أحكام الناسي .
وحد النسيان في التحرير بأنه : عدم تذكر الشيء وقت حاجته إليه و اختلفوا في الفرق بين السهو و النسيان و المعتمد : أنهما مترادفان و اتفق العلماء على أنه مسقط للإثم مطلقا للحديث الحسن : [ إن الله تعالى و ضع عن أمتي الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه ] .
قال الأصوليون : إنه من باب ترك الحقيقة بدلالة محل الكلام لأن عين الخطأ وأخويه غير مرفوع فالمراد حكمها و هو نوعان : أخروي و هو المأثم ودنيوي و هو الفساد و الحكمان مختلفان فصار الحكم بعد كونه مجازا مشتركا فلا يعم .
أما عندنا : فلأن المشترك لا عموم له و أما عند الشافعي C فلأن المجاز لا عموم له فإذا ثبت الأخروي إجماعا لم يثبت الآخر كذا في التنقيح و تمامه في شرحنا على المنار .
وأما الحكم الدنيوي : فإن و قع في ترك مأمورة لم يسقط بل يجب تداركه و لا يحصل الثواب المترتب عليه أو فعل منهي عنه فإن أوجب عقوبة كان شبهة في إسقاطها .
فمن نسي صلاة أو صوما أو حجا أو زكاة أو كفارة أو نذرا و جب عليه قضاؤه بلا خلاف و كذا الوقوف بغير عرفة غلطا يجب القضاء اتفاقا و منها : من صلى بنجاسة مانعة ناسيا أو نسي ركنا من أركان الصلاة أو تيقن الخطأ في الاجتهاد في الماء و الثوب وقت الصلاة و الصوم أو نسي نية الصوم أو تكلم في الصلاة ناسيا .
ومما يسقط حكمه في النسيان : لو أكل أو شرب ناسيا في الصوم أو جامع لم يبطل أو أكل ناسيا في الصلاة تبطل و لو سلم ناسيا في الصلاة الرباعية على رأس الركعتين و الناسي والعامد في اليمين سواء وكذا في الطلاق لو قال : زوجتي طالق ناسيا أن له زوجة وكذا في العتاق وكذا في محظورات الإحرام .
وقد جعل له أصلا في التحرير فقال : إن كان معه مذكر و لا داعية له كأكل المصلي لم يسقط لتقصيره بخلاف سلامه في القعدة أو : لا معه مع داع كأكل الصائم سقط أو : لا ولا فأولى كترك الذابح التسمية لا انتهى .
ومن مسائل النسيان لو نسي المديون الدين حتى مات فإن كان ثمن مبيع أو قرض لم يؤاخذ به و إن كان غصبا يؤاخذ به كذا في الخانية .
ومنها : لو علم الوصي بأن الموصي أوصى بوصايا لكنه نسي مقدارها و حكمه في وصايا خزانة المفتين .
وأما الجهل فحقيقته : عدم العلم عما من شأنه العلم : فإن قارن اعتقاد النقيض فهو مركب و هو المراد بالشعور بالشيء على خلاف ما هو به و إلا فبسيط و هو المراد بعدم الشعور .
وأقسامه على ما ذكره الأصوليون كما في المنار أربعة : .
الأول : جهل باطل لا يصلح عذرا في الآخرة كجهل الكافر بصفات الله تعالى وأحكام الآخرة و جهل صاحب الهوى و جهل الباغي حتى يضمن مال العدل إذا أتلفه وجهل من خالف في اجتهاده الكتاب أو السنة المشهورة و الإجماع كالفتوى ببيع أمهات الأولاد .
الثاني : الجهل في موضع الاجتهاد الصحيح أو في موضع الشبهة و أنه يصلح عذرا وشبهة كالمحتجم إذا أفطر على ظن أنها فطرته وكمن زنى بجارية والده أو زوجته على ظن أنها تحل له .
والثالث : الجهل في دار الحرب من مسلم لم يهاجر و أنه يكون عذرا و يلحق به .
الرابع : و هو جهل الشفيع وجهل الأمة بالإعتاق وجهل البكر بنكاح الولي و جهل الوكيل و المأذون بالإطلاق و ضده انتهى .
ومما فرقوا فيه بين العلم و الجهل : لو قال : إن لم أقتل فلانا فكذا وهو ميت : إن علم به حنث و إلا : لا كذا في الكنز و قالوا : لو لم تعلم الأمة بأن لها خيار العتق لا يبطل بسكوتها و لو لم يعلم الصغير خيار البلوغ بطل .
وقالوا : لو استام جارية متنقبة أو ثوبا ملفوفا فظهر أنه ملكه بعد الكشف قيل : يعذر إذا ادعاه للجهل في موضع الخفاء و قيل : لا و المعتمد : الأول .
وقالوا : يعذر الوارث و الوصي و المتولي بالتناقض للجهل .
وقالوا : إذا قبلت الخلع ثم ادعت الثلاثة قبله تسمع فإذا برهنت استردت البدل .
للجهل في محله و لو قبل الكتابة و ادعى البدل ثم ادعى الإعتاق قبله تسمع و يسترد البدل إذا برهن .
وقالوا : إذا باع الوصي أو الأب ثم ادعى أنه و قع بغبن فاحش و قال : لم أعلم وقالوا : في باب الرضاع و لا يضر التناقض في الحرية و النسب و الطلاق كما أوضحناه في البحر من باب المتفرقات : أن الجهل معتبر عندنا لدفع الفساد فلا ضمان على الكبيرة لو جهلت أن الإرضاع مفسد كما في الهداية و في الخلاصة : إذا تكلم بكلمة الكفر جاهلا قال بعضهم : لا يكفر و عامتهم على أنه يكفر و لا يعذر انتهى .
وفي آخر اليتيمة ظن لجهله أن ما فعله من المحظورات حلال له : فإن كان مما يعلم من دين النبي A ضرورة كفر و إلا فلا و قالوا في باب خيار الرؤية : لو اشترى ما كان راه و لم يتغير فلا خيار له إلا إذا كان لا يعلم أنه مرئيه لعدم الرضاء به كذا في الهداية و قالوا : في كتاب الغصب : إن الجهل بكونه مال الغير يدفع الإثم لا ا لضمان .
وفي إقرار ليتيمة : سئل علي بن أحمد عن رجل أقر أن عليه لفلان حنطة من سلم عقداه بينهما ثم إنه بعد ذلك قال : سألت الفقهاء عن العقد فقالوا : هو فاسد : فلا يجب على شيء و المقر معروف بالجهل هل يؤاخذ بإقراره فقال : يسقط عنه الحق بدعوى الجهل انتهى و قال قبله : إذا أقر بالطلاق الثلاث على ظن ملق المفتي بالوقوع ثم تبين خطأه فإفتاء الأهل لم يقع ديانة و لا يصدق في الحكم و لو باع الوكيل قبل العلم بالوكالة لم يجز البيع و لو باع الوصي قبل العلم بالإيصاء جاز و لو باع ملك أبيه و لم يعلم بموته ثم علم جاز وكذا لو باع الجد مال ابنه ولم يعلم بموته نفذ على الصغير .
ومقتض بيع الوارث : أنه لو زوج أمة ابنه ثم بان ميتا نفذ ولو باعه على أنه آبق فبان راجعا ينبغي أن ينفذ .
ومما فرقوا فيه بين العلم و الجهل : ما في و كالة الخانية : الوكيل بقضاء الدين إذا دفعه إلى الطالب بعد ما و هب الدين من المديون قالوا : إن علم الوكيل بالهبة ضمن والا فلا و لو دفع إلى الطالب بعد ردته : قالوا : إن علم الوكيل بطريق الفقه أن الدفع إلى الطالب بعد ردته لا يجوز ضمن ما دفعه و إلا : فلا و لو دفع بعد ما دفع الموكل : فعن أبي يوسف C الفرق بين العلم و الجهل و المذهب : الضمان مطلقا كالمتفاوضين إذا أذن كل منهما لصاحبه بأداء الزكاة فادى أحدهما عن نفسه و عن صاحبه ثم أدى الثاني عن نفسه و عن صاحبه فإنه يضمن مطلقا و المأمور بقضاء الدين إذا أدى الأمر بنفسه ثم قضى المأمورة فإنه لا يضمن إذا لم يعلم بقضاء الموكل قالوا : هذا على قولهما أما على قوله فيضمن على كل حال انتهى .
ولو أجاز الورثة الوصية و لم يعلموا ما أوصى به لم تصح إجازتهم كذا في وصايا الخانية .
وفي وكالة المنية : أمر رجلا ببيع غلامه بمائة دينار فباعه بألف درهم ولم يعلم الموكل بما باعه فقال المأمور : بعت الغلام فقال : أجزت جاز البيع و كذا في النكاح و إن قال : قد أجزت ما أمرتك به ا لم يجز انتهى .
وفي وكالة الولوالجية : إذا عفا بعض الورثة عن القاتل عمدا ثم قتله الباقي إن علم أن عفو البعض يسقط القصاص اقتص منه و إلا فلا لأن هذا مما يشكل على الناس انتهى .
وفي ا جامع الفصولين ا : وكله بقبض دينه فقبضه بعد إبراء الطالب و لم يعلم فهلك في يده : لم يضمن و للدافع تضمين الموكل و لو وكله ببيع عبده فباعه بعد موته غير عالم وقبض الثمن وهلك في يده لم يضمن والضمان على الموكل انتهى .
وأما أحكام الإكراه فمذكورة في آخر المنار وهي شهيرة في الفروع تركناها قصدا