باب الأوصياء .
لا تجوز الوصية إلا إلى بالغ عاقل حر عدل فأما الصبي والمجنون والعبد الفاسق فلا تجوز الوصية إليهم لأنه لا حظ للميت ولا للطفل في نظر هؤلاء ولهذا لم تثبت لهم الولاية وأما الكافر فلا تجوز الوصية إليه في حق المسلم لقوله D : { لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم } [ آل عمران : 118 ] ولأنه غير مأمون على المسلم ولهذا قال الله تعالى : { لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة } [ التوبة : 8 ] وفي جواز الوصية إليه في حق الكافر وجهان : أحدهما أنه يجوز لأنه يجوز أن يكون وليا له فجاز أن يكون وصيا له كالمسلم والثاني لا يجوز كما لا تقبل شهادته للكافر والمسلم .
فصل : و تجوز الوصية إلى المرأة لما روي أن عمر Bه وصى إلى ابنته حفصة في صدقته ما عاشت فإذا ماتت فهو إلى ذوي الرأي من أهلها ولأنها من أهل الشهادة فجازت الوصية إليها كالرجل واختلف أصحابنا في الأعمى فمنهم من قال : لا تجوز الوصية لأنه تفتقر الوصية إلى عقود لا تصح من الأعمى وفضل نظر لا يدرك إلا بالعين .
فصل : واختلف أصحابنا في الوقت الذي تعتبر فيه الشروط التي تصح بها الوصية إليه فمنهم من قال يعتبر ذلك عند الوفاة فإن وصى إلى صبي فبلغ أو كافر فأسلم أو فاسق فصار عدلا قبل الوفاة صحت الوصية لأن التصرف بعد الموت فاعتبرت الشروط عنده كما تعتبر عدالة الشهود عند الأداء أو الحكم دون التحمل ومنهم من قال تعتبر عند العقد وعند الموت ولا تعتبر فيما بينهما لأن حال العقد حال الإيجاب وحال الموت حال التصرف فاعتبر فيهما ومنهم من قال : تعتبر في حال الوصية وفيما بعدها لأن كل وقت من ذلك يجوز أن يستحق فيه التصرف بأن يموت فاعتبرت الشروط في الجميع .
فصل : وإن وصى إلى رجل فتغير حاله بعد موت الوصي فإن كان لضعف ضم إليه معين أمين وإن تغير بفسق أو جنون بطلت الوصية إليه ويقيم الحاكم من يقوم مقامه .
فصل : و يجوز أن يوصي إلى نفسين لما روي أن فاطمة بنت رسول الله ( ص ) جعلت النظر في وقفها إلى علي كرم الله وجهه فإن حدث به حدث رفعه إلى ابنيها فيليانها و يجوز أن يجعل إليهما وإلى كل واحد منهما لأنه تصرف مستفاد بالإذن فكان على حسب الإذن فإن جعل إلى كل واحد منهما جاز لكل واحد منهما أن ينفرد بالتصرف فإن ضعف أحدهما أو فسق أو مات جاز للآخر أن يتصرف ولا يقام مقام الآخر غيره لأن الموصي رضي بنظر كل واحد منهما وحده فإن وصى إليهما لم يجز لأحدهما أن ينفرد بالتصرف لأنه لم يرض بأحدهما فإن ضعف أحدهما ضم إليه من يعينه فإن فسق أحدهما أو مات أقام الحاكم من يقوم مقامه لأن الموصي لم يرض بنظره وحده فإن أراد الحاكم أن يفوض الجميع إلى الثاني لم يجز لأنه لم يرض الموصي باجتهاده وحده فإن ماتا أو فسقا فهل للحاكم أن يفوض إلى واحد ؟ فيه وجهان : أحدهما يجوز لأنه سقط حكم الوصية بموتهما وفسقهما فكان الأمر فيه إلى الحاكم والثاني لا يجوز لأنه لم يرض بنظر واحد وإن اختلف الوصيان في حفظ المال جعل بينهما نصفين فإذا بلغا إلى التصرف فإن كان التصرف إلى كل واحد منهما تصرف كل واحد منهما في الجميع وإن كان إليهما لم يجز لأحدهما أن ينفرد بالتصرف دون الآخر .
فصل : ومن وصى إليه في شيء لم يصر وصيا في غيره ومن وصى إليه إلى مدة لم يصر وصيا بعد المدة لأنه تصرف بالإذن فكان على حسب الإذن .
فصل : وللوصي أن يوكل فيما لم تجر به العادة أن يتولاه بنفسه كما قلنا في الوكيل ولا يجوز أن يوصي إلى غيره لأنه يتصرف بالإذن فلم يملك الوصية كالوكيل فإذا قال أوصيت إليك فإن مت فقد أوصيت إلى فلان صح لأن عمر Bه وصى إلى حفصة فإذا ماتت فإلى ذوي الرأي من أهلها ووصت فاطمة Bها إلى علي كرم الله وجهه فإذا مات فإلى ابنيها ولأنه علق وصية التالي على شرط فصار كما لو قال : وصيت إليك شهرا ثم قال إلى فلان فإن أوصى إليه وأذن له أن يوصي إلى من يرى فقد قال في الوصايا لا يجوز وقال في اختلاف العراقيين يجوز فمن أصحابنا من قال يجوز قولا واحدا لأنه ملك الوصية والتصرف في المال فإذا جاز أن ينقل التصرف في المال إلى الوصي جاز أن ينقل الوصية إليه وما قال في الوصايا أراد إذا أطلق الوصية ومنهم من قال فيه قولان : أحدهما يجوز لما ذكرناه والثاني لا يجوز لأنه يعقد الوصية عن الموصي في حال لا ولاية له فيه وإن وصى إليه وأذن له أن يوصي بعد موته إلى رجل بعينه ففيه وجهان : أحدهما يجوز لأنه قطع اجتهاده فيه بالتعيين والثاني أنه كالمسألة الأولى لأن علة المسألتين واحدة .
فصل : ولا تتم الوصية إليه إلا بالقبول لأنه وصية فلا تتم بالقبول كالوصية له وفي وقت القبول وجهان : أحدهما يصح القبول في الحال وفي الثاني لأنه أذن له في التصرف فصح القبول في الحال والثاني كالوكالة والثاني لا يصح إلا بعد الموت كالقبول في الوصية له .
فصل : وللموصي أن يعزل الوصي إذا شاء وللوصي أن يعزل نفسه متى شاء لأنه تصرف بالإذن لكل واحد منهما فسخه كالوكالة .
فصل : إذا بلغ الصبي واختلف هو والوصي في النفقة فقال الوصي أنفقت عليك وقال الصبي لم تنفق علي فالقول قول الوصي لأنه أمين وتعذر عليه إقامة البينة على النفقة فإن اختلفا في قدر النفقة قال أنفقت عليك في كل سنة مائة دينار وقال الصبي بل أنفقت علي خمسين دينارا فإن كان ما يدعيه الوصي النفقة بالمعروف فالقول قوله لأنه أمين وإن كان أكثر من النفقة بالمعروف فعليه الضمان لأنه فرط في الزيادة وإن اختلفا في المدة فقال الوصي أنفقت عشر سنين وقال الصبي خمس سنين ففيه وجهان : أحدهما وهو قول أبي سعيد الاصطخري إن القول قول الوصي كما لو اختلفنا في قدر النفقة والثاني وهو قول أكثر أصحابنا إن القول قول الصبي لأنه اختلاف في مدة الأصل عدمها .
فصل : وإن اختلفا في دفع المال إليه فادعى الوصي أنه دفعه إليه وأنكر الصبي ففيه وجهان : أحدهما وهو المنصوص أن القول قول الصبي لأنه لم يأتمنه على حفظ المال فلم يقبل قوله كالمودع إذا ادعى دفع الوديعة إلى وارث المودع والملتقط إذا ادعى دفع اللقطة إلى مالكها والثاني أن القول قول الوصي كما قلنا في النفقة .
فصل : ولا يلحق الميت مما يفعل عنه بعد موته بغير إذنه إلا دين يقضى عنه أو صدقة يتصدق بها عنه أو دعاء يدعى له فأما الدين فالدليل عليه ما روي أن امرأة من خثعم سألت رسول الله ( ص ) عن الحج عن أبيها فأذن لها فقالت أينفعه ذلك ؟ قال : [ نعم كما لو كان على أبيك دين فقضيته نفعه ] وأما الصدقة فالدليل عليها ما روى ابن عباس أن رجلا قال لرسول الله ( ص ) إن أمه توفيت أفينفعها أن أتصدق عنها ؟ فقال : نعم قال : فإن لي مخرفا فأشهدك أني قد تصدقت به عنها وأما الدعاء فالدليل عليه قوله D : { والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان } [ الحشر : 10 ] فأثنى الله D عليهم بالدعاء لإخوانهم من الموتى وأما ما سوى ذلك من القرب كقراءة القرآن وغيرها فلا يلحق الميت ثوابها لما روى أبو هريرة Bه أن النبي ( ص ) قال : [ إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أوعلم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ] واختلف أصحابنا فيمن مات وعليه كفارة يمين فأعتق عنه فمنهم من قال لا يقع العتق عن الميت بل يكون للمعتق لأن العتق غير متحتم على الميت لأنه كان يجوز له تركه إلى غيره فلم يقع عنه كما لو تطوع بالعتق عنه في غير الكفارة ومنهم من قال : يقع عنه لأنه لو أعتق في حياته سقط به الفرض وبالله التوفيق