- ( النظر الثاني ) وأما شرط العيب الموجب للحكم به فهو أن يكون حادثا قبل أمد التبايع باتفاق أو في العهدة عند من يقول بها فيجب ههنا أن نذكر اختلاف الفقهاء في العهدة فنقول : انفرد مالك بالقول بالعهدة دون سائر فقهاء الأمصار وسلفه في ذلك أهل المدينة الفقهاء السبعة وغيرهم ومعنى العهدة أن كل عيب حدث فيها عند المشتري فهو من البائع وهي عند القائلين بها عهدتان : عهدة الثلاثة الأيام وذلك من جمع العيوب الحادثة فيها عند المشتري . وعهدة السنة وهي من العيوب الثلاثة : الجذام والبرص والجنون فما حدث في السنة من هذه الثلاث بالمبيع فهو من البائع وما حدث من غيرها من العيوب كان من ضمان المشتري على الأصل . وعهدة الثلاث عند المالكية بالجملة بمنزلة أيام الخيار وأيام الاستبراء والنفقة فيها والضمان من البائع . وأما عهدة السنة فالنفقة فيها والضمان من المشتري إلا من الأدواء الثلاثة وهذه العهدة عند مالك في الرقيق وهي أيضا واقعة في أصناف البيوع في كل ما القصد منه المماكسة والمحاكرة وكان بيعا لا في الذمة هذا ما لا خلاف فيه في المذهب واختلف في غير ذلك . وعهدة السنة تحسب عنده بعد عهدة الثلاث في الأشهر من المذهب وزمان المواضعة يتداخل مع عهدة الثلاث إن كان زمان المواضعة أطول من عهدة الثلاث . وعهدة السنة لا تتداخل مع عهدة الاستبراء هذا هو الظاهر من المذهب وفيه اختلاف . وقال الفقهاء السبعة : لا يتداخل منها عهدة مع ثانية فعهدة الاستبراء أولا ثم عهدة الثلاث ثم عهدة السنة . واختلف أيضا عن مالك هل تلزم العهدة في كل البلاد من غير أن يحمل أهلها عليها ؟ فروي عنه الوجهان فإذا قيل لا يلزم أهل هذه البلد إلا أن يكونوا قد حملوا على ذلك فهل يجب أن يحمل عليها أهل كل بلد أم لا ؟ فيه قولان في المذهب ولا يلزم النقد في عهدة الثلاث وإن اشترط ويلزم في عهدة السنة والعلة في ذلك أنه لم يكمل تسليم البيع فيها للبائع قياسا على بيع الخيار لتردد النقد فيها بين السلف والبيع فهذه كلها مشهورات أحكام العهدة في مذهب مالك وهي كلها فروع مبنية على صحة العهدة فلنرجع إلى تقرير حجج المثبتين لها والمبطلين . وأما عمدة مالك C في العهدة وحجته التي عول عليها فهي عمل أهل المدينة . وأما أصحابه المتأخرون فإنهم احتجوا بما رواه الحسن عن عقبة ابن عامر عن النبي A قال " عهدة الرقيق ثلاثة أيام " وروي أيضا " لا عهدة بعد أربع " وروى هذا الحديث أيضا الحسن عن سمرة بن جندب الفزاري Bه وكلا الحديثين عند أهل العلم معلول فإنهم اختلفوا في سماع الحسن عن سمرة وإن كان الترمذي قد صححه وأما سائر فقهاء الأمصار فلم يصح عندهم في العهدة أثر ورأوا أنها لو صحت مخالفة للأصول وذلك أن المسلمين مجمعون على أن كل مصيبة تنزل بالمبيع قبل قبضه فهي من المشتري فالتخصيص لمثل هذا الأصل المتقرر إنما يكون بسماع ثابت ولهذا ضعف عند مالك في أحد الروايتين عنه أن يقضي بها في كل بلد إلا أن يكون ذلك عرفا في البلد أو يشترط وبخاصة عهدة السنة فإنه لم يأت في ذلك أثر . وروي عن الشافعي عن ابن جريح قال : سألت ابن شهاب عن عهدة السنة والثلاث فقال : ما علمت فيها أمرا سالفا . وإذ قد تقرر القول في تمييز العيوب التي توجب حكما من التي لا توجبه وتقرر الشرط في ذلك وهو أن يكون العيب حادثا قبل البيع أو في العهدة عند من يرى العهدة فلنصر إلى ما بقي