ثم لما فرغ من ذكر المستحاضة وأقسامها شرع في ذكر النفاس وقدره فقال : " .
وأقل النفاس " مجة كما عبر به في " التنبيه " أي دفعة وزمانها " لحظة " وفي " الروضة " وأصلها : لا حد لأقله أي لا يتقدر بل ما وجد منه وإن قل يكون نفاسا ولا يوجد أقل من مجة فالمراد من العبارات - كما قال في " الإقليد " - واحد .
وهو بكسر النون لغة : الولادة .
وشرعا : ما مر أول الباب .
وسمي بذلك لأنه يخرج عقب النفس أو من قولهم : تنفس الصبح إذا ظهر .
ويقال لذات النفاس : نفساء - بضم النون وفتح الفاء - وجمعها نفاس ولا نظير له إلا ناقة عشراء فجمعها عشار قال تعالى : ( وإذا العشار عطلت ) .
ويقال في فعله نفست المرأة بضم النون وفتحها وبكسر الفاء فيهما والضم أفصح .
وأما الحائض فيقال فيها نفست بفتح النون وكسر الفاء لا غير ذكره في " المجموع " . " .
وأكثره ستون " يوما " وغالبه أربعون " يوما اعتبارا بالوجود في الجميع كما مر في الحيض .
وأما خبر أبي داود عن أم سلمة رضي الله تعالى عنهما : ( كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله A أربعين يوما ) فلا دلالة فيه على نفي الزيادة أو محمول على الغالب أو على نسوة مخصوصات ففي رواية لأبي داود : ( كانت المرأة من نساء النبي A تقعد في النفاس أربعين ليلة ) .
واختلف في أوله فقيل : بعد خروج الولد . وقيل : أقل الطهر .
فأوله فيما إذا تأخر خروجه عن الولادة من الخروج لا منها وهو ما صححه في " التحقيق " .
وموضع من " المجموع " عكس ما صححه في أصل الروضة وموضع آخر من " المجموع " .
وقضية الأخذ بالأول أن زمن النقاء لا يحسب من الستين لكن البلقيني صرح بخلافه فقال : ابتداء الستين من الولادة وزمن النقاء لا نفاس فيه وإن كان محسوبا من الستين ولم أر من حقق هذا ا . ه . وعلى هذا يلزمها قضاء ما فاتها من الصلوات المفروضة في هذه المدة .
ويشكل على هذا قول المصنف أنها إذا ولدت ولدا جافا أن صومها يبطل ولا يصح ذلك إلا إذا قلنا إن هناك دما وإن خفي وينبغي على هذا أنه يحرم على حليلها أن يستمتع بها بما بين السرة والركبة قبل غسلها .
وكلام ابن المقري يميل إلى الثاني وينبغي اعتماده وإن كنت جريت على الأول في " شرح التنبيه " .
وإن لم تر الدم إلا بعد مضي خمسة عشر يوما فأكثر فلا نفاس لها أصلا على الأصح في " شرح المهذب " ( 1 / 120 ) وعلى هذا فيحل للزوج أن يستمتع بها قبل غسلها كالجنب .
وقول المصنف في باب الصيام إنه يبطل صومها بالولد الجاف محله ما إذا رأت الدم قبل خمسة عشر يوما .
فائدة : .
أبدى أبو سهل معنى لطيفا في كون أكثر النفاس ستين أن المني يمكث في الرحم أربعين يوما لا يتغير ثم يمكث مثلها علقة ثم مثلها مضغة ثم ينفخ فيه الروح كما جاء في الحديث الصحيح والولد يتغذى بدم الحيض وحينئذ فلا يجتمع الدم من حين النفخ لكونه غذاء الولد وإنما يجتمع في المدة التي قبلها وهي أربعة أشهر وأكثر الحيض خمسة عشر يوما فيكون أكثر النفاس ستين .
وقال بعض العلماء : أكثره سبعون .
وقال أبو حنيفة : أربعون ولعله أخذ بظاهر الحديث المتقدم . " .
ويحرم به ما حرم بالحيض " بالإجماع لأنه دم حيض مجتمع فحكمه حكم الحيض في سائر أحكامه إلا في شيئين : .
أحدهما : أن الحيض يوجب البلوغ والنفاس لا يوجبه لثبوته قبله بالإنزال الذي جبلت منه .
الثاني : أن الحيض يتعلق به العدة والاستبراء ولا يتعلقان بالنفاس لحصولهما قبله بمجرد الولادة .
قال ابن الرفعة نقلا عن البندنيجي : ولا يسقط بأقله الصلاة أي لأن أقل النفاس لا يستغرق وقت الصلاة لأنه إن وجد في الأثناء فقد تقدم وجوبها وإن وجد في الأول فقد لزمت بالانقطاع بخلاف أقل الحيض فإنه يعم الوقت وربما يقال قد يسقطه فيما إذا بقي من وقت الضرورة ما يسع تكبيرة الإحرام فنفست أقل النفاس فيه فإنه لا يجب قضاء تلك الصلاة فعلى هذا لا يستثنى ما قاله . " .
وعبوره " أي النفاس " ستين " يوما " كعبوره " أي الحيض " أكثره " لأن النفاس كالحيض في غالب أحكامه فكذلك في الرد إليه عند الإشكال فينظر أمبتدأة في النفاس أم معتادة مميزة أم غير مميزة ويقاس بما تقدم في الحيض فترد المبتدأة المميزة إلى التمييز بشرط أن لا يزيد القوي على ستين ولا ضبط في الضعيف وغير المميزة إلى لحظة في الأظهر والمعتادة المميزة إلى التمييز لا العادة في الأصح وغير المميزة الحافظة إلى العادة وتثبت بمرة أي إن لم تختلف في الأصح وإلا ففيه التفصيل السابق في الحيض والناسية إلى مرد المبتدأة في قول وتحتاط في الآخر الأظهر في " التحقيق " .
ولا يمكن تصور متحيرة مطلقة في النفاس بناء على المذهب أن من عادتها أن لا ترى نفاسا أصلا إذا ولدت فرأت الدم وجاوز الستين أنها كالمبتدأة لأنه حينئذ يكون ابتداء نفاسها معلوما وبه ينتفي التحير المطلق .
خاتمة : .
يجب على المرأة تعلم ما تحتاج إليه من أحكام الحيض والاستحاضة والنفاس فإن كان زوجها عالما لزمه تعليمها وإلا فلها الخروج لسؤال العلماء بل يجب ويحرم عليه منعها إلا أن يسأل هو ويخبرها فتستغني بذلك وليس لها الخروج إلى مجلس ذكر أو تعلم خير إلا برضاه .
وإذا انقطع دم الحيض أو النفاس واغتسلت أو تيممت حيث يشرع لها التيمم فللزوج أن يطأها في الحال من غير كراهة فإن خافت عود الدم استحب لها التوقف في الوطء احتياطا .
وفي التيمم فللزوج أن يطأها في الحال من غير كراهة فإن خافت عود الدم استحب لها التوقف في الوطء احتياطا .
وفي كتب الغريب : ( أن رسول الله A لعن الغائصة والمغوصة ) فالغائصة : هي التي لا تعلم زوجها أنها حائض ليجتنبها فيجامعها وهي حائض .
والمغوصة : هي التي لا تكون حائضا فتكذب على زوجها وتقول أنا حائض ليجتنبها