كتاب الأقضية والشهادات .
ولا يستقضي إلا فقيه من أهل الاجتهاد لا عامي مقلد لأنه يحتاج فيما ينزل من الحوادث إلى الاجتهاد فلا يصح أن يكون عاميا لأنه ليس بمجتهد وإنما هو مقلد غيره ولأن الحاكم يتفقد الأحكام في غيره فلم يصح أن يكون مقلدا .
ولا يكون الحاكم عبدا ولا امرأة وينبغي للحاكم أن يجلس في المسجد وأن يسوي بين الخصمين في المجلس والإقبال عليهما ولا يحكم بعلمه في شئ من الأشياء لا فيما علمه قبل ولايته ولا بعدها لا في مجلسه ولا في غيره وله أن يقبل شهادة من علمه عدلا من غير حاجة إلى تزكيته ويرد شهادة من علمه فاسقا .
ولا تقبل شهادة من لا تعلم عدالته إلا بتزكية ولا تقبل التزكية إلا من عالم بوجوه التعديل والتجريح عارف بطرقها ولا يكفي في ذلك أقل من اثنين .
وإذا نسي الحاكم حكما حكم به فإن شهد به عنده عدلان أنفذه بشهادتهما وكذلك يلزم كل من شهد به عنده .
ولا يحلف المدعي عليه بمجرد دعوى المدعي دون أن ينضم إليها سبب يقويها من مخالطة أو ما يجرى مجراها وإذا حكم المتداعيان بينهما أو رجلا ارتضا به جاز حكمه عليهما إذا حكم بما يسوغه الشرع وافق حكم قاضي بلدهما أو خالفه .
ويحكم على الغائب وتسع البينة عليه وقيل : يتوقف في الرباع .
وإذا ثبت حق عند قاضي بلد لرجل في بلد غيره وكتب به إلى قاضي البلد الذي فيه صاحب الحق ينفذ المكتوب إليه ما كتب به إليه مات الكاتب أو عزل أو بقي ولو مات المكتوب إليه قبل وصول الكتاب إليه لزم المنصوب مكانه من إنفاذها ما لزمه .
وحكم الحاكم ينفذ في الظاهر ولا يحيل الباطن عما هو عليه ولا تقبل شهادة غير العدول ولا يكفي ظاهر الإسلام من العدالة وشروط العدالة أن يكون الشاهد بالغا عاقلا حرا مسلما أمينا عفيفا منتفية عنه سمات الفسق كلها متيقظا ضابطا غير مغفل عارفا بالشهادات .
وشروط تحملها وأدائها متحرز من الحيل التي تتم على من يقل تحفظه حافظا لمروءته من الدناءة ومما يطرق التهم عليه وقد يعرض في العدل ما يمنع قبول شهادته وذلك يرجع إلى التهمة ويعتبر في ثلاثة مواضع : .
أحدها : فيما بين الشاهد والمشهود له أو عليه .
والثاني : في المشهود به أو فيه .
والثالث : ما يرجع إلى الحال .
فالأول مثل شهادة الابن للأبوين والأبوين له وكذلك جهات عمودي النسب الأعلى والأسفل أحدهما للآخر وأحد الزوجين لصاحبه وشهادته على عدوه وما يجر به نفعا إلى نفسه كشهادته لغريم له مفلس بدين له على آخر أو ما يدفع به ضررا عنه أو عارا كجرحه من شهد على أبيه أو ابنه أو أخيه بزنا والثاني كشهادة ولد الزنا في الزنا وشبهه واختلف فيمن كان على كبيرة من الفسق كالزنا وشرب الخمر ثم تاب منها وعرفت عدالته وقبلت شهادته هل تقبل في النوع الذي تاب منه ؟ فقيل تقبل وقيل : لا تقبل .
والثالث : شهادة البدوي للقروي أو عليه في الحقوق لأن التهمة تقوى في بطلان ما شهد به والانتفاء التهمة قبلناها في القتل والجراح .
ومثله أن يشهد الفاسق أو الصبي أو العبد أو الكافر بشهادة في حال النقص فترد ثم بلغ الصبي أو أعتق العبد أو أسلم الكافر ويحسن حال الفاسق في التوبة فتقبل شهادتهم في غير ذلك الشئ ولا تقبل فيه للتهمة لأنهم يحبون زوال النقص عنهم بما رد من شهادتهم .
وفي تبعيض الشهادة تفصيل فإن جمعت ما فيه تهمة وما لا تهمة فيه ردت جميعها وإن جمعت ما يختلف جنسه في قبول شهادة الشاهد في بعضه قبلت فيما تقبل به وردت في الباقي .
والمراعى في تزكية الشاهد أن يشهد المزكي بأنه عدل رضا وذلك يغني عما سواه ولا يغني عنه غيره وإذا زكاة شاهدان وجرحه آخران فقيل : يؤخذ بأعدلهما وقيل : الجرح أولى من التعديل .
واختلف في قبول الجرح مجملا فقيل يقبل وقيل : لا يقبل إلا بعد تعيين ما يجرح به .
وتحمل الشهادة والقيام بها فرض على الكفاية إلا أن يتفق ما يتعين معه وجوبها كخوف الفوات ولا يوجد غير الشاهدين