" وشرطه " أي الأذان " الوقت " لأنه للإعلام بدخوله فلا يصح ولا يجوز قبله بالإجماع لما فيه من الإلباس لكن نص في البويطي على سقوط مشروعيته بفعل الصلاة وهذا يدل على أن مشروعية الأذان للصلاة وهو المعتمد كما مر لا للوقت وعلى هذا لو نوى المسافر تأخير الصلاة فإن قلنا بالأول لم يؤذن وإلا أذن . " .
إلا الصبح " أي أذانه " فمن نصف الليل " يصح لخبر الصحيحين : ( إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم ) زاد البخاري : ( وكان رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال أصبحت أصبحت ) كما مر وإنما جعل وقته في النصف الثاني لأنه أقرب إلى الصبح إذ معظم الليل قذ ذهب وقرب الأذان من الوقت فهو منسوب إلى الصبح ولهذا تقول العرب بعده : أنعم صباحا .
قال في " الإقليد " : فيستحب تقديمه قبل الوقت خلافا لما أطلقه الأكثرون من أنه يجوز : لأن وقته يدخل على الناس وفيهم الجنب والنائم فاستحب تقديم أذانها لينتبهوا ويتأهبوا ليدركوا فضيلة أول الوقت .
وخرج بالأذان الإقامة فلا تقدم بحال .
ويشترط فيه أيضا أن لا يطول الفصل بينها وبين الصلاة كما في " المجموع " .
قال المصنف في " شرح مسلم " : في كلامه على أنه لم يكن بين أذانيهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا قال العلماء : معناه أن بلالا كان يؤذن قبل الفجر ويتربص بعد أذانه للدعاء ونحوه ثم يرقب الفجر فإذا قارب طلوعه نزل فأخبر ابن أم مكتوم فيتأهب ثم يرقى . وقيل : يدخل وقت أذانه في الشتاء لسبع يبقى من الليل وفي الصيف لنصف سبع . وصححه الرافعي في شرحه وضعفه المصنف في " زيادة الروضة " وقال : إن قائله اعتمد حديثا باطلا محرفا .
ويدخل سبع الليل الأخير بطلوع الفجر الأول . وقيل : وقته جميع الليل . وقيل : إذا خرج وقت اختيار العشاء .
وضبط المتولي السحر بما بين الفجر الكاذب والصادق . وقال ابن أبي الصيف : السحر هو السدس الأخير . " .
ويسن مؤذنان للمسجد " ونحوه تأسيا به A ومن فوائدهما أنه " يؤذن واحد " للصبح " قبل الفجر وآخر بعده " للخبر السابق .
ويزاد عليهما بقدر الحاجة والمصلحة كما صححه المصنف خلافا للرافعي في استحباب الاقتصار على أربعة ويترتبون إن اتسع الوقت ويقترعون للبداءة إن تنازعوا .
فإن ضاق الوقت والمسجد كبير تفرقوا في أقطاره وإن صغر اجتمعوا إن لم يؤد اجتماعهم إلى اضطراب واختلاط ويقفون عليه كلمة كلمة ( 1 / 140 ) فإن أدى إلى ذلك أذن بعضهم بالقرعة .
قال في " المجموع " : وعند الترتيب لا يتأخر بعضهم عن بعض لئلا يذهب أول الوقت .
فإن لم يكن إلا مؤذن واحد سن له أن يؤذن المرتين فإن اقتصر على مرة فالأولى أن تكون بعد الفجر .
والمؤذن الأول أولى بالإقامة إلا أن يكون الراتب أولى .
ويجوز للإمام أن يرزق المؤذن من مال المصالح قال في " المجموع " : ولا يجوز أن يرزق مؤذنا وهو يجد متبرعا كما نص عليه . قال القاضي حسين : لأن الإمام في بيت المال كالوصي في مال اليتيم والوصي لو وجد من يعمل في مال اليتيم متبرعا لم يجز أن يستأجر عليه من مال اليتيم فكذا الإمام .
فإن تطوع به فاسق وثم أمين أحسن صوتا منه وأبى الأمين في الأولى والأحسن صوتا في الثانية إلا بالرزق رزقه الإمام من سهم المصالح عند الحاجة بقدرها .
وللإمام أن يرزقهم وإن تعددوا بعدد المساجد وإن تقاربت وأمكن جمع الناس بأحدها لئلا تتعطل .
ويبدأ وجوبا إن ضاق بيت المال وندبا إن اتسع بالأهم كمؤن الجامع .
وأذان صلاة الجمعة أهم من غيره لكثرة جماعتها وقصد الناس لها وللإمام وغيره استئجاره على الأذان لأنه عمل معلوم يرزق عليه ككتابة الصك ولرجوع نفعه إلى عموم المسلمين فهو كتعليم القرآن ولا يشترط بيان المدة إذا استأجره الإمام من بيت المال بل يكفي أن يقول استأجرتك كل شهر بكذا بخلاف ما إذا استأجره من ماله أو استأجره غيره فلا بد من بيانها على الأصل في الإجارة وتدخل الإقامة في استئجار الأذان ضمنا ويبطل إفرادها بإجارة إذ لا كلفة فيها وفي الأذان كلفة غالبا لرعاية الوقت فسقط ما قيل إن هذه الصورة ليست بصافية عن الإشكال .
ولا يصح الأذان للجماعة بالعجمية وهناك من يحسن العربية بخلاف ما إذا كان هناك من لا يحسنها فإن أذن لنفسه وكان لا يحسن العربية صح وإن كان هناك من يحسنها وعليه أن يتعلم حكاه في " المجموع " عن الماوردي وأقره . " .
ويسن لسامعه " أي المؤذن ومستمعه كما فهم بالأولى ومثل المؤذن المقيم . " .
مثل قوله " لقوله A : ( إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن ) متفق عليه ويقاس بالمؤذن المقيم .
وتناولت عبارته الجنب والحائض ونحوهما وهو المعتمد كما جزما به خلافا للسبكي في قوله : لا يجيبان لحديث : ( كرهت أن أذكر الله إلا على طهر ) ولابنه في قوله : ويمكن أن يتوسط فيقال : تجيب الحائض لطول زمنها بخلاف الجنب .
وتناولت أيضا المجامع وقاضي الحاجة لكن إنما يجيبان بعد الفراغ كما قاله في " المجموع " ومحله إذا لم يطل الفصل فإن طال لم تستحب لهما الإجابة .
وفارق هذا تكبير العيد المشروع عقب الصلاة حيث يتدارك وإن طال الفصل بأن الإجابة تنقطع مع الطول بخلاف التكبير ومن في صلاة والأصح أنه لا يستحب له الإجابة بل تكره فإن قال في التثويب " صدقت وبررت " أو قال " حي على الصلاة " أو " الصلاة خير من النوم " بطلت صلاته بخلاف " صدق رسول الله A " لا تبطل به كما صرح به في " المجموع " .
وإن أجاب في أثناء الفاتحة وجب استئنافها وإذا كان السامع أو المستمع في قراءة أو ذكر استحب له أن يقطعهما ويجيب أو في طواف أجاب فيه كما قاله الماوردي .
ويسن أن يجيب في كل كلمة عقبها بأن لا يقارن ولا يتأخر كما في " المجموع " . قال الإسنوي : ومقتضاه الإجزاء في هذه الحالة وامتناعه عند التقدم .
وأفهم كلام المصنف أنه لو علم أذان غيره أو إقامته ولم يسمعه لبعد أو صمم لا تسن له الإجابة .
وقال في " المجموع " إنه الظاهر لأنها معلقة بالسماع في خبر : ( إذا سمعتم المؤذن ) وكما في نظيره في تشميت العاطس قال : وإذا لم يسمع الترجيع فالظاهر أنه تسن له الإجابة فيه : لقوله A : ( قولوا مثل ما يقول ) ولم يقل مثل ما تسمعون .
ويؤخذ من كلام " المجموع " في ذلك أنه لو سمع بعض الأذان يسن له أن يجيب في الجميع وبه صرح الزركشي وغيره .
قال في " المجموع " : وإذا سمع مؤذنا بعد مؤذن فالمختار أن أصل الفضيلة في الإجابة شامل للجميع إلا أن الأول متأكد يكره تركه .
وقال ابن عبد السلام : إجابة الأول أفضل إلا أذاني الصبح فلا أفضلية فيهما لتقدم الأول ووقوع الثاني في الوقت وإلا أذاني الجمعة لتقدم الأول ومشروعية الثاني في زمنه A . " .
إلا في حيعلتيه " وهما " حي على الصلاة حي على الفلاح " " فيقول " بدل كل منهما " لا حول " أي عن المعصية إلا بعصمة الله " ولا قوة " على الطاعة " إلا بالله " أي بعون الله فقد ثبت عن ابن مسعود أنه قال : كنت عند رسول الله A فقلت : لا حول ولا قوة إلا بالله فقال رسول الله A : ( أتدري ما تفسيرها ؟ ) قلت : لا قال : ( لا حول عن معصية الله إلا ( 1 / 141 ) بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله ) ثم ضرب بيديه على منكبي وقال : ( هكذا أخبرني جبريل عليه السلام ) .
ويقول ذلك في الأذان أربعا وفي الإقامة مرتين قاله في " المجموع " .
وقيل : يحوقل مرتين في الأذان واختاره ابن الرفعة وكلام المصنف يميل إليه .
ولو عبر بحيعلاته لوافق الأول المعتمد وإنما لم يقل في الحيعلتين مثل ما يقول لأنهما دعاء إلى الصلاة لا يليق بغير المؤذن والمقيم فسن للمجيب ذلك لأنه تفويض محض إلى الله تعالى ولقوله في خبر مسلم : ( وإذا قال حي على الصلاة قال - أي سامعه - لا حول ولا قوة إلا بالله وإذا قال حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة إلا بالله ) وفي آخر الحديث : ( من قال ذلك مخلصا من قلبه دخل الجنة ) .
وفي الصحيحين : ( لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة ) . أي أجرها مدخر لقائلها كما يدخر الكنز .
فائدة : .
الحاء والعين لا يجتمعان في كلمة واحدة أصلية الحروف لقرب مخرجهما إلا أن تؤلف كلمة من كلمتين كقولهم : " حيعل " فإنها مركبة من كلمتين من " حي على الصلاة " ومن " حي على الفلاح " ومن المركب من كلمتين قولهم : " حوقل " إذا قال : " لا حول ولا قوة إلا بالله " هكذا قاله الجوهري .
وقال الأزهري وغيره : " حولق " بتقديم اللام على القاف فهي مركبة من حاء حول وقاف قوة . وكقولهم " بسمل " إذا قال : " بسم الله " . و " حمدل " إذا قال : " الحمد لله " . و " الهيللة " إذا قال : " لا إله إلا الله " . و " الجعفلة " " جعلت فداءك " . و " الطلبقة " " أطال الله بقاءك " . و " الدمعزة " " أدام الله عزك " .
والفلاح الظفر بالمطلوب والنجاة من المطلوب .
قال الإسنوي : والقياس أن السامع يقول في قول المؤذن : " ألا صلوا في رحالكم " " لا حول ولا قوة إلا بالله " . " .
قلت : وإلا في التثويب " في أذاني الصبح " فيقول " بدل كلمتيه " صدقت وبررت " بكسر الراء الأولى وسكون الثانية وحكي فتح الأولى أي صرت ذا بر أي خير كثير " والله أعلم " لما في ذلك من المناسبة ولخبر ورد فيه قاله ابن الرفعة . قال الدميري : ولا يعرف من قاله .
وقيل : يقول : صدق رسول الله A الصلاة خير من النوم .
والمشهور استحباب الإجابة في كلمات الإقامة كما تقرر إلا في كلمتي الإقامة فيقول : أقامها الله وأدامها ما دامت السموات والأرض لما فيه من المناسبة أيضا ولخبر رواه أبو داود ولكن بسند ضعيف .
وقال الإمام : يقول : اللهم أقمها وأدمها واجعلني من صالحي أهلها . وهو أيضا مروي عن النبي A .
وقيل : لا يجيب إلا في كلمتيها فقط . " .
و " يسن " لكل " من مؤذن وسامع ومستمع قال شيخنا : ومقيم ولم أره لغيره " أن يصلي على النبي A " ويسلم أيضا لما مر من أنه يكره إفرادها عنه " بعد فراغه " من الأذان أو الإقامة على ما مر لقوله A : ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ) . " .
ثم " يقول : " اللهم " أصله يا الله حذفت منه " يا " وعوض عنه " الميم " ولهذا لا يجوز الجمع بينهما . " .
رب هذه الدعوة " - بفتح الدال - أي الأذان أو الإقامة على ما مر . " .
التامة " أي السالمة من تطرق نقص إليها . " .
والصلاة القائمة " أي التي به تقام . " .
آت " أعط " محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته " لقوله A : ( من قال ذلك حين يسمع النداء حلت له شفاعتي يوم القيامة ) رواه البخاري أي حصلت .
وزاد في " التنبيه " بعد " والفضيلة " " والدرجة الرفيعة " وبعد " وعدته " " يا أرحم الراحمين " .
والوسيلة : أصله ما يتوسل به إلى الشيء والجمع وسائل . والمراد منها في الحديث القرب من الله تعالى . وقيل : منزلة في الجنة كما ثبت في صحيح مسلم .
وقيل : قبتان في أعلى عليين إحداهما من لؤلؤة بيضاء يسكنها محمدا وآله والأخرى من ياقوته صفراء يسكنها إبراهيم وآله .
والمقام المذكور هو المراد في قوله تعالى : ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) وهو مقام الشفاعة في فصل القضاء يوم القيامة يحمده فيه الأولون والآخرون . رواه البزار من حديث أبي هريرة .
وقال مجاهد والطبري : المقام المحمود أن الله تعالى يجلسه على العرش .
ووقع في " المحرر " و " الشرح " : المقام المحمود معرفا ونكره في " المجموع " واعترض برواية النسائي وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي له معرفا بإسناد صحيح .
فإن قيل : ما فائدة طلب ذلك له A وهو واجب الوقوع بوعد الله تعالى ؟ أجيب : بأن في ( 1 / 142 ) ذلك إظهارا لشرفه وعظيم منزلته A وزاده فضلا وشرفا لديه .
وقول المصنف : " الذي وعدته " في محل نصب بدل من قوله : " مقاما " لا نعت له لأنه يجوز إبدال المعرفة من النكرة ولا يجوز نعت النكرة بالمعرفة كما لا يجوز نعت المعرفة بالنكرة ويجوز أن يكون منصوبا بتقدير أعني ومرفوعا خبرا لمبتدأ محذوف .
تتمة : .
يندب الدعاء بين الأذان والإقامة لخبر : ( الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة فادعوا ) رواه الترمذي وحسنه .
قال في " العباب " : وأكده بسؤال العافية في الدنيا والآخرة وأن يقول المؤذن ومن سمعه بعد أذان المغرب : ( اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك فاغفر لي ) وبعد أذان الصبح : ( اللهم هذا إقبال نهارك وإدبار ليلك وأصوات دعاتك فاغفر لي )