الاستثناء في اليمين .
و أما الذي يرجع إلى نفس الركن فما ذكرنا في اليمين بالله تعالى و هو عدم إدخال الاستثناء عليه فإذا أدخل عليه الاستثناء أبطله بأن قال : إن دخلت هذه الدار فأنت طالق إن شاء الله تعالى أو قال : ما شاء الله تعالى أو قال بمشيئة الله تعالى أو قال : إلا أن يشاء الله أو قال : بإرادة الله أو بقضاء الله أو بقدرته و لو قال : إن أعانني الله أو بمعونة الله و أراد به الاستثناء يكون مستثنيا فيما بينه و بين الله تعالى و لا يصدق في القضاء لأن الشيء بعد وجوده لا يحتمل الإعانة عليه فلا يمكن حمله على التعليق بالشرط فيجعل مجازا عن الإستثناء و كذلك إذا قال : إن يسر الله تعالى أو قال بتيسر الله تعالى و نوى الاستثناء وسنذكر شرائط صحة الاستثناء في كتاب الطلاق ونذكر أن منها أن يكون الاستثناء موصولا بالكلام المتقدم و هو أن لا يكون بينهما فاصل إلا أن يكون الفصل لضرورة و على هذا ما روي عن ابن سماعة عن أبي يوسف فيمن قال لامرأته : إن خرجت من هذه الدار فأنت طالق ثلاثا فاعلمي ذلك إلا بإذني أو قال إن شاء الله إنه يصح الاستثناء فلا تطلق و إن خرجت من الدار لأن حرف الفاء حرف عطف فيقتضي تعلق ما دخلت عليه الجملة المتقدمة فيصير الكل كلاما واحدا فلا يكون فاصلا .
و إن قال : اعلمي ذلك أو اذهبي لم يصح الاستثناء لأنه لم يوجد ما يوجب ما يوجب تعلق المذكور بالكلام الأول فصار كلاما مبتدأ فكان فاصلا قاطعا للاستثناء فيتعلق الطلاق بالخروج و قال القدوري : و ينبغي على قول أبي حنيفة أن لا يصح الاستثناء و يقع الطلاق في الفصلين جميعا بناء على أصله فيمن قال لامرأته أنت طالق ثلاثا و ثلاثا إن شاء الله تعالى .
و منها : أن لا يدخل بين الشرط و الجزاء حائل فإذا دخل لم يكن يمينا و تعليقا بل يكون تنجيزا و على هذا يخرج إدخال النداء في وسط الكلامين أنه يكون فاصلا مانعا من التعليق أو لا و جملة الكلام فيه أن النداء أنواع ثلاثة : نداء بالقذف بأن يقول يا زانية و نداء بالطلاق بأن يقول يا طالق و نداء بالعلم بأن يقول يا زينب أو يا عمرة و كل واحد من الأنواع الثلاثة على ثلاثة أوجه إما إن ذكر النداء في أول الكلام و إما إن ذكره في أوسطه و إما إن ذكره في آخره و كل ذلك ينقسم إلى قسمين إما إن علق بشرط و هو دخول الدار و نحوه و إما إن نجز و أدخل فيه الاستثناء فقال إن شاء الله تعالى .
أما النداء بالقذف إذا ذكره في أول التعليق بالشرط لا يمنع من التعليق و يكون قذفا صحيحا بأن قال لامرأته يا زانية أنت طالق إن دخلت الدار لأن قوله يا زانية و إن كان موضوعا للنداء لكنه وصف لها بالزنا من حيث المعنى لأنه اسم مشتق من حيث المعنى و هو الزنا و الاسم المشتق من معنى يقتضي وجود ذلك المعنى لا محالة كسائر الأسماء المشتقة من المعاني من المتحرك و الساكن و نحو ذلك سواء كان الاسم موضوعا للنداء أو غيره فصار بوصفه إياها بالزنا و نسبة الزنا إليها قاذفا لها بالزنا و هي زوجته و موجب قذف الزوجات اللعان عند استجماع شرائط اللعان ثم صار معلقا طلاقها بدخول الدار بقوله أنت طالق إن دخلت الدار فيتعلق به .
و هذا لأنه إذا ناداها لتتنبه لسماع كلامه فلما تنبهت خاطبها باليمين و هي تعليق طلاقها بدخول الدار و كذا لو قال : يا زانية أنت طالق إن شاء الله تعالى صار قاذفا لما قلنا و لا يقع الطلاق لدخول الاستثناء فيه و لو بدأ بالنداء في الطلاق فقال يا طالق أنت طالق إن دخلت الدار وقع الطلاق بقوله يا طالق لأنه وصفها بالطلاق فيقتضي تقدم ثبوت الطلاق على وصفه إياها لضرورة صحة الوصف و تعلق طلاق آخر بدخول الدار لما ذكرنا في الفصل الأول وكذا لو قال يا طالق أنت طالق إن شاء الله تعالى يقع الطلاق بقوله يا طالق و لم يقع الثاني لدخول الاستثناء عليه .
و لو بدأ بالنداء بالعلم فقال يا عمرة أنت طالق إن دخلت الدار لا يقع شيء و تعلق الطلاق بالدخول لأنه بندائه إياها بالعلم نبهها على سماع كلامه ثم علق طلاقها بالدخول و كذا لو قال يا عمرة أنت طالق يا عمرة إن شاء الله تعالى لا يقع شيء لما ذكرنا هذا إذا بدأ بالنداء إما بالقذف أو بالطلاق أو بالعلم فأما إذا أتى بالنداء في وسط الكلام في التعليق بالشرط بأن قال لها أنت طالق يا زانية إن دخلت الدار فقد روى ابن سماعة عن محمد أنه لا يصير فاصلا و يتعلق الطلاق بدخول الدار و يصير قاذفا و يجب اللعان و كان أبو يوسف يقول بهذا القول ثم رجع و قال يقع الطلاق للحال و لا يصير قاذفا حتى لا يجب اللعان .
و ذكر محمد في الجامع أن الطلاق يتعلق بدخول الدار و لا يصير النداء فاصلا بين الشرط و الجزاء مانعا من التعليق و لا يصير قاذفا و لا يجب اللعان .
قال المشايخ : ما ذكره ابن سماعة عن محمد هو قوله الأخير و ما ذكره محمد في الجامع قول أبي حنيفة فحصل في المسألة ثلاثة أقوال على قول أبي حنيفة تعلق القذف و بطل في نفسه و تعلق الطلاق و على قول محمد تعلق الطلاق و لم يتعلق القذف بل تحقق للحال و على فول أبي يوسف تعلق القذف فبطل في نفسه و لم يتعلق الطلاق بل تنجز .
وجه قول أبي يوسف : أنه لما ذكر قوله إن دخلت الدار عقيب قوله يا زانية فقد علق القذف بالشرط و القذف لا يتعلق بالشرط لأنه وصف الشخص بالزنا كقوله قائمة و قاعدة أنه وصفها بالقيام و القعود و وصف الشيء بصفة يكون إخبارا عن وجود الصفة فيه و الإخبار مما لا يتعلق بالشرط حتى يكون صادقا عند وجوده كاذبا عند عدمه أو مخبرا عند وجوده غير مخبر عند عدمه و إذا لم يتعلق صار لغوا فصار حائلا بين الشرط و الجزاء فينزل الجزاء لكن مع هذا لا يصير قاذفا لأنه قصد تعليق القذف بالشرط و من قصد تعليق شيء بشرط لا يكون مثبتا له في الحال فلم يصر قاذفا و عند وجود الشرط لا يصير قاذفا أيضا لأنه لم يتعلق به حتى ينزل عند وجوده .
وجه ما روى ابن سماعة عن محمد أن قوله [ يا زانية ] و إن لم يتعلق و لكنه مع هذا لا يصير لغوا لأنه لتأكيد الخطاب الموجود بقوله : [ أنت طالق ] فصار مؤكدا لباب الخطاب فالتحق به فصار كأنه قال : أنت يا زانية إن دخلت الدار طالق فتعلق الطلاق بالدخول وبقي القذف متحققا ألا ترى أنه لو قال أنت طالق يا عمرة إن دخلت الدار صح التعليق و لم يصر قوله يا عمرة فاصلا كذا ههنا .
وجه قول أبي حنيفة : أن تعليق الطلاق بالشرط قد صح لما مر في كلام محمد و القذف لم يتحقق لأنه ذكر عقيبة الشرط و القذف متى علق بالشرط لا يقصد الإنسان تحقيقه للحال واليا بعد وجود الشرط على ما مر و كان القاضي الجليل يقول تعليق القذف بالشرط يكون تبعيدا للقذف كما يقول الرجل إن فعلت كذا فامرأته زانية أو أمه زانية يريد بذلك تبعيد الفعل و لن يتحقق تبعيد الفعل إلا بتبعيد الاتصاف بالزنا عن أمه وامرأته و بمثل هذا يحصل الوصف با لإحصان دون الوصف بالزنا و إلحاق العار به و الله D أعلم