فصل : و أما الشرائط المحلية فأنواع .
منها : أن تكون الأرض عشرية فإن كانت خراجية يجب فيها الخراج و لا يجب في الخارج منها العشر فالعشر مع الخراج لا يجتمعان في أرض واحدة عندنا .
و قال الشافعي : يجتمعان فيجب في الخارج من أرض الخراج العشر حتى قال بوجوب العشر في الخارج من أرض السواد .
وجه قوله : أنهما حقان مختلفان ذاتا و محلا و سببا فلا يتدافعان أما اختلافهما ذاتا فلا شك فيه و أما المحل فلأن الخراج يجب في الذمة و العشر يجب في الخارج و أما السبب فلأن سبب وجوب الخراج الأرض النامية و سبب وجوب العشر الخارج حتى لا يجب بدونه و الخراج يجب بدون الخارج وإذا ثبت اختلافهما ذاتا و محلا و سببا فوجوب أحدهما لا يمنع وجوب الآخر .
و لنا : ما روي [ عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : لا يجتمع عشر و خراج في أرض مسلم ] و لأن أحدا من أئمة العدل و ولاة الجور لم يأخذ من أرض السواد عشرا إلى يومنا هذا فالقول بوجوب العشر فيها يخالف الإجماع فيكون باطلا و لأن سبب وجوبهما واحد و هو الأرض النامية فلا يجتمعان في أرض واحدة كما لا يجتمع زكاتان في مال واحد و هي زكاة السائمة و التجارة .
و الدليل على أن سبب وجوبهما الأرض النامية أنهما يضافان إلى الأرض يقال خراج الأرض و عشر الأرض والإضافة تدل على السببة فثبت أن سبب الوجوب فيهما هو الأرض النامية إلا أنه إذا لم يزرعها و عطلها يجب الخراج لأن انعدام النماء كان لتقصير من قبله فيجعل موجودا تقديرا حتى لو كان الفوات لا بتقصيره بأن هلك لا يجب وإنما لا يجب العشر بدون الخارج حقيقة لأنه متعين ببعض الخارج فلا يمكن إيجابه بدون الخارج .
و على هذا قال أصحابنا : فيمن اشترى أرض عشر للتجارة أو اشترى أرض خراج للتجارة أن فيها العشر أو الخراج و لا تجب زكاة التجارة مع أحدهما هو الرواية المشهورة عنهم .
و روي عن محمد : أنه يجب العشر و الزكاة أو الخراج و الزكاة .
وجه هذه الرواية : أن زكاة التجارة تجب في الأرض و العشر يجب في الزرع و إنهما مالان مختلفان فلم يجتمع الحقان في مال واحد .
و جه ظاهر الرواية : أن سبب الوجوبى في الكل واحد و هو الأرض ألا ترى أنه يضاف الكل إليهما يقال : عشر الأرض و خراج الأرض و زكاة الأرض و كل واحد من ذلك حق الله تعالى و حقوق الله تعالى المتعلقة بالأموال النامية لا يجب فيها حقان منها بسبب مال واحد كزكاة السائمة مع التجارة و إذا ثبت أنه لا سبيل إلى اجتماع العشر و الزكاة و اجتماع الخراج و الزكاة فإيجاب العشر أو الخراج أولى لأنهما أعم و جوبا ألا ترى أنهما لا يسقطان بعذر الصبا و الجنون و الزكاة تسقط به فكان إيجابهما أولى .
و إذا عرف أن كون الأرض عشرية من شرائط وجوب العشر لا بد من بيان الأرض العشرية .
و جملة الكلام فيه : أن الأراضي نوعان : عشرية و خراجية .
أما العشرية : فمنها أرض العرب كلها قال محمد C : و أرض العرب من العذيب إلى مكة و عدن أبين إلى أقصى حجر باليمن بمهرة .
و كر الكرخي : هي أرض الحجاز و تهامة و اليمن و مكة و الطائف و البرية و إنما كانت هذه أرض عشر لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم و الخلفاء الراشدين بعده لم يأخذوا من أرض العرب خراجا فدل أنها عشرية إذ الأرض لا تخلوا عن إحدى المؤنتين و لأن الخراج يشبه الفيء فلا يثبت في أرض العرب كما لم يثبت في رقابهم و الله أعلم .
و منها : الأرض التي أسلم عليها أهلها طوعا .
و منها : الأرض التي فتحت عنوة و قهرا و قسمت بين الغانمين المسلمين لأن الأراضي لا تخلو عن مؤنة إما العشر و إما الخراج و الابتداء بالعشر في أرض المسلم أولى لأن في العشر معنى العبادة و في الخراج معنى الصغار .
و منها : دار المسلم إذا اتخذها بستانا لما قلنا و هذا إذا كان يسقى بماء العشر فإن كان يسقى بماء الخراج فهو خراجي .
و أما ما أحياه المسلم من الأرض الميتة بإذن الإمام .
فقال أبو يوسف : إن كانت من حيز أرض العشر فهي عشرية و إن كانت من يحز أرض الخراج فهي خراجية .
و قال محمد : إن أحياها بماء السماء أو ببئر استنبطها أو بماء الأنهار العظام التي لا تملك مثل دجلة والفرات فهي أرض عشر و إن شق لها نهرا من أنهار الأعاجم مثل نهر الملك و نهر يزدجرد فهي أرض خراج .
و جه قول محمد : أن الخراج لا يبتدأ بأرض المسلم لما فيه من معنى الصغار كالفيء إلا إذا التزمه فإذا استنبط عينا أو حفر بئرا أو أحياها بماء الأنهار العظام فلم يلتزم الخراج فلا يوضع عليه و إذا أحياها بماء الأنهار المملوكة فقد التزم الخراج لأن حكم الفيء يتعلق بهذه الأنهار فصار كأنه اشترى أرض الخراج .
و لأبي يوسف : أن حيز الشيء في حكم ذلك الشيء لأنه من توابعه كحريم الدار من توابع الدار حتى يجوز الانتفاع به و لهذا لا لا يجوز إحياء ما في حيز القرية لكونه من توابع القرية فكان حقا لأهل القرية و قياس قول أبي يوسف أن تكون البصرة خراجية لأنها من حيز أرض الخراج و إن أحياها المسلمون إلا أنه ترك القياس بإجماع الصحابة Bهم حيث وضعوا عليها العشر .
و أما الخراجية فمنها : الأراضي التي فتحت عنوة و قهرا فمن الإمام عليهم و تركها في يد أربابها فإنه يضع على جماعتهم الجزية إذا لم يسلموا و على أراضيهم الخراج أسلموا أو لم يسلموا و أرض السواد كلها أرض خراج .
و حد السواد : من العذيب إلى عقبة حلوان و من العلث إلى عبادان لأن عمر Bه لما فتح تلك البلاد ضرب عليها الخراج بمحضر من الصحابة Bهم فأنفذ عليها حذيفة بن اليمان و عثمان بن حنيف فمساحها و وضعها عليها الخراج .
و لأن الحاجة إلى ابتداء الإيجاب على الكافر و الابتداء بالخراج الذي فيه معنى الصغار على الكافر أولى من الشعر الذي فليه معنى العبادة و الكافر ليس بأهل لها .
و كان القياس أن تكون مكة خراجية لأنها فتحت عنوة و قهرا و تركت على أهلها و لم تقسم لكنا تركنا القياس بفعل النبي صلى الله عليه و سلم حيث لم يضع عليها الخراج فصارت مكة مخصوصة بذلك تعظيما للحرم و كذا إذا من عليهم و صالحهم من جماجمهم و أراضيهم على وظيفة معلومة من الدراهم أو الدنانير أو نحو ذلك فهي خراجية لما روي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صالح .
نصارى بني نجران من جزية رؤوسهم و خراج أراضيهم على ألفي حلة .
و في رواية : على ألفي و مائتي حلة تؤخذ منهم في و قتين لكل سنة نصفها في رجب و نصفها في المحرم .
و كذا إذا أجلاهم و نقل إليها قوما آخرين من أهل الذمة لأنهم قاموا مقام الأولين .
و منها : أرض نصارى بني تغلب لأن عمر Bه صالحهم على أن يأخذ من أراضيهم لعشر مضاعفا و ذلك خراج في الحقيقة حتى لا يتغير بتغير حال المالك كالخراجي .
و منها : الأرض الميتة التي أحياها المسلم و هي تسقى بماء الخراج و ماء الخراج و ماء الخراج هو ماء الأنهار الصغار التي حفرتها الأعاجم مثل نهر الملك و نهر يزدجر و غير ذلك مما يدخل تحت الأيدي و ماء العيون و القنوات المستنبطة من ماء بيت المال و ماء العشر هو : ماء السماء و الآبار و العيون و الأنهار العظام التي لا تدخل تحت الأيدي كسيحون و جيحون و دجلة و الفرات و نحوها إذ لا سبيل إلى إثبات اليد عليها و إدخالها تحت الحماية .
و روي عن أبي يوسف : أن مياه هذه الأنهار خراجية لإمكان إثبات اليد عليها و إدخالها تحت الحماية في الجملة بشد السفن بعضها على بعض حتى تصير شبه القنطرة .
و منها : أرض الموات التي أحياها ذمي و أرض الغنيمة التي رضخها الإمام لذمي كان يقاتل مع المسلمين و دار الذمي التي اتخذها بستانا أو كرما لما ذكرنا إن عند الحاجة إلى ابتداء ضرب المؤنة على أرض الكافر الخراج أولى لما بينا .
و منها : أي من شرائط المحلية وجود الخارج حتى إن الأرض لو لم تخرج شيئا لم يجب العشر لأن الواجب جزء من الخارج أولى و إيجاب جزء من الخارج و لا خارج محال