سبب الاستيلاد .
فصل : و أما سبب الاستيلاد و هو صيرورة الجارية أم ولد له فقد اختلف فيه قال أصحابنا سببه هو ثبوت نسب الولد و قال الشافعي : سببه علوق الولد حرا على الإطلاق بعد إتفاقهم على أن حكم الاستيلاد في الحال هو ثبوت حق الحرية و ثبوت حقيقة الحرية بعد موت المولى .
و الأصل فيه قول النبي صلى الله عليه و سلم في جاريته مارية القبطية لما ولدت إبراهيم بن النبي عليه الصلاة و السلام : [ أعتقها ولدها ] و المراد منه التسبب أي ولدها سبب عتقها غير أنهم اختلفوا في جهة التسبيب فقال أصحابنا هي ثبوت نسب الولد و قال الشافعي : هي علوق الولد حرا مطلقا .
وجه قوله : أن الولد حر بلا شك و أنه جزء الأم و حرية الجزء تقتضي حرية الكل إذ لا يحتمل أن يكون الكل رقيقا و الجزء حرا كان ينبغي أن تعتق الأم للحال إلا أنه إنما لا تعتق لأن الولد انفصل منها و حريته على اعتبار الانفصال لا توجب حرية الأم كما لو أعتق الجنين فقلنا بثبوت حق الحرية في الحال و تأخر الحقيقة إلى بعد الموت عملا بالشبهين .
و لنا : أن الوطء المعلق أوجب الجزئية بين المولى و الجارية بواسطة الولد لاختلاط المائين و صيرورتهما شيئا واحدا و انخلاق الولد منه فكان الولد جزأ لهما و بعد الانفصال عنها إن لم يبق جزأ لها على الحقيقة فقد بقي حكما لثبوت النسب و لهذا تنسب كل الأم إليه بواسطة الولد يقال أم ولده فلو بقيت حقيقة الحرية لثبتت حقيقة الحرية للحال فإذا بقيت حكما ثبت الحق على ما عليه وضع مأخذ الحجج في ترتيب الأحكام على قدر قوتها و ضعفها و إلى هذا المعنى أشار عمر Bه فقال : أبعد ما اختلطت لحومكم بلحومهن و دماؤكم بدمائهن تريدون بيعهن .
ثم اختلف أصحابنا في كيفية هذا السبب فقال علماؤنا الثلاثة : السبب هو ثبوت النسب شرعا و قال زفر هو ثبوت النسب مطلقا سواء ثبت شرعا أو حقيقة و بيان هذه الجملة في مسائل : إذا تزوج جارية إنسان فاستولدها ثم ملكها صارت أم ولد له عند أصحابنا لأن سبب الاستيلاد هو ثبوت النسب و قد ثبت فتحقق السبب إلا أنه توقف الحكم على وجود الملك فتعذر إثبات حكمه و هو حق الحرية في غير الملك كما يتعذر إثبات الحقيقة في غيره فتأخر الحكم إلى وقت الملك .
و عند الشافعي : لا تصير أم ولد له و هو قول إبراهيم النخعي لأن السبب عنده علوق الولد حرا على الإطلاق و لم يوجد لأن الولد رقيق في حق مولاه و إذا ملك ولده الذي استولده عتق عليه بالإجماع أما عندنا فلأنه ملك ذا رحم محرم منه فيعتق و أما عنده فلأنه ملك ولدا ثابت النسب منه شرعا .
و كذلك إذا ثبت النسب من غير مالك الجارية بوطء بشبهة ثم ملكها فقد صارت أم ولد له حين ملكها عندنا لوجود السبب و عنده لا لانعدام السبب و لو ملك الولد عتق لما قلنا .
و لو زنى بجارية فاستولدها بأن قال زنيت بها أو فجرت بها أو قال هو ابني من زنا أو فجور و صدقته و صدقه مولاها فولدت ثم ملكها لم تصر أم ولد له عند أصحابنا الثلاثة و هو استحسان .
و القياس : أن تصير أم ولد له و هو قول زفر بناء على أن السبب عنده ثبوت النسب مطلقا و قد ثبت النسب حقيقة بدليل أنه لو تملك الولد عتق عليه بلا خلاف بين أصحابنا و السبب عند أصحابنا الثلاثة هو ثبوت نسب الولد شرعا و لم يثبت