دخول النية في العبادات والمعاملات والمخاصمات و المناهي و التروك .
والثاني : أوجه لأن الأول لا يسلمه الخصم لأنه قائل بعموم المشترك فحينئذ لا يدل على اشتراطها في الوسائل للصحة ولا على المقاصد أيضا .
وفي بعض الكتب أن الوضوء الذي ليس بمنوي ليس بمأمور به ولكنه مفتاح للصلاة أو النية إنما شرطت في العبادات بالإجماع أو بآية { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء } .
والأول أوجه ؟ لأن العبادة فيها بمعنى التوحيد بقرينة عطف الصلاة والزكاة فلا تشترط في الوضوء والغسل ومسح الخفين وإزالة النجاسة الخفيفة عن الثوب والبدن والمكان والأواني للصحة .
وأما اشتراطها في التيمم فلدلاله آيته عليها لأنه القصد وأما غسل الميت ؟ فقالوا لا تشترط لصحة الصلاة عليه وتحصيل طهارته وإنما هي شرط لإسقاط الفرض عن ذمة المكلفين .
وتفرع عليه : أن الغريق يغسل ثلاثا في قول أبي يوسف وفي رواية عن محمد أنه إن نوي عند الإخراج من الماء يغسل مرتين وان لم ينو فثلاثا وعغه يغسل مرة واحدة كما في فتح القدير .
واضا في العبادات كلها : فهي شرط صحتها إلا الإسلام ؟ فإنه يصح بدونها بدليل قولهم : إن إسلام المكره صحيح ولا يكون مسلما بمجرد نجة الإسلام بخلاف الكفر كما سنبينه في بحث التروك وأما الكفر : فيشترط له النية لقولهم : إن كفر المكره غير صحيح وأما قولهم : إنه إذا تكلم بكلمة الكفر هازلا يكفر إنما هو باعتبار أن عينه كفر كما علم في الأصول من بحث الهزل .
فلا تصح صلاة مطلقا و لو صلاة جنازة إلا بها فرضا أو واجبا أو سنة أو نفلا .
و إذا نوى قطعها لا يخرج عنها إلا بمناف و لو نوى الانتقال عنها إلى غيرها فإن كانت الثانية غير الأولى و شرع بالتكبير صار منتقلا و إلا فلا .
ولا يصح اقتداء بإمام إلا بنية و تصح الإمامة بدون نيتها خلافا للكرخي و أبي حفص الكبير كما في البناية إلا إذا صتى خلفه نساء فإن اقتداءهن به بلا نية الإمام للإمامة غير صحيح استثنى بعضهم الجمعة و العيدين و هو الصحيح كما في الخلاصة .
ولو حلف ألا يؤم أحدا فاقتدى به إنسان صح الاقتداء و هل يحنث قال في الخانية : يحنث قضاء لا ديانة إلا إن أشهد قبل الشروع فلا يحنث قضاء و كذا لو أتم الناس هنا الحالف في صلاة الجمعة صحت و حنث قضاء و لا يحنث اصلا إذا أمهم في صلاة الجنازة و سجدة التلاوة و لو حلف ألا يؤم فلانا فأم الناس ناويا ألا يؤمه و يؤم غيره فاقتدى به فلان حنث و إن لم يعلم به انتهى و لكن لا ثواب له على الإمامة .
وسجود التلاوة كالصلاة و كذا سجدة الشكر على قول من يراها مشروعة و المعتمد أن الخلاف في نيتها لا في الجواز و كذا سجود السهو و لا تضره نية عدمه وقت السلام .
وأما النية في الخطبة للجمعة : فشرط لصحتها حتى لو عطس بعد صعود المنبر فقال الحمد لله للعطاس غير قاصد لها لم تصح كما في فتح القدير و غيره .
وخطبة العيدين كذلك لقولهم : يشترط لها ما يشترط لخطبة الجمعة سوى تقديم الخطبة .
وأما الأذان فلا تشترط لصحته و إنما هي شرط للثواب عليه .
وأما استقبال القبلة فشرط الجرجاني لصحته النية و الصحيح خلافه كما في المبسوط و حمل بعضهم الأول على ما إذا كان يصلي في الصحراء و الثاني على ما إذا كان يصلي إلى محراب كذا في البناية .
و أما ستر العورة فلا تشترط لصحته و لم أر فيه خلافا .
ولا تشترط للثواب صحة العبادة بل يثاب على نيته و إن كانت فاسدة بغير تعمده كما لو صلى محدثا على ظن طهارته و سيأتي تحقيقه .
وأما الزكاة : فلا يصح أداؤها إلا بالنية و على هذا فما ذكره القاضي الإسبيجابي : أن من امتنع عن أدائها أخذها الإمام كرها و وضعها في أهلها و تجزيه لأن للإمام ولاية أخذها فقام أخذه مقام دفع المالك باختياره فهو ضعيف و المعتمد في المذهب عدم الإجزاء كرها قال في المحيط : و من امتنع عن أداء الزكاة : فالساعي لا يأخذ منه كرها و لو أخذ لا يقع عن الزكاة لكونها بلا اختيار و لكن يجبره بالحبس ليؤدي بنفسه انتهى .
وخرج عن اشتراطها لها : ما إذا تصدق بجميع النصاب بلا نية فإن الفرض يسقط واختلفوا في سقوط زكاة البعض إذا تصدق به قالوا : و تشترط نية التجارة في العروض و لا بد أن تكون مقارنة للتجارة فلو اشترى شيئا للقنية ناويا أنه إن وجد ربحا باعه لا زكاة عليه و لو نوى التجارة فيما خرج من أرضه العشرية أو الخراجية أو المستأجرة أو المستعارة : لا زكاة عليه و لو قارنت ما ليس بدل مال بمال كالهبة و الصدقة و الخلع والمهر و الوصية لا تصح على الصحيح .
وفي السائمة لا بد من قصد إسامتها للدر و النسل أكثر الحول فإن قصد به التجارة ففيها زكاة التجارة إن قارنت الشراء و إن قصد به الحمل أو الركوب أو الأكل فلا زكاة أصلا .
وأما النية في الصوم : فشرط صحته لكل يوم و لو علقها بالمشيئة صحت لأنها إنما تبطل الأقوال و النية ليست منها و الفرض و السنة و النفل في أصلها سواء .
وأما الحج : فهي شرط صحته أيضا فرضا كان أو نفلا و العمرة كذلك و لا تكون إلا سنة و المنذور كالفرض و لو نذر حجة الإسلام لا يلزمه إلا حجة الإسلام كما لو نذر الأضحية و القضاء في الكل كالأداء من جهة أصل النية .
وأما الاعتكاف : فهي شرط صحته واجبا كان أو سنة أو نفلا .
وأما الكفارات : فالنية شرط صحتها عتقا أو صياما أو إطعاما .
وأما الضحايا : فلا بد فيها من النية لكن عند الشراء لا عند الذبح و تفرع عليها أنه لو اشتراها بنية الأضحية فذبحها غيره بلا إذن : فإن أخذها مذبوحة و لم يضمنه اجزأته و إن ضمنه لا يجزىء كما في أضحية الذخيرة و هنا إذا ذبحها عن نفسه أما إذا ذبحها عن مالكها فلا ضمان عليه .
وهل تتعين الأضحية بالنية قالوا : إن كان فقيرا و قد اشتراها بنيتها تعينت فليس له بيعها و إن كان غنيا لم تتعين و الصحيح أنها تتعين مطلقا فيتصدق بها الغني بعد أيامها حية و لكن له أن يقيم غيرها مقامها كما في البدائع من الأضحية .
قالوا : و الهدايا كالضحايا .
وأما العتق : فعندنا ليس بعبادة وضعا بدليل صحته من الكافر و لا عبادة له فإن نوى وجه الله كان عبادة مثابا عليها و إن أعتق بلا نية صح و لا ثواب له إن كان صريحا .
وأما الكتابة : فلا بد لها من النية و إن أعتق للصنم أو للشيطان صح و أثم و إن أعتق لأجل مخلوق صح و كان مباحا لا ثواب و لا إثم و ينبغي أن يخصص بالاعتاق للصنم بما إذا كان المعتق كافرا أما المسلم إذا أعتق له قاصدا تعظيمه كفر كما ينبغي أن يكون الإعتاق لمخلوق مكروها و التدبير و الكتابة كالعتق .
وأما الجهاد : فمن أعظم العبادات فلابد من خلوص النية .
وأما الوصية : فكالعتق إن قصد التقرب فله الثواب و إلا فهي صحيحة فقط .
وأما الوقف : فليس عبادة وضعا بدليل صحته من الكافر فإن نوى القربة فله الثواب وإلا فلا وأما النكاح : فقالوا إنه أقرب إلى العبادات حتى إن الاشتغال به أفضل من التخلي لمحض العبادة وهو عند الاعتدال سنة مؤكدة على الصحيح فيحتاج إلى النية لتحصيل الثواب : وهو أن يقصد إعفاف نفسه وتحصينها وحصول ولد وفسرنا الاعتدال في الشرح الكبير شرح الكنز ولم تكن فيه شرط صحة قالوا : يصح النكاح مع الهزل .
لكن قالوا : حتى لو عقد بلفظ لا يعرف معناه ففيه خلاف والفتوى على صحته علم الشهود أو لا كما في البزازية وعلى هذا سائر القرب لا بد فيها من النية بمعنى : توقف حصول الثواب على قصد التقرب بها إلى الله تعالى من نشر العلم تعليما وإفتاء وتصنيفا .
وأما القضاء : فقالوا إنه من أشرف العبادات والثواب عليه أي على القضاء متوقف عليها أي على النية وكذا إقامة الحدود و التعازير و كل ما يتعاطاه الحكام والولاة وكذا تحمل الشهادات وأداوها .
وأما المباحات : فإنها تختلف صفتها باعتبار ما قصدت لأجله فإذا قصد بها التقوي على الطاعات أو التوصل إليها ؟ كانت عبادة كالأكل والنوم واكتساب المال والوطء .
وأما المعاملات فأنواع : فالبيع لا يتوقف عليها وكذا الإقالة والإجارة لكن قالوا : إن عقد بمضارع لم يصدر بسوف أو السين توقف على النية فإن نوى به الإيجاب للحال كان بيعا وإلا لا بخلاف صيغة الماضي فإن البيع بها لا يتوقف على النية وأما المضارع المتمخض للاستقبال فهو كالأمر لا يصح البيع به ولا بالنية وقد أوضحناه في شرح الكنز وقالوا : لا يصخ مع الهزل لعدم الرضى بحكمه معه .
وأما الهبة : فلا تتوقف على النية قالوا : لو وهب مازحا صحت كما في البزازية .
ولكن لو لقن الهبة ولم يعرفها لم تصح لا لأجل أن النية شرطها وإنما هو لفقد شرطها وهو الرضى ولذا : لو كره عليها لم تصح بخلاف الطلاق والعتاق ؟ فإنهما يقعان بالتلقين ممن لا يعرفهما لأن الرضى ليس بشرطهما ولذا لو كره عليهما يقعان .
وأما الطلاق : فصريح وكناية .
فالأول : لا يحتاج في وقوعه إليها فلو طلق غافلا أو ساهيا أو مخطئا وقع حتى قالوا : إن الطلاق يقع بالألفاظ المصحفة قضاء ولكن لا بد أن يقصدها باللفظ قالوا لو كرر مسائل الطلاق بحضرتها ويقول في كل مرة : أنت طالق لم يقع الطلاق بحضرتها ولو كتبت : امرأتي طالق أو أنت طالق وقالت له : اقرأ علي فقرأ عليها : لم يقع لعدم قصده باللفظ .
ولا ينافيه قولهم : إن الصريح لا يحتاج إلى النية لا وقالوا : لو قال : أنت طالق ناويا الطلاق من وثاق ؟ لم يقع ديانة ووقع قضاء وفي عبارة بعض الكتب : أن طلاق المخطىء واقع قضاء لا ديانة ؟ فظهر بهذا أن الصريح لا يحتاج إليها قضاء و يحتاج إليها ديانة ولا يرد عليه قولهم : إنه لو طلقها هازلا يقع عليه قضاء وديانة لأن الشارع صلى الله عليه و سلم جعل هزله به جدا وقالوا : لا تصح نية الثلاث في أنت طالق ولا نية البائن ولا تصح نية الثنتين في المصدر : أنت الطلاق إلا أن تكون المرأة أمة وتصح نية الثلاث .
وأما كناياته : فلا يقع بها إلا بالنية ديانة سواء كان معها مذاكرة الطلاق أو لا والمذاكرة إنما تقوم مقام النية في القضاء إلا في لفظ الحرام فإنه كناية ولا يحتاج إليها فينصرف إلى الطلاق إذا كان الزوج من قوم يريدون بالحرام الطلاق .
وأما تفويض الطلاق والخلع و الإيلاء والظهار : فما كان منه صريحا لا يشترط له النية وما كان كناية اشترطت له وأما الرجعة : فكالنكاح لأنها استدامته لكن ما كان منها صريحا لا يحتاج إليها وكنايتها تحتاج إليها .
وأما اليمين بالله : فلا يتوقف عليها فينعقد إذا حلف عامدا أو ساهيا أو مخطئا أو مكرها وكذا إذا فعل المحلوف عليه كذلك .
وأما نية تخصيص العام في اليمين : فمقبولة ديانة اتفاقا و قضاء عند الخصاف والفتوى على قوله إن كان الحالف مظلوما .
وكذلك اختلفوا هل الاعتبار لنية الحالف أو لنية المستحلف ؟ والفتوى على اعتبار نية الحالف إن كان مظلوما خصوصا لا إن كان ظالما كما في الولوالجية و الخلاصة .
وأما الإقرار والوكالة : فيصحان بدونها وكذا الإيداع والإعارة والإجارة وكذا القذف و السرقة .
وأما القصاص : فمتوقف على قصد القاتل للقتل لكن قالوا : لما كان القصد أمرا باطنا أقيمت الآلة مقامه فإن قتله بما يفرق الأجزاء عادة كان عمدا و وجب القصاص وإلا فإن قتله بما لا يفرق الأجزاء عادة لكن يقتل غالبا فهو شبه عمد لا قصاص فيه عند الإمام الأعظم وأما الخطأ : فإن يقصد مباحا فيصيب آدميا كما علم في باب الجنايات .
وأما قراءة القران : قالوا : إن القرآن يخرج عن كونه قرانا بالقصد فجوزوا للجنب والحائض قراءة ما فيه من الأذكار بقصد الذكر والأدعية بقصد الدعاء لكن أشكل عليه قولهم : لو قرأ بقصد الذكر لا تبطل صلاته وأجبنا عنه في شرح الكنز بأنه في محله فلا يتغير بعزيمته وقالوا : إن المأموم إذا قرأ الفاتحة في صلاة الجنازة بنية الذكر لا تحرم عليه مع أنه تحرم عليه قراءتها في الصلاة .
وأما الضمان : فهل يترتب في شيء بمجرد النية من غير فعل ؟ فقالوا في المحرم إذا لبس ثوبا ثم نزعه ومن قصده أن يعود إليه ؟ لا يتعدد الجزاء وإن قصد ألا يعود إليه تعدد الجزاء بلبسه وقالوا في المودع إذا لبس ثوب الوديعة ثم نزعه ومن نيته أن يعود إلى لبسه : لم يبرأ من الضمان .
وأما التروك ؟ كترك المنهي عنه فذكروه في الأصول في بحث ما تترك به الحقيقة عند الكلام على حديث إنما الأعمال بالنيات فذكروه في نية الوضوء و حاصله أن ترك المنهي عنه لا يحتاج إلى نية للخروج عن عهدة النهى و أفا لحصول الثواب بأن كان كفا وهو أن تدعوه النفس إليه قادرا على فعله فيكف نفسه عنه خوفا من ربه ؟ فهو مثاب وإلا فلا ثواب على تركه فلا يثاب على ترك الزنا وهو يصلي ولا يثاب العنين على ترك الزنا ولا الأعمى على ترك النظر المحرم وعلى هذا قالوا في الزكاة : لو نوى ما للتجارة أن يكون للخدمة كان للخدمة و إن لم يعمل بخلاف عكسه وهو ما إذا نوى فيما كان للخدمة أن يكون للتجارة لا يكون للتجارة حتى يعمل للتجارة لأن التجارة عمل فلا يتم بمجرد النية والخدمة ترك للتجارة فتتم بها قالوا ونظيره : المقيم والصائم والكافر والمعلوفة و السائمة حيث لا يكون مسافرا ولا مفطرا ولا مسلما ولا سائمة بمجرد النية ويكون مقيما وصائما وكافرا بمجرد النية لأنها ترك العمل كما ذكره الزيلعي .
ومن هنا و مما قدمناه في المباحات و مما سنذكره عن المشايخ صح لنا وضع قاعدة للفقه هي الثانية :