فصل ـ الطلاق على مال كالخلع في أحكامه .
و أما الطلاق على مال فهو في أحكامه كالخلع لأن كل واحد طلاق بعوض فيعتبر في أحدهما ما يعتبر في الآخر إلا أنهما يختلفان من وجه و هو أن العوض إذا أبطل في الخلع بأن وقع الخلع على ما ليس بمال متقوم يبقى الطلاق بائنا و في الطلاق على مال إذا أبطل العوض بأن سميا ما ليس بمال متقوم فالطلاق يكون رجعيا لأن الخلع كناية و الكنايات مبينات عندنا فأما الطلاق على مال فصريح و إنما تثبت البينونة بتسمية العوض إذا صحت التسمية فإذا لم تصح التحقت بالعدم فبقي صريح الطلاق فيكون رجعيا .
و لو قال لها : أنت طالق بألف درهم فقبلت طلقت و عليها ألف لأن حرف الباء حرف إلصاق فيقتضي إلصاق البدل بالمبدل و كذلك لو قال : أنت طالق على الف درهم لأن على كلمة شرط .
يقال : زرتك على أن تزورني أي بشرط أن تزورني و كذا قال لامرأته : أنت طالق على أن تدخلي الدار كان دخول الدار شرطا كما لو قال : إن دخلت الدار و هي كلمة إلزام أيضا فكان هذا إيقاع الطلاق بشرط أن تعطيه الألف عقيب وقوع الطلاق و يلزمها الألف فيقع الطلاق بقبولها و تجب عليها الألف .
و لو قال : أنت طالق و عليك ألف درهم طلقت المرأة الرجعية و لا شيء عليها من الألف سواء قبلت أو لم تقبل في قول أبي حنيفة .
و قال أبو يوسف و محمد : إذا قبلت طلقت بائنة و عليها الألف .
و على هذا الخلاف إذا قالت المرأة لزوجها : طلقني و لك ألف درهم فطلقها أنه يقع طلقة رجعية و لا يلزمها البدل في قول أبي حنيفة .
و عندهما : يقع الطلاق و عليها الألف و على هذا الخلاف إذا قال لعبده : أنت حر و عليك ألف درهمأنه يعتق سواء قبل أو لم يقبل في قول أبي حنيفة و عندهما : إذا قبل يعتق و عليه الألف .
وجه قولهما : أن هذه الواو واو حال فيقتضي أن وجوب الألف حال وقوع الطلاق و العتاق و لأن هذه اللفظة تستعمل في الإبدال فإن من قال لآخر احمل هذا الشيء إلى مكان كذا و لك درهم فحمل يستحق الأجرة كما لو قال له احمل بدرهم .
و لأبي حنيفة : أن كل واحدة من الكلامين كلام تام بنفسه أعني قوله : أنت طالق و قوله : و عليك ألف درهم لأن كل واحد منهما مبتدأ و خبر فلا يجعل الثاني متصلا بالأول إلا لضرورة و الضرورة فيما كان الغالب فيه أن يكون بعوض كما في قوله : احمل هذا إلى بيتي و لك ألف و لا ضرورة في الطلاق و العتاق لأن الغالب وجودهما بغير عوض فلا يجعل الثاني متصلا بالأول من غير ضرورة .
و أما قولهما : الواو واو حال فممنوع بل واو عطف في الإخبار معناه أخبرك أنك طالق و أخبرك أن عليك ألف درهم .
و لو قالت المرأة لزوجها : طلقني ثلاثا على ألف درهم فطلقها ثلاثا يقع عليها ثلاث تطليقات بألف و هذا مما لا إشكال فيه و لو طلقها واحدة رجعية بغير شيء في قول أبي حنيفة و قال أبو يوسف و محمد : يقع واحدة بائنة بثلث الألف و لو قالت : طلقني ثلاثا بألف درهم فطلقها ثلاثا يقع ثلاثة بألف درهم لا شك فيه و لو طلقها واحدة وقعت واحدة بائنة بثلث الألف في قولهم جميعا .
وجه قولهما : أن كلمة على في المعاملات و حرف الباء سواء يقال : بعت عنك بألف و بعت منك على ألف و يفهم من كل واحدة منهما كون الألف بدلا و كذا قول الرجل لغيره احمل هذا الشيء إلى بيتي على درهم و قوله : بدرهم سواء حتى يستحق البدل فيهما جميعا .
و الأصل أن أجزاء البدل تنقسم على أجزاء المبدل إذا كان متعددا في نفسه فتنقسم الألف على الثلاث فيقع واحدة بثلث الألف كما لو ذكرت بحرف الباء فكانت بائنة لأنها طلاق بعوض .
و لأبي حنيفة : أن كلمة على كلمة شرط فكان وجود الطلقات الثلاث شرطا لوجوب الألف فكانت الطلقة الواحدة بعض الشرط و الحكم لا يثبت بوجود بعض الشرط فلما لم يطلقها ثلاثا لا يستحق شيئا من الألف بخلاف حرف الباء فإنه مبادلة فيقتضي انقسام البدل على المبدل فتنقسم الأف على التطليقات الثلاث فكان بمقابلة كل واحدة ثلث الألف و لا يشكل هذا القدر بما إذا قال لها : طلقني نفسك ثلاثا بألف فطلقت نفسها واحدة أنه لا يقع شيء لأن الزوج لم يرض بالبينونة إلا بكل الألف فلا يجوز وقوع البينونة ببعضها فإذا أمرته بالطلاق فقالت : طلقني ثلاثا بألف درهم فقد سألت الزوج أن يبينها بألف و قد أبانها بأقل من ذلك فقد زادها خيرا و الإشكال أنها سألته الإبانة بألف و لم يأت بها بل أتى بالخفيفة و لعل لها غرضا في الغليظة و الجواب : أن غرضها في استيفاء مالها مع حصول البينونة التي وضع لها الطلاق أشد .
و أما قولهما : أن كلمة على تستعمل في الإبدال فنعم لكن مجازا لا حقيقة و لا تترك الحقيقة إلا لضرورة و في البيع و نحوه ضرورة و لا ضرورة في الطلاق على ما بينا على أن اعتبار الشرط يمنع الوجوب لما بينا و اعتبار البدل يوجب فيقع الشك في الوجوب فلا يجب مع الشك ـ و لو قالت امرأتان له : طلقنا بألف درهم أو على درهم فطلقها يقع الطلاق ثلاثا عليهما بالألف و هذا لا يشكل ولو طلق إحداهما وقع الطلاق عليها بحصتها من الألف بالإجماع .
و الفرق لأبي حنيفة بين هذه المسألة و بين مسألة الخلاف : أنه لا غرض لكل واحد من المرأتين في طلاق الأخرى فلم يعتبر معنى الشرط و للمرأة غرض في اجتماع تطليقاتها لأن ذلك أقوى للتحريم لثبوت البينونة الغليظة بها فاعتبر معنى الشرط .
و لو قالت : طلقني واحد بألف فقال : أنت طالق ثلاثا وقع الثلاث مجانا بغير شيء في قول أبي حنيفة و قال أبو يوسف و محمد : يقع ثلاث تطليقات كل واحدة منها بألف و هذه فريعة أصل ذكرناه فيما تقدم و هو أن من أصل أبي حنيفة أن الثلاث لا تصلح جوابا للواحدة فإذا قال ثلاثا فقد عدل عما سألته فصار مبتدئا بالطلاق فتقع الثلاث بغير شيء و من أصلهما أن في الثلاث ما يصلح جوابا للواحدة لأن الواحدة توجد في الثلاث فقد أتى بما سألته و زيادة فيلزمها الألف كأنه قال : أنت طالق واحدة و واحدة و واحدة و لو قالت طلقني واحدة بألف فقال : أنت طالق ثلاثا وقف على قبولها عند أبي حنيفة إن قبلت جاز و إلا بطل لأنه عدل عما سألته فصار مبتدئا طلاقا بعوض فيقف على قبولها و عند أبي يوسف و محمد : يقع الثلاث واحدة منها بألف كما سألت و اثنتان بغير شيء .
و حكى الجصاص عن الكرخي أنه قال رجع أبو يوسف في هذه المسألة إلى قول أبي حنيفة و ذكر أبو يوسف في الأمالي أن الثلاث واحدة منها بثلث الألف و الاثنتان تقفان على قبول المرأة .
قال القدوري : و هذا صحيح على أصلهما لأنها جعلت في مقابلة الواحدة ألفا فإذا أوقعها بثلث الألف فقد زادها خيرا و ابتدأ تطليقتين بثلثي الألف فوقف ذلك على قبولها و الله أعلم