آثاره : .
- 1 - كتبه : .
كان المجتهدون في عصر الصحابة يمتنعون عن تدوين فتاويهم ليبقى المدون من أصول الدين كتاب الله وحده ثم اضطر العلماء لتدوين السنة وتدوين الفتوى والفقه إلا أن هذه المجموعات لم تكن كتبا بل كانت أشبه بالمذكرات الخاصة وكان أقدم مؤلف موطأ الإمام مالك Bه .
ولم يكن لمالك Bه الموطأ فقط بل تنسب له مؤلفات أخرى أهمها : .
تفسير لطيف وكتاب المجالسات لابن وهب فيما سمعه من مالك في مجالسه ولكن لم يشتهر عنه إلا الموطأ فقط وسائر تآليفه إنما رواها عنه من كتب بها إليه وكلها لم تنتشر بين الناس .
والكتابان اللذان يعدان أصلين في مذهب الإمام مالك هما : الموطأ والمدونة الكبرى وهما جامعان لفقهه جمعا تاما في الجملة .
أما الموطأ فهو كتاب ألفه الإمام مالك - كما ذكرنا - وجمع فيه الصحاح من الأحاديث والأخبار والآثار وفتاوى الصحابة والتابعين وذكر الرأي الذي يراه . وقد ألفه في الأربعين سنة وذلك ما يدلنا على مدى مجهوده فيه . وبحسب كتاب الموطأ أن يقول فيه الإمام الشافعي Bه : " ما في الأرض كتاب من العلم أكثر صوابا من موطأ مالك " .
ويقول أحد تلاميذ الإمام مالك : عرضنا على مالك الموطأ قراءة في أربعين يوما فقال : " كتاب ألفته في أربعين سنة أخذتموه في أربعين يوما ما أقل ما تفقهون فيه " . وقد قال القاضي أبو بكر بن العربي : " الموطأ هو الأصل واللباب وكتاب البخاري هو الأصل الثاني في هذا الباب [ ص 24 ] وعليهما بنى الجميع كمسلم والترمذي " . وقال الإمام النسائي : " ما عندي بعد التابعين أنبل من مالك ولا أجل منه ولا أوثق ولا آمن على الحديث ولا أقل رواية من الضعفاء " .
وأما المدونة الكبرى فقد رواها الإمام سحنون من بعده وجمع فيها آراء الإمام مالك بالنص . وهو إن لم يدرك الإمام لكنه أدرك تلميذه الإمام عبد الرحمن بن القاسم وعنه أخذ الإمام سحنون العلم . وكان يسأل ابن القاسم فيجيبه فيقول له : هل سمعت ذلك من مالك ؟ يقول : نعم سمعته وأحيانا يقول : لم أسمع ولكن هذا رأيي في المسألة . فأثبت الإمام سحنون ما تلقاه من ابن القاسم في المدونة الكبرى ( أربعة مجلدات كبار ) فجمعت المدونة فتاوى الإمام وفتاوى أصحابه الذين ساروا على منهاجه وكانت الصورة للمذهب المالكي الذي اشتق فقه الرأي فيه من الحياة الواقعية وقام على أساس جلب أكبر قدر من المنافع ودفع أكبر قدر من المضار . ولم يشأ الإمام مالك أن يحمل الناس كلهم على مذهبه - كما أراد هارون الرشيد - بل بين أن أصحاب رسول الله A اخلفوا في الفروع وتفرقوا في البلدان وكل عند نفسه مصيب . كما بين أن اختلافهما رحمة على هذه الأمة كل يتبع ما يصح عنده وكل على هدى وكل يريد الله . ولو شاء مالك Bه لتمكن من جمع الناس على الموطأ ولكنه لم يفعل لأنه كان يريد وجه الله وينظر لصالح الأمة العام ولا ينظر لنفسه .
وهذه النظرة الكريمة من الإمام مالك تعلمنا ألا نتعصب لمذهب دون مذهب . ومن تيسرت له دراسة مذهب من المذاهب الأربعة فليتبعه محترما بقية المذاهب كما احترم أصحاب المذاهب بعضهم بعضا . . فأصحاب المذاهب كلهم أئمتنا وكلهم ذخر لأمتنا والجماعة رحمة والفرقة عذاب ويد الله مع الجماعة .
- 2 - تلاميذه : .
وهم المصدر الثاني لفقهه وقد كانوا كثيرين جدا جاؤوا من شتى البقاع الإسلامية وتفقهوا على يديه ثم عادوا إلى بلادهم وكانوا رسله إلى تلك البلاد النائية فانتشر مذهبه في حياته أيما انتشار خاصة وأن الله تعالى مد له في عمره . نذكر من هؤلاء : .
- عبد الله بن وهب : نشر فقه مالك في مصر .
- عبد الرحمن بن لقاسم : لازم مالكا نحو عشرين سنة وتفقه بفقهه حتى صار يرجع إليه في مسائل مالك وفتاويه . [ ص 25 ] .
- أشهب بن عبد العزيز القيسي العامري : صحب مالكا وتفقه عليه وله مدونة يقال لها مدونة أشهب .
- أسد بن فرات بن سنان : جمع بين فقه المدينة وفقه العراق .
- عبد الملك بن ماجشون : وكان فقيها فصيحا دارت عليه الفتيا في زمانه إلى موته .
- عبد الله بن عبد الحكم بن أعين .
- عبد الملك بن حبيب الأندلسي .
هؤلاء جميعا هم تلاميذ مالك - Bه - البارزون في نقل فقهه ونشره في البلاد المتسعة المترامية الأطراف .
أولاده : .
وهم أربعة : يحيى وفاطمة ومحمد وحماد . فيحيى روى عن أبيه نسخة الموطأ ورحل إلى اليمن ومصر وحدث فيهما . أما فاطمة فكانت من تلاميذه وكانت محدثة وحافظة .
مرضه ووفاته : .
لقد شاء الله أن يمرض الإمام مالك يسلس البول فنقل درسه من الحرم النبوي إلى منزله . وواصل العلم والحديث والدرس والإفتاء إلى نهاية أجله المبارك . والأكثرون على أنه مات في الليلة الرابعة عشرة من ربيع الثاني سنة 179 ه بعد أن مرض اثنين وعشرين يوما لزم فيها الفراش .
ولم يخبر Bه أحدا بمرضه وسبب انقطاعه عن الحرم النبوي إلا يوم وفاته . فقد قال لزواره : " لولا أني في آخر يوم ما أخبرتكم بسلس بولي كرهت أن آتي مسجد رسول الله - A - بغير وضوء وكرهت أن أذكر علتي فأشكو ربي " .
وقد هاجت بوفاته الأحزان لدى الأدباء والعلماء وقد رثته إحدى تلميذاته المعجبات به والوفيات لعهده قائلة : .
بكيت بدمع واكف فقد مالك ... ففي فقده ضاقت علينا المسالك .
ومالي لا أبكي عليه وقد بكت ... عليه الثريا والنجوم الشوابك .
رحم الله مالكا رضي عنه وأكرم مثواه . فقد كان كما قال عنه ابن عيينة : " مالك سراج هذه الأمة " . [ ص 27 ]