قوله تعالى : { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } أخرج ابن أبي حاتم عن أبي صالح قال كان الرجل إذا زوج ابنته أخذ صداقها دونها فنهاهم الله عن ذلك فأنزل { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } .
قوله تعالى : { للرجال نصيب } أخرج أبو الشيخ و ابن حيان في كتاب الفرائض من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال كان أهل الجاهلية لا يورثون ا البنات ولا الصغار الذكور حتى يدركوا فمات رجل من الأنصار يقال له أوي بن ثابت وترك ابنتين وابنا صغير فجاء أبنا عمه خالد وعرطفة وهم عصبة فاخذوا ميراثه كله فاتت امرأته رسول الله A فذكرت له ذلك فقال : ما أدري ما أقول ؟ فنزلت { للرجال نصيب مما ترك الوالدان } الآية .
قوله تعالى { يوصيكم الله } أخرج الأمة الستة عن جابر بن عبد الله فقال عادني رسول الله A وأبو بكر في بني سلمة ماشيين فوجدني النبي A الأعقل شيئا فدعا بماء فتوضأ ثم رش علي فأفقت فقلت : ما تأمرني أن أصنع في مالي ؟ فنزلت { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } .
وأرج أحمد و أبو داود و الترمذي و الحاكم عن جابر قال جاءت امرأة سعيد بن الربيع إلى رسول الله A فقالت : يا رسول الله هاتان ابنتا سعيد بن الربيع قتل أبوهما معك في أحد شهيدا وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ولا تنكحان إلا ولهما مال فقال يقضي الله في ذلك فنزلت آية الميراث قال الحافظ ابن حجر : تمسك بهذا من قال : إن الآية نزلت في قصة ابنتي سعد ولم تنزل في قصة جابر خصوصا أن جابر لم يكن له يومئذ ولد قال : والجواب أنها نزلت في الأمرين معا ويحتمل أن يكون نزول أولها في القصتين ولآخرها وهو قوله { وإن كان رجل يورث كلالة } في قصة جابر ويكون مراد جابر بقوله فنزلت { يوصيكم الله في أولادكم } : أي ذكر الكلالة المتصل بهذه الآية انتهي .
وقد ورد السبب الثالث أخرج ابن جرير عن السدى قال : كان أهل الجاهلية لا يورثون الجواري ولا الضعفاء من الغلمان لا يورث الرجل من ولده إلا من أطاق القتال فمات عبد الرحمن أخو حسان الشاعر وترك امرأة يقال لها أم كحلة وخمس بنات فجاء الورثة يأخذون ماله فشكت أم كحلة ذلك إلى النبي A فأنزل الله هذه الآية { فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك } ثم قال في أم كحلة { ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن } .
( ك ) وقد ورد في قصة سعد بن ربيع وجه آخر فأخرج القاضي إسماعيل في أحكام القرآن من طريق عبد الملك بن محمد بن حزم أن عمرة بنت حزام كانت تحت سعد بن الربيع فقتل عنها يوم أحد وكان له منها ابنة فأتت النبي A تطلب ميراث ابنتها ففيها نزلت { يستفتونك في النساء } الآية .
قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها } روى البخاري و أبو داود و النسائي عن ابن عباس قال : كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها وإن شاءوا زوجوها فهم أحق بها من أهلها فنزلت هذه الآية .
وأخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم بسند حسن عن أبي إمامة بن سهل بن حنيف قال : لما توفي أبو قيس بن الأسلت أراد ابنه أن يتزوج زوجته وكان لهم ذلك في الجاهلية فأنزل الله { لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها } وله شاهد عن عكرمة عن ابن جابر .
وأخرج ابن أبي حاتم و الفريابي و الطبراني عن عدي بن ثابت عن رجل من الأنصار [ قال : توفي أبو قيس بن الأسلت وكان من صالحي الأنصار فخطب ابنه قيس امرأته فقالت : إنما أعدك ولدا من صالحي قومك فاتت رسول الله صلى الله عليه مسلم فأخبرته فقال : ارجعي إلى بيتك ] فنزلت هذه الآية { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف } .
وأخرج ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي [ قال : كان الرجل إذا توفي عن امرأته كان ابنه أحق بها أن ينكحها إن شاء إن لم تكن أمه أو ينكحها من شاء فلما مات أبو قيس بن الأسلت قام ابنه محصن فورث نكاح امرأته ولم يورثها من المال شيئا فأتت النبي A فذكرت ذلك له فقال ارجعي لعل الله ينزل فيك شيئا ] فنزلت هذه الآية { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } ونزلت { لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها } الآية .
وأخرج أيضا عن الزهري قال : نزلت هذه الآية في ناس من الأنصار كان إذا مات الرجل منهم كان أملك الناس بامرأة وليه فيمسكها حتى تموت .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال : قلت لعطاء { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } قال : كنا نتحدث أنها نزلت في محمد A حين نكح امرأة زيد بن حارثة قال المشركون في ذلك فنزلت { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } ونزلت { وما جعل أدعياءكم أبناءكم } ونزلت { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم } .
قوله تعالى : { والمحصنات } الآية روى مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي عن أبي سعيد الخدري قال : أصبنا سبايا من سبي أوطاس لهن أزواج فكرهن أن نقع عليهن ولهن أزواج فسألنا النبي A فنزلت { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } يقول إلا ما أفاء الله عليكم فاستحللنا بها فروجهن .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : نزلت يوم حنين لما فتح الله حنينا أصاب المسلمون نساء من نساء أهل الكتاب لهن أزواج وكان الرجل إذا أراد أن يأتي المرأة قالت : إن لي زوجا فسئل A عن ذلك فأنزل الله { والمحصنات من النساء } الآية .
قوله تعالى : { ولا جناح } الآية أخرج ابن جرير عن معمر بن سلمان عن أبيه قال : زعم حضرمي أن رجالا كانوا يفرضون المهر ثم عس أن تدرك أحدهم العسرة فنزلت { ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } قوله تعالى { فتمنوا الموت } روى الحاكم عن أم سلمة أنها قالت : يغزو الرجال ولا يغزو النساء وإنما لنا نصف الميراث فأنزل الله { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض } وأنزل فيها { إن المسلمين والمسلمات } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : أتت امرأة النبي A فقالت : يا نبي الله للذكر مثل حظ الأنثيين وشهادة امرأتين برجل أفنحن في العمل هكذا إن عملت امرأة حسنة كتبت لها نصف حسنة فأنزل الله { فتمنوا الموت } الآية .
قوله تعالى { والذين عقدت أيمانكم } الآية أخرج أبو داود في سننه من طريق ابن أسحق عن داود بن الحصين قال : كنت اقرأ على أم سعد ابنة الربيع وكانت مقيمة في حجر أبي بكر فقرأت { والذين عقدت أيمانكم } فقالت : لا ولكن والذين عقدت وإنما نزلت في أبي بكر وابنه حين الإسلام فحلف أبو بكر أن لا يورثه فلما أسلم أمره أن يؤتيه نصيبه .
قوله تعالى : { الرجال قوامون } أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن [ قال : جاءت المرأة إلى النبي A تستعدي على زوجها أنه لطمها فقال رسول الله A : القصاص ] أنزل الله { الرجال قوامون على النساء } الآية .
وأخرج ابن جرير من طريق عن الحسن وفي بعضها أن رجلا من الأنصار لطم امرأته فجاءت تلتمس القصاص فجعل النبي A بينهما القصاص فنزلت { ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه } ونزلت { الرجال قوامون على النساء } وأخرج نحوه عن ابن جريح و السدي .
وأخرج ابن مردويه عن علي [ قال : أتى النبي A رجل من الأنصار بامرأة له فقالت : يا رسول الله أنه ضريني فأثر في وجهي فقال رسول الله : ليس له ذلك ] فأنزل الله { الرجال قوامون على النساء } الآية فهذه شواهد يقوي بعضها بعضا .
قوله تعالى : { الذين يبخلون } الآية أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير كان علماء بني إسرائيل يبخلون بما عندهم من العلم فأنزل الله { الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل } الآية .
وأخرج ابن جرير من طريق محمد بن أبي محمد بن عكرمة أو سعيد عن ابن عباس قال : كان كردوم بن يزيد حليف كعب بن الأشراف وأسامة بن حبيب ونافع أبي نافع وبحري بن عمرو وحي بن أخطب ورفاعة بن يزيد بن التابوت يأتون رجالا من الأنصار ينصحون لهم فيقولون : لا تنفقون أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر في ذهابها ولا تسارعوا في النفقة فإنكم لا تدرون ما يكون فأنزل الله { الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل } - إلى قوله - { وكان الله بهم عليما } .
قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا } الآية روى أبو داود و الترمذي و النسائي و الحاكم عن علي قال : صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعانا وسقانا من الخمر فأخذت الخمر منا وحضرت الصلاة فقدموني فقرأت قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون فانزل الله { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } .
( ك ) وأخرج الفرياني و ابن أبي حاتم و أبن المنذر عن علي قال نزلت هذه الآية { ولا جنبا } في المسافر تصيبه الجنابة فتيمم ويصلي .
وأخرج ابن مردويه عن الأسلع بن شريك قال : كنت ارحل ناقة رسول الله A فأصابتني جنابة في ليلة باردة فخشيت أن أغتسل بالماء البارد فأموت أو امرض فذكرت ذلك لرسول الله A فأنزل اله { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } الآية كلها .
( ك ) وأخرج الطبراني عن الأسلع [ قال : كنت أخدم النبي A وأرحل له فقال لي ذات يوم : يا أسلع قم فارحل فقلت يا رسول الله أصابتني جنابة فسكت رسول الله وأتاه جبريل بآية الصعيد فقال رسول الله قم يا أسلع وتيمم فأراني التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين فقمت فتيممت ثم رحلت ] .
وأخرج ابن جرير عن يزيد بن أبي حبيب : أن رجالا من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد فكانت تصيبهم جنابة ولا ماء عندهم فيريدون الماء ولا يجيدون ممرا ألا في المسجد فأنزل الله قوله { ولا جنبا إلا عابري سبيل } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال : نزلت هذه الآية في رجل من الأنصار كان مريضا فلم يستطيع أن يقوم فيتوضأ ولم يكن له خادم يناوله فذكر ذلك لرسول الله A فانزل الله { وإن كنتم مرضى } الآية .
وأخرج ابن جرير عن إبراهيم النخعي قال نال أصحاب النبي A جراحة ففشت فيهم ثم ابتلوا بالجنابة فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه مسلم فنزلت { وإن كنتم مرضى } الآية كلها .
قوله تعالى : { ألم تر } الآية أخرج ابن أسحق عن ابن عباس قال كان رفاعة بن يزيد بن التابوت من عظماء اليهود وإذا كلم رسول اله A لوى لسانه وقال ارعنا سمعك يا محمد حتى نفهمك ثم طعن في الإسلام دعابة فأنزل الله فيه { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة } .
قوله تعالى : { يا أيها الذين أوتوا الكتاب } الآية أخرج ابن أسحق عن ابن عباس [ قال : كلم رسول الله A رؤساء أحبار اليهود منهم عبد الله بن صوريا وكعب بن أسيد فقال لهم : يا معشر يهود اتقوا الله وأسلموا فوا لله إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به الحق فقالوا : ما نعرف ذلك يا محمد ] فأنزل الله فيهم { يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا } الآية .
قوله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به } أخرج ابن أبي حاتم و الطبراني عن أبي أيوب الأنصاري [ قال : جاء رجل إلى النبي A فقال : إن لي ابن أخ لا ينتهي عن الحرام قال وما دينه قال يصلي ويوحد الله قال : استوعب منه دينه فإن أبى فابتعه منه فطلب الرجل ذلك منه فأبى عليه فأتى النبي ي A فاخبره فقال : وجدته شحيحا على دينه ] فنزلت { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } .
قوله تعالى : { ألم تر إلى الذين يزكون } الآية أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كانت اليهود يقدمون صبيانهم يصلون بهم ويقربون قربانهم يزعمون أنهم لا خطايا لهم ولا ذنوب فأنزل الله { ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم } وأخرج ابن جرير نحوه عن عكرمة و مجاهد و أبي مالك وغيرهم .
قوله تعالى : { ألم تر إلى الذين أوتوا } الآية ( ك ) أخرج أحمد و ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت قريش : ألا ترى هذا المنصبر المنبتر من قومه أنه خير منا ونحن أهل الحجيج وأهل السدانة وأهل السقاية قال انتم خير منا فنزلت فيهم { إن شانئك هو الأبتر } ونزلت { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب } - إلى - { نصيرا } .
وأخرج ابن إسحاق عن ابن عباس قال : كان الذين حزبوا الأحزاب من قريش وبني غطفان وبني قريظة ؟ وسلام بن أبي الحقيق وأبو رافع والربيع بن أبي الحقيق وأبو عمار وهوذه بن قيس وكان سائرهم من بني النضير فلما قدموا قريش قالوا : أحبار اليهود أهل علم بالكتب الأولى فاسألهم أدينكم خير أم دين محمد ؟ فسألهم فقالوا : دينكم خير من دينه وأنتم أهدى منه وممن اتبعه فأنزل الله { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب } - إلى قوله - { ملكا عظيما } .
( ك ) وأخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال : قال أهل الكتاب زعم محمد أنه أوتي ما أوتي في تواضع وله تسع نسوة وليس همه إلا النكاح فأي ملك أفضل من هذا فأنزل الله { أم يحسدون الناس } الآية وأخرج ابن سعد عن عمر مولى عفرة نحو ابسط منه .
قوله تعالى : { إن الله يأمركم } أخرج ابن مرديه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس [ قال : لما فتح رسول الله A مكة دعا عثمان بن طلحة فلما أتاه قال : أرني المفتاح فأتاه به فلما بسط يده إليه قام العباس فقال : يا رسول الله بأبي أنت وأمي اجمعه لي مع السقاية فكف عثمان يده فقال رسول الله A : هات المفتاح يا عثمان فقال : هاك أمانة الله فقام ففتح الكعبة ثم خرج فطاف بالبت ثم أنزل عليه جبريل برد المفتاح فدعا عثمان بن طلحة فأعطاه المفتاح ثم قال { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } حتى فرغ من الآية ] .
وأخرج شعبة في تفسيره عن حجاج عن ابن جريح قال : نزلت هذه الآية في عثمان بن طلحة أخذ منه رسول الله A مفتاح الكعبة فدخل به البيت يوم فتح مكة فخرج وهو يتلو هذه الآية فدعا عثمان فناوله المفتاح قال : وقال عمر بن الخطاب لما خرج الرسول من الكعبة وهو يتلو هذه الآية : فداه أبي وأمي ما سمعته يتلوها قبل ذلك فقلت : ظاهر هذه أنها نزلت في جوف الكعبة .
قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله } روى البخاري وغيره عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في عبد الله بن حذافة بن قبس إذ بعثه النبي A في سرية كذا أخرجه مختصرا وقال الداودي هذا الوهم يعني الإفتراء على ابن عباس فإن عبد الله بن حافة خرج على الجيش فغضب فأوقد نار وقالا اقتحموا فامتنع بعض وهم بعض أن يفعل قال : فإن كانت الآية نزلت قبل فكيف يخص عبد الله بن حذافة بالطاعة دون غيره وان كانت نزلت بعده فإنما قيل لهم : إنما الطاعة في المعروف وما قيل لهم تطيعوه ؟ وأجاب الحافظ ابن حجر بأن المقصود في قصته : فإن تنازعتم في شيء فإنهم تنازعوا في امتثال الأمر والطاعة والتوقف فرارا من النار فناسب أن ينزل في ذلك ما يرشدهم إلى ما يفعلونه عند التنازع وهو الرد إلى رسول الله A وقد أخرج ابن جرير أنها نزلت في قصة جرت لعمار بن ياسر مع خالد بن الوليد وكان أميرا فأجار عمار رجلا بغير أمره فتخاصما فنزلت .
قوله تعالى { ألم تر إلى الذين يزعمون } أخرج ابن أبي حاتم و الطبراني يسند صحصح عن ابن عباس قال : كان أبو برزة الأسلمي كاهنا يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه فتنافر إليه ناس من المسلمين فأنزل الله { ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا } - إلى قوله - { إلا إحسانا وتوفيقا } .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة أو سعيد عن ابن عباس قال : كان الخلاص بن الصامت ومتعب بن قشير ورافع بن زيد وبشر يدعون إلى الإسلام فدعاهم رجال من قومهم من المسلمين في خصومة كانت بينهم إلى رسول الله A فدعوهم إلى الكهان حكام الجاهلية فأنزل الله فيهم { ألم تر إلى الذين يزعمون } الآية .
أخرج ابن جرير عن الشعبي قال : كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة فقال اليهودي : أحاكمك إلى أهل دينك أو قال النبي لأنه قد علم أنه لا يأخذ الرشوة في الحكم فاختلفا واتفقا على أن يأتيا كاهنا جهينة فنزلت .
قوله تعالى { فلا وربك } أخرج الائمة الستة عن عبد الله بن الزبير [ قال : خاصم الزبير رجلا من الأنصار في شراج الحرة فقال النبي A : اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك فقال الأنصاري : يا رسول الله إن كان ابن عمتك فتلون وجه ثم قال : اسق يا زبير ثم أحبس الماء حتى يرجع إلى الجدار ثم أرسل الماء جارك واستوعب للزبير حقه وكان أشر عليهما بأمر لهما فيه سعة ] قال الزبير : فما أحسب هذه الآيات إلا نزلت في ذلك { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } .
وأخرج الطبراني في الكبير و الحميدي في مسنده عن أم سلمة قالت خاصم الزبير رجلا إلى رسول الله A فقضى للزبير فقال الرجل : إنما قضى له لأنه أبن عمته فنزلت الآية { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك } الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن نسيب في قوله { فلا وربك } الآية قال : أنزلت في الزبير بن العوام وحاطب بن أبي بلتعه اختصما في ماء فقضى النبي A أن يسقي الأعلى ثم الأسفل .
( ك ) وأخرج ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن أبي الأسود قال : اختصم رجلان إلى النبي A فقضى بينهما فقال الذي قضى عليه : ردنا إلى عمر بن الخطاب فأتيا إليه فقال الرجل : قضى لي رسول الله A على هذا فقال ردنا إلى عمر فقال : اكذاك ؟ قال : نعم فقال عمر : مكانكما حتى أخرج إليكما فأقضي بينكما فخرج إليهما مشتملا على سيفه فضرب الذي قال ردنا إلى عمر فقتله فأنزل الله { فلا وربك لا يؤمنون } الآية مرسل غريب في إسناده ابن لهيعة وله شاهد أخرجه رحيم في تفسيره من طريق عتبة بن ضمرة عن أبيه .
( ك ) وأخرج ابن جرير عن السدي قال : لما نزلت { ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم } افتخر ثابت بن قيس بن شماس ورجل من اليهود فقال اليهودي : والله لقد كتب الله علينا أن اقتلوا أنفسكم فقتلنا أنفسنا فقال ثابت : والله لو كتب علينا أن اقتلوا أنفسكم لقتلنا أنفسنا فأنزل الله { ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا } .
وقوله تعالى { ومن يطع الله } [ أخرج الطبراني و ابن مردويه بسند لا بأس به عن عائشة قالت جاء رجل للنبي A فقال : يا رسول الله إنك لأحب إلى من نفسي وأنك لأحب إلى من ولدي وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي وأنظر إليك وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين وأني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك فلم يرد النبي A شيئا حتى نزل عليه جبريل بهذه الآية { ومن يطع الله والرسول } الآية ] .
واخرج ابن أبي حاتم عن مسروق قال : قال أصحاب محمد A : يا رسول الله ما ينبغي لنا أن نفارقك فإنك لو قدمت لرفعت فوقنا ولم نرك فأنزل الله { ومن يطع الله والرسول } .
وأخرج عكرمة [ قال : أتي فتى النبي A فقال يا نبي الله إن لنا منك نظرة في الدنيا ويوم القيامة لا نراك فأنك في الجنة في الدرجات العلي فأنزل الله هذه الآية فقال له الرسول A : أنت معي في الجنة إن شاء الله ] وأخرج ابن جرير نحوه من مرسل سعيد بن حبير ومسروق والربيع وقتاده والسدي .
قوله تعالى { ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم } الآية أخرج النسائي و الحاكم عن ابن عباس أن عبد الرحمن بن عوف وأصحابا له [ أتوا النبي A فقالوا : يا نبي الله كنا في عز و نحن مشركون فلما آمنا صرنا أذلة قال : إلى أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم فلما حوله الله إلى المدينة أمره بالقتال فكفوا ] فأنزل الله { ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم } الآية .
قوله تعالى : { وإذا جاءهم } الآية روى مسلم عن عمر بن الخطاب قال : لما اعتزل النبي A نساءه دخلت المسجد فإذا الناس ينكتون بالحصى وبقولون : طلق رسول الله A نساءه فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي لم يطلق نساءه فنزلت هذه الآية { وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم } فكنت أنا استنبط ذلك الأمر .
قوله تعالى : { فما لكم في المنافقين } الآية روى الشيخان وغيرهما عن زيد بن ثابت أن رسول A خرج إلى أحد فرجع ناس خرجوا معه فكان أصحاب الرسول A فيهم فرقتين فرقة تقول نقتلهم وفرقة تقول لا فأنزل الله { فما لكم في المنافقين فئتين } .
( ك ) وأخرج سعيد بن منصور و ابن أبي حاتم عن سعد بن معاذ [ قال : خطب رسول الله A الناس ى فقال : من لي بمن يؤذيني ويجمع في بيته من يؤذيني فقال سعد بن معاذ : إن كان من الأوس قتلناه وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا فأطعناك فقام سعد بن عباده فقال : ما بك يا ابن معاذ طاعة رسول الله A ولقد عرفت ما هو منك فقام أسيد بن حضير فقال : إنك يا ابن معاذ منافق وتحب النفاق فقام محمد بن سلمة فقال : اسكتوا يا أيها الناس فإن فينا رسول الله A وهو يأمرنا فننفذ أمره ] فأنزل الله { فما لكم في المنافقين } .
وأخرج أحمد عن أعبد الرحمن بن عوف أن قوما من العرب أتوا رسول اله A بالمدينة فأسلموا وأصابهم وباء المدينة وحماها فأركسوا خرجوا من المدينة فاستقبلهم نفر من الصحابة فقالوا لهم : مالكم رجعتم ؟ قالوا : أصابنا وباء المدينة فقالوا أما لكم في رسل الله أسوة حسنة ؟ فقال بعضهم نافقوا وقال بعضهم لم ينافقوا فأنزل الله { فما لكم في المنافقين فئتين } الآية في إسناده تدليس وانقطاع ( ك ) .
قوله تعالى { إلا الذين يصلون } الآية أخرج ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن الحسن أن سراقة بن مالك المدلجي قال : لمل ظهر النبي A على أهل بدر وأحد وأسلم من حولهم قال سراقة : بلغني أنه يريد أن يبعث خالد بن الوليد إلى قومي بني مدلج فأتيته فقلت : أنشدك النعمة بلغني أنك تريد أن تبعث إلى قومي وأنا أريد أن توا دعهم فإن أسلم قومك أسلموا ودخلوا في الإسلام وإن لم يسلموا لم يحسن تغليب قومك عليهم فأخذ رسول الله صلى اله عليه وسلم بيد خالد فقال : اذهب معه ففعال ما يريد فصالحهم خالد على أن لا يعينوا على رسول الله A وإن أسلمت قريش أسلموا معهم وأنزل الله { إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق } فكامن وصل إليهم كان معهم على عهدهم .
وأخرج أبن أبي حاتم عن ابن عباس قال : { إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق } في هلال بن عويمر الأسلمي وسراقة بن مالك المدلجي وفي بني جذيمة بن عامر بن عبد مناف .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : نزلت { لا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق } في هلال بن عويمر الأسلمي وسراقة بن ملاك المدلجي وفي هلال بن جذيمة بن عامر بن مناف .
وأخرج أيضا عن مجاهد أنها نزلت في هلال بن هويمر الأسلمي وكان بينه وبين المسلمين عهد وقصده ناس من قومه فكرة أن يقاتل المسلمين وكره أن يقاتل قومه .
قوله تعالى : { وما كان لمؤمن } الآية أخرج ابن جرير عن عكرمة قال : كان الحرث بن يزيد من بني عامر بن لؤي يعذب عياش بن أبي ربيعة مع أبي جهل ثم خرج الحرث مهاجرا إلى النبي A فلقيه عياش بالحرة فعلاه في السيف وهو يحسي أنه كافر ثم جاء النبي A فأخبره فنزلت { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ } وأخرج نحوه عن مجاهد والسدي .
قوله تعالى : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا } الآية أخرج ابن جرير من طريق ابن جريح عن عكرمة : [ أن رجلا من الأنصار قتل أخا مقيس ابن صبابة فأعطاه النبي A الدية فقبلها ثم وثب على القاتل فقتله : فقال النبي A : لا أؤمنه في حل ولا حرم فقتل يوم الفتح ] قال ابن جريح : وفيه نزلت هذه الآية { ومن يقتل مؤمنا متعمدا } الآية .
قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم } الآية روى البخاري و الترمذي و الحاكم وغيره عن ابن عباس قال : مر رجل من بني سليم بنفر من أصحاب النبي A وهو يسوق غنما له فسلم عليهم فقالوا ما سلم علينا إلا ليتعوذ منا فعمدوا إليه وقتلوه وأتوا بغنمه النبي A فنزلت { يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم } الآية .
وأخرج البزار من وجه آخر عن ابن عباس [ قال : بعث الرسول A سرية فيها المقداد فلما أتوا القوم وجدهم قد تفرقوا وبقى رجل له مال كثير فقال : أشهد إن لا إله إلا الله فقتله المقداد فقال له النبي A : كيف لك بلا إله إلا الله غدا ] وأنزل الله هذه الآية وأخرج أحمد و الطبراني وغيرهما عن عبد الله بن أبي جدر الأسلمي قال : بعثنا رسول الله A في نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة ومحلم ابن جثامة فمر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي فسلم علينا فحمل عليه محلم فقتله : فلم قدمنا على النبي A وأخبرناه الخبر نزل فينا القرآن { يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله } أ الآية وأخرج ابن جرير من حديث ابن عمر نحوه .
وأخرج الثعلبي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن اسم المقتول مردوس بن نهيك من أهل فدك وأن اسم القاتل أسامة ابن بزيد وأن اسم أمير السرية غالب بن فضالة الليثي وأن قوم مرداس لما انهزموا بقي هو وحده وكن ألجأ غنمه بجبل فلما لحقوه قال : لا إله إلا الله محمد رسول الله السلام عليكم فقتله أسامة بن يزيد فلما رجعوا أنزلت الآية .
وأخرج ابن جرير من طريق السدي و عبد من طريق قتادة نحوه وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن لهيعة عن ابن الزبير عن جابر قال : أنزلت هذه الآية { ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام } في مردوس وهو شاهد حسن .
وأخرج ابن منده عن جزء بن الحدرجان قال : وفد أخي مقداد إلى النبي A من اليمن فلقيته سرية النبي A فقال لهم : أنا مؤمن فلم يقبلوا منه وقتلوه فبلغني ذلك فخرجت إلى النبي A فنزلت { يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا } فأعطاني النبي A دية أخي .
قوله تعالى { لا يستوي القاعدون من المؤمنين } الآية روى البخاري عن البراء قال : لما نزلت { لا يستوي القاعدون من المؤمنين } [ قال النبي A ك أدع فلانا فجاء ومعه الدواة واللوح والكتف فقال ا كتب { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله } وخلف النبي A ابن أم مكتوم فقال : يا رسول الله : أنا ضرير فنزلت مكانها { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر } ] وروى البخاري وغيره من حديث زيد بن ثابت و الطبراني من حديث زيد بن أرقم وابن حبان من حديث الفلتان بن عاصم نحوه وروي الترمذي نحوه من حديث ابن عباس وفي قال عبد الله بن جحش و بن أم مكتوم أنا أعميان وقد سقت أحاديثهم في ترجمان القرآن وعند ابن جرير من طريق كثيرة مرسلة نحو ذلك .
قوله تعالى : { إن الذين توفاهم } الآية روى البخاري عن ابن عباس أن أناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله A فيأتي السهم يرمي به فيصيب أحدهم فيقتله أو يضرب فيقتل فأنزل الله { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم } وأخرجه ابن مرديه وسمى منهم في روايته قيس بن الوليد بن المغيرة وأبا قيس بن الفاكه بن المغيرة والوليد بن عتبة بن ربيعة وعمرو بن أمية بن سفيان وعلي ابن أمية بن خلف وذكر في شأنهم أنهم خرجوا إلى بدر فلما رأوا قلة المسلمين دخلهم شك وقالوا : غر هؤلاء دينهم فقتلوا ببدر وأخرجه ابن أبي حاتم وزاد منهم الحرث بن زمعة بن السود والعاص ابن منبه بن الحجاج .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : كان قوم بمكة قد أسلموا فلما هاجر رسول الله A كرهوا أن يهاجروا وخافوا فأنزل الله { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم } - إلى قوله - { إلا المستضعفين } .
وأخرج ابن المنذر و ابن جرير عن ابن عباس قال : كان قوم من أهل مكة قد أسلموا وكانوا يخفون الإسلام فأخرجهم المشركون معهم يوم بدر فأصيب بعضهم فقال المسلمين هؤلاء مسلمون : فأكرهوا فاستغفروا لهم فنزلت { إن الذين توفاهم الملائكة } الآية فكتبوا بها إلى من بقي بمكة منهم وأنه لا عذر لهم فخرجوا فلحق بهم المشركون ففتنوهم فرجعوا فنزلت { ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله } فكتب المسلمون بذلك فتحزنوا فنزلت { ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا } الآية فكتبوا إليهم بذلك فخرجوا فلحقهم فنجا من نجا وقتل من قتل وأخرج ابن جرير من طريق كثيرة نحوه .
قوله تعالى : { ومن يخرج من بيته } أخرج ابن أبي حاتم و أبو يعلي بسند جيد عن ابن عباس قال : خرج ضمرة بن جندب من بيته مهاجرا فقال لأهله : احملوني فأخرجوني من أرض المشركين إلى رسول الله A فمات في الطريق قبل أن يصل النبي A فنزل الوحي { ومن يخرج من بيته مهاجرا } الآية