كتاب الاستيلاد .
الكلام في هذا الكتاب في مواضع : في تفسير الاستيلاد لغة و عرفا و في بيان شرطه و في بيان صفته و في بيان حكمه و في بيان ما يظهر به أما تفسيره لغة فالاستيلاد في اللغة هو طلب الولد كالاستيهاب و الاستئناس أنه طلب الهبة و الإنس و في العرف هو تصيير الجارية أم ولد يقال فلان استولد جاريته إن صيرها أم ولده .
و على هذا قلنا : إنه يستوي في صيرورة الجارية أم الولد الولد الحي و الميت لأن الميت ولد بدليل أنه يتعلق به أحكام الولادة حتى تنقضي به العدة و تصير المرأة به نفساء و كذا لو أسقطت سقطا قد استبان خلقه أو بعض خلقه و أقر به فهو بمنزلة الولد الحي الكامل الخلق في تصيير الجارية أم ولد لأن أحكام الولادة تتعلق بمثل هذا السقط و هو ما ذكرنا و إن لم يكن استبان شيء من من خلقه فألقت مضغة أو علقة أو نطفة فادعاه المولى فإنها لا تصير أم ولد كذا روى الحسن عن أبي حنيفة لأنه ما لم يستبن خلقه لا يسمى ولدا و صيرورة الجارية أم ولد بدون الولد محال و لأنه يحتمل أن يكون ولدا و يحتمل أن يكون دما جامدا أو لحما فلا يثبت به الاستيلاد مع الشك و هذا الذي ذكرنا قول أصحابنا و للشافعي فيه قولان : في قول قال : يصب عليه الماء الحار فإذا ذاب فهو دم و إن لم يذب فهو ولد و في قول قال : يرجع فيه إلى قول النساء و القولان فاسدان لما ذكرنا في كتاب الطلاق .
و لو أقر المولى فقال لجاريته حمل هذه الجارية مني صارت أم ولد له لأن الإقرار بالحمل إقرار بالولد إذ الحمل عبارة عن الولد و روي عن أبي يوسف أنه قال إذا قال حمل هذه الجارية مني أو قال هي حبلى مني أو قال ما في بطنها من ولد فهو مني ثم قال بعد ذلك لم تكن حاملا و إنما كان ريحا و صدقته الأمة فإنهما لا يصدقان و هي أم ولد لأنه أقر بحملها و الحمل عبارة عن الولد و ذلك يثبت لها حرية الاستيلاد فإذا رجع لم يصح رجوعه و لا يلتفت إلى تصديقها لأن في الحرية حق الله تعالى فلا يحتمل السقوط بإسقاط العبد و لو قال ما في بطنها مني و لم يقل من حمل أو ولد ثم قال بعد ذلك كان ريحا و صدقته لم تصر أم ولد لأن قوله ما في بطنها يحتمل الولد و الريح فقد تصادقا على اللفظ المحتمل فلم يثبت الاستيلاد .
و لو قال المولى : إن كانت هذه الجارية حبلى فهو مني فأسقطت سقطا قد استبان خلقه أو بعض خلقه صارت أم ولد لما بينا فإن ولدت ولدا لأقل من ستة أشهر صارت أم ولد له و لأن الطريق إلى ثبوت نسب الحمل منه هذا لأن معنى قوله إن كانت حبلى فهو مني أي إني وطئتها فإن حبلت من وطء فهو مني فإذا أتت بعد هذه المقالة بولد لأقل من ستة أشهر تيقنا أنها كانت حاملا حينئذ فثبت النسب و الاستيلاد فإن أنكر المولى الولادة فشهدت عليها امرأة لزمه النسب لأن الزوج إذا كان أقر بالحمل تقبل شهادة امرأته على الولادة على ما ذكرنا في كتاب الطلاق فإذا جاءت لستة أشهر فصاعدا لم يلزمه و لم تصر الجارية أم ولد لأنا نعلم وجود هذا الحمل في ذلك الوقت لجواز أنها حملت بعد ذلك فلا يثبت النسب و الاستيلاد بالشك