باب المهر .
ويصح النكاح وإن لم يسم فيه مهرا لأن النكاح عقد انضمام وازدواج لغة فيتم بالزوجين ثم المهر واجب شرعا إبانة لشرف المحل فلا يحتاج إلى ذكره لصحة النكاح وكذا إذا تزوجها بشرط أن لا مهر لها لما بينا وفيه خلاف مالك C .
وأقل المهر عشرة دراهم وقال الشافعي C : ما يجوز أن يكون ثمنا في البيع يجوز أن يكون مهرا لها حقها فيكون التقدير إليها ولنا قوله E [ ولا مهر أقل من عشرة ] ولأنه حق الشرع وجوبا إظهارا لشرف المحل فيتقدر بما له خطر وهو العشرة استدلالا بنصاب السرقة .
ولو سمتى أقل من عشرة فلها العشرة عندنا وقال زفر C : لها مهر المثل لأن تسمية ما لا يصلح مهرا كانعدامه ولنا أن فساد هذه التسمية لحق الشرع وقد صار مقضيا بالعشرة فأما ما يرجع إلى حقها فقد رضيت بالعشرة لربضاها بما دونها ولا معتبر بعدم التسمية لأنها قد ترضى بالتمليك من غير عوض تكرما ولا ترضى فيه بالعوض اليسير ولو طلقها قبل الدخول بها تجب خمسة عند علمائنا الثلاثة رحمهم الله : وعنده تجب المتعة كما إذا لم يسم شيئا .
ومن سمى مهرا عشرة فما زاد فعليه المسمى إن دخل بها أو مات عنها لأن بالدخول يتحقق تسليم المبدل وبه يتأكد البدل وبالموت بنتهي النكاح نهايته والشيء بانتهائه يتقرر ويتأكد فيتقرر بجميع مواجبه وإن طلقها قبل الدخول بها والخولة فلها نصف المسمى لقوله تعالى { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } [ البقرة : 237 ] الآية والأقيسة متعارضة ففيه تفويت الزوج الملك على نفسه باختياره وفيه عود المعقود عليه إليها سالما فكان المرجع فيه النص وشرط أن يكون قبل الخلوة لأنها كالدخول عندنا على ما نبيه إن شاء الله تعالى قال : وإن تزوجها ولم يسم لها مهرا أو تزوجها على أن لا مهر لها فلها مهر مثلها إن دخل بها أو مات عنها وقال الشافعي C : لا يجب شيء في الموت وأكثرهم على أنه يجب في الدخول له أن المهر خالص حقها فتتتمكن من نفيه ابتداء كما تتمكن من إسقاطه انتهاء ولنا أن المهر وجوبا حق الشرع على ما مر وإنما يصير حقا لها في حالة البقاء فتملك الإبراء دون النفي ولو طلقها قبل الدخول بها فلها المتعة لقوله تعالى : { ومتعوهن على الموسع قدره } [ البقرة : 236 ] الآية ثم هذه المتعة واجبة رجوعا إلى الأمر وفيه خلاف مالك C .
والمتعة ثلاثة أثواب من كسوة مثلها وهي درع وخمار وملحفة وهذا التقدير مروي عن عائشة وابن عابس رضي الله تعالى عنهما وقوله من كسوة مثلها وإشارة إلى أنه يعتبر خالها وهو قول الكرخي C في المتعة الواجبة لقيامها مقام مهر المثل والصحيح أن يعتبر حاله عملا بالنص وهو قوله تعالى : { على الموسع قدره وعلى المقتر قدره } [ البقرة : 236 ] ثم هي لا تزاد على نصف مهر مثلها ولا تنقص عن خمسة دراهم ويعرف ذلك في الأصل وإن تزوجها ولم يسم لها مهرا ثم تراضيا على تسميته فهي لها إن دخل بها أو مات عنها وإن طلقها قبل الدخول بها فلها المتعة وعلى قول أبي يوسف C : الأول نصف .
هذا المفروض وهو قول الشافعي C : لأنه مفروض فيتنصف بالنص ولنا أن هذا الفرض تعيين للواجب بالعقد وهو مهر المثل وذلك يتنصف فكذا ما نزل منزلته والمراد بما تلا الفرض في العقد إذ هو الفرض المتعارف .
قال : فإن زاد لها في المهر بعد العقد لزمته الزيادة خلافا لزفر C : وستذكره في زيادة الثمن والمثمن إن شاء الله و إذا صحت الزيادة تسقط بالطلاق قبل الدخول وعلى قول أبي يوسف C : أولا تنتصف مع الأصل لأن التنصيف عندهما يختص بالمفروض في العقد وعنده المفروض بعده كالمفروض فيه على ما مر وإن حطت عنه من مهرها صح الحط لأن المهر بقا ء حقها والحط يلاقيه حالة البقاء وإذا خلا الرجل بامرأته وليس هناك مانع من الوطء ثم طلقها فلها كمال المهر وقال الشافعي C : لها نصف المهر لأن المعقود عليه إنما يصير مستوفى بالوطء فلا يتأكد المهر دونه .
ولنا أنها سملت المبدل حيث رفعت المواقع وذلك وسعها فيتأكد حقها في البدل اعتبارا بالبيع وإن كان أحدهما مريضا أو صائما في رمضان أو محرما بحج فرض أو نفل أو بعمرة أو كانت حائضا فليس الخلوة صحيحة حتى لو طلقها كان لها نصف المهر لأن هذه الأشياء موانع .
أما المرض فالمراد منه ما يمنع الجماع أو يلحقه به ضرر وقيل مرضه لا يعرى عن تكسر وفتور وهذا التفصيل في مرضها وصوم رمضان لما يلزمه من القضاء والكفارة والإحرام لما يلزمه من الدم وفساد النسك والقضاء والحيص مانع طبعا وشرعا وإن كان أحدهما صائما تطوعا فلها المهر كله لأنه يباح له الإفطار من غير عذر في رواية المنتقي وهذا القول في المهر هو الصحيح وصوم القضاء والمنذور كالتطوع في رواية لأنه لا كفارة فيه والصلاة بمنزلة الصوم فرضها كفرضه ونفلها كنفله .
وإذا خلا المجبوب بامرأته ثم طلقها فلها كما المهر عند أبي حنيفة C وقالا عليه نصف المهر لأنه أعجز من المريض بخلاف العنين لأن الحكم أدير على سلامة الآلة و لأبي حنيفة C : أن المستحق عليها التسليم في حق السحق وقد أتت به قال : وعليها العدة في جميع هذه المسائل احتياطا استحسانا لتوهم الشغل والعدة حق الشرع والولد فلا يصدق في إبطال حق الغير بخلاف المهر لأنه مال لا يحتاط في إيجابه وذكر القدوري C في شرحه : أن المانع إن كان شرعيا كالصوم والحيض تجب العدة لثبوت التكن حقيقة وإن كان حقيقا كالمرض والضغر لا تجب لانعدام التمكن حقيقة .
قال : وتستحب المتعة لكل مطلقة إلا لمطلقة واحدة وهي التي طلقها الزوج قبل الدخول بها وقد سمى لها مهرا وقال الشافعي C : تجب لكل مطلقة إلا لهذه لأنها وجبت صلة من الزوج لأنه أوحشها بالفراق إلا أن في هذه الصورة نصف المهر طريقة المتعة لأن الطلاق فسخ في هذه الحالة والمتعة لا تكرر .
ولنا أن المعتعة خلف عن مهر المثل في المفوضة لأنه سقط مهر المثل ووجبت المتعة والعقد يوجب العوض فكان خلفا والخلف لا يجامع الأصل ولا شيئا منه فلا تجب مع وجوب شيء من المهر وهو غير جان في الإيحاش فلا تلحقه الغرامة به فكان منم باب الفضل وإذا زوج الرجل بنته على أن يزوجه الآخر بنته أو أخته ليكون أحد اتلعقدين عوضا عن الآخر فالعقدان جائزان ولكل واحد منهما مهر مثلها وقال الشافعي C : بطل العقدان لأنه جعل نصف البضع صداقا والنصف منكوحة ولا اشتراط في هذا الباب فبطل الإيجاب .
ولنا أنه سمى ما لا يصح صداقا فيصح العقد ويجب مهر المثل كما إذا سمى الخمر والخنزير ولا شركة بدون الاستحقاق وإن تزوج حر امرأة على خدمته إياها سنة أو على تعليمم القرآن فلها مهر مثلها وقال محمد C : لها قيمة خدمته سنة وإن تزوج عبد امرأة بإذن مولاة على خدمته سنة جاز ولها خدمته وقال الشافعي C : لها تعليم القرآن والخدمة في الوجهين لأن ما يصح أخذ العوض عنه بالشرط سصلح مهرا عنده لأن بذلك تحقق المعاوضة وصار كما إذا تزوجها على خدمة حر آخر برضاه أو على رعي الزوج غنمها .
ولنا أن المشروع إنما هو الابتغاء بالمال والتعليم ليس بمال وكذلك المنافع على أصلنا وخدمة العبد ابتغاء بالمال لتضمننه تسليم رقبته ولا كذلك الحر ولأن خدمة الزوج الحر لا يجوز استحقاقها بعقد النكاح لما فيه من قلب الموضوع بخلاف خدمة حر آخر برضاه لأن لا مناقضة وبخلاف خدمة العبد لأنه يخدم مولاه معنى حيث يخدمها بإذنه ويأمره وبخلاف رعي الأغنام لأنه من باب القيام بأمور الزوجية فلا مناقضة على أنه ممنوع في رواية ثم على قول محمد C تجب قيمة الخدمة لأن المسمى مال إلا أنه ممنوع في رواية ثم على قول محمد C تجب قيمة الخدمة لأن المسمى مال إلا أنه عجز عن التسليم لمكان المناقضة فصار كالتزوج على عبد الغير وعلى قول أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله يجب مهر المثل لأن الخدمة ليست بمال إذلا تستحق فيه بحال فصار كتسمية الخمر والخنزير وهذا لأن تقومه بالعقد للضرورة فإن لم يجب تسليمه بالعقد لم يظهر تقومه فيبقى الحكم للأصل وهو مهر المثل فإن تزوجها على ألف فقبضتها ووقبتها له ثم طلقها قبل الدخول بها رجع عليها بخمسمائة لأنه لم يصل إليه بالقبة عين ما يستوجبه لأن الدراهم والدنانير لا تتعينان في العقود والفسوخ وكذا إذا كان المهر مكيلا أو موزونا أو شيئا آخر في الذمة لعدم تعينها فإن لم يتقبض الألف حتى وهبتها له ثم طلقها قبل الدخول بها لم يرجع واحد منهما على صاحبه بشيء وفي القياس يرجع عليها بنصف الصداق وهو قول فر C لأنه سلم المهر له بالإبراء فلا تبرأ عما يستحقه بالطلاق قبل الدخول وجه الاستحسان أنه وصل إليه عين ما يستحقه بالطلاق قبل الدخول وهو براءة ذمته عن نصف المهر لا يبالي باختلاف السبب عند حصول المقصود ولو قبضت خمسمائة ثم وهبت الألف كلها المقبوض وغيره أو وهبت الباقي ثم طلقها قبل الدخول بها لم يرجع واحد منهما على صاحبه بشيء عند ابي حنيفة C وقالا : يرجع عليها بنصف ما قبضت اعتبار للبعض بالكل ولأن هبة البعض حط فيلتحق بأصل العقد و لأبي حنيفة C أن مقصود الزوج قد صحل وهو سلامة نصف الصداق بلا عوض فلا يستوجب الرجوع عند الطلاق والحط لا يلتحق بأصل العقد في النكاح ألا ترى أن الزيادة فيه لا تلتحق حتى لا تتنصف ولو كانت وهبت أقل من النصف وقبضت بالباقي فعنده يرجع عليها إلى تمام النصف وعندهما ينصف المقبوض ولو كان تزوجها على عرض فقبضته أو لم تقبض فوهبت له ثم طلقها قبل الدخول بها لم يرجع عليها بشيء وفي القياس وهو قول زفر C يرجع عليها بنصف قيمته لأن الواجب فيه رد نصف عين المهر على ما مر تقريره وجه الاستحسان أن حقه عند الطلاق سلامة نصف المقبوض من جهتها وقد وصل إليه ولهذا لم يكن لها دفع شيء آخر مكانه بخلاف ما إذا كان المهر دينا وبخلاف ما إذا باعت من زوجها لأن وصل إليه ببدل .
ولو تزوجها على حيوان أو عروض في الذمة فكذلك الجواب لأن المقبوض متعين في الرد وهذا لأن الجهالة تحملت في النكاح فإذا عين فيه يصير كأن التسمية وقعت عليه .
وإذا تزوجها على ألف على أن يخرجها من البلدة أو على أن لا يتزوج عللاهيا أخرى فإن وفى بالشرط فلها المسمى لأنه صلح مهرا وقد تم رضاها به وإن تزوج عليها أخرى أو أخرجها فلها مهر مثلها لأنه سمى ما لها فيه نفع فعند فعند فواته بنعدم رضاها بالألف فيكمل مهر مثلها كما في تسمة الكرامة والهدية مع الألف .
ولو تزوجها على ألف إن أقام بها وعلى ألفين إن أخرجها فإن أقامم بها فلها الألف وإن أخرجها فإن أقام بها فلها الألف وإن أخرجها فلها ههر المثل لا يزاد على الألفين ولا ينقص عن الألف وهذا عند أبي حنيفة C وقالا : الشرطان جميعا جائزان حتى كان لها الألف إن أقام بها والألفان إن أخرجها وقال زفر C : الشرطان جميعا فاسدان ويكون لها مهر مثلها لا ينقص من ألف ولا يزاد على ألفين وأصل المسألة في الإيجارات في قوله : إن خطته اليوم فلك درهم وإن خطته غدا نصف درهم وسنبينها فيه إن شاء الله .
ولو تزوجها على هذا العبد أو على هذا العبد فإذا أحدهما أو كس والآخر أرفع فإن كان مهر مثلها أقل من أوكسهما فلها الأوكس وإن كان أكثر من أرفعها فلها الأرفع وإن كان بينهما فلها مهر مثلها وهذا عند أبي حنيفة C وقالا : لها الأوكس في ذلك كله فإن طلقها قبل الدخول بها فلها نصف الأوكس في ذلك كله بالإجماع لهما أن المصير إلى مهر المثل لتعذر إيجاب المسمى وقد أمكن إيجاب الأوكس إذا الأقل متيقن فصار كالخلع والإعتاق على ممال و لأبي حنيفة C أن الموجب الأصلي هر المثل إذا هو الأعدل والعدول عنه عند صحة التسمية وقد فسدت لمكان الجهالة بخلاف الخلع والإعتاق على ال لأنه لا موجب له في البدل إلا أن مهر الثل إذا كان أكثر من الأرفع فالمرأة رضيت بالحط وإن كان أنقص من الأوكس فالزوج رضي بالزيادة والواجب في الطلاق قبل الدخول في مثله المتعة ونصف الأوكس يزي عليها في العادة فوجب لاعترافه بالزيادة .
وإذا تزوجها على حيوان غير موصوف صحت التسمية ولها الوسط منه والزوج مخير إن شاءأعطاها ذلك إن شاء أعطاها قيمته قال C : معنى هذه المسألة أن يسمي جنس الحيوان دون الوصف بأن يتزوحها على فرس أو حجار أما إذا لم يسم الجنس بأن يتزوجها على دابة لا تجوز التسمية وبجب مهر المثل وقال الشافعي C : يجب مهر المثل في الوجهين جمميعا لأن عنده ما لا يصلح ثمنا في البيع لا يصلح مسمى في النكاح إذ كل واحد منهما معاوضة .
ولنا أنه معاوضة مال بغير مال فجعلنا التزام المال ابتداء حتى لا يفسد بأصل الجهالة كالدية والأقارير وشرطنا أن يكون المسمى مالا وسطه معلوم رعاية للجانبين وذلك عن إعلام الجنس لأنه يشتمل على الجيد والرديء والوسط ذو حظ منهما بخلاف جهالة الجنس لأنه لا وسط له لا ختلاف معاني الأجناس وبخلاف لابيع لأن مبناه على المضايقة والمماكسة أما النكاح فمبناه على المسامحة وإنما يتخير لأن الوسط لا يعرف إلا بالقيمة فصارت أصلا في حق الإيفاء والعبد أصل تسمية فيتخير بينهما وإن تزوجها على ثوب غير موصوف فها مهر المثل ومعناه : أنه ذكر الثوب ولم يزد عليه ووجهه أن هذه جهالة الجنس لأن الثياب أجناس ولو سى جنسا بأن قال : هروي يصح التسمية ويخير الزوج لنا بينا وكذا إذا بالغ في وصف الثوب في ظاهر الرواية لأنها ليست من ذوات الأمثال وكذا سمى مكيلا أو موزونا وسمى جنسه دون صفته وإن سمى جنسه وصفته لا يخير لأن الموصوف منهما يثبت في الذة ثبوته صحيحا .
وإن تزوج مسلم على خمر أو خنزير فالنكاح جائز ولها مهر مثلها لأن شرط قبول الخمر شرط فاسد فيصح النكاح ويلغو الشرط بخلاف البيع لأن يبطل بالشروط الفاسدة لكن لم تصح التسمية لما أن المسمى ليس بمال في حق المسلم فوجب مهر المثل .
فإن تزوج امرأة على هذا الدن من الخل فإذا هو خمر فلها مهر مثلها عند أبي حنيفة C وقالا : لها مثل وزنه خلا وإن تزوجها على هذا العبد فإذا هو حر يجب مهر المثل عند أبي حنيفة و محمد وقال أبو يوسف : تجب القية لأبي يوسف أنه أطمعها مالا وعجز عن تسليمه فتجب قيمته أو مثله إن كان من ذوات الأمثال كما إذا هلك العبد المسمى قبل التسليم و أبو حنيفة C يقول : اجتمعت الإشارة والتسمية فتعتبر الإشارة لكونها أبلغ في المقصور وهو العرف فكأنه تزوج على خمر أو حر و محمد C يقول الأصل أن المسمى إذا كان من جنس المشار إليه يتعلق العقد بالمشار إليه لأن المسمى موجود في المشار إليه ذاتا والوصف يتبعه وإن كان من خلاف جنسه يتعلف بالمسمى لأن المسمى مثل للمشار إليه وليس بتابع له والتسمية أبلغ في التعريف من حيث إنها تعرف الماهية والإشارة تعرف الذات ألا ترى أن نم أشترى فصا على أنه ياقوت فإذا هو زجاج لا ينعق العقد لا ختلاف الجنس ولو اشترى على أنه ياقوت أحمر فإذا هو أخضر ينعقد العقد لاتحاد الجنس وفي مسألتنا العبد مع الحر جنس واحد لقلة التفاوت في المنافع والخمر مع الخل جنسان لفحش التفاوت في المقاصد .
فإن تزوجها على هذين العبدين فإذا أحدهما حر فليس لها إلا الباقي إذا ساوى عشرة دراهم عند أبي حنيفة C لأن مسمى ووجوب المسمى وإن قل يمنع وجوب مهر المثل وقال أبو يوسف لها العبد وقيمة الحر لو كان عبدا لأنه أطعمها سلامة العبدين وعجز عن تسليم أحدهام فتجب قيمته وقال محمد C وهو رواية عن أبي حنيفة C لها العبد الباقي وتمام مهر مثلها إن كان مهر مثلها أكثر من قية العبد لأنهما لو كانا حرين بجب تمام مهر المثل فإذا كان أحدهما عبدا يجب العبد وتمام مهر المثل .
وإذا فرق القاضي بين الزوجين في النكاح الفاسد قبل الدخول فلا مهر لها لأن المهر فيه لا يجب بمجردد العقد لفساده وإنما يجب باستيفاء منافع البضع وكذا بعد الخلوة لأن الخلوة فيه لا يثبت بها التمكن فلا تقام مقام الوطء فإذا دخل بها فلها مهر مثلها لا يزاد على المسمى عندنا خلافا لزفر C هو يعتبره بالبيع الفاسد .
ولنا أن المستوفى ليس بمال وإنما يتقوم بالتسمية فإذا زادت على مهر المثل لم تجب الزيادة لعدم صحة التسمية وإن نقصت لم تجب الزيادة على المسمى لانعدام التسمية بخلاف البيع لأن مال متقوم في نفسه فيتقدر بدله بقيمته وعليها العدة الحاقا للشبهة بالحقيقة في موضع الاحتياط وتحرزا عن اشتباه النسب ويعتبر ابتداؤها من وقت التفريق لا من آخر الوطآت هو الصحيح لأنها تجب باعتبار شبهة النكاح ورفعها بالتفريق ويثبت نسب ولدها لأن النسب يحتاط في إثباته إحياء للولد فيترتب على الثابت من وجه وتعتبر مدة النسب من وقت الدخول عند محمد C وعليه الفتوى لأن النكاح الفاسد ليس بداع إليه والإقامة باعتبار ه .
قال : و مهر مثلها يعتبر بأخواتها وعماتها وبنات أعمامها لقول ابن مسعود C : لها مهر مثل نسائها لا وكس فيه ولا شطط وهن أقارب الأب ولأن الإنسان من جنس قوم أبيه وقيمة الشيء إنما تعرف بالنظر في قيمة جنسه ولا يعتبر بأمها وخالتها إذا لم تكونا من قبيلتها لما بينا فإن كانت الأم من قوم أبيها بأن كانت بنت عمه فحينئذ يعتبر بمهرها لما أنها من قوم أبيها ويعتبر في مهر المثل أن تتساوى المرأتان في السن والجمال والمال والعقل والدين والبلد والعصر لأن مهر المثل يختلف باختلاف هذه الأوصاف ن كذا يختلف باختلاف الدار والعصر قالوا يعتبر التساوي أيضا في البكارة لأنه يختلف بالبكارة والثيوبة .
وإذا ضمن الولي المهر صح ضمانه لأنه من أهل الالتزام وقد أضافه إلى ام يقبله فيصح ثم المرأة بالخيار في مطالبتها زوجها أو وليها اعتبارا بسائر الكفالات ويرجع الولي إذا أدى على الزوج إن كان بأمره كما هو الرسم الكفالة وكذلك يصح هذا الضمان وإن كانت الزوجة صغيرة بخلاف ما إذا باع الأب مال الصغير وضمن الثمن لأن الولي سفير ومعبر في النكاح وفي البيع عاقد ومباشرةحتى ترجع العهدة عليه والحقوق إليه ويصح إبراؤه عند أبي حنيفة و محمد رحمهما الله ويملك قبضه بعد بلوغه فلو صح الضان يصير ضمانا لنفسه وولاية قبض المهر للأب بحكم الأبوة لا باعتبار أنه عاقد ألا ترى أنه لا يلك القبض بعد بلوغها فلا يصيبر ضمانا لنفسه .
قال : وللمرأة أن تمنع نفسها حتى تأخذ المهر وتمنعه أن يخرجها أي يسافر بها ليتعين حقها في البدل كما تعين حق الزوج في المبدل وصار كالبيع وليس للزوج أن يمنعها من السفر والخروج من منزله وزيارة أهلها حتى يوفيها المهر كله أي المعجل منه لأن حق الحبس لاستيفاء المستحق وليس له حق الاستيفاء قبل الإيفاء ولو كان المهر كله مؤجلا ليس لها أن تمنع نفسها لإسقاطها حقها بالتأجيل كما في البيع وفيه خلاف أبي يوسف C وإن دخل بها فكذلك الجواب عند أبي حنيفة C وقالا : ليس لها أن تمنع نفسها والخلاف فيما إذا كان الدخول برضاها حتى لو كانت مكرهة أو كانت صبية أو مجنونة لا يسقط في حقها الحبس بالاتفاق وعلى هذا الخلاف الخلوة بها برضاها ويبتنى على هذا استحقاق النفقة لهما أن المعقود عليه كله قد صار مسلما إلهي بالوطأة الواحدة وبالخلوة ولهذا يتأكد بها جميع المهر فلم يبق لها حق الحبس كالبائع إذا سلم البيع وله أنها منعت منه ما قابل البدل لأن كل وطأة تصرف في البضع المحترم فلا يخلى عن العوض إبانة لخطره والتأكيد بالواحدة لجهالة ما وراءها فلا يصلح مزاحما للمعلوم ثم إذا وجد آخر وصار معلوما تحققت المزاحمة وصار المهر مقابلا بالكل كالعبد إذا حنى جناية يدفع كله بها ثم إذا جنى جناية أخرى وأخرى يدفع بجميعها وإذا أوفاها مهررها نقلها إلى حيث شاء لقوله تعالى : { أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم } [ الطلاق : 6 ] الآية وقيل لا يخرجها إلى بلد غير بلدها لأن الغريبة تؤدى وفي قرى الصر القريبة لا تتحقق الغربة .
قال : ومن تزوج امرأة ثم اختلفا في المهر فالقول قول المرأة إلى تمام مهر مثلها والقول قول الزوج فما زاد على مهر المثل وإن طلقها قبل الدخول بها فالقول قوله في نصف المهر وهذا عند أبي حنيفة و محمد رحمهما الله وقال أبو يوسف : القول قوله بعد الطلاق وقبله إلا أن يأتي بشيء قليل ومعناه ما لا يتعارف مهرا لها هو الصحيح لأبي يوسف أن المرأة تدعي الزيادة والزوج ينكر والقول قول المنكر مع يمينه إلا أن يأتي بشيء يكذبه الظاهر فيه وهذا لأن تقوم منافع البضع ضروري فمتى أمكن إيجاب شيء من المسمى لا يصار إليه ولهما أن القول في الدعاوى قول من يشهد له الظاهر والظاهر شاهد لمن يشهد له مهر المثل لأنه هو الموجب الأصلي في باب النكاح وصار كالصباغ مع رب الثوب إذا اختلفا في مقدار الأجر يحكم فيه قيمة الصبغ ثم ذكر ههنا أن بعد الطلاق قبل الدخول القول قوله في نصف المهر وهذا رواية الجامع الصغير والأصل وذكر في الجامع الكبير أنه يحكم متعة مثلها وهو قياس قولهما لأن المتعة موجبة بعد الطلاق كمهر المثل قبله فتحهو ووجه التوفيق أنه وضع المسألة في الأصل في الألف والألفين والمتعة لا تبلغ هذا المبلغ في العادة فلا يفيد تحكيمها ووضعها في الجامع الكبير في العشرة والمائة وممتعة مقلها عشرون فيفيد تحكيها والمذكور في الجامع الصغير ساكت عن ذكر المقدار فيحمل على ما هو المذكور في الأصل وشرح قولهما فيما إذا اختلفا في حال قيام النكاح أن الزوج إذا ادعى الألف والمرأة الألفين فإن كان مهر مثلها ألفا أو أقل فالقو قوله وإن كان ألفين أو أكثر فالقول قولها وأيهما أقام البينة في الوجهين تقبل وإن أقاما البينة في الوجه الأول تقبل بينتها لأنها تثبت الزيادة وفي الوجه الثاني بينته لأنها تثبت الحد وإن كان ممهر مثلها ألفا وخمسمائة تحالفا وإذا حلفا يجب ألف وخمسمائة هذا تخريج الرازي وقال الكرخي C : يتحالفان في الفصول الثلاثة لم يحكم مهر المثل بعد ذلك ولو كان الاختلاف في أصل المسمى يجب مهر المثل بالإجماع لأنه هو الأصل عندهما وعنده تعذر القضاء بالمسمى فيصار إليه ولو كان الاختلاف بعد موت أحدهما فالجواب فيه كالجواب في حياتهما لأن اعتبار مهر المثل لا يسقط بموت أحدهما ولو كان الاختلاف بعد موتهما في المقدار فالقول قول ورثة الزوج عند أبي حنيفة C ولا يستثنى القليل وعند أبي يوسف C : القول قول الورثة إلا أن يأتوا بشيء قليل وعند محمد الجواب فيه كالجواب في حالة الحياة وإن كان في أصل المسمى فعند أبي حنيفة C القول قول منم أنكره .
فالحاصل أنه لا حكم لمهر المثل عنده بعد موتهما على ما نبينه من بعد إن شاء الله وإذا مات الزوجان وقد سمى لها مهرا فلورثتها أن يأخذوا ذلك من ميراث الزوج وإن لم يسم لها مهرا فلا شيء لورثتها عند أبي حنيفة وقالا لورثتها المهر في الوجهين معناه المسمى في الوجه الأولومهر المثل في الوجه الثاني .
أما الأول : فلأن المسمى دين في ذته وقد تأكد بالموت فيقضى من تكرته إلا إذا علم أنها ماتت أولا فيسقط نصيبه من ذلك .
وأما الثاني : فوجه قولهما أن مهر المثل صار دينا في ذمته كالمسمى فلا يسقط بالموت كما إذا مات أحدهما و لأبي حنيفة C أن موتهما يدل على انقراض أقرانهما فبمهر من يقدر القاضي مهر المثل ومن بعث إلى امرأته شيئا فقالت هو هدية وقلا الزوج هو من المهر فالقول قوله لأنه هو المملك فكان أعرف بجهة التمليك كيف وأن الظاهر أنه يسعى في إسقاط الواجب .
قال : إلا في الطعام الذي يؤكل فإن القول قولها والراد منه ما يكون مهيا للأكل لأنه يتعارف هدية فأما في الحنطة والشعير فالقول قلوه لما بينا وقيل ما يجب عليه من الخمار والدرع وغيرهما ليس له أن يحتسبه من المهر لأن الظاهر يكذبه والله أعلم