" الثالث " من أسباب التيمم : " مرض يخاف معه من استعماله " أي الماء " على منفعة عضو " - بضم العين وكسرها - أن تذهب كالعمى والخرس أو تنقص كضعف البصر أو الشم لعموم قوله تعالى : ( وإن كنتم مرضى ) الآية . قال ابن عباس : نزلت في المريض يتأذى بالوضوء وفي الرجل إذا كانت به جراحة في سبيل الله أو القروح والجدري فيجنب فيخاف إن اغتسل أن يموت فيتيمم . إسناده حسن والأصح وقفه عليه .
وفهم من عبارة المصنف : أن خوف فوت النفس والعضو كذلك من ( 1 / 93 ) باب أولى وصرح بهما في " المحرر " . ولو كان مرضه يسيرا أو لم يكن به مرض فخاف حدوث مرض مخوف من استعمال الماء تيمم على المذهب أو يخاف شدة الضنا . قال في " المجموع " : هذا إن لم يعص بالمرض فإن عصى به لم يصح تيممه حتى يتوب . فإن قيل : قول المصنف : " مرض " ليس وجود المرض شرطا بل الشرط أن يخاف من استعمال الماء ما ذكر كما تقرر . أجيب : بأن الغالب أن الخوف إنما يحصل مع المرض ومع هذا لو قال : " أن يخاف من استعماله كذا " كان أولى . " .
وكذا بطء البرء " بفتح الباء وضمها أي طول مدته وإن لم يزد الألم وكذا زيادة العلة وهو إفراط الألم وكثرة المقدار وإن لم تطل المدة . " .
أو الشين الفاحش " كسواد كثير " في عضو ظاهر في الأظهر " فيهما لأن ضرر ذلك فوق ثمن المثل ولأنه يشوه الخلقة ويدوم ضرره .
والمراد بالظاهر - كما قال الرافعي - ما يبدو عند المهنة غالبا كالوجه واليدين . وقيل : ما لا يعد كشفه هتكا للمروءة . وقيل : ما عدا العورة .
والشين : الأثر المستكره من تغير لون ونحول واستحشاف وثغرة تبقى ولحمة تزيد . قاله الرافعي في أثناء الديات .
والثاني : لا يتيمم لذلك لانتفاء التلف وقد روي عن ابن عباس موقوفا ومرفوعا تفسير المرض في الآية بالذي يخاف معه التلف . وعلى الأول : إنما يتيمم إن أخبره بكونه يحصل منه ذلك وبكونه مخوفا فيما تقدم طبيب مقبول الرواية ولو عبدا أو امرأة أو عرف هو ذلك من نفسه وإلا فلا يتيمم كما جزم به في " التحقيق " ونقله في " الروضة " عن أبي علي السنجي وأقره . هذا هو المعتمد وجزم البغوي : بأنه يتيمم قال الإسنوي : ويدل له ما في " شرح المهذب " في الأطعمة عن نص الشافعي : أن المضطر إذا خاف من الطعام المحضر إليه أنه مسموم جاز له تركه والانتقال إلى الميتة ا . ه . وفرق شيخي : بأن ذمته هنا اشتغلت بالطهارة بالماء فلا تبرأ من ذلك إلا بدليل ولا كذلك أكل الميتة .
وخرج ب " الفاحش " اليسير كقليل سواد أو أثر جدري .
وب " الظاهر الفاحش " في الباطن فلا أثر لخوف ذلك . واستشكله ابن عبد السلام : بأن المتطهر قد يكون رقيقا فتنقص قيمته نقصا فاحشا فكيف لا يباح له التيمم مع إباحته فيما لو امتنع من بيع الماء إلا بزيادة يسيرة وكذا لو كان حرا فإن الفلس مثلا أهون على النفوس من أثر الجدري على الوجه من الشين الفاحش في الباطن لا سيما الشابة المقصودة للاستمتاع ؟ وأجيب : بأن الخسران في الزيادة محقق بخلافه في نقص الرقيق ولذا وجب استعمال الماء المشمس إذا لم يجد غيره وإن كان يخشى منه البرص لأن حصول البرص غير محقق وبأن تفويت المال إنما يؤثر إذا كان سببه تحصيل الماء لا استعماله ولا لأثر نقص الثوب ببله بالاستعمال ولا قائل به .
وأما الشين فإنما يؤثر إذا كان سببه الاستعمال والضرر المعتبر في الاستعمال فوق الضرر المعتبر في التحصيل ويشهد له ما مر من أنه لو خاف خروج الوقت بطلب الماء تيمم ولو خاف خروجه بالاستعمال لا يتيمم . " .
وشدة البرد " في إباحة التيمم " كمرض " إذا خيف من استعمال الماء المعجوز عن تسخينه أو عما يدثر به الأعضاء بعد استعماله ما تقدم لأن عمرو بن العاص تيمم عن جنابة لخوف الهلاك من البرد وأقره A على ذلك . رواه أبو داود وصححه الحاكم وابن حبان . " .
وإذا امتنع استعماله " أي الماء وجوبه " في عضو " من محل الطهارة لنحو مرض أو جرح " إن لم يكن عليه ساتر وجب التيمم " جزما لئلا يبقى موضع العلة بلا طهارة فيمر التراب ما أمكن على موضع العلة إن كان بمحل التيمم .
وعرف التيمم بالألف واللام إشارة للرد على من قال من العلماء إنه يمر التراب على المحل المعجوز عنه . " .
وكذا " يجب " غسل الصحيح " بقدر الإمكان " على المذهب " لما رواه أبو داود وابن حبان في حديث عمرو ابن العاص في رواية لهما : ( أنه غسل معاطفه وتوضأ وضوءه للصلاة ثم صلى بهم ) قال البيهقي : معناه أنه غسل ما أمكنه وتوضأ وتيمم للباقي .
والطريق الثاني في وجوب غسله القولان فيمن وجد من الماء ما لا يكفيه ذكر ذلك في " المجموع " .
وذكر في " الدقائق " أنه عدل عن قول " المحرر " : " وغسل الصحيح والصحيح أنه يتيمم " إلى ما في المنهاج لأنه الصواب فإن التيمم واجب قطعا زاد في " الروضة " لئلا يبقى موضع الكسر بلا ( 1 / 94 ) طهر . وقال : لم أر خلافا في وجوب التيمم لأحد من أصحابنا . ويتلطف في غسل الصحيح المجاور للعليل فيوضع خرقة مبلولة بقربه ويتحامل عليها ليغسل بالمتقاطر منها ما حواليه من غير أن يسيل إليه فإن لم يقدر على ذلك بنفسه استعان ولو بأجرة فإن تعذر ففي " المجموع " أنه يقضي . وفهم من كلامه أنه لا يجب مسح موضع العلة بالماء وإن لم يخف منه وهو كذلك - كما نقله الرافعي عن الأئمة - لأن الواجب إنما هو الغسل . قال : وفيه نص بالوجوب ا . ه .
فينبغي أن يستحب أي التيمم وغسل الصحيح " للجنب " ونحوه كالحائض وكذا الأغسال المسنونة لأن التيمم بدل عن غسل العليل والمبدل لا يجب فيه الترتيب فكذا بدله .
ولو قال : " ولا ترتيب بينهما للمغتسل " لشمل ما قدرته .
فإن قيل : هلا وجب تقديم غسل الصحيح كوجود ماء لا يكفيه ؟ أجيب : بأن العاجز هناك أبيح له التيمم لفقد الماء فلا يجوز مع وجوده وهنا أبيح للعلة وهي موجودة بل النص هاهنا أن يندب أن يبدأ بالتيمم ليزيل الماء أثر التراب . " .
فإن كان " من به العلة " محدثا " حدثا أصغر " فالأصح اشتراط التيمم وقت غسل العليل " أي العضو العليل لاعتبار الترتيب في الوضوء فلا ينتقل عن العضو المعلول إلا بعد كمال طهارته أصلا وبدلا ويقدم ما شاء من الغسل والتيمم في العضو الواحد .
ويستحب تقديم التيمم على غسله هنا أيضا كما في " المجموع " . والثاني : يجب تقديم غسل المقدور عليه من الأعضاء كلها لما مر في الجنب . والثالث : يتخير كالجنب . " .
فإن جرح عضواه " أي المحدث أو امتنع استعمال الماء فيهما لغير جراحة " فتيممان " يجبان بناء على الأصح وهو اشتراط التيمم وقت غسل العليل لتعدد العليل وكل من اليدين والرجلين كوضوء واحد ويستحب أن تجعل كل واحدة كعضو فإن كان في أعضائه الأربعة جراحة ولم تعمها فلا بد من ثلاث تيممات الأول للوجه والثاني لليدين والثالث للرجلين والرأس يكفي فيه مسح ما قل منه كما مر . فإن عمت الرأس فأربعة وإن عمت الأعضاء كلها فتيمم واحد عن الجميع لسقوط الترتيب بسقوط الغسل . قال في " المجموع " : فإن قيل : إذا كانت الجراحة في وجهه ويديه وغسل صحيح الوجه أولا جاز توالي تيمميهما فلم لا يكفيه تيمم واحد كمن عمت الجراحة أعضاءه ؟ فالجواب : أن التيمم هنا في طهر تحتم فيه الترتيب فلو كفاه تيمم واحد حصل تطهير الوجه واليدين في حالة واحدة وهو ممتنع بخلاف التيمم عن الأعضاء كلها لسقوط الترتيب بسقوط الغسل ا . ه . فيه كلام ذكرته مع الجواب عنه في " شرح التنبيه " .
ويؤخذ من التعليل المذكور أن الجراحة لو عمت الوجه واليدين كفاهما تيمم واحد وكذا لو عمتهما والرأس وهو ظاهر لسقوط الترتيب بسقوط الغسل . " .
فإن كان " على العضو الذي امتنع استعمال الماء فيه ساتر " كجبيرة لا يمكن نزعها " لخوف محذور مما تقدم بيانه وكذا اللصوق - بفتح اللام - والشقوق التي في الرجل إذا احتاج إلى تقطير شيء فيها يمنع من وصول الماء . والجبيرة بفتح الجيم والجبارة بكسرها : خشب أو قصب يسوى ويشد على موضع الكسر أو الخلع لينجبر . وقال الماوردي : الجبيرة ما كان على كسر . واللصوق ما كان على جرح ومنه عصابة الفصد ونحوها ولهذا عبر المصنف بالساتر لعمومه ومثل بالجبيرة .
وإذا عسر عليه نزع ما ذكر " غسل الصحيح " على المذهب لأنها طهارة ضرورة فاعتبر الإتيان فيها بأقصى الممكن " وتيمم " لما روى أبو داود و الدارقطني بإسناد كل رجاله ثقات عن جابر في المشجوج الذي احتلم واغتسل فدخل الماء شجته فمات أن النبي A قال : ( إنما يكفيه أن يتيمم ويعصب على رأسه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده ) . " .
كما سبق " في مراعاة الترتيب في المحدث وتعدد التيمم عند تعدد العلة وغير ذلك مما مر .
وفهم منه أنه إذا أمكن النزع بلا خوف وجب وهو كذلك قطعا ونقل عن الأئمة الثلاثة عدم الوجوب . وقد يفهم من قوله : " كما سبق " الجزم بوجوب التيمم كالمسألة قبلها وليس مرادا ففيه قولان مشهوران صرح بحكايتهما " التنبيه " : أظهرهما أنه يتيمم . " .
ويجب مع ذلك مسح كل ( 1 / 95 ) جبيرته " التي يضر نزعها " بماء " استعمالا للماء ما أمكن بخلاف التراب لا يجب مسحها به وإن كانت في محله لأنه ضعيف فلا يؤثر من وراء الحائل ولا يقدر المسح بمدة بل له الاستدامة إلى الاندمال لأنه لم يرد فيه توقيت ولأن الساتر لا ينزع للجنابة بخلاف الخف فيهما .
والتيمم المتقدم بدل عن غسل العضو العليل ومسح الساتر بدل عن غسل ما تحت أطرافه من الصحيح كما في " التحقيق " وغيره . وعليه يحمل قول الرافعي : إنه بدل عما تحت الجبيرة . وقضية ذلك أنه لو كان الساتر بقدر العلة فقط أو بأزيد وغسل الزائد كله لا يجب المسح وهو كذلك فإطلاقهم وجوب المسح جرى على الغالب من أن الساتر يأخذ زيادة على محل العلة ولا يغسل . " .
وقيل " يكفي مسح " بعضها " كالخف والرأس ويمسح الجنب ونحوه متى شاء والمحدث وقت غسل عليله ويشترط في الساتر ليكتفي بما ذكر أن لا يأخذ من الصحيح إلا ما لا بد منه للاستمساك ولو قدر على غسله بالتلطف المتقدم وجب لخبر : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) فإن تعذر ذلك أمس ما حوالي الجرح ماء بلا إفاضة كما في " التحقيق " وغيره .
والفصد كالجرح الذي يخاف من غسله ما مر فيتيمم له إن خاف استعمال الماء وعصابته كاللصوق ولما بين حبات الجدري حكم العضو الجريح إن خاف من غسله ما مر فإذا ظهر دم الفصادة من اللصوق وشق عليه نزعه وجب عليه مسحه ويعفى عن هذا الدم المختلط بالماء تقديما لمصلحة الواجب على دفع مفسدة الحرام .
قال شيخي : كوجوب تنحنح مصلي الفرض حيث تعذرت عليه القراءة الواجبة . " .
فإذا تيمم " الذي غسل الصحيح وتيمم عن الباقي وأدى فريضة " لفرض ثان " وثالث وهكذا " ولم يحدث " بعد طهارته الأولى " لم يعد الجنب " ونحوه " غسلا " لما غسله ولا مسحا لما مسحه . " .
ويعيد المحدث " غسل " ما بعد عليله " لأن التيمم بدل عن غسل العليل ولا ترتيب في حق الجنب بين غسل العليل وبين ما بعده بخلاف المحدث فإذا وجب إعادة تطهير عضو خرج ذلك العضو عن أن تكون طهارته تامة فإذا أتمها أعاد ما بعدها كما لو نسي منه لمعة . " وقيل يستأنفان " أي الجنب ونحوه الغسل والمحدث الوضوء . وهذا مخرج من القول بوجوب الاستئناف على ماسح الخف إذا نزعه لأن كلا منهما طهارة مركبة من أصل وبدل فإذا بطل البدل بطل الأصل . واستغرب في " المجموع " هذا الوجه فقال : اتفقت الطرق على عدم وجوب استئناف الغسل . وقال الرافعي : فيه خلاف كالوضوء وهذا ضعيف متروك . " وقيل المحدث كجنب " فلا يحتاج إلى إعادة غسل ما بعد عليله لأنه إنما يحتاج إليه لو بطلت طهارة العليل وطهارة العليل باقية إذ يتنفل بها وإنما يعيد التيمم لضعفه عن أداء فرض ثان بخلاف من نسي لمعة فإن طهارة ذلك العضو لم تحصل . " .
قلت : الثالث أصح " لما قلناه " والله أعلم " فيعيد كل منهما التيمم فقط .
وهل إذا كان التيمم الأول متعددا هل يعيده كذلك حتى لو تيمم في الأول أربع تيممات يعيدها كلها أو لا ؟ اختلف المتأخرون في ذلك والذي ينبغي اعتماده - كما قاله شيخي - أنه يتيمم تيمما واحدا . والذي قال بالتعدد إنما يأتي على طريقة الرافعي لأجل الترتيب .
وخرج بقوله : " ولم يحدث " ما إذا أحدث فإنه يعيد جميع ما مر . قال في " المجموع " : ولو أجنب صاحب الجبيرة اغتسل وتيمم ولا يجب عليه نزعها بخلاف الخف والفرق أن في إيجاب النزع مشقة . ولو اغتسل الجنب وتيمم عن جراحة في غير أعضاء الوضوء ثم أحدث بعد أداء فريضة من صلاة أو طواف لم يبطل تيممه لأنه وقع عن غير أعضاء الوضوء فلا يؤثر فيه الحدث فيتوضأ ويصلي بوضوئه ما شاء من النوافل ولو برأ - بتثليث الراء - وهو على طهارة بطل تيممه لزوال علته ووجب غسل موضع العذر طاهرا كان أو محدثا ويجب على المحدث أن يغسل ما بعد موضع العذر رعاية للترتيب لأنه لما وجب إعادة تطهير عضو لبطلانه خرج عن كونه تام الطهر فإذا أتمه وجب إعادة ما بعده كما لو أغفل لمعة بخلاف نحو الجنب ولا يستأنفان الطهارة وبطلان بعضها لا يقتضي بطلان كلها ولو توهم البرء - بفتح الباء وضمها - فرفع الساتر فبان خلافه لم يبطل تيممه بخلاف توهم الماء فإنه يبطله وإن تبين أن لا ماء لأن توهمه يوجب الطالب وتوهم البرء لا يوجب البحث عنه . فإن قيل : قال في " المجموع " : لو سقطت جبيرته في الصلاة بطلت صلاته وإن لم يبرأ كانخلاع الخف فيشكل على ما هنا . أجيب : بأن ما هنا محمول على ما إذا لم يظهر من الصحيح ما يجب غسله بأن لم يظهر منه شيء أصلا بأن يكون اللصوق على قدر الجراحة وإن يكون العليل بحيث لا يلزمه إن يمر التراب عليه وما هناك على ما إذا ظهر منه . ولو كان على عضوه جبيرتان فرفع إحداهما لم يلزمه رفع الأخرى بخلاف الخفين لأن لبسهما جميعا شرط بخلاف الجبيرتين . ذكره في " المجموع " . ( 1 / 96 " )