فصل في كيفية القسمة .
قال : ويقسم الإمام الغنيمة فيخرج خمسها لقوله تعالى : { فأن لله خمسه وللرسول } [ الأنفال : 41 ] استثنى الخمس ويقسم الأربعة الأخامس بين الغانمين لأنه E فسمها بين الغانين ثم للفارس سهمان وللراجل سهم عند أبي حنيفة C وقال : للفارس ثلاثة أسهم وهو قول الشافعي C لما روى ابن عمر Bه [ أن النبي E أسهم لفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما ] ولأن اللاستحقاق بالغناء وغناؤه على ثلاثة أمثال الراجل لأنه للكر والفر والثبابت والراجل للثبات لا غير و لأبي حنيفة C ما روي ابن عباس Bهما [ أن النبي E أعطى الفارس سهمين والراجل سهما ] فتعارض فعلاه فيرجع إلى قوله وقد قال E : [ للفارس سهمان وللراجل سهم ] كيف وقد روى عن ابن عمر Bهما [ أن النبي E قسم للفارس سهمين وللراجل سهما ] وإذا تعارضت روايتاه ترجح رواية غيره لأن الكر والفر من جنس واحد فيكون غناؤه مثلي غناء الراجل فيفضل عليه بسهم ولأنه تعذر اعتبار مقدار الزيادة لتعذر معرفته فيدار الحكم على سبب ظاهر وللفارس سببان : النفس والفرس وللراجل سبب واحد فكان استحقاقه على ضعفه .
ولا يسهم إلا لفرس واحد وقال أبو يوسف C : يسهم لفرسين لما روي [ أن النبي E أسهم لفرسين ] ولأن الواحد قد يعيا فيحتاج إلى الآخر ولهما أن البراء بن أوس قاد فرسين فلم يسهم رسول الهل E إلا لفرس واحد ولأن القتال لا يتحقق بفرسين دفعة واحدة فلا يكون السبب الظاهر مفضيا إلى القتال عليهما فيسهم لواحد ولهذا لا يسهم لثلاثة أفراس وما رواه محمول على التنفيل كما أعطى سلمة بن الأكوع سهمين وهو راجل والبراذين والعتاق سواء لأن الإرهاب مضاف إلى جنس الخيل في الكتاب قال الله تعالى : { ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم } [ الأنفال : 60 ] واسم الخيل ينطلق البراذين والعراب والهجين والمقرف إطلاقا واحدا ولأن العربي إن كان في الطلب والهرب أهوى فالبرذون أصبر وألين عطفا ففي كل واحد منهما منفعة معتبرة فاستويا .
ومن دخل دار الحرب فارسا فنفق فرسه استحق سهم الفرسان ومن دخل راجلا فاشترى فرسا استحق سهم راجل وجواب الشافعي C على عكسه في الفصلين وهكذا روى ابن المبارك عن أبي حنيفة C في الفصل الثاني أنه يستحق سهم الفرسان .
والحاصل أن المعتبر عندنا حالة المجوزة وعنده حالة انقضاء الحرب له أن السبب هو القهر والقتال فيعتبر حال الشخص عنده والمجاوزة وسلية إلى السبب كالخروج من البيت وتعليق الأكحام بالقتال يدل على إمكان الوقوف عليه ولو تعذر أو تعسر تعلق بشهود الوقعة لأنه أقرب إلى القتال ولنا أن المجاوزة نفسها قتال لأنه يلحقهم الخوف بها والحال بعدها حالة الدوام ولا معتبر بها ولأن الوقوف على حقيقة القتال متعسر وكذا على شهود الوقعة لأنه حال التقاء الصفين فتقام المجاوزة ممقامه إذ هنو السبب المفضي إليه ظاهرا إذا كان على قصد القتال فيعتبر حال الشخص بحالة المجاوزة فارسا كان أو راجلا ولو دخل فارسا وقاتل راجلا لضيف المكان يستحق سهم الفرسان بالاتفاق ولو دخل فارسا ثم باع فرسه أو وهب أو آجر أو رهن ففي رواية الحسن عن أبي حنيفة C حمهما الله يستحق سهم الفرسان اعتبارا للمجاوزة وفي ظاهر الرواية يستحق سهم الرجالة لأن الإقدام على هذه التصرفات يدل على أنه لم يكن من قصده بالمجاوزة القتال فارسا ولو باعه بعد الفراغ لم يسقط سهم الفرسان وكذا باع في حالة القتال عند البعض والأصح أننه يسقط لأن البيع يدل على أن غرضه التجارة فيه إلا أهنه ينتظر عزته .
ولا يسهم لمملوك ولا أمراة ولا صبي ولا ذمي ولكن يرضخ لهم على حسب ما يرى الإمام لما روي [ أنه E كان لا يسهم للنساء والصبيان والعبيد وكان يرضخ لهم ] ولما استعان E باليهود على اليهود لم يعطهم شيئا من الغنيمة يعنيى أنه لم يسهم له م ولأن الجهاد عبادة والذمي ليس من أهل العبادة والصبي والمرأة عاجزان عنه ولهذا لم يلحقهما فرضه والعبد لا يمكنه المولى وله منعه إلا أنه يرضخ لهم تحريضا على القتال مع إظهار انحطاط رتبتهم والمكاتب بمنزلة العبد لقيام الرق وتوهم عجزه فيمنعه المولى عن الخروج إلى القتال ثم العبد إنما يرضخ له إذا قاتل لأنه دخل لخدمة الملوى فصار كالتاجر والمرأة يرضخ لها إذا كانت تداوي الجرحى وتقوم على المرضى لأنها عاجزة عن حقيقة القتال فيقام هذا النوع من الإعانة مقام القتال بخلاف العيد لأنه قادر على حقيقة القتال والذمي إنما يرضخ له إذا قاتل أو دل على الطريق ولم يقاتل لأن فيه منفعة للمسلمين إلا أنه يزاد على السهم في الدلالة إذا كانت فيه منفعة عظيمة ولا يبلغ به السهم إذا قاتل لأنه جهاد والأأول ليس من عمله ولا يسوى بينه وبين المسلم في حكم الجهاد .
وأما الخمس فيقسم على ثلاثة أسهم : سهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل يدخل فقراء ذوي القربى فيهم ويقدمون ولا يدفع إلى أغنيائهم وقال الشافعي C : لهم خمص الخمس يستوي فيه غنيهم وفقيرهم ويقسم بينهم للذكر مثل حظ الأثنين ويكون لبني هاشم وبني المطلب دون غيرهم لقوله تعالى : { ولذي القربى } من غير فصل بين الغني والفقير ولنا أن الخلفاء الأربعة الراشدينه Bهم قسموه على ثلاثة أسهم على نحو ما قلناه وكفى بهم قدوة وقال E : [ يا معشر بني هاشم إن الله تعالى كره لكم غسالة الناس وأوساخهم وعوضكم منها بخمس الخمس ] والعوض إنما يثبت في حق من يثتب في حقه المعوض وهم الفقراء والنبي E أعطاهم للنصرة ألا ترى أنه E علل فقال : [ إنهم لن يزلوا معي هكذا في الجاهلية والإسلام وشبك بين أصابعه ] دل على أن المراد من النص قرب النصرة لا قرب القرابة .
قال : فأما ذكر الله تعالى في الخمس فإنه لافتتاح الكلام تبركا باسمه وسهم النبي E سقط بموته كما سقط الصفي لأن E كان يستحقه برسالته ولا رسول بعده والصفي شيء كان E يصطفيه لنفسه من الغنيمة ثل درع أو سيف أو جارية وقال الشافعي C : يصرف سهم الرسول إلى الخلفية والحجة عليه ما قدمناه .
وسهم ذوي القربى كانوا يستحقونه في زمن النبي E بالنصرة لما روينا قال : وبعده بالفقر قال العبد الضعيف عمه الله : هذا الذي ذكره قول الكرخي وقال الطحاوي C : سهم الفقير منهم ساقط أيضا لما رونا من الإجماع ولأن فيه معنى الصدقة نظرا إلى المصرف فيحرمه كما يحرم العمالة وجه الأول وقيل هو الأصح : ما روى أن عمر Bه أعطى الفقراء منهم والإجماع انعقد على سقوط حق الأنياء أما فقراؤهم فيدخلون في الأصناف الثلاثة .
وإذا دخل الواحد أو الاثنان دار الحرب مغيرين بغير إذن الإمام فأخذوا شيئا لم يخمس لأن الغنيمة هو المأخوذ قهرا وغلبة لا اختلاسا وسرقة والخمس وظيفتها ولو دخل الواحد أو الاثنان بإذن الإمام ففيه روايتان والمشهور أنه يخمس لأنه لما أذن لهم الإمام فقد التزم نصرتهم بالإمداد فصار كالمنعة فإن ذخل جماعة لها منعة فأخذوا شيئا خمس وإن لم يأذن لهم الإمام لأنه مأخوذ قبهرا وغلبة فكان غنيمة ولأنه يجب على الإمام أن ينصرهم إذ لو خذلهم كان فيه وهن المسلمين بخلاف الواحد والاثنين لأنه لا يجب عليه نصرتهم والله أعلم بالصواب