باب قطع الطريق .
قال : وإذا خرج جماعة ممتنعين أو واحد يقدر على الامتناع فقصدوا قطع الطريق فأخذوا قبل أن يأخذوا مالا ويقتلوا نفسا حبسهم الإمام حتى يحدثوا توبة وإن أخذوا مال مسلم أو ذمي والمأخوذ إذا قسم على جماعتهم أصاب كل واحد منهم عشرة دراهم فصاعدا أو ما تبلغ قيمته ذلك قطع الإمام أيديهم وأرجلهم من خلاف وإن قتلوا ولم يأخذوا مالا قتلهم الإمام حدا والأصل فيه قوله تعالى : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله } [ المائدة : 33 ] الآية .
والمراد منه والله أعلم التوزيع على الأحوال وهي أربعة : هذه الثلاثة المذكورة والرابعة نذكرها إن شاء الله تعالى ولأن الجنايات تتفاوت على الأحوال فاللائق تغلظ الحكم بتغلظها .
أما الحبس في الأولى فلأنه المراد بالنفي المذكور لأنه نفي عن وجه الأرض بدفع شرهم عن أهلها ويعزرون أيضا لمباشرتهم منكر الإخافة وشرط القدرة على الامتناع لأن المحاربة لا تتحقق إلا بالمنعة والحالة الثانية كما بيناها لما تلوناه وشرط أن يكون المأخوذ مال مسلم أو ذمي لتكون العصمة مؤبدة ولهذا لو قطع الطريق على المسأمن لا يجب القطع وشرط كمال النصاب في حق كل واحد كيلا يستباح طرفه إلا بتناوله ما له خطر والمراد قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى كيلا يؤدي إلى تفويت جنس المنفعة والحالة الثالثة كما بيناها لما تلوناه ويقتلون حدا حتى لو عفا الأولياء عنهم لا يلتفت إلى عفوهم لأنه حق الشرع و الرابعة إذا قتلوا وأخذوا المال فالإمام بالخيار إن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وقتلهم وصلبهم وإن شاء قتلهم وإن شاء صلبهم وقال محمد C : يقتل أو يصلب ولا يقطع لأنه حناية واحدة فلا توجب حدين ولأن ما دون النفس يدخل في النفس في باب الحد كحد السرقة والرجم ولهما أن هذه عقوبة واحدة تغلظت لغلظ سببها وهو تفويت الأمن على التناهي بالقتل وأخذ المال ولهذا كان قطع اليد و الرجل معا في الكبرى حدا واحدا وإن كانا في الصغرى حديث والتداخل في الحدود لا ي حد واحد ثم ذكر في الكتاب التخيير بين الصلب وتركه وهو ظاهر الرواية وعن أبي يوسف C أنه لا يتركه لأنه منصوص عليه والمقصود التشهير ليعتبر به غيره ونحن نقول : أصل التشهير بالقتل والمبالغة بالصلب فيخير فيه .
ثم قال : ويصلب حيا ويبعج بطنه برمح إلى أن يموت ومثله عن الكرخي C وعن الطحاوي C أنه يقتل ثم يصلب توقيا عن المثلة وجه الأول وهو الأصح أن الصلب على هذا الوجه أبلغ في الردع وهو القصود به .
قال : ولا يصلب أكثر من ثلاثة أيام لأنه يتغير بعدها فيتأذى الناس به وعن أبي يوسف C أنه يترك على خشبة حتى يتقطع ويسقط ليعتبر به غيره قلنا حصل الاعتبار بما ذكرناه والنهاية غير مطلوبة .
قال : وإذا قتل القاطع فلا ضمان عليه في مال أخذه اعتبارا بالسرقة الصغرى وقد بيناه فإن باشر القتل أحدهم أجرى الحد عليهم بأجمعهم لأنه جزاء المحجاربة وهي تتحقق بأن يكون البعض ردءا للبعض حتى إذا زلت أقدامهم انحازوا إليهم وإنما الشرط القتل من واحد منهم وقد تحقق .
قال : والقتل وإن كان بعصا أو بحجر أو بسيف فهو سواء لأنه يقع قطعا للطريق بقطع المارة وإن لم يقتل القاطع ولم يأخذ مالا وقد جرح اقتص منه فيما فيه القصاص وأخذ الأرش منه فيما فيه الأرش وذلك إلى الأولياء لأنه لا حد في هذه الجناية فظهر حق العبد وهو ما ذكرناه فيستوفيه الولي وإن أخذ مالا ثم جرح قطعت يده ورجله وبطلت الجراحات لأنه لما وجب الحد حقا لله سقطت عصمة النفس حقا للعبد كما تسقط عصمة المال وإن أخذ بعدما تاب وقد قتل عمدا فإن شاء الأولياء قتلوه وإن شاءوا عفوا عنه لأن الحد في هذه الجناية لا يقام بعد التوبة للاستثناء المذكور في النص ولأن التوبة تتوقف على رد المال ولا قطع في مثله فظهر حق العبد في النفس والمال حتى يستوفي الولي القصاص أو يعفو ويجب الضمان إذا هلك في يده أو استهلكه وإن كان من القطاع صبي أو مجنون أو ذو رحم محرم من المقطوع عليه سقط الحد عن الباقين فالمذكور في الصبي والمجنون قوله أبي حنيفة و زفر رحمهما الله وعن أبي يوسف C : أنه لو باشر العقلاء يحد الباقون وعلى هذه السرقة الصغرى وله أن المباشر أصل والردء تابع ولا خلل في مباشرة العاقل ولا اعتبار بالخلل في التبع وفي عكسه ينعكس المعنى والحكم ولهما أنه جناية واحدة قاتم بالكل فإذا لم يقع فعل بعضهم موجبا كان فعل الباقين بعض العلة وبه لا يثبت الحكم فصار كالخاطئ مع العامد .
وأما ذو الرحم المحرم فقد قيل تأويله إذا كان المال شتركا بين المقطوع عليهم والأصح أنه مطلق لأن الجناية واحدة على ما ذكرنغاه فالامتناع في حق البعض يوجب الامتناع في حق الباقين بخلاف ما إذا كان فيهم مستأمن لأن الامتناع في حقه لخلل في العصمة وهو يخصه أما هنا الامتناع لخلل في الحرز والقافلة حرز واحد وإذا سقط الحد صار القتل إلى الأولياء لظهور حق العبد على ما ذكرناه فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا عفوا وإذا قطع بعض القافلة الطريق على البعض لم يجب الحد لأن الحرز واحد فصارت القافلة كدار واحدة ومن قطع الطريق ليلا أو نهارا في المصر أو بين الكوفة والحية فليس بقاطع الطريق استحسانا وفي القياس يكون قاطع الطريق وهو قوله الشافعي C لوجوده حقيقة وعن أبي يوسف C وأنه يجب الحد إذا كان خارج المصر وإن كان بقربه لأنه لا يلحقه الغوث وعنه إن قاتلوا نهارا بالسلاح أو ليلا به أو بالخشب فهم قطاع الطريق لأن السلاح لا يلبث والغوث يبطئ بالليالي ونحن نقول : إن قطع الطريف يقطع المارة ولا يتحقق ذلك في المصر وبقرب منه لأن الظاهر لحوق الغوث ولو قتلوا فالأمر فيه إلى الأولياء لما بينا ومن خنق رجلا حتى قتله فالدية على عاقلته عند أبي حنيفة C وهي مسالة القتل بالمثقل وسنبين في باب الديات إن شاء الله تعالى وإن خنق في المصر غير مرة قتل به لأن صار ساعيا في الأرض بالفساد فيدفع شره بالقتل والله أعلم بالصواب