باب الجزية .
وهي على ضربين : الجزية توضع بالتراضي والصلح فتتقدر بحسب ما يقع عليه الاتفاق كما صالح رسول الله E أهل نجران على ألف ومائتي حلة ولأن الموجب هو التراضي فلا يجوز التعدي إلى غير ما وقع عليه الاتفاق وجزية يبتدئ إ مام وضعها إذا غلب الإمام على الكافر وأقرهم على أملاكهم فيضع على الغني الظاهر الغني في كل سنة ثمانية وأربعين درهما يأخذ منهم في كل شهر أربعة دراهم وعلى وسط الحال أربعة وعشرين درهما في كل شهر درهمين وعلى الفقير المعتمل اثني عشرة درهما في كل شهر درهما وهذا عندنا وقال الشافعي C : يضع على كل حالم دينارا أو بما يعدل الدينار الغني والفقير في ذلك شواء لقوله E لمعاذ Bه : [ خذ من كل حالم وحالمة دينارا أو عدله معافر من غير فصل ] ولأن الجزية إنما وجبت بدلا عن القتل حتى لا تجب على من لا يجوز قتله بسبب الكفر كالذراري والنسوان وهذا المعنى ينتظم الفقير والغني ومذهبنا منقول عن عمر وعثمان وعلي Bهم ولم ينكر عليهم أحد من المهاجرين والأنصار ولأنه وجب نصرة للمقاتلة فتجب على لتفاوت بمنزلة خراج الأرض وهذا لأنه وجب بدلا عن النصرة بالنفس والمال وذلك بتفاوت بكثرة الوفر وقتله فكذا ما هو بدله وما رواه محمول على أنه كان ذلك صلحا ولهذا أره بالأخذ من الحالمة وإن كانت لا يؤخذ منها الجزية .
قال : وتوضع الجزية على أهل الكتاب والمجوس لقوله تعالى : { من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية } [ التوبة : 29 ] الآية ووضع رسول الله E الجزية على .
قال : وعبدة الأوثان من العجم وفيه خلاف الشافعي C هو القول : إن القاتل واجب لقوله تعالى : { وقاتلوهم } [ البقرة : 193 ] إلا أنا عرفنا جواز تركه في حق أهل الكتاب بالكتاب وفي حق المجوس بالخبر فبقي من وراءهم على الأصل ولنا أنه يجوز استرقاقهم فيجوز ضرب الجزية عليهم إذ كل واحد منها يشتمل على سلب النفس منهم فإنه يكتسب ويؤدي إلى المسلمين ونفقته في كسبه وإن ظهر عليهم قبل ذلك فهم ونساؤهم وصبيانهم فيء لجواز استراقاقهم .
ولا توضع على عبدة الأوثان من العرب ولا المرتدين لأن كفرهما قد تغلظ أما مشركو العبرب فلأن النبي E نشأ بين أظهرهم والقرآن نزل بلغتهم فالمعجزة في حقهم أظهر وأما المرتد فلأنه كفر بربه بعدما هدي للإسلام ووقف على محاسنة فلا يقبل من الفريقين إلا الإسلام أو السبيف زيادة في العقوبة وعند الشافعي C يسترق مشركو العرب وجوابه ما قلنا .
وإذا ظهر عليهم فنساؤهم وصبيانهم فيء لأن أبا بكر الصديق Bه استرق نسوان بني حنيفة وصبيانهم لما ارتدوا وقسمهم بين الغانمين ومن لم يسلم من رجالهم قتل لما ذكرنا .
ولا جزية على امرأة ولا صبي لأنها وجبت بدلا عن القتل أو عن القتال وهما لا يقتلان ولا يقاتلان لعدم الأهلية .
قال : ولا زمن ولا أعمى وكذا المفلوج والشيخ الكبير لما بينا وعن أبي يوسف C أنه تجب إذا كان له مال لأنه يقتل في الجملة إذا كان له رأي ولا على فقير غير معتمل خلافا للشافعي C له إطلاق حديث معاذ Bه ولنا أن عثمان Bه لم يوظفها على فقير غير معتمل وكان ذلك بمحضر من الصحابة Bهم ولأن خراج الأرض لا يوظب على أرض لا طاقة لها فكذا هذا الخراج والحديث محمول على المعتل .
ولا توضع على المملوك والمكاتب والمدبر وأم الولد لأنه بدل عن القتل في حقهم وعن النصرة في حقنا وعلى اعتبار الثاني لا تجب فلا تجب بالشك ولا يؤدي عنهم مواليهم لأنهم تحملوا الزيادة بسببهم ولا توضع على الرهبان الذين لا يخالطون الناس كذا كذر ها هنا وذكر محمد عن أبي حنيفة رحمهم الله أنه يوضع عليهم إذا كانوا يقدرون على العمل وهو قول أبي يوسف C وجه الوضع عليهم أن القدرة على العل هو الذي ضيعها فصار كتعطيل الأرض الخراجية ووجه الوضع عنهم أنه لا قتل عليهم إذا كانوا لا يخالطون الناس والجزية في حقهم لإسقاط القتل ولا بد أن يكون المعتل صحيحا ويكتفى بصحته في أكثر السنة .
ومن أسلم وعليه جزية سقطت عنه وكذلك إذا مات كافرا خلافا للشافعي C فيهما له أنها نوجبت بدلا عن العصمة أو عن السكنى وقد وصل إليه المعوض فلا يسقط عنه العوض بهذا العارض كما في الأجرة والصلح عن دم العمد ولنا قوله E : [ ليس على مسلم جزية ] ولأنها وجبت عقوبة على الكفر ولهذا تسمى جزية وهي والجزاء واحد وعقوبة الكفر تسقط بالإسلام ولا تقام بعد الموت ولأن شرع العقوبة في الدينا لا يكون إلا لدفع الشر وقد اندفع بالموت والإسلام ولأنها وجبت بدلا عن النصرة في حقنا وقد قدر عليها بنفسه بعد الإسلام والعصمة تثبت بكونه آدميا والذمي يسكن ملك نفسه فلا معنى لإيجاب بدل العصمة والسكنى وإن اجتمعت عليه الحولان تداخلت وفي الجامع الصغير : ومن لم يؤخذ منه خراج رأسه حتى مضت السنة وجاءت سنة أخرى لم يؤخذ وهذا عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف و محمد رحمهما الله يؤخذ منه وهو قول الشافعي C .
وإن مات عند تمام السنة لم يؤخذ منه في قولهم جميعا وكذلك إن مات في بعض السنة .
أما مسألة الوت فقد ذكرناها وقيل خراج الأرض على هذا الخلاف وقيل لا تداخل فيه بالاتفاق لهما في الخلافية أن الخراج وجب عوضا والأعواض إذا اجتعت وأمكن استيفاؤها تستوفى وقد أمكن فيما نحن فيه بعد توالي السنين بخلاف ما إذا أسلم لأنه تعذر استيفاؤه .
و لأبي حنيفة C أنها وجبت عقوبة على الإصرار على الكفر على ما بيناه ولهذا لا تقبيل منه لو بعث على يد نائبه في أصح الروايات بل يكلف أن يأتي به بنفسه فيعطي قائما والقابض منه قاعد وفي رواية يأخذ بتلبيه ويهزه هزا ويقول أعط الجزية يا ذمي فثبت أنه عقوبة والعقوبات إذا اجتمعت تداخلت كالحدود ولأنها وجبت بدلا عن القتل في حقهم وعن النصرة في حقنا كما ذكرنا لكن في المستقبل لا في الماضي لأن القتل إنما يستوفى لحرام قائم في الحالل لا لحراب ماض وكذا النصرة في المستقبل لأن الماضي وقعت الغنية عنه ثم قوله محمد C في الجزية في الجامع الصغير وجاءت سنة أخرى حمله بعض المشايخ رحمهم الله على المضي مجازا وقال الوجوب بآخر السنة فلا بد من المضي ليتحقق الاجتماع فتتداخل وعند البعض هو مجرة على حقيقته والوجوب عند أبي حنيفة C بأول الحول فيتحقق الاجتماع بمجرد المجيء والأصح أن الوجب عندنا في ابتداء الحول وعند الشافعي C في آخره اعتبارا بالزكاة .
ولنا أن ما وجب بدلا عنه لا يتحقق إلا في المستقبل على ما قررناه فتعذر إيجابه بعد مضي الحول فأوجبناه في أوله والله أعلم بالصواب