باب الغنائم وقسمتها .
وإذا فتح الإمام بلدة عنوة أي قهرا فهو بالخيار إن شاء قسمه بين المسلمين فعل رسول الله E بخيبر وإن شاء أقر أهله عليه ووضع عليهم الجزية وعلى أراضيهم الخراج كذلك فعل عمر Bه بسواد العراق بموافقة من الصحابة Bهم ولم يحمد من خالفه وفي كل من ذلك قدوة فيتخير وقيل الأولى هو الأول عند حاجة الغانممين والثاني عند عدم الحاجة ليكون عدة في الزمان الثاني وهذا في العقار .
أما في المنقول المجرد لا يجوز المن بالرد عليهم لأنه لم يرد به الشرع فيه وفي العقار خلاف الشافعي C لأن في المن إبطال حق الغانمين أو ملكهم فلا يجوز من غير بدل يعادله والخراج غير معادل لقلته بخلاف الرقاب لأن للإمام أن يبطل حقهم رأسا بالقتال والحجة عليه ما روينا ه ولأن فيه نظرا لأنهم كالأكرة العاملة للمسلمين العالمة بوجوه الزراعة والمؤن مرتفعة مع ما أنه يحظى به الذين يأتون من بعد والخراج وإن قل حالا فقد جل مالا لدوامه وإن من عليهم بالقرقاب والأراضي يدفع إليهم من المنقولات بقدر ما يتهيأ لهم العمل ليخرج عن حد الكراهة .
قال : وهو في الأسارى بالخيار إن شاء قتلهم لأنه E قد قتل ولأن فيه حسم مادة الفساد وإن شاء استرقهم لأن فيه دفع شرهم مع وفور المنفعة لأهل الإلام وإن شاء تركهم أحرارا ذمة للمسلمين لما بيناه إلا مشركي العرب والمرتدين على ما نبين إن شاء الله تعالى .
ولا يجوز أن يردهم إلى دار الحرب لأنه فيه تقويتهم على المسلمين فإن أسلموا لا يقتلهم لاندفاع الشر بدونه وله أن يسترقهم توفيرا للمنفعة بعد انعقاد سبب الملك بخلاف إسلامهم قبل الأخذ لأنه لم ينعقد السبب بعد .
ولا يفادي بالأسارى عند أبي حنيفة C وقالا : يفادى بهم اسارى المسلمين وهو قول الشافعي C لأن فيه تخليص المسلم وهو أولى من قتل الكافر والانتفاع به وله أن فيه معونة للكفرة لأنه يعود حربا علينا ودفع شر حرابه خير من استنفاذ الأسير المسلم لأنه إذا بقي في أيديهم كان ابتلاء في حقه غير مضاف إلينا والإعانة بدفع أسيرهم إليهم مضاف إلينا أما المفاداة بمال يأخذه منهم لا يجوز في المشهور من المذاهب لما بينا وفي السير الكبير أنه لا بأس به إذا كان بالمسلمين حاجة استدلالا بأسارى بدر ولو كان أسلم الأسير في أيدينا لا يفادى بمسلم أسير في أيدهم لأنه لا يفيد إلا إذا طابت نفسه به وهو مأمون على إسلامهم .
قال : ولا يجوز المن عليهم أي على الأسارى خلافا للشافعي C فإنه يقول : من رسول الله E على بعض الأسارى يوم بدر ولنا قوله تعالى : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } [ التوبة : 5 ] ولأنه بالأسر والقسر ثبت حق الأسترقاق فيه فلا يجوز إسقاط بغير منفعة وعوض وما رواه منسوخ بما تلونا .
وإذا أراد الإمام العود ومعه مواش فلم يقدر على نقلها إلى دار الإسلام ذبحها وحرقها ولا يعقرها ولا يتركها وقال الشافعي C : يتركها لأنه E نهى عن ذبح الشاة إلا لمأكلة ولنا أن ذبح الحيوان يجوز لغرض صحيح ولا غرض أصح من كسر شوكة الأعداء ثم يحرق بالنار لينقطع منفعته عن الكفار وصار كتخريب البنيان بخلاف التحريق قبل الذبح لأنه منهي عنه وبخلاف العقر لأنه مثلة وتحرق الأسلحة أيضا وما لا يحترق منها يدفن في موضع لا يطلع عليه الكفار إبطالا للمنفعة عليهم .
ولا يقسم غنيمة في دار الحرب حتى يخرجها إلى دار الإسلام وقال الشافعي C : لا بأس بذلك وأصله : أن الملك للغانمين لا يثبت قبل للإحراز بدار الإسلام عندنا وعنده يثبت ويبتنى على هذا الأصل عدة من المسائل ذكرناها في كفاية المتنهي له أن سبب الملك الاستيلاء إذا ورد على مال مباح كما في الصيود ولا معنى للاستيلاء سوى إثبات اليد وقد تحقق ولنا أنه E نهى عن بيع الغنيمة في دار الحرب والخلاف ثابت فيه والقسمة بيع معنى فتدخل تحته ولأن الاستلاء إثبات اليد الحافظ والناقلة والثاني منعدم لقدرتهم على الاستنقاذ ووجوده ظاهرا ثم قيل موضع الخلاف ترتب الأحكام على القسمة إذا قسم الإمام لا عن اجتهاد لأن حكم الملك لا يثتب الخلاف ترتب الأحكام على القسمة إذا قسم الإمام لا عن اجتهاد لأنه حكم الملك لا يثتب بدونه وقيل الكراهة وهي كراهة تنزيه عند محمد C فإنه قال على قول أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله لا تجوز القسمة في دار الحرب وعند محمد C الأفضل أن يقسم في دار الإسلام ووجه الكراهة أن دليل البطلان راجح إلا أنه تقاعد عن سلب الجواز فلا يتعاقد عن إيراث الكراهة .
قال : والردء والمقاتل في العسكر سواء لاستوائهم في السبب وهو المجاوزة أو شهود الوقعة على ما عرف وكذلك إذا لم يقاتل لمرض أو غيره لما ذكرنا وإذا لحقهم المدد في دار الحرب قبل أن يخرجوا الغنيمة إلى دار الإسلام شاركوهم فيها خلافا للشافعي C بع انقضاء القتال وهو بناء على ما مهدناه من الأصل وإنما ينقطع حق المشاركة عندنا بالإراز أو بقسمة الإمام في دار الحرب أو ببيعه المغانم فيها لأن بكل واحد منها الملك فينقطع حق شركة المدد .
قال : ولا حق لأهل سوق العسكر في الغنيمة إلا أن يقاتوا وقال الشافعي C في أحد قوليه : يسهم لهم لقوله E [ الغنيمة لمن شهد الوقعة ] ولأنه وجد الجهاد معنى بتكثير السواد ولنا أنه لم توجد المجوزة على قصد القتال فانعدم السبب الظاهر فيعتبر السبب الحقيقي وهو القتال فيفيد الاستحقاق على حسب حاله فارسا أو راجلا عند القتال وما رواه موقوف على عمر Bه أو تأويله أن يشهدها على قصد القتال وإن لم تكن للإمام حمولة تحمل عليها الغنائم قسمها بين الغانمين قسمة إيداع ليحملوها إلى دار الإسلام ثم يرتجعها منهم فيقسمها قال العبد الضعيف : هكذا ذكر في المختصر ولم يشترط رضاهم وهو رواية السير الكبير والجملة في هذا أن الإمام إذا وجد في المغنم حمولة يحمل الغنائم عليها لأن الحمولة والمحمول مالهم وكذا إذا كان في بيت المال فضل حمولة لأنه ابتداء إجارة وصار كما إذا نفقت دابته في مفارزة ومع رفيقه فضل حمولة ويجبرهم في رواية السير الكبي لأنه دفع الضرر العام بتحميل ضرر خاص ولا يجوز بيع الغنائم قبل القسمة في دار الحرب لأنه لا ملك قبلها وفيه خلاف الشافعي C وقد بينا الأصل .
ومن مات من الغانمين في دار الحرب فلا حق له في الغنيمة ومن مات منهم بعد إخراجها إلى دار الإسلام فنصيبه لورثته لأن الإرث يجري في الملك ولا ملك قبل الإحراز وإنما الملك بعده وقال الشافعي C من مات منهم بعد استقرار الهزيمة يورث نصيبه لقيام الملك فيه عنده وقد بيناه .
قال : ولا بأس بأن يعلف العسكر في دار الحرب ويأكلوا مما وجدوه من الطعام قال العبد الضعيف : أرسل ولم يقيده بالحاجة وقد شرطها في رواية ولم يشترطها في أخرى وجه الأولى أنه مشترك بين الغانمين فلا يباح الانتفاع به إلا للحاجة كما في الثياب والدواب وجه الأخرى قوله E في طعام خيبر : [ كلوها واعلفوها ولا تحملوها ] ولأن الحكم يدار على دليل الحاجة وهو كونه في دار الحرب لأن الغازي لا يستصحب قوت نفسه وعلف ظهره مدة مقامه فيها والمية منقطعة فببقي على أصل الإباحة للحاجة بخلاف السلاح لأن يستصحبه فانعدام دليل الحاجة وقد تمس إليه الحاجة فتعتبر حقيقتها فيستعمله ثم يرده في المغنم إذا استغنى عنه والدابة مثل السلاح والطعام كالخبز وما يستعمل فيه كالسمن والزيت .
قال : ويستعملوا الحطب وفي بعض النسخ الطيب ويدهنوا بالدهن ويوقحوا به الدابة لمساس الحاجة إلى جميع ذلك ويقاتلوا بما يجدونه من السلاح كل ذلك بلا قسمة وتأويله إذا احتاج إليه بأن لم يكن له سلاح وقد بيناه .
ولا يجوز أن يبيعوا من ذلك شيئا ولا يتمولونه لأن البيع يترتب على الملك ولا ملك على ما قدماه وإنما هو إباحة وصار كالمباح له الطعام وقوله : ولا يتمولونه إشارة إلى أنهم لا يبيعيونه بالذهب والفضة والعروض لأنه لا ضروروة إلى ذلك فإن باعه أحدهم رد الثمن إلى الغنيمة لأنه بدل عين كانت للجماعة وأما الثياب والمتاع فيكره الانتفاع بها قبل القسبمة من غير حاجة للاشتراك إلا أنه يقسم الإمام بينهم في دار الحرب إذا احتاجوا إلى الثياب والدواب والمتاع لأن المحرم يستباح للضرورة فالمكروه أولى وهذا لأن حق المدد يحتمل وحاجة هؤلاء متيقن بها فكان أولى بالرعاية ولم يذكر القسمة في السلاح ولا فرق في الحقيقة فإنه إذا احتاج واحد يباح له الانتفاع في الفصلين وإن احتاج الكل يقسم في الفصلين بخلاف ما إذا احتاجوا إلى السبي حيث لا يقسم لأن الحاجة إليه من فضول الحوائج .
قال : ومن أسلم منهم معناه في دار الحرب أحرز بإسلامه نفسه لأن الإسلام ينافي ابتداء الاسترقاق وأولاده الصغار لأنهم مسلموهن بإسلامه تبعا وكل مال هو في يده لقوله E : [ من أسلم على مال فهو له ] ولأنه سبقت يده الحقيقة إليه يد الظاهرين عليه أو وديعة في يد مسلم أو ذمي لأنه في يد صحيحة حترمة ويده كيده فإن ظهرنا على دار الحرب فعقاره فيء وقال الشافعي C : هو له لأنه في يده فصار كالمنقول : ولنا أن العقار في يد أهل الدار وسلطانها إذا هو من جملة دار الحرب فلم يكن في يده حقيقة وقيل هذا قول أبي حنيفة و أبي يوسف الآخر وفي قول محمد وهو قول أبي يوسف الأول رحمهم الله هو كغيره من الأموال بناء على أن اليد حقيقة لا تثبت على العقار عندهما وعند محمد تثبت وزوجته فيء لأنها كافرة حربية لا تتبعه في الإسلام وكذا حملها فيء خلافا للشافعي C هو يقول إنه مسلم تبعا كالمنفصل ولنا أنه جزؤها فيرق برقها والمسلم محل للتملك تبعا لغيره بخلاف المنفصل لأنه حر لأنعدام الجزئية عند ذلك وأولاده الكبار فيء لأنهم كفارة حربيون ولا تبعية ومن قابل من عبيده فيء لأنه لما تمرد على مولاه خرج من يده فصار تبعا لأهل دارهم وما كان من ماله في يد حربي فهو فيء عصبا كان أو وديعة لأنه يده ليست بمحترمة وما كان غصبا في يد مسلم أو ذمي فهو فيء عند أبي حنيفة وقال محمد C : لا يكون فيئا قال العبد الضعيف C : كذا ذكر الاختلاف في السير الكبير وذكروا في شروح الجامع الصغير قول أبي يوسف مع قول محمد رحمهما الله لهما أن المال تابع للنفس وقد صارت معصومة بإسلامه فيتبعها ما له فيها وله أنه مال مباح فيملك بالاستيلاء والنفس لم تصر معصومة بالإسلام ألا ترى أنها ليست بمتقومة إلا أنه محرم التعرض في الأصل لكونه مكلفا وإباحة التعرض بعارض شره وقد اندفع بالإسلام بخلاف المال لأنه خلق عرضة للامتهان فكان محلا للتملك وليست في يده حكما فلم تثبت العصمة .
وإذا خرج المسلمون من دار الحرب لم يجز أن يعلفوا من الغنيمة ولا يأكلوا منها لأن الضرورة قد ارتفعت والإباحة باعتبارها ولأن الحق قد تأكذ حتى يورث نصيبه ولا كذلك قبل الإخلاج إلى دار الإسلام .
ومن فضل معه علف أو طعام رده الغنيمة معناه إذا لم تقسم وعن الشافعي C مثل قولنا وعنه أنه لا يرد اعتبارا بالمتلصص ولنا أن الاختصاص ضرورة الحاجة وقد زالت بخلاف المتلصص لأنه كان أحق به قبل الإحراز فكذا بعده وبعد القسة تصدقوا به إن كانوا أغنياء وانتفعوا به إن كانوا محاويج لأنه صار في حكم اللقطة لتعذر الرد على الغانمين وإن كانوا انتفعوا به بعد الإحراز ترد قيمته إلى المعنم إن كان لم يقسم وإن قسمت الغنيمة الغني يتصدق بقيمته والفقير لا شيء عليه لقيام القيمة مقام الأصل فأخذ حكمه والله أعلم بالصواب