بيان من تعتبر له الكفاءة .
فصل : و أما بيان من تعتبر له الكفاءة فالكفاءة تعتبر للنساء لا للرجال على معنى أنه تعتبر الكفاءة في جانب الرجال للنساء و لا تعتبر في جانب النساء للرجال لأن النصوص وردت بالاعتبار في جانب الرجال خاصة و كذا المعنى الذي شرعت له الكفاءة يوجب اختصاص اعتبارها بجانبهم لأن المرأة هي التي تستنكف لا الرجل لأنها هي المستفرشة فأما الزوج فهو المستفرش فلا تلحقه الأنفة من قبلها و من مشايخنا من قال إن الكفاءة في جانب النساء معتبرة أيضا عند أبي يوسف و محمد استدلالا بمسألة ذكرها في الجامع الصغير في باب الوكالة و هي أن أميرا أمر رجلا أن يزوجه امرأة فزوجه أمة لغيره قال جاز عند أبي حنيفة و عندهما لا يجوز ولا دلالة في هذه المسألة على ما زعموا لأن عدم الجواز عندهما يحتمل أن يكون لمعنى آخر و هو أن من أصلهما أن التوكيل المطلق يتقيد بالعرف و العادة فينصرف إلى المتعارف كما في الوكيل بالبيع المطلق و من أصل أبي حنيفة أنه يجري على إطلاقه في غير موضع الضرورة و التهمة و يحتمل أن يكون عدم الجواز عندهما لاعتبار الكفاءة في تلك المسألة خاصة حملا للمطلق على المتعارف كما هو أصلهما إذ المتعارف هو التزويج بالكفء فاستحسنا اعتبار الكفاءة في جانبهن في مثل تلك الصورة لمكان العرف و العادة و قد نص محمد C على القياس و الاستحسان في تلك المسألة في وكالة الأصل فلم تكن هذه المسألة دليلا على اعتبار الكفاءة في جانبهن أصلا عندهما و لا تكون دليلا على ذلك على الإطلاق بل في تلك الصورة خاصة استحسانا للعرف و لو ظهر رجل نسبه لا امرأة فزوجت نفسها منه ثم ظهر نسبه على خلاف ما أظهره فالأمر لا يخلو إما أن يكون المكتوم مثل المظهر و إما أن يكون أعلى منه و إما أن يكون أدون فإن كان مثله بأن أظهر أنه تيمي ثم ظهر أنه عدوي فلا خيار لها لأن الرضا بالشيء يكون رضا بمثله و إن كان أعلى منه بأن أظهر منه أنه عربي فظهر أنه قرشي فلا خيار لها أيضا لأن الرضا بالأدنى يكون رضا بالأعلى من طريق الأولى .
و عن الحسن بن زياد : أن لها الخيار لأن الأعلى لا يحتمل منها ما يحتمل فلا يكون الرضا منها بالمظهر رضا بالأعلى منه و هذا غير سديد لأن الظاهر أنها ترضي بالكفء و إن كان الكفء لا يحتمل منها ما يحتمل غير الكفء لأن غير الكفء ضرورة أكثر من نفعه فكان الرضا بالمظهر رضا بالأعلى منه من طريق الأولى و إن كان أدون منه بأن أظهر أنه قرشي ثم ظهر أنه عربي فلها الخيار .
و إن كان كفئا لها بأن كانت المرأة عربية لأنها إنما رضيت بشرط الزيادة و هي زيادة مرغوب فيها و لم تحصل فلا تكون راضية بدونها فكان لها الخيار .
و روي أنه لا خيار لها لأن الخيار لدفع النقص و لا نقيصة لأنه كفء لها و هذا إذا فعل الرجل ذلك فأما إذا فعلت المرأة بأن أظهرت امرأة نسبها لرجل فتزوجها ثم ظهر بخلاف ما أظهرت فلا خيار للزوج سواء تبين أنها حرة أو أمة لأن الكفاءة في جانب النساء غير معتبرة و يتصل بهذا ما إذا تزوج رجل امرأة على أنها حرة فولدت منه ثم أقام رجل البينة على أنها أمته فإن المولى بالخيار إن شاء أجاز النكاح و إن شاء أبطله لأن النكاح حصل بغير إذن المولى فوقف على إجازته و يغرم العقر لأنه وطىء جارية غير مملوكة له حقيقة فلا يخلو عن عقوبة أو غرامة ولا سبيل إلى إيجاب العقوبة للشبهة فتجب الغرامة .
و أما الولد فإن كان المغرور حرا فالولد حر بالقيمة لإجماع الصحابة Bهم على ذلك فإنه روي عن عمر Bه أنه قضى بذلك بمحضر من الصحابة Bهم و لم ينقل أنه أنكر عليه أحد فيكون إجماعا لأن الاستيلاد حصل بناء على ظاهر النكاح إذ لا علم للمستولد بحقيقة الحال فكان المستولد مستحقا للنظر و المستحق مستحق للنظر أيضا لأنه ظهر كون الجارية ملكا له فتجب مراعاة الحقين بقدر الإمكان فراعينا حق المستولد في صورة الأولاد و حق المسحتق في معنى الأولاد رعاية للجانبين بقدر الإمكان و تعتبر قيمته يوم الخصومة لأنه وقت سبب وجوب الضمان و هو منع الولد عن المستحق له لأنه علق عبدا في حقه و منع عنه يوم الخصومة .
و لو مات الولد قبل الخصومة لا يغرم قيمته لأن الضمان يجب بالمنع و لم يوجد المنع من المغرور و لأنه لا صنع له في موته و إن كان الابن ترك مالا فهو ميراث لأبيه لأنه ابنه و قد مات حرا فيرثه و لا يغرم للمستحق شيئا لأن الميراث ليس ببدل عن الميت .
و إن كان الابن قتله رجل و أخذ الأب الدية فإنه يغرم قيمته للمستحق لأن الدية بدل عن المقتول فتقوم مقامه كأنه حي .
و إن كان رجل ضرب بطن الجارية فألقت جنينا ميتا يغرم الضارب الغرة خمسمائة ثم يغرم المستولد للمستحق فإن كان الولد ذكرا فنصف عشر قيمته و إن كان أنثى فعشر قيمتها و إن كان المغرور عبدا فالأولاد يكونون أرقاء للمستحق في قول أبي حنيفة و أبي يوسف و عند محمد : يكونون أحرارا و يكونون أولاد المغرور .
وجه قول محمد : أن هذا ولد المغرور حقيقة لا نخلاقه من مائه و ولد المغرور حر بالقيمة بإجماع الصحابة Bهم .
و لهما : أن القياس أن يكون الولد ملك المستحق لأن الجارية تبين أنها ملكه فيتبين أن الولد حدث على ملكه لأن الولد يتبع الأم في الحرية و الرق إلا أنا تركنا القياس بإجماع الصحابة Bهم و هم إنما قضوا بحرية الولد في المغرور الحر فبقي الأمر في غيره مردودا إلى أصل القياس ثم المغرور هل يرجع بما غرم على الغار و الغار لا يخلو إما أن يكون أجنبيا و إما أن يكون مولى الجارية و إما أن يكون هي الجارية فإن كان أجنبيا فإن كان حرا فغره بأن قال تزوج بها فإنها حرة أو لم يأمره بالتزويج لكنه زوجها على أنها حرة أو قال هي حرة و زوجها منه فإنه يرجع إلى الغار بقيمة الأولاد لأنه صار ضامنا له ما يلحقه من الغرامة في ذلك النكاح فيرجع عليه بحكم الضمان و لا يرجع عليه بالعقر لأنه ضمنه بفعل فلا يرجع على أحد .
و لو قال هي حرة و لم يأمره بالتزويج و لم يزوجها منه لا يرجع على المخبر بشيء لأن معنى الضمان و الالتزام لا يتحقق بهذا القدر و إن كان الغار عبدا لرجل فإن كان مولاه لم يأمره بذلك يرجع عليه بعد العتاق و إن كان أمره بذلك رجع عليه للحال إلا إذا كان مكاتبا أو مكاتبه فإنه يرجع عليه بعد العتاق لأن أمر المولى بذلك لا يصح و إن كان المولى هو الذي غره فلا يضمن المغرور من قيمة الأولاد شيئا لأنه لو ضمن للمولى لكان له أن يرجع على المولى بما ضمن فلا يفيد وجوب الضمان و إن كانت الأمة هي التي غرته فإن كان المولى لم يأمرها بذلك فإن المغرور يرجع على الأمة بعد العتاق لا للحال لأنه دين لم يظهر في حق المولى و إن كان أمرها بذلك يرجع الأمة للحال لأنه ظهر وجوبه في حق المولى هذا إذا غره أحد أما إذا لم يغره أحد و لكنه ظن أنها حرة فتزوجها فإذا هي أمة لا يرجع بالعقر على أحد لما قلنا و الأولاد أرقاء لمولى الأمة لأن الجارية ملكه و الله أعلم