن المتولي : وإذا جوزنا الصلاة في المتسع فله أن يصلي فيه إلى أن يبقى موضع قدر النجاسة وهو نظير ما تقدم في الأواني .
ولو أصاب شيء رطب بعض ما ذكر لم يحكم بنجاسته لأنا لم نتيقن نجاسة موضع الإصابة ويفارق ما لو صلى عليه حيث لا تصح صلاته وإن احتمل أن المحل الذي صلى عليه طاهر بأن الشك في النجاسة مبطل للصلاة دون الطهارة .
ولو كانت النجاسة في مقدم الثوب مثلا وجهل موضعها وجب غسل مقدمه فقط .
ولو شق الثوب المذكور نصفين لم يجز أن يجتهد فيهما لأنه ربما يكون الشق في محل النجاسة فيكونان نجسين ( 1 / 189 ) فلو ظن بالاجتهاد طرفا من موضعين متميزين أو مواضع متميزة كأحد طرفي الثوب وأحد الكمين واليدين والأصابع لم يكف غسله على الصحيح وفي الروضة : الأصح لعدم جواز الاجتهاد لأن الثوب والبدن واحد والاجتهاد إنما يكون في شيئين .
ولو فصل كمي ثوب تنجس أحدهما وجهل أو فصل أحدهما جاز له الاجتهاد لتعدد المشتبه فيه فلو غسل ما ظن نجاسته بالاجتهاد جاز له أن يصلي فيهما ولو جمعهما كالثوبين " .
ولو غسل بعض شيء متنجس كأن غسل نصف ثوب نجس ثم غسل باقيه فالأصح أنه إن غسل مع باقيه مجاوره مما غسل أولا طهر كله وإلا أي وإن لم يغسل معه مجاوره فغير المنتصف بفتح الصاد يطهر وهو الطرفان فقط ويبقى المنتصف نجسا في النجاسة المخففة فيغسله وحده لأنه رطب ملاق لنجس ويجتنب الثوب المتنجس بعضه الذي جهل مكان النجاسة فيه .
لا يقال في الصورة الثانية إنا لم نتيقن نجاسته لأنا نقول : قد تيقنا نجاسة الثوب ولم نتيقن طهارته والطهارة لا ترفع بالشك .
ولا يشكل على هذا أنه لو مس شيئا رطبا لا ينجسه لأنا لا تنجس بالشك والثاني : لا يطهر لأنه تنجس بالمجاور مجاوره وهكذا وإنما يطهر بغسله دفعة واحدة .
ودفع بأن نجاسة المجاور لا تتعدى إلى ما بعده كالسمن الجامد ينجس منه ما حول النجاسة فقط وقيل : يطهر مطلقا وقيل : إن علق الثوب وصب الماء على أعلاه إلى النصف ثم صب على النصف الثاني طهر لأن الماء لا يتراد إلى الأعلى وإلا لم يطهر لأنه يتراد