صفة اللعان .
فصل : و أما صفة اللعان فله صفات : منها أنه واجب عندنا و قال الشافعي : ليس بواجب إنما الواجب على الزوج بقذفها هو الحد إلا أن له أن يخلص نفسه عنه بالبينة أو باللعان و الواجب على المرأة إذا لاعن الزوج هو حد الزنا و لها أن تخلص نفسها عنه باللعان حتى إن للمرأة أن تخاصمه إلى الحاكم و تطالبه باللعان عندنا و إذا طالبته يجبره عليه و لو امتنع يحبس لامتناعه عن الواجب عليه كالممتنع من قضاء الدين فيحبس حتى يلاعن أو يكذب نفسه و عنده ليس لها ولاية المطالبة باللعان و لا يجبر عليه و لا يحبس إذا امتنع بل يقام عليه الحد و كذا إذا التعن الرجل تجبر المرأة على اللعان و لو امتنعت تحبس حتى تلاعن أو تقر بالزنا عندنا و عنده لا تجبر و لا تحبس بل يقام عليها الحد .
احتج الشافعي بقوله عز و جل : { و الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } أوجب سبحانه و تعالى الجلد على القاذف من غير فصل بين الزوج و غيره إلا أن القاذف إذا كان زوجا له أن يدفع الحد عن نفسه بالبينة إن كانت له بينة و إن لم تكن له بينة يدفعه باللعان فكان اللعان مخلصا له عن الحد .
و قوله تعالى : { و يدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله } جعل سبحانه و تعالى لعانها دفعا لحد الزنا عنها إذ الدرء هو الدفع لغة ( فدل ) أن الحد وجب عليها بلعانه ثم تدفعه بلعانها و لأن بلعانه يظهر صدقه في القذف لأن الظاهر أنه لا يلاعن إلا و أن يكون صادقا في قذفه فيجب عليها الحد إلا أن لها أن تخلص نفسها عنه باللعان لأنها إذا لاعنت وقع التعارض فلا يظهر صدق الزوج في القذف فلا يقام عليها الحد .
و لنا قوله تعالى : { و الذين يرمون أزواجهم و لم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله } أي فليشهد أحدهم أربع شهادات بالله جعل سبحانه و تعالى موجب قذف الزوجات اللعان فمن أوجب الحد فقد خالف النص و لأن الحد إنما يجب لظهور كذبه في القذف و بالامتناع من اللعان لا يظهر كذبه إذ ليس كل من امتنع من الشهادة أو اليمين يظهر كذبه فيه بل يحتمل أنه امتنع منه صونا لنفسه عن اللعن و الغضب و الحد لا يجب مع الشبهة فكيف يجب مع الاحتمال و لأن الاحتمال من اليمين بدل و إباحة و الإباحة لا تجري في الحدود فإن من أباح للحاكم أن يقيم عليه الحد لا يجوز له أن يقيم .
و أما آية القذف : فقد قيل إن موجب القذف في الإبتداء كان هو الحد في الأجنبيات و الزوجات جميعا ثم نسخ في الزوجات و جعل موجب قذفهن اللعان بآية اللعان .
و الدليل عليه ما روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال : ( كنا جلوسا في المسجد ليلة الجمعة فجاء رجل من الأنصار فقال : يا رسول الله أرأيتم الرجل يجد مع امرأته رجلا فإن قتله قتلتموه و إن تكلم به جلدتموه و إن أمسك أمسك على غيظ ثم جعل يقول : اللهم افتح فنزلت آية اللعان ) دل قوله و إن تكلم به جلدتموه على أن موجب قذف الزوجة كان الحد قبل نزول آية اللعان ثم نسخ في الزوجات بآية اللعان فينسخ الخاص المتأخر العام المتقدم بقدره هكذا هو مذهب عامة مشايخنا .
و عند الشافعي : يبنى العام على الخاص و يتبين أن المراد من العام ما وراء قدر الخاص سواء كان الخاص سابقا أو لاحقا و سواء علم التاريخ و بينهما زمان يصلح للنسخ أو لا يصلح أو جهل التاريخ بينهما فلم تكن الزوجات داخلات تحت آية القذف على قوله فكيف يصح احتجاجه بها .
و أما قوله تعالى : { و يدرأ عنها العذاب } فلا حجة له فيه لأن دفع العذاب يقتضي توجه العذاب لا وجوبه لأنه حينئذ / يكون رفعا لا دفعا على أنه يحتمل أن يكون المراد من العذاب هو الحبس إذ الحبس يسمى عذابا قال الله تعالى في قصة الهدهد { لأعذبنه عذابا شديدا } قيل في التفسير لأحبسنه و هذا لأن العذاب ينبىء عن معنى المنع في اللغة يقال : أعذب أي منع و أعذب أي امتنع يستعمل لازما و متعديا و معنى المنع يوجد في الحبس و هذا هو مذهبنا أنها إذا امتنعت من اللعان تحبس حتى تلاعن أو تقر بالزنا فيدرأ عنها العذاب و هو الحبس باللعان فإذن قلنا بموجب الآية الكريمة .
و منها : أنه لا يحتمل العفو و الإبراء و الصلح لأنه في جانب الزوج قائم مقام حد القذف و في جانبها قائم مقام الزنا و كل واحد منهما لا يحتمل العفو و الإبراء و الصلح لما نذكر إن شاء الله تعالى في الحدود .
و كذا لو عفت عنه قبل المرافعة أو صالحته على ما لم يصح و عليها رد بدل الصلح و لها أن تطالبه باللعان بعد ذلك كما في قذف الأجنبي .
و منها : أن لا تجري فيه النيابة حتى لو و كل أحد الزوجين باللعان لا يصح التوكيل لما ذكرنا أنه بمنزلة الحدفلا يحتمل النيابة كسائر الحدود و لأنه شهادة أو يمين و كل واحد منهما لا يحتمل النيابة .
فأما التوكيل بإثبات القذف بالبينة فجائز عند أبي حنيفة و محمد و عند أبي يوسف لا يجوز و نذكر المسألة في كتاب الوكالة إن شاء الله تعالى