باب في قطع العبد .
قال الشافعي : وذكرت له مس الذكر فإن عليا وابن عباس وعمار بن ياسر وحذيفة وابن مسعود لا يرون فيه الوضوء و ابن المسيب وغيره بالمدينة لا يرون منه الوضوء وسعدا وابن عمر يريان فيه الوضوء وبعض التابعين بالمدينة وفيه للنبي A سنة بأن يتوضأ منه أخذنا بها وقد يروى عن سعيد أنه لا يرى منه الوضوء قال الشافعي C : وقلت : الإجماع من أقوام مما يقدر عليه فكيف تكلف من ادعى الإجماع من المشرقيين حكاية خبر الواحد الذي لا يقوم به حجة فنظمه فقال : حدثني فلان عن فلان وترك يتكلف هذا في الإجماع فيقول : حدثني فلان لنص الإجماع الذي يلزم أولى به من نص الحديث الذي لا يلزم عنده قال إنه يقول : يكثر هذا عن أن ينص فقلت له : فينص منه أربعة وجوه أو خمسة فقد طلبنا أن نجد ما يقول فما وجدنا أكثر من دعواه بل وجدنا بعض ما يقول الإجماع متفرقا فيه قال الشافعي : فقال : فإن قلت : إذا وجدت قرنا من أهل العلم ببلد علم يقولون القول ن يكون أكثرهم متفقين عليه سميت ذلك إجماعا وافقه من قبله أو خالفه فأما من قبلهم فلا يكون الأكثر منهم يتفقون على شيء بجهالة ما كان قبلهم لا يتركون ما قبلهم أبدا إلا بأنه منسوخ أو عندهم ما هو اثبت منه وإن لم يذكروه قلت : أفرأيت إذا أجزت لهم خلاف من فوقهم وهم لم يحكوا لك أنهم تركوا على من قبلهم قولهم لشيء علموه أتجيز ذلك بتوهمك عليهم أنهم لا يدعونه إلا بحجة ثابتة وإن لم يذكروها ؟ وقد يمكن أن لا يكونوا علموا قول من قبلهم فقالوا بآرائهم أتجيز لمن بعدهم أن يدعوا عليهم أقاويلهم التي قبلتها منهم ثم يقولون لمن بعدهم ما قلت لهم هم لا يدعونها إلا بحجة وإن لم يذكروها ؟ قال : فإن قلت : إذا تجعل العم أبدا للآخرين كما قلت أولا قال : فإن قلت : لا ؟ قلت : فلا تجعل لهم أن يخالفوا من قبلهم قال : فإن قلت : أجيز بعض ذلك دون بعض قلت : فإنما زعمت أنك أنت العلم فما أجزت جاز وما رددت رد أفتجعل هذا لغيرك في البلدان ؟ فما من بلاد المسلمين بلد إلا وفيه علم قد صار أهله إلى اتباع قول رجل من أهله في أكثر أقاويله أفترى لأهل مكة حجة إن قلدوا عطاء فما وافقه من الحديث وافقوه وما خالفه خالفوه في الأكثر من قوله ؟ أو ترى لأهل البصرة حجة بمثل هذا في الحسن أو ابن سيرين ؟ أو لأهل الكوفة في الشعبي و إبراهيم ولأهل الشام وكل من وصفنا أهل علم وإمامة في دهره وفوق من بعدهم ؟ وإنما العمل اللازم الكتاب والسنة وعلى كل مسلم اتباعهما قال : فنقول : أنت ماذا ؟ قلت : أقول ما كان الكتاب والسنة موجودين فالعذر عمن سمعهما مقطوع إلا باتباعها فإذا لم يكن ذلك صرنا إلى أقاويل أصحاب رسو الله A أو واحد منهم ثم كان قول الأئمة أبي بكر أو عمر أو عثمان إذا صرنا فيه إلى التقليد أحب إلينا وذلك إذا لم نجد دلالة في الاختلاف تدل على أقرب الاختلاف من الكتاب والسنة فيتبع القول الذي معه الدلالة لأن قول الإمام مشهور بأنه يلزمه الناس ومن لزم قوله الناس كان أشهر ممن يفتي الرجل أو النفر وقد يأخذ بفتياه أو يدعها وأكثر المفتين يفتون للخاصة في بيوتهم ومجالسهم ولا تعنى العامة بما قالوا عناتيهم بما قول الإمام وقد وجدنا الأئمة يبتدثون فيسألون عن العلم من الكتاب والسنة فيما أرادوا أن يقولوا فيه ويقولون فيخبرون بخلاف قولهم فيقبلون من المخبر لا يستنكفون على أن يرجعوا لتقواهم الله وفضلهم في حالاتهم فإذا لم يوجد عن الأئمة فأصحاب رسول الله A من الدين في موضع أخذنا بقولهم وكان اتباعهم أولى بنا من ابتاع من بعدهم العلم طبقات شتى : الأولى الكتاب والسنة إذا ثبتت السنة ثم الثانية الإجماع فيما ليس فيه كتاب ولا سنة والثالثة أن يقول بعض أصحاب النبي A ولا نعلم له مخالفا منهم والرابعة اختلاف أصحاب النبي A في ذلك الخامسة : القياس على بعض الطبقات و لا يصار إلى شيء غير الكتاب والسنة وهما موجودان وإنما يؤخذ العلم من أعلى وبعض ما ذهبتم إليه خلاف هذا ذهبت إلى أخذ العلم من أسفل قال : فتوجدني بالمدينة قول نفر من التابعين متابعا الأغلب الأكثر من قول من قال فهي تتابعهم وإن خالفهم احد منهم كان أقل عددا منهم فنترك قول الأغلب الأكثر لمتقدم قبله أو لأحد في دهرهم أو بعدهم ؟ قلت : نعم قال : فاذكر منه واحدا قلت : إن لبين الفحل لا يحرم قال فمن قاله من التابعين أو السابقين ؟ قال الشافعي : أخرنا عبد الوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد قال : أخبرني مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلى الأنصاري أن رجلا أرضعته أم ولد رجل من مزينة وللمزني امرأة أخرى سوى المرأة التي أرضعت الرجل وأنها ولدت من المزني جارية فلما بلغ ابن الرجل وبلغت بنت الرجل خطبها فقال له الناس : ويلك إنها أختك فرفع ذلك إلى هشام بن إسماعيل فكتب فيه إلى عبد الملك فكتب إليه عبد الملك أنه ليس ذلك برضاع أخبرنا الشافعي أخبرنا الدراوردي عن محمد بن عمرو عن عبد الرحمن بن القاسم أنه كان يقول : كان يدخل على عائشة من أرضعه بنات أبي بكر ولا يدخل عليها من أرضعه نساء بني أبي بكر قال : .
أخبرنا عبد العزيز بن محمد بن عبيد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة : أن أمه زينب بنت أبي سلمة أرضعتها أسماء بنت أبي بكر امرأة الزبير فقلت زينب بنت أبي سلمة : فكان الزبير يدخل علي و أنا أمتشط فيأخذ بقرن من قرون رأسي فيقول : أقبلي علي فحدثيني أراه أنه أبي و ما ولد فهم إخوتي ثم إن عبد الله بن الزبير قبل الحرة أرسل إلي فخطب أم كلثوم بنتي على حمزة بن الزبير و كان حمزة للكلبية فقلت لرسوله : و هل تحل له إنما هي بنت أخته ؟ فأرسل إلى عبد الله : إنما أردت بهذا المنع لما قبلك ليس لك بأخ لنا و ما ولدت أسماء فهم إخوتك و ما كان من ولد الزبير من غير أسماء فليسوا لك بإخوة فأرسلي فسلي عن هذا فأرسلت فسألت و أصحاب النبي A متوافرون و أمهات المؤمنين فقالوا لها : إن الرضاعة من قبل الرجال لا تحرم شيئا فأنكحتها إياه فلم تزل عنده حتى هلك .
قال الشافعي C : أخبرنا العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن بعض آل رافع بن خديج أن رافع بن خديج كان يقول : الرضاعة من قبل الرجال لا تحرم شيئا قال الشافعي : و أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن ابن المسيب و عن أبي سلمة بن عبد الرحمن و عن سليمان بن يسار و عن عطاء بن يسار أن الرضاعة من قبل الرجال لا ترحم شيئا قال الشافعي : و أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن مروان بن عثمان بن أبي المعلى أن عبد الملك كان يرى الرضاعة من قبل الرجال لا تحرم شيئا قلت ل عبد العزيز : من عبد الملك ؟ قال : ابن مروان قال الشافعي : أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن سليمان بن بلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن ابن عباس كان لا يرى الرضاعة من قبل الرجال تحرم شيئا قال عبد العزيز : و ذلك كان رأي ربيعة و رأي فقهائنا و أبو بكر حدث عمرو بن الشريد عن ابن عباس في اللقاح واحد و قال : حديث رجل من أهل الطائف و ما رأيت من فقهاء أهل المدينة أحدا يشك في هذا إلا أنه روى عن الزهري خلافهم فما التفتم إليه و هؤلاء أكثر و أعلم قال الشافعي : أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة [ عن عائشة قالت : جاء عمي من الرضاعة أفلح بن أبي القعيس يستأذن علي بعدما ضرب الحجاب فلم آذن له فلما جاء النبي A أخبرته فقال : إنه عمك فأذنوا له ] فقال : و ما في هذا حديثها أم أبي بكر أرضعته فليس هذا برضاع من قبل الرجال و لو كان من قبل الرجل لكانت عائشة أعلم بمعنى ما تركت و كان أصحاب رسول الله A و التابعون و من أدركنا متفقين أو أكثرهم على ما قلنا و لا يتفق هؤلاء على خلاف سنة و لا يدعون شيئا إلا لما هو أقوى منه قال : قد كان القاسم بن محمد ينكر حديث أبي القعيس و يدفعه دفعا شديدا و يحتج فيه أن رأي عائشة خلافه قال الشافعي : فقلت له : أتجد بالمدينة من علم الخاصة أولى أن يكون علما ظاهرا عند أكثرهم من ترك تحريم لبن الفحل فقد تركناه و تركتموه و من يحتج بقوله : إذا كنا نجد في الخبر عن النبي A كالدلالة على ما تقول أفيجوز لأحد ترك هذا العام المتصل ممن سمينا من أزواج النبي A و أصحابه و التابعين من بعدهم بالمدينة أن يقبل أبدا عمل كثر من روى عنه بالمدينة إذا خالف حديثا عن النبي A نصا ليس من هذا الحديث لعلمهم بحديث النبي A ؟ قال : لا قلت : فقد ترك من تحتج بقوله هذا و لا أعلم له حجة في تركه إلا ما ثبت عن النبي A أنه : [ يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة ] فقال لي : فلذلك تركته ؟ فقلت : نعم فأنا لم يختلف بنعمة الله قولي : في أنه لا أذهب إذا ثبت عن النبي A شيء إلى أن أدعه لأكثر أو أقل مما خالفنا في لبن الفحل و قد يمكن أن يتأول حديث النبي A إذا كان من النساء دون الرجال فأخذت بأظهر معانيه و إن أمكن فيه باطن و تركتم قول الأكثر ممن روي عنه بالمدينة ولو ذهبت إلى الأكثر و تركت خبر الواحد عن النبي A ما عدوت ما قال الأكثر من المدنيين : أن لا يحرم لبن الفحل قال الشافعي : و قد وصفت حديث الليث بن سعد عن الزهري عن ابن المسيب أنه قال : عقل العبد في ثمنه كجراح الحر في ديته و قال الزهري : و إن ناسا ليقولون : يقوم سلعة ف الزهري قد جمع قول أهل المدينة ابن المسيب و من خالفه فخرج صاحبكم من جميع ذلك و هذا عندكم كالإجماع ما هو دونه عندكم إجماع بالمدينة و قلتم قولا خارجا من قول أهل العلم بالمدينة و أقاويل بني آدم و ذلك أنكم قلتم مرة كما قال ابن المسيب : جراحه في ثمنه كجراح الحر في ديته في الموضحة و المأمومة و المنقلة ثم خالفتم ما قال ابن المسيب أخرى فقلتم : يقوم سلعة فيكون فيها نقصه فلم تمحضوا قول واحد منهم قال الشافعي : و قد أخبرنا مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي [ أن رجلا خطب إلى النبي A امرأة فقال له النبي A في صداقها : التمس و لو خاتما من حديد ] و حفظنا عن عمر قال : في ثلاث قبضات من زبيب فهو مهر قال الشافعي : و أخبرنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن ابن المسيب أنه قال : لم تحل الموهوبة لأحد بعد النبي A و لو أصدقها سوطا حلت له أخبرنا ابن أبي يحيى قال : سألت ربيعة : كم أقل الصداق ؟ قال : ما تراضى به الأهلون فقلت : و إن كان درهما ؟ قال : و إن كان نصف درهم قلت : و إن كان أقل ؟ قال : لو كان قبضة حنطة أو حبة حنطة قال : فهذا حديث ثابت عن النبي A و خبر عن عمر و عن ابن المسيب و عن ربيعة و هذا عندكم كالإجماع و قد سألت الدراوردي : هل قال أحد بالمدينة : لا يكون الصداق أقل من ربع دينار ؟ فقال : لا و الله ما علمت أحدا قاله قبل مالك و قال الداوردي : أراه أخذه عن أبي حنيفة قلت لل شافعي : فقد فهمت ما ذكرت و ما كنت أذهب في العلم إلا قول أهل المدينة فقال الشافعي : ما علمت أحدا انتحل قول أهل العلم من أهل المدينة أشد خلافا لأهل المدينة منكم و لو شئت أن أعد عليكم ما أملأ به ورقا كثيرا مما خالفتم فيه كثيرا من أهل المدينة عددتها عليكم و فيما ذكرت لك ما دلك على ما وراءه إن شاء الله فقلت لل شافعي : إن لنا كتابا قد صرنا إلى اتباعه و فيه ذكر أن الناس اجتمعوا و فيه الأمر المجتمع عليه عندنا و فيه الأمر عندنا قال الشافعي : فقد أوضحنا لكم ما يدلكم على أن ادعاء الإجماع بالمدينة و في غيرها لا يجوز أن يكون و في القول الذي ادعيتم فيه الإجماع اختلاف و أكثر ما قلتم الأمر المجتمع عليه مختلف فيه و لإن شئتم مثلت لكم شيئا أجمع و أقصر و أحرى أن تحفظه مما فرغت منه قلت : فاذكر ذلك قال : تعرفون أنكم قلتم : اجتمع الناس أن سجود القرآن أحد عشر ليس في المفصل منها شيء ؟ قلت : نعم قال الشافعي : و قد رويتم عن أبي هريرة أنه سجد في { إذا السماء انشقت } و أخبرهم أن النبي A سجد فيها و أن عمر بن عبد العزيز أمر محمد بن مسلمة : مر القراء أن يسجدوا في { إذا السماء انشقت } و أن عمر سجد في النجم قلت : نعم و أن عمر و ابن عمر سجدا في سورة الحج سجدتين ؟ قلت : نعم قال : فقد رويتم السجود في المفصل عن النبي A و عمر و أبي هريرة و عمر بن عبد العزيز من الناس الذين أجمعوا على السجود دون المفصل ؟ و هؤلاء الأئمة الذين ينتهي إلى أقاويلهم ما حفظنا نحن و أنتم في كتابكم عن أحد إلا سجودا في المفصل و لو رواه عن رجل أو اثنين أو ثلاثة ما جاز أن يقول : أجمع الناس و هم مختلفون : قلت : فتقول أنت : أجمع الناس أن المفصل فيه سجود ؟ قال : لا أقول اجتمعوا و لكن أعزى إلى من قاله و ذلك الصدق ولا أدعي الإجماع إلا حيث لا يدفع أحد أنه إجماع أفترى قولكم : اجتمع الناس أن سجود القرآن إحدى عشرة ليس في المفصل منها شيء يصح لكم أبدا ؟ قلت : فعلى أي شيء أكثر الفقهاء ؟ قال : على أن في المفصل سجودا وأكثر أصحابنا على أن في سورة الحج سجدتين وهم يروون ذلك عن عمر وابن عمر وهذا مما أدخل في قوله اجتمع الناس لأنكم لا تعدون في الحج إلاسجدة وتزعمون أن الناس اجتمعوا على ذلك فأي الناس يجتمعون وهو يروي عن عمروابن عمر أنهما سجدا في الحج سجدتين ؟ أو تعرفون أنكم احتججتم في اليمين مع الشاهد على من خالفه وقد احتجوا عليكم بالقرآن فقلتم : أرأيتم الرجل يدعي على الرجل الحق أليس يحلف له ؟ فإن لم يحلف رد اليمين على المدعي فحلف وأخذ حقه وقلتم : هذا ما لا شك فيه عند أحد من الناس ولا في بلد من البلدان فإذا أقر بهذا فليقر باليمين مع الشاهد وأنه ليكتفي من هذا بثبوت السنة ولكن الإنسان يحب أن يعرف وجه الصواب فهذا تبيان ما أشكل من ذلك إن شاء الله تعالى قال : بلى وهكذا نقول قال الشافعي : أفتعرفون الذين خالفوكم في اليمين مع الشاهد يقولون بما قلتم ؟ قلت : أتعرفونهم يحلفون المدعى عليه فإن نكل رد اليمين على المدعي فإن حلف أخذ حقه ؟ قلت : لا قال الشافعي C تعالى : وأنتم تعلمون أنهم لا يردون اليمين أبدا وأنهم يزعمون أن رد اليمين خطأ وأن المدعى عليه إذا نكل عن اليمين أخذ منه الحق ؟ قلت : بلى قال : فقد رويتم عليهم ما لا يقولون قلت : نعم ولكن لعله زلل قال الشافعي C تعالى : أم يجوز الزلل في الرواية عن الناس ثم عن الناس كافة وإن جاز الزلل في الأكثر جاز في الأقل وفيما قلتم : المجتمع عليه وقولكم : المجتمع عليه أكثر من الزلل لأنكم إذا زللتم في أن ترووا عن الناس عامة فعلى أهل المدينة لأنهم أقل من الناس كلهم قال الشافعي : وقولكم في اليمين مع الشاهد نكتفي منها بثبوت السنة حجة عليكم أنتم لا تروون فيها إلا حديث جعفر عن أبيه منقطعا ولا تروون فيها حديثا يصح عن أحد من أصحاب رسول الله A و الزهري و عروة ينكرانها بالمدينة و عطاء ينكرها بمكة فإن كانت تثبت السنة فلن يعمل بهذا أصحاب النبي A وأنتم لا تحفظون أن أحدا من أصحاب النبي A عمل باليمين مع الشاهد فإن كنتم ثبتموها بإجماع التابعين بالمدينة فقد اختلفوا فيها وإن كنتم ثبتموها بخبر منقطع كان الخبر المتصل أولى أن تثبتها به قلت : فأنت تثبتها ؟ قال : من غير الطريق الذي ثبتموها بحديث متصل عن النبي A لا بعمل ولا إجماع ولو لم تثبت إلا بعمل وإجماع كان بعيدا من أن تثبت وهم يحتجون عليها بقرآن وسنة قال الشافعي : وزعمت أن ما أشكل فيما احتججتم به مما رويتم على الناس أنهم في البلدان لا يخالفون فيه والذين يخالفونكم في اليمين مع الشاهد يقولون : نحن أعطينا بالنكول عن اليمين فبالسنة أعطينا ليس في القرآن ذكر يمين ولا نكول عنها وهذا سنة غير القرآن وغير الشهادات زعمنا أن القرآن يدل على أن لا يعطى أحد من جهة الشهادات إلا بشاهدين أو شاهد وامرأتين والنكول ليس في معنى الشهادات والذي احتججتم به عليهم ليست عليهم فيه حدة - والله المستعان - إنما الحجة عليهم في غير ما احتججتم به وإذا احتججتم بغير حدة فهو إشكال ما بان من الحجة لا بيان ما أشكل منها قال الشافعي : أخبرنا الثقة عن العبد بن الحارث إن لم أكن سمعته من عبد الله بن أنس عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان قضيا في الملطاة : بنصف دية الموضحة قال الشافعي : أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن الثور عن يزيد بن قسيط عن ابن المسيب عن عمر وعثمان مثله أو مثل معناه قال الشافعي : وأخبرني من سمع ابن نافع يذكر عن مالك بهذا الإسناد مثله قال الشافعي : قرأنا على مالك أنا لم نعلم أحدا من الأئمة في القديم ولا في الحديث أفتى فيما دون الموضحة بشيء قال الشافعي : فنفيتم أن يكون أحد من الأئمة في قديم أو حديث قضى دون الموضحة بشيء وأنتم - الله يغفر لنا ولكم - تروون عن إمامين عظيمين من المسلمين : عمر وعثمان أنهما قضيا فيما دون الموضحة بشيء موقت ولست أعرف لمن قال هذا مع روايته وجها ذهب إليه والله المستعان - وما عليه أن يسكت عن رواية ما روي من هذا أو إذا رواه فلم يكن عنده كما رواه أن يتركه وذلك كثير في كتابه ولا ينبغي أن يكون علم ما قد أخبر أنه علمه أرأيت لو وجد كل وال من الدنيا شيئا ترك يقضي فيما دون الموضحة بشيء كان جائزا له أن يقول : لم نعلم أحدا من الأئمة قضى فيها بشيء وقد روى عن إمامين عظيمين من أئمة المسلمين أنهما قضيا مع أنه لم يرو عن أحد من الناس إمام و لا أمير ترك أن قضى فيما دون الموضحة بشيء ولا نجد وقد روينا أن زيد بن ثابت قد قضى فيما دون الموضحة حتى في الدامية فإن قال : رويت فيه حديثا واحدا أفرأيت ما ثبت مما أخذ به إنما روى فيه حديثا واحدا ؟ هل يستقيم أن يكون يثبت بحديث واحد فلم يكن له أن يقول : ما علمنا أو لا يثبت بحديث واحد فينبغي أن تدع عامة ما رويت وثبت من حديث واحد قال : سألت الشافعي من أي شيء يجب الوضوء ؟ قال : من أن ينام الرجل مضجعا أو يحدث من ذكر أو دبر أو يقبل امرأته أو يلمسها أو يمس ذكره قلت : فهل قال قائل ذلك ؟ قال الشافعي : نعم قد قرأنا ذلك على صاحبنا - والله يغفر لنا وله - قلت : ونحن نقوله قال الشافعي : إنكن مجمعون أنكم توضئون من مس الذكر والمس والجس للمرأة فقلت : نعم قال : فتعلم من أهل الدنيا خلقا ينفي عن نفسه أن يوجب الوضوء إلا من ثلاثا فأنت توجب الوضوء من اثنين أو ثلاث سواء من اضطركم إلى أن تقولوا هذا الذي لا يوجد في قول أحد من بين آدم غيركم - والله المستعان - ثم تؤكدنه بأن تقولوا : الأمر عندنا قال : فإن كان الأمر عندكم إجماع أهل المدينة فقد خالفتموهم وإن كانت لكمة لا معنى له أخبرنا مالك فلم تكلفتموها ؟ فما علمت قبلك أحدا تكلم بها وما كلمت منكم أحدا قط فرأيته يعرف معناها وما ينبغي لكم أن تجهلوا إذا كان يوجد فيه ما ترون والله أعلم