بيان ما يتملك بالشفعة .
و أما بيان ما يتملك بالشفعة فالذي يتملكه الشفيع بالشفعة هو الذي ملكه المشتري بالشراء سواء ملكه أصلا أو تبعا بعد أن يكون متصلا وقت التملك بالشفعة و ذلك نحو البناء و الغرس و الزرع و الثمر و هذا استحسان و القياس أن لا يؤخذ البناء و الغرس و الزرع و الثمر بالشفعة .
وجه القياس : أن الشفيع إنما يتملك ما يثبت له فيه حق الشفعة و أنه يثبت في العقار لا في المنقول و هذه الأشياء منقولة فلم يثبت فيها الحق فلا تتملك بالشفعة و خاصة الزرع و الثمر لأنهما مبيعان و مقصودان لا يدخلان في العقد من غير تسمية فلم يثبت الحق فيهما لا أصلا و لا تبعا .
و لنا : أن الحق إذا ثبت في العقار يثبت فيما هو تبع له لأن حكم التبع حكم الأصل و هذه الأشياء تابعة للعقار حالة الاتصال أما البناء و الغرس فظاهران لأن قيامهما بالأرض .
و كذلك الزرع و الثمر لأن قيام الزرع و قيام الثمر بالشجر و قيام الشجر بالأرض فكان تبعا للأرض بواسط الشجر فيسقط الحق فيهما تبعا فيملكهما بالشفعة بطريق التبعية إلا أنهما لا يدخلان في العقد إلا بالتسمية مع وجود التبعية حقيقة بالنص و هو ما سنروي في كتاب البيوع عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع ] فما دام البناء و الشجر متصلا بالأرض فللشفيع أن يأخذ الأرض معه بالثمن الأول و كذا له أن يأخذ الأرض مع الثمر و الزرع بالثمن الأول بقلا كان الزرع أو مستحصدا إذا كان متصلا فأما إذا زال الاتصال ثم حضر الشفيع فلا سبيل للشفيع عليه و إن كان عينه قائما سواء كان الزوال بآفة سماوية أو بصنع المشتري أو الأجنبي لأن حق الشفعة في هذه الأشياء إنما ثبت معدولا به عن القياس معلولا بالتبعية و قد زالت التبعية بزوال الاتصال فيرد الحكم فيه إلى أصل القياس و هل يسقط عن الشفيع حصته من الثمن ؟ هذا لا يخلو إما إن كان مما يدخل في العقد من غير تسمية و إما إن كان مما لا يدخل فيه إلا بالتسمية فإن كان مما يدخل في العقد من غير تسمية كالبناء و الشجر ينظر إن كان زوال الاتصال بآفة سماوية بأن احترق البناء أو غرق أو جف شجر البستان لا يسقط شيء من الثمن و الشفيع يأخذ الأرض بجميع الثمن إن شاء أخذ و إن شاء ترك .
و كذلك لو انهدمت الدار سواء بقي عن النقض أو هلك كذا ذكر القدوري C في مختصره و سوى بينه و بين الغرق و الحرق و فرق الكرخي C فقال إن احترق أو غرق و لم يبق منه شيء لا يسقط شيء من الثمن .
و إن انهدم يسقط عن الشفيع حصته من الثمن و سوى بينه و بين ما إذا انهدم بفعل المشتري أو الأجنبي لكنه فرق بينهما من وجه آخر و هو أن هناك تعتبر قيمته متصلا فيقسم الثمن على قيمة البناء مبنيا و على قيمة الأرض فيأخذ الأرض بحصتها من الثمن و ههنا يعتبر منفصلا ساقطا و يسقط ذلك القدر من الثمن .
و الصحيح ما ذكره القدوري C لأن البناء تبع و الأتباع لا حصة لها من الثمن إلا أن تصير مقصودة بالفعل و هو الإتلاف و القبض و لم يوجد و لهذا لو احترق أو غرق لا يسقط شيء من الثمن كذا هذا .
و إن كان زوال الاتصال بفعل المشتري أو أجنبي بأن انهدم البناء أو قطع الشجر تسقط حصته من الثمن لأنه صار مقصودا بالإتلاف فصار له حصة من الثمن كأطراف العبد و يقسم الثمن على البناء مبنيا و على قيمة الأرض لأنه إنما يسقط حصة البناء فصار مضمونا عليه بفعله و هو الهدم و الهدم صادفه و هو مبني فيعتبر قيمته مبنيا بخلاف ما إذا انهدم بنفسه على رواية الكرخي C لأنه انهدم لا بصنع أحد فيعتبر حاله يوم الانهدام و لو لم يهدم المشتري البناء لكنه باعه بغير أرض ثم حضر الشفيع كان أحق بالبناء و الأرض فيأخذ و ينتقض البيع في البناء لأنه باع البناء و حق الشفيع متعلق به تبعا للأرض لوجود الاتصال فكان سبيل من إبطال البيع كما لو باع الأصل و هو الأرض ثم حضر الشفيع أن له أن يأخذ و ينتقض البيع كما قلنا كذا هذا .
و إن كان مما لا يدخل في العقد إلا بالتسمية كالثمر و الزرع يسقط عن الشفيع حصته من الثمن سواء كان زوال الاتصال بصنع العبد أو بآفة سماوية بخلاف الفصل الأول إذا احترق البناء أو غرق أو انهدم على رواية القدوري C أنه لا يسقط شيء من الثمن لأن البناء مبيع تبعا لا مقصودا لثبوت حكم البيع فيها تبعا لا مقصودا بالتسمية و الأتباع ما لها حصة من الثمن إلا إذا صارت مقصودة بالفعل و لم يوجد فأما الثمر و الزرع فكل واحد منهما مبيع مقصود .
ألا يرى أنه لا يدخل في العقد من غير تسمية فلا بد و أن يخصه شيء من الثمن فإن هلك يهلك بحصته من الثمن سواء هلك بنفسه أو بالاستهلاك لما قلنا و تعتبر قيمته يوم العقد لأنه أخذ الحصة بالعقد فتعتبر قيمته يوم العقد فيقسم الثمن على قيمة الأرض و على قيمة الزرع وقت العقد لكنه كيف تعتبر قيمتها يوم العقد مفصولا مجذوذا أم قائما روي عن أبي يوسف أنه تعتبر قيمة الزرع و هو بقل مفصول و مجذوذ فيسقط عنه ذلك القدر .
و روي عن محمد في النوادر أنه يعتبر قيمته قائما فتقوم الأرض و فيها الزرع و الثمر و تقوم و ليس فيها الزرع و الثمر فيسقط عن الشفيع ما بين ذلك .
وجه قول محمد : أن الزرع دخل في العقد و هو متصل و يثبت الحق فيه و هو منفصل و كذا الثمر فتعتبر قيمتها على صفة الاتصال على أن في اعتبار حالة الانفصال إضرارا بالشفيع إذ ليس للمفصول و الثمر المجذوذ كثير قيمة فيتضرر به الشفيع .
وجه قول أبي يوسف : أن حق الشفيع إنما سقط بعد زوال الاتصال فتعتبر قيمتها منفصلا لا متصلا .
و كذا لو كانت الأرض مبذورة و لم يطلع الزرع بعد ثم طلع ففصله المشتري عند أبي يوسف يقسم الثمن على قيمة البذر و على قيمة الأرض فيسقط قدر قيمة البذر عن الثمن .
و عند محمد : تقوم الأرض مبذورة و غير مبذورة فيسقط عنه ما بين ذلك إذا آجر الشفيع الأرض مع الشجر بحصتها من الثمن و بقيت الثمرة في يد البائع هل يثبت الخيار للمشتري ذكر محمد أن الثمرة لازمة للمشتري و لا خيار له .
و لو كان البائع أتلف الثمرة قبل أن يأخذ الشفيع الأرض بالشفعة فالمشتري بالخيار إن شاء أخذ الأرض بحصتها من الثمن و إن شاء ترك لأنه لما أتلف الثمرة فقد فرق الصفقة على المشتري قبل التمام من غير رضاه و أنه يوجب الخيار بخلاف ما إذا كان الشفيع أخذ الأرض بالشفعة لأن التفريق هناك حصل برضا المشتري لأن حق الشفيع كان ثابتا في المأخوذ و أنه حق لازم فكان التفريق هناك لضرورة حق ثابت لازم شرعا فكان المشتري راضيا به و التفريق المرضي به لا يوجب و الله سبحانه و تعالى أعلم .
هذا إذا كانت هذه الأشياء موجودة عند العقد متصلة بالعقار و دام الاتصال إلى وقت التملك بالشفعة أو زال ثم حضر الشفيع فأما إذا لم تكن موجودة عند العقد و وجدت بعده ثم حضر الشفيع فإن كان الحادث مما ثبت حكم البيع فيه تبعا و هو الثمر بأن وقع البيع و لا ثمر في الشجر ثم أثمر بعده ثم حضر الشفيع فما دام متصلا يأخذه الشفيع من الأرض بالثمن الأول استحسانا لأنه ثبت حكم البيع فيه تبعا لثبوته في الأرض بواسطة الشجر فكان مبيعا تبعا فيثبت حق الشفعة تبعا سواء حدث في يد المشتري أو في يد البائع لأن الشفعة موجودة في الحالين فإن زال الاتصال فحضر الشفيع فإن كان حدث في يد المشتري فالشفيع يأخذ الأرض و الشجر بالثمن الأول إن شاء و إن شاء ترك و لا يسقط شيء من الثمن و سواء كان زواله بأفة سماوية و هو قائم بعد الزوال أو هالك أو كان زواله بفعل أحد .
أما إذا كان بآفة سماوية و هو قائم أو هالك لأنه كان تبعا حالة الاتصال و لم يرد عليه فعل يصير به مقصودا و التبع لا يصير له حصة من الثمن بدونه .
و أما إذا كان الزوال بصنع العبد بأن جده المشتري و هو قائم أو هالك فلأنه لم يرد عليه العقد و لا القبض و إن كان حدث في يد البائع فإن كان الزوال بآفة سماوية و هو قائم أو هالك فكذلك أخذ الشفيع الأرض و الشجر بجميع الثمن إن شاء لأنه لم يوجد فعل يصير به مقصودا فيقابله الثمن .
و إن كان بفعل البائع بأن استهلكه يسقط عن الشفيع حصته من الثمن لصيرورته مقصودا بالإتلاف و إن كان الحادث مما لم يثبت فيه حكم البيع رأسا لا أصلا و لا تبعا بأن بنى المشتري بناء أو غرس أو زرع ثم حضر الشفيع يقضى له بشفعة الأرض و يجبر المشتري على قلع البنا و الفرس و تسليم الساحة إلى الشفيع إلا إذا كان في القلع نقصان الأرض فللشفيع الخيار إن شاء أخذ الأرض بالثمن و البناء و الغرس بقيمة مقلوعا و إن شاء أجبر المشتري على القلع و هذا وجوب ظاهر الرواية .
و روي عن أبي يوسف : أنه لا يجبر المشتري على قلع البناء و الغرس و لكنه يأخذ الأرض بثمنها و البناء و الغرس بقيمته قائما غير مقلوع إن شاء و إن شاء ترك و به أخذ الشافعي Bه .
و أجمعوا على أن المشتري لو زرع في الأرض ثم حضر الشفيع أنه لا يجبر المشتري على قلعه و لكنه ينتظر إدراك الزرع ثم يقضى له بالشفعة فيأخذ الأرض بجميع الثمن .
وجه رواية أبي يوسف C : أن في الجبر على النقض ضررا بالمشتري و هو إبطال تصرفه في ملكه و فيما قلنا مراعاة الجانبين .
أما جانب المشتري فظاهر لأن فيه صيانة حقه عن الإبطال و أما جانب الشفيع فلأنه يأخذ البناء بقيمته و أخذ الشيء بقيمته لا ضرر فيه على أحد .
وجه ظاهر الرواية : أن حق الشفيع كان متعلقا بالأرض قبل البناء و لم يبطل ذلك بالبناء بل بقي فإذا قضي له بالشفعة فقد صار ذلك الحق ملكا له فيؤمر بتسليم ملكه إليه و لا يمكنه التسليم إلا بالنقض فيؤمر بالنقض و لهذا أمر الناصب و المشتري عند الاستحقاق بالنقض كذا هذا و قوله في النقض ضرر بالمشتري قلنا : إن كان فيه ضرر به فهو الذي أضر بنفسه حيث بنى على محل تعلق به حق غيره و لو أخذ الشفيع الأرض بالشفعة و بنى عليها ثم استحقت و أمر الشفيع بنقض البناء فإن الشفيع يرجع على المشتري بالثمن و لا يرجع عليه بقيمة البناء إن كان أخذ منه و لا على البائع أيضا إن كان أخذ منه في ظاهر الرواية و روي عن أبي يوسف C أنه يرجع عليه .
وجه هذه الرواية : أن يأخذ بالشفعة بمنزلة الشراء من المشتري و لو كان اشتراه لرجع عليه كذا إذا أخذه بالشفعة له الرجوع بقيمة البناء في الشراء لوجود الغرور من البائع و ضمان السلامة للمشتري لأن كل بائع مخبر للمشتري أن يبيع ملك نفسه و شارط سلامة ما يبني فيه دلالة فإذا لم يسلم يدفع بحكم الضمان المشروط دلالة إذ ضمان الغرور ضمان الكفالة في الحقيقة و لا غرور من المشتري في حق الشفيع لأنه مجبور على التملك منه و حق الرجوع بضمان الغرور على المختار لا على المجبور كالجارية المأسورة إذا اشتراها رجل فأخذها المالك القديم بالثمن و استولدها ثم استحقت من يده و قضي عليه بالعقر و قيمة الولد فإنه يرجع على المشتري بالثمن الذي دفعه إليه و لا يرجع عليه بقيمة الولد و مثله إذا استولد جارية بالشراء ثم استحقت فإن المشتري يرجع على بائعه بالثمن و بقيمة الولد لصيرورته مغرورا من جهته و لا غرور من المشتري من الحربي لكونه مجبورا في التملك عليه بما أخذه من الحربي كذا هذا و الله سبحانه و تعالى أعلم