- ( النظر الأول ) فأما العيوب التي توجب الحكم : فمنها عيوب في النفس ومنها عيوب في البدن وهذه منها ما هي عيوب بأن تشترط أضدادها في المبيع وهي التي تسمى عيوبا من قبل الشرط ومنها ما هي عيوب توجب الحكم وإن لم يشترط وجود أضدادها في المبيع وهذه هي التي فقدها نقص في أصل الخلقة وأما العيوب الأخر فهي التي أضدادها كمالات وليس فقدها نقصا مثل الصنائع وأكثر ما يوجد هذا الصنف في أحوال النفس وقد يوجد في أحوال الجسم . والعيوب الجسمانية منها ما هي في أجسام ذوات الأنفس ومنها ما هي في غير ذوات الأنفس . والعيوب التي لها تأثير في العقد هي عند الجميع ما نقص عن الخلقة الطبيعية أو عن الخلق الشرعي نقصانا له تأثير في ثمن المبيع وذلك يختلف بحسب اختلاف الأزمان والعوائد والأشخاص فربما كان النقص في الخلقة فضيلة في الشرع كالخفاض في الإماء والختان في العبيد ولتقارب هذه المعاني في شيء شيء مما يتعامل الناس به وقع الخلاف بين الفقهاء في ذلك ونحن نذكر من هذه المسائل ما اشتهر الخلاف فيه بين الفقهاء ليكون ما يحصل من ذلك في نفس الفقيه يعود كالقانون والدستور الذي يعمل عليه فيما لم يجد فيه نصا عمن تقدمه أو فيما لم يقف على نص فيه لغيره فمن ذلك وجود الزنى في العبيد . اختلف العلماء فيه فقال مالك والشافعي : هو عيب وقال أبو حنيفة : ليس بعيب وهو نقص في الخلق الشرعي الذي هو العفة والزواج عند مالك عيب وهو من العيوب العائقة عن الاستعمال وكذلك الدين وذلك أن العيب بالجملة هو ما عاق فعل النفس أو فعل الجسم وهذا العائق قد يكون في الشيء وقد يكون من خارج وقال الشافعي : ليس الدين ولا الزواج بعيب فيما أحسب . والحمل في الرائعة عيب عند مالك . وفي كونه عيبا في الوخش خلاف في المذهب . والتصرية عند مالك والشافعي عيب وهو حقن اللبن في الثدي أياما حتى يوهم ذلك أن الحيوان ذو لبن غزير وحجتهم حديث المصراة المشهور وهو قوله A " لا تصروا الإبل والبقر فمن فعل ذلك فهو بخير النظرين إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وصاعا من تمر " قالوا : فأثبت له الخيار بالرد مع التصرية وذلك دال على كونه عيبا مؤثرا . قالوا : وأيضا فإنه مدلس فأشبه التدليس بسائر العيوب . وقال أبو حنيفة وأصحابه : ليست التصرية عيبا للاتفاق على أن الإنسان إذا اشترى شاة فخرج لبنها قليلا أن ذلك ليس بعيب . قالوا : وحديث المصراة يجب أن لا يوجب عملا لمفارقته الأصول وذلك أنه مفارق للأصول من وجوه : فمنها أنه معارض لقوله E " الخراج بالضمان " وهو أصل متفق عليه ومنها أن فيه معارضة منع بيع طعام بطعام نسيئة وذلك لا يجوز باتفاق ومنها أن الأصل في المتلفات إما القيم وإما المثل وإعطاء صاع من تمر في لبن ليس قيمة ولا مثلا ومنها بيع الطعام المجهول : أي الجزاف بالمكيل المعلوم لأن اللبن الذي دلس به البائع غير معلوم القدر وأيضا فإنه يقل ويكثر والعوض ههنا محدود ولكن الواجب أن يستثني هذا من هذه الأصول كلها لموضع صحة الحديث وهذا كأنه ليس من هذا الباب وإنما هو حكم خاص . ولكن اطرد إليه القول فلنرجع إلى حيث كنا نقول : إنه لا خلاف عندهم في العور والعمى وقطع اليد والرجل أنها عيوب مؤثرة وكذلك المرض في أي عضو كان أو كان في جملة البدن والشيب في المذهب عيب في الرائعة وقيل لابأس باليسير منه فيها وكذلك الاستحاضة عيب في الرقيق والوخش وكذلك ارتفاع الحيض عيب في المشهور من المذهب والزعر عيب وأمراض الحواس والأعضاء كلها عيب باتفاق . وبالجملة فأصل المذهب أن كل ما أثر في القيمة : أعني نقص منها فهو عيب والبول في الفراش عيب وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة : ترد الجارية به ولا يرد العبد به والتأنيث في الذكر والتذكير في الأنثى عيب هذا كله في المذهب إلا ما ذكرنا فيه الاختلاف