( تابع . . . 1 ) : - وأما الفعل بعدها فهو رمي الجمار وذلك أن المسلمين اتفقوا على " أن .
واحتجوا بحديث الحجاج بن عمرو الأنصاري قال : سمعت رسول الله A يقول " من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى " وبإجماعهم على أن المحصر بعدو ليس من شرط إحلاله الطواف بالبيت . والجمهور على أن المحصر بمرض عليه الهدي . وقال أبو ثور وداود : لا هدي عليه اعتمادا على ظاهر حكم هذا المحصر وعلى أن الآية الواردة في المحصر هو حصر العدو وأجمعوا على إيجاب القضاء عليه وكل من فاته الحج بخطأ من العدد في الأيام أو بخفاء الهلال عليه أو غير ذلك من الأعذار فحكمه حكم المحصر بمرض عند مالك . وقال أبو حنيفة : من فاته الحج بعذر غير مرض يحل بعمرة ولا هدي عليه وعليه إعادة الحج والمكي المحصر بمرض عند مالك كغير المكي يحل بعمرة وعليه الهدي وإعادة الحج . وقال الزهري : لابد ( قوله لابد الخ : هكذا هذه العبارة في غالب النسخ ولينظر معناها وفي بعض : ولابد أن يعيد ( وجعل بياضا لباقي العبارة فليتأمل ا ه مصححه ) . أن يقف بعمرة وإن نعش نعشا . وأصل مذهب مالك أن المحصر بمرض إن بقي على إحرامه إلى العام المقبل حتى يحج حجة القضاء فلا هدي عليه فإن تحلل بعمرة فعليه هدي المحصر لأنه حلق رأسه قبل أن ينحر في حجة القضاء وكل من تأول قوله سبحانه - فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج - أنه خطاب للمحصر وجب عليه أن يعتقد على ظاهر الآية أن عليه هديين : هديا لحلقه عند التحلل قبل نحره في حجة القضاء وهديا لتمتعه بالعمرة إلى الحج وإن حل في أشهر الحج من العمرة وجب عليه هدي ثالث وهو هدي التمتع الذي هو أحد أنواع نسك الحج .
وأما مالك C فكان يتأول لمكان هذا أن المحصر إنما عليه هدي واحد وكان يقول : إن الهدي الذي في قوله سبحانه - فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي - هو بعينه الهدي الذي في قوله - فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي - وفيه بعد في التأويل والأظهر أن قوله سبحانه - فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج - أنه في غير المحصر بل هو في التمتع الحقيقي فكأنه قال : فإذا لم تكونوا خائفين لكن تمتعتم بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ويدل على هذا التأويل قوله سبحانه - ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام - والمحصر يستوي فيه حاضر المسجد الحرام وغيره بإجماع . وقد قلنا في أحكام المحصر الذي نص الله عليه فلنقل في أحكام القاتل للصيد : .
القول في أحكام جزاء الصيد .
فنقول : إن المسلمين أجمعوا على أن قوله تعالى - يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما - هي آية محكمة واختلفوا في تفاصيل أحكامها وفيما يقاس على مفهومها مما لا يقاس عليه فمنها أنهم اختلفوا هل الواجب في قتل الصيد قيمته أو مثله ؟ فذهب الجمهور إلى أن الواجب المثل وذهب أبو حنيفة إلى أنه مخير بين القيمة أعني قيمة الصيد وبين أ يشتري بها المثل . ومنها أنهم اختلفوا في استئناف الحكم على قاتل الصيد فيما حكم فيه السلف من الصحابة مثل حكمهم أن من قتل نعامة فعليه بدنة تشبيها بها ومن قتل غزالا فعليه شاة ومن قتل بقرة وحشية فعليه إنسية فقال مالك : يستأنف في كل ما وقع من ذلك الحكم به وبه قال أبو حنيفة . وقال الشافعي : إن اجتزأ بحكم الصحابة مما حكموا فيه جاز ومنها هل الآية على التخيير أو على الترتيب ؟ فقال مالك : هي على التخيير وبه قال أبو حنيفة يريد أن الحكمين يخيران الذي عليه الجزاء . وقال زفر : هي على الترتيب واختلفوا هل يقوم الصيد أو المثل إذا اختار الإطعام إن وجب على القول بالوجوب فيشتري بقيمته طعاما ؟ فقال مالك : يقوم الصيد وقال الشافعي : يقوم المثل فقال مالك : يصوم لكل مد يوما وهو الذي يطعم عندهم كل مسكين وبه قال الشافعي وأهل الحجاز . وقال أهل الكوفة : يصوم لكل مدين يوما وهو القدر الذي يطعم كل مسكين عندهم . واختلفوا في قتل الصيد خطأ هل فيه جزاء أم لا ؟ فالجمهور على أن فيه الجزاء . وقال أهل الظاهر : لا جزاء عليه . واختلفوا في الجماعة يشتركون في قتل الصيد فقال مالك : إذا قتل جماعة محرمون صيدا فعلى كل واحد منهم جزاء كامل وبه قال الثوري وجماعة . وقال الشافعي : عليهم جزاء واحد . وفرق أبو حنيفة بين المحرمين يقتلون الصيد وبين المحلين يقتلونه في الحرم فقال : على كل واحد من المحرمين جزاء وعلى المحلين جزاء واحد . واختلفوا هل يكون أحد الحكمين قاتل الصيد فذهي مالك إلى أنه لا يجوز . وقال الشافعي : يجوز . واختلف أصحاب أبي حنيفة على القولين جميعا واختلفوا في موضع الإطعام فقال مالك : في الموضع الذي أصاب فيه الصيد إن كان ثم طعام وإلا ففي أقرب المواضع إلى ذلك الموضع .
وقال أبو حنيفة : حيثما أطعم . وقال الشافعي : لا يطعم إلا مساكين مكة . وأجمع العلماء على أن المحرم إذا قتل الصيد أن عليه الجزاء للنص في ذلك . واختلفوا في الحلال يقتل الصيد في الحرم فقال جمهور فقهاء الأمصار : عليه الجزاء . وقال داود وأصحابه : لا جزاء عليه . ولم يختلف المسلمون في تحريم قتل الصيد في الحرم وإنما اختلفوا في الكفارة وذلك لقوله سبحانه - اولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا - وقول رسول الله A " إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض " وجمهور فقهاء الأمصار على أن المحرم إذا قتل الصيد وأكله أنه ليس عليه إلا كفارة واحدة . وروى عن عطاء وطائفة أن فيه كفارتين فهذه هي مشهورات المسائل المتعلقة بهذه الآية .
( وأما الأسباب التي دعتهم إلى هذا الإختلاف ) فنحن نشير إلى طرف منها فنقول . أما من اشترط في وجوب الجزاء أن يكون القتل عمدا فحجته أن اشتراط ذلك نص في الآية وأيضا فإن العمد هو الموجب للعقاب والكفارات عقابا ما . وأما من أوجب الجزاء مع النسيان فلا حجة له إلا أن يشبه الجزاء عند إتلاف الصيد بإتلاف الأموال فإن الأموال عند الجمهور تضمن خطأ ونسيانا لكن يعارض هذا القياس اشتراط العمد في وجوب الجزاء فقد أجاب بعضهم عن هذا : أي العمد إنما اشترط لمكان تعلق العقاب المنصوص عليه في قوله - ليذوق وبال أمره - وذلك لا معنى له لأن الوبال المذوق هو في الغرامة فسواء قتله مخطئا أو متعمدا قد ذاق الوبال ولا خوف أن الناسي غير معاقب وأكثر ما تلزم هذه الحجة لمن كان من أصله أن الكفارات لا تثبت بالقياس فإنه لا دليل لمن أثبتها على الناسي إلا القياس . وأما اختلافهم في المثل هل هو الشبيه أو المثل في القيمة فإن سبب الاختلاف أن المثل يقال على الذي هو مثل وعلى الذي هو مثل في القيمة لكن حجة من رأى أن الشبيه أقوى من جهة دلالة اللفظ أن انطلاق لفظ المثل على الشبيه في لسان العرب أظهر وأظهر منه على المثل في القيمة لكن لمن حمل ههنا المثل على القيمة دلائل حركته إلى اعتقاد ذلك : أحدها أن المثل الذي هو العدل هو منصوص عليه في الإطعام والصيام وأيضا فإن المثل إذا حمل ههنا على التعديل كان عاما في جميع الصيد فإن من الصيد ما لا يلقي له شبيه وأيضا فإن المثل فيما لا يوجد له شبيه هو التعديل وليس يوجد للحيوان المصيد في الحقيقة شبيه إلا من جنسه وقد نص أن المثل الواجب فيه هو من غير جنسه فوجب أن يكون مثلا في التعديل والقيمة وأيضا فإن الحكم في الشبيه قد فرغ منه فأما الحكم بالتعديل فهو شيء يختلف باختلاف الأوقات ولذلك هو كل وقت يحتاج إلى الحكمين المنصوص عليهما وعلى هذا يأتي التقدير في الآية بمشابه فكأنه قال : ومن قتله منكم متعمدا فعليه قيمة ما قتل من النعم أو عدل القيمة طعاما أو عدل ذلك صياما . وأما اختلافهم هل المقدر هو الصيد أو مثله من النعم إذا قدر بالطعام فمن قال المقدر هو الصيد قال : لأنه الذي لما لم يوجد مثله رجع إلى تقديره بالطعام ومن قال إن المقدر هو الواجب من النعم قال : لأن الشيء إنما تقدر قيمته إذا عدم بتقدير مثله أعني شبيهه . وأما من قال إن الآية على التخيير فإنه التفت إلى حرف " أو " إذ كان مقتضاها في لسان العرب التخيير وأما من نظر إلى ترتيب الكفارات في ذلك فشبهها في الكفارات التي فيها الترتيب باتفاق وهي كفارة الظهار والقتل . وأما اختلافهم في هل يستأنف الحكم في الصيد الواحد الذي وقع الحكم فيه من الصحابة فالسبب في اختلافهم هو هل الحكم شرعي غير معقول المعنى أم هذا معقول المعنى ؟ .
فمن قال هو معقول المعنى قال : ما قد حكم فيه فليس يوجد شيء أشبه به منه مثل النعامة فإنه لا يوجد أشبه بها من البدنة فلا معنى إعادة الحكم ومن قال هو عبادة قال : يعاد ولابد منه وبه قال مالك . وأما اختلافهم في الجماعة يشتركون في قتل الصيد الواحد فسببه هل الجزاء موجبه هو التعدي فقط أو التعدي على جملة الصيد ؟ فمن قال التعدي فقط أوجب على كل واحد من الجماعة القاتلة للصيد جزاء ومن قال التعدي على جملة الصيد قال : عليهم جزاء واحد . وهذه المسئلة شبيهة بالقصاص في النصاب في السرقة وفي القصاص في الأعضاء وفي الأنفس وستأتي في مواضعها من هذا الكتاب إن شاء الله . وتفريق أبي حنيفة بين المحرمين وبين غير المحرمين القاتلين في الحرم على جهة التغليظ على المحرمين ومن أوجب على كل واحد من الجماعة جزاء فإنما نظر إلى سد الذرائع فإنه لو سقط عنهم الجزاء جملة لكان من أراد أن يصيد في الحرم صاد في جماعة وإذا قلنا إن الجزاء هو كفارة للإثم فيشبه أنه لا يتبعض إثم قتل الصيد بالاشتراك فيه فيجب أن لا يتبعض الجزاء فيجب على كل واحد كفارة . وأما اختلافهم في هل يكون أحد الحكمين قاتل للصيد فالسبب فيه معارضة مفهوم الظاهر لمفهوم المعنى الأصلي في الشرع وذلك أنه لم يشترطوا في الحكمين إلا العدالة فيجب على ظاهر هذا أن يجوز الحكم ممن يوجد فيه هذا الشرط سواء كان قاتل الصيد أو غير قاتل . وأما مفهوم المعنى الأصلي في الشرع فهو أن المحكوم عليه لا يكون حاكما على نفسه . وأما اختلافهم في الموضع فسببه الإطلاق أعني أنه لم يشترط فيه موضع فمن شبهه بالزكاة في أنه حق للمساكين فقال لا ينقل من موضعه . وأما من رأى أن المقصود بذلك إنما هو الرفق بمساكين مكة قال : لا يطعم إلا مساكين مكة ومن اعتمد ظاهر الإطلاق قال : يطعم حيث شاء . وأما اختلافهم في الحلال يقتل الصيد في الحرم هل عليه كفارة أم لا ؟ فسببه هل يقاس في الكفارات عند من يقول بالقياس ؟ وهل القياس أصل من أصول الشرع عند الذين يختلفون فيه ؟ فأهل الظاهر ينفون قياس قتل الصيد في الحرم على المحرم لمنعهم القياس في الشرع ويحق على أصل أبي حنيفة أن يمنعه لمنعه القياس في الكفارات ولا خلاف بينهم في تعلق الاسم به لقوله سبحانه وتعالى - أو لم يروا أنا جعلنا حراما آمنا ويتخطف الناس من حولهم - وقول رسول الله A " إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض " وأما اختلافهم فيمن قتله ثم أكله هل عليه جزاء واحد أم جزاءان ؟ فسببه هل أكله تعد ثان عليه سوى القتل أم لا ؟ وإن كان تعديا عليه فهل هو مساو للتعدي الأول أم لا ؟ وذلك أنهم اتفقوا على أنه إن أكل أثم ولما كان النظر في كفارة الجزاء يشتمل على أربعة أركان : معرفة الواجب في ذلك ومعرفة من تجب عليه ومعرفة الفعل الذي لأجله يجب ومعرفة محل الوجوب . وكان قد تقدم الكلام في أكثر هذه الأجناس وبقي من ذلك أمران : أحدهما اختلاف في بعض الواجبات من الأمثال في بعض المصيدات . والثاني ما هو صيد مما ليس بصيد يجب أن ينظر فيما بقي علينا من ذلك فمن أصول هذا الباب ما روي عن عمر بن الخطاب أنه قضى في الضبع بكبش وفي الغزال بعنز وفي الأرنب وفي اليربوع بجفرة واليربوع : دويبة لها أربع قوائم وذنب تجتر كما تجتر الشاة وهي من ذوات الكروش والعنز عند أهل العلم من المعز ما قد ولد أو ولد مثله والجفرة والعناق من المعز فالجفرة ما أكل واستغنى عن الرضاع والعناق قيل فوق الجفرة وقيل دونها وخالف مالك هذه الحديث فقال : في الأرنب واليربوع لا يقومان إلا بما يجوز هديا وأضحية وذلك الجذع فما فوقه من الضأن والثني فما فوقه من الإبل والبقر وحجة مالك قوله تعالى - هديا بالغ الكعبة - ولم يختلفوا أن من جعل على نفسه هديا أنه لا يجيزه أقل من الجزع فما فوقه من الضأن والثنى مما سواه وفي صغار الصيد عند مالك مثل ما في كباره . وقال الشافعي : يفدى صغار الصيد بالمثل من صغار النعم وكبار الصيد بالكبار منها وهو مروي عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وحجته أنها حقيقة المثل فعنده في النعامة الكبيرة بدنة وفي الصغيرة فصيل وأبو حنيفة على أصله في القيمة . واختلفوا من هذا الباب في حمام مكة وغيرها فقال مالك في حمام مكة : شاة وفي حمام الحل حكومة . واختلف قول ابن القاسم في حمام الحرم غير مكة فقال مرة شاة كحمام مكة ومرة قال حكومة كحمام الحل . وقال الشافعي : في كل حمام شاة وفي حمام سوى الحرم قيمته . وقال داود كل شيء لا مثل له من الصيد فلا جزاء فيها إلا الحمام فإن فيه شاة ولعله ظن ذلك إجماعا فإنه روي عن عمر بن الخطاب ولا مخالف له من الصحابة . وروي عن عطاء أنه قال : في كل شيء من الطير شاة . واختلفوا من هذا الباب في بيض النعامة فقال مالك : أرى في بيض النعامة عشر ثمن البدنة وأبو حنيفة على أصله في القيمة . ووافقه الشافعي في هذه المسألة . وبه قال أبو ثور . وقال أبو حنيفة : إن كان فيها فرخ ميت فعليه الجزاء : أعني جزاء النعامة . واشترط أبو ثور في ذلك أن يخرج حيا ثم يموت .
( يتبع . . . )