صورة اللعان و كيفيته .
أما صورة اللعان و كيفيته : فالقذف لا يخلو إما أن يكون بالزنا أو بنفي الولد فإن كان بالزنا فينبغي للقاضي أن يقيمهما بين يديه متماثلين فيأمر الزوج أولا أن يقول أربع مرات أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا و يقول في الخامسة لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا ثم يأمر المرأة أن تقول : أربع مرات أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا و تقول في الخامسة غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا هكذا ذكر في ظاهر الرواية .
و روى الحسن عن أبي حنيفة : أنه يحتاج إلى لفظ المواجهة فيقول الزوج : فيما رميتك به من الزنا و تقول المرأة فيما رميتني به من الزنا و هو قول زفر و وجهه أن خطاب المعاينة فيه احتمال لأنه يحتملها و يحتمل غيرها و لا احتمال في خطاب المواجهة فالإتيان بلفظ لا احتمال فيه أولى .
و الجواب : أنه لما قال أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا و أشار إليها فقد زال الأحتمال لتعيينها بالإشارة فكان لفظ المواجهة و المعاينة سواء .
و إن كان اللعان بنفي الولد فقد ذكر الكرخي : أن الزوج يقول في كل مرة فيما رميتك به من نفي ولدك و تقول : المرأة فيما رميتني به من نفي ولدي .
و ذكر الطحاوي : أن الزوج يقول في كل مرة فيما رميتها به من الزنا في نفي ولدها و تقول المرأة فيما رماني به من الزنا في نفي ولده .
و روى هشام عن محمد أنه قال : إذا لاعن الرجل بولد فقال في اللعان أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتني به من الزنا في نفي ولدها بأن هذا الولد ليس مني و تقول المرأة : أشهد بالله إنك لمن الكاذبين فيما رميتني به من الزنا بأن هذا الولد ليس منك .
و ذكر ابن سماعة عن محمد في نوادره أنه قال : إذا نفى الولد يشهد بالله الذي لا إله إلا هو إنه لصادق فيما رماها به من الزنا ز نفي هذا الولد قال القدوري : و هذا ليس باختلاف رواية و إنما هو اختلاف حال القذف فإن كان القذف من الزوج بقوله : هذا الولد ليس مني يكتفي في اللعان أن يقول فيما رميتك به من نفي الولد لأنه ما قذفها إلا بنفي الولد و إن كان القذف بالزنا و نفي الولد لا بد من ذكر الأمرين لأنه قذفها بالأمرين جميعا و إنما بدىء بالرجل لقوله سبحانه و تعالى : { و الذين يرمون أزواجهم و لم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم } و الفاء للتعقيب فيقتضي أن يكون لعان الزوج عقيب القذف فيقع لعان المرأة بعد لعانه و كذا روي أنه لما نزلت آية اللعان و أراد رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يجري اللعان على ذينك الزوجين : [ بدأ بلعان الرجل ] و هو قدوة لأن لعان الزوج وجب حقا لها لأن الزوج ألحق بها العار بالقذف فهي بمطالبتها إياه باللعان تدفع العار عن نفسها و دفع العار عن نفسها حقها و صاحب الحق إذا طالب من عليه الحق بإيفاء حقه لا يجوز له التأخير كمن عليه دين فإن أخطأ الحاكم فبدأ بالمرأة ثم بالرجل ينبغي له أن يعيد اللعان على المرأة لأن اللعان شهادة و المرأة بشهادتها تقدح في شهادة الزوج فلا يصح قبل وجود شهادته و لهذا في باب الدعاوي يبدأ بشهادة المدعي ثم بشهادة المدعى عليه بطريق الدفع / له كذا ههنا .
فإن لم يعد لعانها حتى فرق بينهما نفذت الفرقة لأن تفريقه صادف محل الاجتهاد لأنه يزعم أن اللعان ليس بشهادة بل هو يمين و يجوز تقديم إحدى اليمينين على الأخرى كتحالف المتداعين أنه لا يلزم مراعاة الترتيب فيه بل يجوز تقديم أحدهما أيهما كان فكان تفريقه في موضع الاجتهاد فنفذ و القيام ليس بشرط كذا روى الحسن عن أبي حنيفة أنه قال : لا يضره قائما ( لاعنا ) أو قاعدا لأن اللعان إما أن يعتبر فيه معنى الشهادة و إما أن يعتبر فيه معنى اليمين أو يعتبر فيه المعنيان جميعا و القيام ليس بلازم فيهما إلا أنه يندب إليه لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ندب عاصما و امرأته إليه ] فقال : [ يا عاصم قم فاشهد بالله و قال لامرأته : قومي فاشهدي بالله ] و لأن اللعان من جانبه قائم مقام حد القذف و من جانبها قائم مقام حد الزنا .
و السنة في الحدود إقامتها على الإشهاد و الإعلان و القيام أقرب إلى ذلك و الله الموفق