جمع جنازة بالفتح والكسر للميت والسرير وقال الأزهري ولا تسمى جنازة حتى يشتد الميت عليه مكفنا ( يسن توجيه المحتضر ) أي من قرب ( 1 ) من الموت ( على يمينه ) لأنه السنة ( وجاز الاستلقاء ) على ظهره لأنه أيسر لمعالجته ( و ) لكن ( ترفع رأسه قليلا ) ليصير وجهه إلى القبلة دون السماء ( و ) يسن أن ( يلقن ) وذلك ( بذكر ) كلمة ( الشهادة عنده ) لقوله A " لقنوا موتاكم لا إله إلا الله فإنه مسلم ليس يقولها عند الموت إلا أنجته من النار " ولقوله A " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة " أي مع الفائزين وإلا فكل مسلم ولو فاسقا يموت على الإيمان يدخل الجنة ولو بعد طول العذاب وإنما اقتصرنا على ذكر الشهادة تبعا للحديث الصحيح ولذا قال في المستصفى وغيره : ويلقن الشهادتين لا إله إلا الله محمد رسول الله معللا بأن الأولى لا تقبل بدون الثانية ليس إلا في حق الكافر وكلامنا في تلقين المؤمن قال شيخ الإسلام ابن حجر : وقول جمع : " يلقن محمد رسول الله أيضا لأن القصد موته على الإسلام ولا يسمى مسلما إلا بهما : مردود بأنه مسلم وإنما المراد ختم كلامه بلا إله إلا الله ليحصل له ذلك الثواب وأما الكافر فيلقنهما قطعا مع أشهد لوجوبه إذ لا يصير مسلما إلا بهما انتهى . فتذكر الشهادة عند المسلم المتحضر ( من غير إلحاح ) لأن الحال صعب عليه فإذا قالها مرة ولم يتكلم بعدها حصل المراد ( ولا يؤمر بها ) فلا يقال له قل لأنه يكون في شدة فربما يقول لا جوابا لغير الأمر فيظن به خلاف الخير وقالوا إنه إذا ظهر منه ما يوجب الكفر لا يحكم بكفره حملا على أنه زال عقله واختار بعضهم زوال عقله عند موته لهذا الخوف .
_________ .
( 1 ) بأن ظهرت عليه علاماته من استرخاء يديه واعوجاج منخره ومعنى توجيهه جعل وجهه إلى القبلة وهو مقيد بما إذا لم يشق عليه وإلا ترك على حاله .
_________ .
ومما ينبغي أن يقال له على جهة الاستتابة أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه سبحانه لا إله إلا هو الحي القيوم لأنه قد يستضر بذكر ما يشعر أنه محتضر وأما الكافر فيؤمر بهما لما روى البخاري عن أيس ؟ ؟ Bه قال كان غلام يهودي يخدم النبي A فمرض فأتاه النبي A يعوده فقعد عند رأسه فقال " أسلم " فنظر إلى أبيه فقال له أطع أبا القاسم فأسلم فخرج النبي A وهو يقول " الحمد لله الذي أنقذه من النار " ( وتلقينه ) بعد ما وضع ( في القبر مشروع ) لحقيقة قوله A : لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله أخرجه الجماعة إلا البخاري ونسب إلى أهل السنة والجماعة ( وقيل لا يلقن ) في القبر ونسب إلى المعتزلة ( وقيل لا يؤمر به ولا ينهى عنه ) وكيفيته أن يقال " يا فلان أين فلان أذكر دينك الذي كنت عليه في دار الدنيا بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " ولاشك أن اللفظ لا يجوز إخراجه عن حقيقته إلا بدليل تعيبنه يقول " موتاكم " حقيقة ونفى صاحب الكافي فائدته مطلقا ممنوع نعم الفائدة الأصلية منفية ويحتاج إليه لتثبيت الجنان للسؤال في القبر قال المحقق ابن الهمام : وحمل أكثر مشايخنا إياه على المجاز - أي من قرب من الموت - مبناه على أن الميت لا يسمع عندهم وأورد عليهم قوله A في أهل القليب " ما أنتم بأسمع منهم " وأجابوا تارة بأنه مردود من عائشة Bها وتارة بأنه خصوصية له وتارة بأنه من ضرب المثل ويشكل عليهم ما في مسلم أن الميت يسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا وتمامه بفتح القدير .
قلت يمكن الجمع فيلقن عند الاحتضار لصريح قوله فإنه ليس مسلم يقولها عند الموت إلا أنجته من النار وعملا بحقيقة موتاكم لتثبيته للسؤال في القبر لما روى سعيد بن منصور وسمرة ابن حبيب وحكيم بن عمير قالوا : إذا سوى على الميت قبره وانصرف الناس كانوا يستحبون أن يقال للميت عند قبره يا فلان قل لا إله إلا الله ثلاث مرات يا فلان قل ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد A اللهم أني أتوسل إليك بحبيبك المصطفى أن ترحم فاقتي بالموت على الإسلام والإيمان وآن تشفع فينا نبيك عليه أفضل الصلاة والسلام ( ويستحب لأقرباء المحتضر ) وأصدقائه ( وجيرانه الدخول عليه ) للقيام بحقه وتذكيره وتجريعه وسقيه الماء لأن العطش يغلب لشدة النزع حينئذ ولذلك يأتي الشيطان كما ورد بماء زلال ويقول لا إله غيري حتى أسقيك نعوذ بالله منه ويذكرون فضل الله وسعة كرمه ويحسنون ظنه بالله تعالى لخبر مسلم : " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله أنه يرحمه ويعفو عنه " وخبر الصحيحين : " قال الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي " ( ويتلون عنده سورة يس ) للأمر به وفي خبر " ما من مريض يقرأ عنده سورة يس إلا مات ريانا وأدخل قبره ريانا " ( واستحسن ) بعض المتأخرين قراءة ( سورة الرعد ) لقول جابر Bه فإنها تهون عليه خروج روحه ( واختلفوا في إخراج الحائض والنفساء ) والجنب ( من عنده ) وجه الإخراج امتناع حضور الملائكة محلا به حائض أو نفساء كما ورد ويحضر عنده طبيب ( فإذا مات شد لحياه ) بعصابة عريضة تعمهما وتربط فوق رأسه تحسينا وحفظا لفمه ( وغمض عيناه ) للأمر به في السنة ( ويقول مغمضه : بسم الله وعلى ملة رسول الله ) A ( اللهم يسر عليه أمره وسهل عليه ما بعده وأسعده بلقائك واجعل ما خرج إليه خيرا مما خرج عنه ) قاله الكمال ثم يسجى بثوب ( ويوضع على بطنه حديدة لئلا ينتفخ ) وهو مروي عن الشعبي والحديد يدفع النفخ لسر فيه وإن لم يوجد فيوضع على بطنه شيء ثقيل وروى البيهقي أن أنسا أمر بوضع حديد على بطن مولى له مات ( وتوضع يداه بجنبيه ) إشارة لتسليمه الأمر لربه ( ولا يجوز وضعهما على صدره ) لأنه صنيع أهل الكتاب وتلين مفاصله وأصابعه بأن يرد ساعده لعضده وساقه لفخذه وفخذه لبطنه ويردها مليئة ليسهل غسله وإدراجه في الكفن .
( وتكره قراءة القرآن عنده حتى يغسل ) تنزيها للقراءة من نجاسة الحدث فإنه يزول عن المسلم فالغسل تكريما له بخلاف الكافر ( ولا بأس بإعلام الناس بموته ) بل يستحب لتكثير المصلين عليه لما روى الشيخان أن A نعى لأصحابه النجاشي في اليوم الذي مات فيه وأنه نعى جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة . وقال في النهاية إن كان عالما أو زاهدا أو ممن يتبرك به فقد استحسن بعض المتأخرين النداء في الأسواق لجنازته وهو الأصح اه . وكثير من المشايخ لم يرو بأسا بأن يؤذن بالجنازة ليؤدي أقاربه وأصدقاؤه حقه لكن لا على جهة التفخيم والإفراط في المدح ( و ) إذا تيقن موته ( يعجل بتجهيزه ) إكراما له لما في الحديث " وعجلوا به فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله " والصارف عن وجوب التعجيل الاحتياط قال بعض الأطباء إن كثيرين ممن يموت بالسكتة ظاهرا يدفنون أحياء لأنه يعسر إدراك الموت الحقيقي بها إلا على أفضل الأطباء فيتعين التأخير فيها إلى ظهور اليقين بنحو التغيير وقد مات النبي A في يوم الإثنين ضحوة ودفن في جوف الليل من ليلة الأربعاء ( فيوضع كما مات ) الكاف للمفاجأة إذا تيقن في موته ( على سرير مجمر ) أي مبخر إخفاء لكريه الرائحة وتعظيما للميت ويكون ( وترا ) ثلاثا أو خمسا ولا يزاد عليه قاله الزيلعي وفي الكافي والنهاية أو سبعا ولا يزاد عليه وكيفيته أن يدار بالمجمرة حول السرير ( ويوضع ) الميت ( كيف اتفق على الأصح ) قاله شمس الأئمة السرخسي وقيل عرضا وقيل إلى القبلة ( ويستر عورته ) ما بين سرته إلى ركبته قاله الزيلعي والنهاية هو الصحيح وفي الهداية يكتفي بستر العورة الغليظة هو الصحيح تيسيرا وهو ظاهر الرواية ولبطلان الشهوة ( ثم ) بعد ستر العورة بإدخال الساتر من تحت الثياب ( جرد من ثيابه ) إن لم يكن خنثى وتغسل عورته بخرقة ملفوفة تحت الساتر أو من فوقه إن لم توجد خرقة ( و ) بعده ( وضئ ) يبدأ بوجهه ويمسح رأسه ( في الصحيح ) إلا أن يكون صغيرا لا يعقل الصلاة فلا يوضأ ( بلا مضمضة واستنشاق ) للتعسر ويمسح فمه وأنفه بخرقة عليه عمل الناس ( إلا أن يكون جنبا ) أو ( 1 ) حائضا أو نفساء فيكلف غسل فمه وأنفه تتميما لطهارته ( و ) بعد الوضوء ( صب عليه ماء مغلي ( 2 ) ) قد مزج ( بسدر أو حرض ) أشنان غير مطحون مبالغة في التنظيف وقد أمر النبي A أن تغسل بنته والمحرم الذي وقصته دابته بماء وسدر ( وإلا ) أي وإن لم يوجد ( ف ) الغسل ب ( القراح : وهو الماء الخالص ) كاف ويسخن إن تيسر لأنه أبلغ في التنظيف .
_________ .
( 1 ) المشهور أن الجنب والحائض والنفساء كغيرهم .
( 2 ) من أغليت الماء إغلاء لا من الغلي والغليان لأنهما مصدران اللازم واللازم لا يبني منه اسم المفعول على المشهور اه طحطاوي .
_________ .
( ويغسل رأسه ) أي شعر رأسه ( و ) شعر ( لحيته بالخطمى ) نبت بالعراق طيب الرائحة يعمل عمل الصابون في التنظيف وإن لم يكن فالصابون وإن لم يكن به شعر لا يتكلف لهذا ( ثم ) بعد تنظيف الشعر والبشرة ( يضجع ) الميت ( على يساره فيغسل ) شقه الأيمن ابتداء لأن البداءة بالميامن سنة ( حتى يصل الماء إلى ما ) أي الجنب الذي ( يلي التخت ) بالخاء المعجمة ( منه ) أي الميت ( ثم ) يضجع ( على يمينه ) فيغسل ( كذلك ) حتى يصل الماء إلى سائر جسده ( ثم أجلس ) الميت ( مسندا إليه ) لئلا يسقط ( ومسح بطنه ) مسحا رقيقا ليخرج فضلاته ( وما خرج منه غسله ) فقط تنظيفا ( ولم يعد غسله ) ولا وضوءه لأنه ليس بناقض في حقه ( ثم ينشف بثوب ) كيلا تبتل أكفانه والنية في تغسيله لإسقاط الفرض عنا حتى أنه إذا وجد غريقا يحرك في الماء بنية غسله لهذا لا لصحة الصلاة عليه وإذا يمم لفقد الماء ثم وجد بعد الصلاة عليه بالتيمم غسل وصلي عليه ثانيا والمنتفخ الذي تعذر مسه يصب عليه الماء ويغسله أقرب الناس إليه وإلا فأهل الأمانة والورع ويستر ما لا ينبغي إظهاره ويكره أن يكون جنبا أو بها حيض ويندب الغسل من تغسيله وتقدم ( و ) بعد تنشيفه يلبس القميص ثم تبسط الأكفان و ( يجعل الحنوط ) هو عطر مركب من أشياء طيبة ولا بأس بسائر أنواعه غير الزعفران والورس ( 1 ) ) للرجال ( على رأسه ولحيته ) روي ذلك عن علي وأنس وابن عمر رضي الله تعالى عنهم ( و ) يجعل ( الكافور ( 2 ) على مساجده ) سواء فيه المحرم وغيره فيطيب ويغطى رأسه ليطرد الدود عنها وهي الجبهة وأنفه ويداه وركبتاه وقدماه روي ذلك عن ابن مسعود Bه فتخص بزيادة إكراه ( وليس في الغسل استعمال القطن في الروايات الظاهرة ) وقال الزيلعي : لا بأس بأن يجعل القطن على وجهه وأن يحشى به مخارقه كالدبر والقبل والأذنين والأنف والفم انتهى . وفي الظهيرية واستقبح عامة المشايخ جعله في دبره أو قبله .
_________ .
( 1 ) الورس : الكركم فيكره هو والزعفران اعتبارا بحال الرجال في الحياة . ولا يكرهان للنساء اعتبارا بحال حياتهن .
( 2 ) ورق شجر عظيم أصل منبته بالهند والصين اه . طحطاوي .
_________ .
( ولا يقص ظفره ) أي الميت ( و ) لا ( شعره ولا يسرح شعره ) أي شعر رأسه ( ولحيته ) لأنه للزينة وقد استغنى عنها ( والمرأة تغسل زوجها ) ولو معتدة من رجعي أو إظهار منها في الأظهر أو إيلاء لحل مسه والنظر إليه ببقاء العدة فلو ولدت عقب موته أو انقضت عدتها من رجعي أو كانت مبانة أو حرمت بردة أو رضاع أو صهرية لا تغسله ( بخلافه ) أي الرجل لا يغسل زوجته لانقطاع النكاح وإذا لم توجد امرأة لتغسيلها ييممها وليس عليه غض بصره عن ذراعيها بخلاف الأجنبي وهو ( كأم الولد ) والمدبرة والقنة ( لا تغسل سيدها ) وتيممه بخرقة .
( يتبع . . . )