كتاب العتق .
العتق قربة مندوب إليه لما روى أبو هريرة Bه أن النبي ( ص ) قال : [ من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار حتى فرجه بفرجه ] ولا يصح إلا من مطلق التصرف في المال لأنه تصرف في المال كالبيع والهبة فإن أعتق الموقوف عليه العبد الموقوف لم يصح عتقه لأنه لا يملكه في أحد القولين ويملكه في الثاني إلا أنه يبطل به حق البطن الثاني فلم يصح وإن أعتق المريض عبدا وعليه دين يستغرقه لم يصح لأن العتق في المرض وصية فلم يصح مع الدين وإن أعتق العبد الجاني فعلى ما ذكرناه في العبد المرهون .
فصل : ويصح بالصريح والكناية وصريحه العتق والحرية لأنه ثبت لهما عرف الشرع وعرف اللغة والكناية كقوله : سيبتك وخليتك وحبلك على غاربك ولا سبيل عليك ولا سلطان لي عليك وأنت لله وأنت طالق وما أشبههما لأنه تحتمل العتق فوقع بها العتق مع النية وفي قوله : فككت رقبتك وجهان أحدهما أنه صريح لأنه ورد به القرآن قال الله سبحانه : { فك رقبة } [ سورة البلد : 13 ] والثاني أنه كناية لأنه يستعمل في العتق وغيره وإن قال لأمته أنت علي كظهر أمي ونوى العتق ففيه وجهان : أحدهما تعتق لأنه لفظ يوجب تحريم الزوجة فكان كناية في العتق كسائر الطلاق والثاني لا تعتق لأنه لا يزيل الملك فلم يكن كناية في العتق بخلاف الطلاق .
فصل : وإن كان بين نفسين عبد فأعتق أحدهما نصيبه فإن كان موسرا قوم عليه نصيب شريكه وعتق لما روى ابن عمر Bه أن النبي ( ص ) قال : [ من أعتق شركا له في عبد فإن كان معه ما يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل وأعطى شركاؤه حصصهم وإلا فقد عتق منه ما عتق ورق ما رق ] وإن كان بين مسلم وكافر عبد مسلم فأعتق الكافر حصته وهو موسر فالمنصوص أنه يقوم عليه فمن أصحابنا من قال : إذا قلنا إن الكافر لا يملك العبد المسلم لم يقوم عليه لأن التقويم يوجب التمليك ومنهم من قال : يقوم عليه قولا واحدا لأنه تقويم متلف فاستوى فيه المسلم والكافر كتقويم المتلفات ويخالف البيع لأن القصد منه التمليك وفي ذلك صغار على الإسلام والقصد من التقويم العتق ولا صغار فيه فإن كان نصف العبد وقفا ونصفه طلقا فأعتق صاحب الأرض نصيبه لم يقوم عليه الوقف لأن التقويم يقتضي التمليك والوقف لا يملك ولأن الوقف لا يعتق بالمباشرة فلأن لا يعتق بالتقويم أولى .
فصل : وتجب قيمة النصيب عند العتق لأنه وقت الإتلاف ومتى يعتق فيه ثلاثة أقوال : أحدها يعتق في الحال فإن كانت جارية فولدت كان الولد حرا لما روى أبو المليح عن أبيه أن رجلا أعتق شقصا له من غلام فذكر ذلك للنبي ( ص ) فقال : [ ليس لله شريك ] وفي بعضها فأجاز عتقه والثاني أنه يقع بدفع القيمة فإن كان جارية فولدت كان نصف الولد حرا ونصفه مملوكا لما روى سالم عن أبيه يبلغ به النبي ( ص ) : [ إذا كان العبد بين اثنين فأعتق أحدهم نصيبه فإن كان موسرا يقوم عليه ولا وكس ولا شطط ثم يعتق ] ولأنه عتق بعوض فلا يتقدم على العوض كعتق المكاتب والثالث أنه مراعى فإن دفع العوض حكمنا بأنه عتق في الحال وإن لم يدفع حكمنا بأنه لم يعتق لأنا إذا أعتقناه في الحال أضررنا بالشريك في إتلاف ماله قبل أن يسلم له العوض وإن لم نعتقه أضررنا بالعبد في إبقاء أحكام الرق عليه فإذا قلنا إنه مراعى لم يكن على كل واحد منهما ضرر فإن دفع القيمة كان حكمه حكم القول الأول وإن لم يدفع كان حكمه حكم القول الثاني فإن بذل المعتق القيمة أجبرنا الشريك على قبضها وإن طلب الشريك أجبرنا المعتق على دفعها فإن أمسك الشريك عن الطلب والمعتق عن الدفع وقلنا إن العتق يقف على الدفع فللعبد أن يطالب المعتق بالدفع والشريك بالقبض ليصل إلى حقه فإن أمسك الجميع فللحاكم أن يطالب بالدفع والقبض لما في العتق من حق الله تعالى فإن أعتق الشريك نصيبه قبل أخذ القيمة ففيه وجهان : أحدهما وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أن يعتق لأنه عتق صادف ملكه والثاني وهو المذهب أنه لا يعتق لأن العتق مستحق من جهة المعتق والولاء مستحق له فلا يجوز إبطاله عليه .
فصل : وإن كان بين اثنين جارية فأحبلها أحدهما ثبتت حرمة الاستيلاد في نصيبه وفي نصيب الشريك الأقوال التي ذكرناها في العتق لأن الاستيلاد كالعتق في إيجاب الحرية فكان كالإعتاق في التقويم والسراية .
فصل : وإن اختلف المعتق والشريك في قيمة العبد والبينة متعذرة فإن قلنا إنه يسري في الحال فالقول قول المعتق لأنه غارم لما استهلكه فكان القول قوله كما لو اختلفا في قيمة ما أتلفه بالجناية وإن قلنا لا يعتق إلا بدفع القيمة فالقول قول الشريك لأن نصيبه باق على ملكه فلا ينزع منه إلا بما يقربه كالمشتري في الشفعة وإن ادعى الشريك أنه كان يحسن صنعة تزيد بها القيمة فأنكر المعتق ففيه طريقان : من أصحابنا من قال هو كالإختلاف في القيمة وفيه قولان ومنهم من قال قول المعتق قولا واحدا لأن الظاهر معه والشريك يدعي صنعة الأصل عدمها وإن ادعى المعتق عيبا في العبد ينقص به القيمة وأنكر الشريك ففيه طريقان أيضا : من أصحابنا من قال هو كالإختلاف في القيمة فيكون على قولين ومنهم من قال : القول قول الشريك قولا واحدا لأن الظاهر معه والمعتق يدعي عيبا الأصل عدمه .
فصل : وإن كان المعتق معسرا عتق نصيبه وبقي نصيب الشريك على الرق والدليل عليه حديث ابن عمر Bه وإلا فقد عتق منه ما عتق ورق منه ما رق ولأن تنفيذ العتق لدفع الضرر عن العبد فلو أعتقنا نصيب الشريك لأضررنا به لأنا نتلف ماله ولا يحصل له عوض والضرر لا يزال بالضرر وإن كان موسرا بقيمة البعض عتق منه بقدره لأن ما وجب بالإستهلاك إذا عجز عن بعضه وجب ما قدر عليه كبدل المتلف وإن كان معه قيمة الحصة وعليه دين يستغرق ما معه ففيه قولان بناء على القولين في الدين هل يمنع وجوب الزكاة فإن قلنا لا يمنع وجب عليه العتق وإن قلنا يمنع لم يجب العتق .
فصل : وإن ملك عبدا فأعتق بعضه سرى إلى الباقي لأنه موسر بالقدر الذي يسري إليه كما لو أعتق شركا له في عبد وهو موسر .
فصل : وإن أوصى بعتق شرك له في عبد فأعتق عنه لم يقوم عليه نصيب شريكه وإن احتمله الثلث لأنه بالموت زال ملكه فلا ينفذ إلا فيما استثناه بالوصية وإن وصى بعتق نصيبه بأن يعتق عنه نصيب شريكه و الثلث يحتمله قوم عليه وأعتق عنه الجميع لأنه في الوصية بالثلث كالحي فإذا قوم على الحي قوم على الميت بالوصية .
فصل : وإن كان عبد بين ثلاثة لأحدهم النصف وللآخر الثلث وللثالث السدس فأعتق صاحب الثلث والسدس نصيبهما في وقت واحد وكانا موسرين قوم النصيب الشريك عليهما بالسوية لأن التقويم استحق بالسراية فقسط على عدد الرؤوس كما لو اشترك اثنان في جراحة رجل فجرحه أحدهما جراحة والآخر جراحات .
فصل : وإن كان له عبدان فأعتق أحدهما بعينه ثم أشكل أمر بأن يتذكر فإن قال أعتقت هذا قبل قوله لأنه أعرف بما قال فإن اتهمه الآخر حلف لجواز أن يكون كاذبا فإن نكل حلف الآخر وعتق العبدان أحدهما بإقراره والآخر بالنكول واليمين وإن قال هذا بل هذا عتقا جميعا لأنه صار راجعا عن الأول مقرا بالثاني فإن مات قبل أن يبين رجع إلى قول الوارث لأن له طريقا إلى معرفته فإن قال الوارث : لا أعلم فالمنصوص أنه يقرع بينهما لأنه ليس أحدهما بأولى من الآخر فرجع إلى القرعة ومن أصحابنا من خرج فيه قولا آخر أنه يوقف إلى أن ينكشف لأن القرعة تفضي إلى أن يرق من أعتقه ويعتق من أرق فوجب أن يوقف إلى أن يبين والأول هو الصحيح لأن البيان قد فات والوقوف يضر بالوارث في رقيه وبالحر في حق نفسه .
فصل : وإن أعتق عبدا من أعبد أخذ بتعيينه وله أن يعين من شاء فإن قال هو سليم بل غانم عتق سالم ولم يعتق غانم لأنه تخير لتعيين عتق فإذا عينه في واحد سقط خياره في الثاني ويخالف القسم قبله لأن ذلك إخبار لا خيار له فيه فلم يسقط حكم خبره فإن مات قبل أن يعين ففيه وجهان : أحدهما لا يقوم الوارث مقامه في التعيين كما لا يقوم مقامه في تعيين الطلاق في إحدى المرأتين فعلى هذا يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة عتق والثاني يقوم مقامه وهو الصحيح لأنه خيار ثابت يتعلق بالمال فقام الوارث فيه مقامه كخيار الشفعة والرد بالعيب .
فصل : ومن ملك أحد الوالدين وإن علوا أو أحد المولودين وإن سفلوا عتقوا عليه لقوله تعالى : { تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا * أن دعوا للرحمن ولدا * وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا * إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا } [ مريم : 90 - 93 ] فنفى الولادة مع العبودية على أنه لا يجتمعان ولأن الولد بعض منه فيصير كما لو ملك بعضه وإن ملك بعضه فإن كان بسبب من جهته كالبيع والهبة وهو موسر قوم عليه الباقي لأنه عتق بسبب من جهته فصار كما لو أعتق بعض عبد وإن كان سبب من جهته كالإرث لم يقوم عليه لأنه عتق من غير سبب من جهته وإن ملك من سوى الوالدين والمولودين من الأقارب ولم يعتق عليه لأنه لا بعضية بينهما كالأجانب وإن وجد من يعتق عليه مملوكا فالمستحب أن يشتريه ليعتق عليه لقوله ( ص ) : [ لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه ] ولا يجب عليه ذلك لأنه استجلاب مال لقربة لم يتقدم وجوبها فلم يجب كشراء المال للزكاة وإن وصى للمولى عليه بأبيه فإن كان لا يلزمه نفقته وجب على الولي قبوله لأنه يعتق عليه فيحصل على جمال عاجل وثواب آجل من غير إضرار وإن كانت تلزمه نفقته لم يجب قبوله لأنه يعتق عليه ويطالب بنفقته وفي ذلك إضرار فلم يجز وإن وصى له ببعضه فإن كان معسرا لزمه قبوله لأنه لا ضرر عليه من جهة التقويم ولا من جهة النفقة وإن كان موسرا والأب ممن تلزمه نفقته لم يجب قبوله لأنه تلزمه نفقته وفي ذلك إضرار وإن كانت لا تلزمه نفقته ففيه قولان : أحدهما لا يجوز قبوله لأنه ملكه يقتضي التقويم وفي ذلك إضرار والثاني يلزم قبوله ولا يقوم عليه لأنه يعت عليه بغير اختياره فلم يقوم عليه كما لو ملكه بالإرث