ثم شرع في القسم الثالث من النجاسة وهي المتوسطة فقال : " .
وما تنجس بغيرهما " أي الكلب ونحوه وبول الصبي المذكور " إن لم تكن عين " أي عينية بأن كانت حكمية وهي ما تيقن وجودها ولا يدرك لها طعم ولا لون ولا ريح " كفى جري الماء " على ذلك المحل إذ ليس ثم ما يزال . والمراد بالجري وصول الماء إلى المحل بحيث يسيل عليه زائدا على النضح .
ولو عبر بما قدرته لكان أولى وأقرب إلى مراده إذ لا يلزم من نفي العين نفي الأثر . " .
وإن كانت " عينية " وجب " بعد زوال عينها " إزالة الطعم " وإن عسر لأن بقاءه يدل على بقاء العين ووجب محاولة إزالة غيره " ولا يضر بقاء لون " كلون الدم " أو ريح " كرائحة الخمر " عسر زواله " فيطهر للمشقة بخلاف ما إذا سهل فيضر بقاؤه لدلالة ذلك على بقاء العين . " .
وفي الريح قول " أنه يضر بقاؤه كسهل الزوال قال في البسيط : هذا في رائحة تدرك عند شم الثوب دون ما يدرك في الهواء . وفي اللون وجه كذلك فترتكب المشقة في زوالهما . " .
قلت : فإن بقيا " بمحل واحد " معا ضرا على الصحيح والله أعلم " لقوة دلالتهما على بقاء العين . والثاني : لا يضر لاغتفارهما منفردين فكذا مجتمعين . والعسر من زوال ريح المغلظة أو لونها كغيرها كما يؤخذ من عموم كلامهم وإن قال الزركشي : ينبغي خلافه .
ولا تجب الاستعانة في زوال الأثر بغير الماء كصابون وحت - بالمثناة - وقرص - بالمهملة - بل تسن إلا إذا تعينت بأن لم يزل إلا بها وعلى هذا حمل الزركشي ما صححه المصنف في " التحقيق " و " التنقيح " من إطلاق وجوب الاستعانة .
فرع : .
ماء نقل من البحر فوضع في زبل فوجد فيه طعم زبل أو لونه أو رائحته حكم بنجاسته كما قاله البغوي في تعليقه . ولا يشكل عليه قولهم : ولا يحد بريح الخمر لوضوح الفرق وإن احتمل أن يكون ذلك من قربه جيفة لم يحكم بنجاسته .
ونظير ذلك ما مر من أنه لو رأى في فراشه أو ثوبه منيا فإنه إن احتمل أن يكون من غيره لم يجب عليه الغسل وإلا وجب . " .
ويشترط ورود الماء " على المحل إن كان قليلا في الأصح لئلا يتنجس الماء لو عكس لما علم مما سلف أنه ينجس بمجرد وقوع النجاسة فيه . والثاني وهو قول ابن سريج : لا يشترط لأنه إذا قصد بالغمس في الماء القليل إزالة النجاسة طهر كما لو كان الماء واردا بخلاف ما إذا ألقته الريح . " .
لا العصر " له " في الأصح " أي فيما يمكن عصره إذ البلل بعض المنفصل وقد فرض طهره والخلاف مبني - كما نبه عليه في " المحرر " - على أن الغسالة طاهرة أو نجسة إن طهرناها لم يجب وإلا وجب أما ما لا يمكن عصره فلا يشترط بلا خلاف .
ويسن عصر ما يمكن عصره خروجا من الخلاف . " .
والأظهر طهارة غسالة " قليلة " تنفصل بلا تغير وقد طهر المحل " لأن البلل الباقي على المحل هو بعض المنفصل فلو كان المنفصل نجسا لكان المحل كذلك فيكون المنفصل طاهرا لا طهورا لأنه مستعمل في خبث . والثاني : أنها نجسة لانتقال المنع إليها فإن انفصلت متغيرة أو غير متغيرة ولم يطهر المحل فنجسة قطعا وزيادة وزنها بعد اعتبار ما يأخذه المحل من الماء ويعطيه من الوسخ الطاهر كالتغير . ويحكم بنجاسة المحل فيما إذا انفصلت متغيرة أو زائدة الوزن لأن البلل الباقي على المحل هو بعض ما انفصل كما مر . أما الكثيرة فطاهرة ما لم تتغير وإن لم يطهر المحل كما علم مما مر في باب الطهارة . ويطهر بالغسل مصبوغ بمتنجس انفصل عنه ولم يزد المصبوغ وزنا بعد الغسل على وزنه قبل الصبغ وإن بقي اللون لعسر زواله فإن زاد وزنه ضر فإن لم ينفصل عنه لتعقده به لم يطهر لبقاء النجاسة فيه .
والصقيل من سيف وسكين ونحوهما كغيره فلا يكفي مسحه بل لا بد من غسله .
ولو صب على موضع نحو بول أو خمر من أرض ماء غمره طهر ولو لم يغمر . أما إذا صب على نفس نحو البول فإنه لا يطهر لما علم مما مر أن شرط طهارة الغسالة أن لا يزيد وزنها ومعلوم أن هذا يزيد وزنه .
واللبن - بكسر ( 1 / 86 ) الموحدة - إن خالط نجاسة جامدة كالروث لم يطهر وإن طبخ بأن صار آجرا لعين النجاسة . وإن خالطه غيرها كالبول طهر ظاهره بالغسل وكذا باطنه إن نقع في الماء ولو مطبوخا إن كان رخوا يصله الماء كالعجين أو مدقوقا بحيث يصير ترابا .
ولو سقيت سكين أو طبخ لحم بماء نجس كفى غسلهما ولا يحتاج إلى سقي السكين وإغلاء اللحم بالماء ولا إلى عصره على الأصح .
فإن قيل : لم اكتفي بغسل ظاهر السكين في الآجر ؟ أجيب : بأنه إنما لم يكتف بالماء في الآجر لأن الانتفاع به متأت من غير ملابسة له فلا حاجة للحكم بطهارة باطنه من غير إيصال الماء إليه بخلاف السكين .
ويطهر الزئبق المتنجس بغسل ظاهره إن لم يتخلل بين تنجسه وغسله تقطع وإلا لم يطهر كالدهن لأنه لا ينقطع عند ملاقاة الماء على الوجه الذي يتقطع عند إصابة النجاسة ولا ينجس إلا بتوسط رطوبة لأنه جاف فلو وقع فيه فأرة فماتت ولا رطوبة لم ينجس . قاله ابن القطان . ويكفي غسل موضع نجاسة وقعت على ثوب ولو عقب عصره ولا يجب غسل جميعه وكذا لو صب ماء على مكانها وانتشر حولها فلا يحكم بنجاسة محل الانتشار لأن الماء الوارد على النجاسة طهور ما لم يتغير ولم ينفصل لقوته لكونه فاعلا فإن تغير تنجس كما مر .
وإذا كان طهورا فيما ذكر فإذا أداره في الإناء طهر . " .
ولو نجس مائع " غير الماء ولو دهنا " تعذر تطهيره " إذ لا يأتي الماء على كله لأنه بطبعه يمنع إصابة الماء . " .
وقيل : يطهر الدهن بغسله " قياسا على الثوب النجس . وكيفية تطهيره - كما ذكره في " المجموع " - أن يصب الماء عليه ويكاثره ثم يحركه بخشبة ونحوها بحيث يظن وصوله لجميعه ثم يترك ليعلو ثم يثقب أسفله فإذا خرج الماء سد . قال في الكفاية : ومحل الخلاف فيما إذا تنجس الدهن بما لا دهنية فيه كالبول فإن تنجس بما له دهنية كودك الميتة لم يطهر بلا خلاف . ودليل الأول خبر أبي داود وغيره : أنه A سئل عن الفأرة تموت في السمن فقال : ( إن كان جامدا فألقوها وما حولها وإن كان مائعا فلا تقربوه ) وفي رواية للخطابي : ( فأريقوه ) فلو أمكن تطهيره شرعا لم يقل فيه ذلك لما فيه من إضاعة المال . والجامد : هو الذي إذا أخذ منه قطعة لا يتراد من الباقي ما يملأ محلها عن قرب . والمائع : بخلافه ذكره في " المجموع " .
خاتمة : .
يندب أن يغسل غسلتين بعد الغسلة المزيلة لعين النجاسة لتكمل الثلاث فإن المزيلة للنجاسة واحدة وإن تعددت كما مر في غسلات الكلب لاستحباب ذلك عند الشك في النجاسة في حديث : ( إذا استيقظ أحدكم من نومه ) فعند تحققها أولى .
وشمل في ذلك المغلظة وبه صرح صاحب الشامل الصغير فيندب مرتان بعد طهرها . وقال الجبلي في بحر الفتاوى في نشر الحاوي : لا يندب ذلك لأن المكبر لا يكبر كما أن المصغر لا يصغر أي فتثلث النجاسة المخففة دون المغلظة وهذا أوجه .
وعلم مما تقرر أن النجاسة لا يشترط في إزالتها نية بخلاف طهارة الحدث لأنها عبادة كسائر العبادات وهذا من باب التروك كترك الزنا والغصب .
وإنما وجبت في الصوم مع أنه من باب التروك لأنه لما كان مقصودا لقمع الشهوة ومخالفة الهوى التحق بالفعل .
ويجب أن يبادر بغسل المتنجس عاص بالتنجيس كأن استعمل النجاسة في بدنه بغير عذر خروجا من المعصية وإن لم يكن عاصيا به فلنحو الصلاة ويندب أن يعجل به فيما عدا ذلك . وظاهر كلامهم أنه لا فرق بين المغلظة وغيرها وهو كذلك وإن قال الزركشي : ينبغي وجوب المبادرة بالمغلظة مطلقا . قال الإسنوي : والعاصي بالجنابة يحتمل إلحاقه بالعاصي بالتنجيس والمتجه خلافه لأن الذي عصى به هنا متلبس به بخلافه ثم وإذا غسل فمه المتنجس فليبالغ في الغرغرة ليغسل كل ما في حد الظاهر ولا يبلع طعاما ولا شرابا قبل غسله لئلا يكون آكلا للنجاسة . نقله في " المجموع " عن الشيخ أبي محمد الجويني وأقره .
ويغسل من رشاش غسلات الكلبية ستا إن أصابته في الأولى وإلا فالباقي من السبع والمراد بغسلات النجاسة ما استعمل في واجب الإزالة أما المستعمل في مندوبها فطهور . وما غسل به نجاسة معفو عنها كقليل الدم فالظاهر - كما قال ابن النقيب - أنه كغسالة الواجب