فصل : في الخراج و العشر .
و اختلفت الرواية عن محمد في موضع هذا العشر ذكر في السير الكبير أنه يوضع موضع الصدقة لأن قدر الواجب لما لم يتغير عنده لا تتغير صفته أيضا .
و روي عنه أنه يوضع موضع الخراج لأن مال الصدقة لا يؤخذ فيه لكونه مالا مأخوذا من الكفار فيوضع موضع الخراج .
و لو اشترى مسلم من ذمي أرضا خراجية فعليه الخراج و لا تنقلب عشرية لأن الأصل إن مؤنة الأرض لا تتغير بتبدل المالك إلا لضرورة و في حق الذمي إذا اشترى من مسلم أرض عشر ضرورة لأن الكافر ليس من أهل وجوب العشر فأما المسلم فمن أهل وجوب الخراج في الجملة فلا ضرورة إلى التغيير بتبدل المالك .
و لو باع المسلم من ذمي أرضا عشرية فأخذها مسلم بالشفعة ففيها العشر لأن الصفة تحولت إلى الشفيع كأنه باعها منه فكان انتقالا من مسلم إلى مسلم و كذلك لو كان البيع فاسدا فاستردها البائع منه لفساد البيع عادت إلى العشر لأن البيع الفاسد إذا فسخ يرتفع من الأصل و يسير كأن لم يكن فيرتفع بأحكامه و لو وجد المشتري بها عيبا فعلى رواية السير الكبير ليس له أن يردها بالعيب لأنها صارت خراجية بنفس الشراء فحدث فيها عيب زائد في يده وهو وضع الخراج عليها فمنع الرد بالعيب لكنه يرجع بحصة العيب و على الرواية الأخرى له أن يردها مالم يوضع عليها الخراج لعدم حدوث العيب .
فإن ردها برضا البائع لا تعود عشرية بل هي خراجية على حالها عند أبي حنيفة لأن الرد برضا البائع بمنزلة بيع جديد و الأرض إذا صارت خراجية لا تنقلب عشرية يتبدل المالك و لو اشترى التغلبي أرضا فعليه عشران في قول أبي حنيفة و أبي يوسف .
و عند محمد : عليه عشر واحد .
أما محمد : فقد مر على أصله أن كل مؤنة ضربت على أرض أنها لا تتغير بتغير حال المالك و فقهه ما ذكرنا و هما يقولان : الأصل ما ذكره محمد لكن يجوز أن تتغير إذا وجد المغير وقد وجد ههنا و هو قضية عمر Bه فإنه صالح بني تغلب على أن يؤخذ منهم ضعف ما يؤخذ من المسلمين بمحضر من الصحابة فإن أسلم التغلبي أو باعها من مسلم لم يتغير العشران عند أبي حنيفة .
و عند أبي يوسف : يتغير إلى عشر واحد .
وجه قوله : إن العشرين كانا لكونه نصرانيا تغلبيا إذ التضعيف يختص بهم و قد بطل بالإسلام فيبطل التضعيف .
و لأبي حنيفة : أن العشرين كانا خراجا على التغلبي و الخراج لا يتغير بإسلام المالك لما ذكرنا إن المسلم من أهل وجوب الخراج في الجملة و لا يتفرع التغير على أصل محمد لأنه كان عليه عشر واحد قبل الإسلام و البيع من المسلم فيجب عشر واحد كما كان و هكذا ذكر الكرخي في مختصره و إن عند محمد يجب عشر واحد كما كان و هكذا ذكر الطحاوي في التغلبي يشتري أرض العشر من مسلم أنه يؤخذ منه عشران في قولهم و الصحيح ما ذكره الكرخي لما ذكرنا من أصل محمد C .
و لو اشترى التغلبي أرض عشر فباعها من ذمي فعليه عشران لما ذكرنا أن التضعيف على التغلبي بطريق الخراج و الخراج لا يتغير بتبدل المالك .
و روى الحسن عن أبي حنيفة : أن عليه الخراج لأن التضعيف يختص بالتغلبي و الله تعالى أعلم .
و الثاني : العلم بكونه مفروضا و نعني به سبب العلم في قول أصحابنا الثلاثة خلافا لزفر و المسألة ذكرت في كتاب الصلاة .
و أما العقل و البلوغ فليسا من شرائط أهلية وجوب العشر حتى أرض الصبي و المجنون لعموم قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ ما سقته السماء ففيه العشر و ما سقي بغرب أو دالية ففيه نصف العشر ] و لأن العشر مؤنة الأرض كالخراج و لهذا لا يجتمعان عندنا و لهذا يجوز للإمام أن يمد يده إليه فيأخذه جبرا و يسقط عن صاحب الأرض كما لو أدى بنفسه إلا إذا أنه أدى بنفسه يقع عبادة فينال ثواب العبادة .
و إذا أخذه الإمام كرها لا يكون له ثواب فعل العبادة و إنما يكون ثواب ذهاب ماله في وجه الله تعالى بمنزلة ثواب المصائب كرها بخلاف الزكاة فإن الإمام لا يملك الأخذ جبرا و إن أخذ لا تسقط الزكاة عن صاحب المال و لهذا لو مات من عليه العشر و الطعام قائم يؤخذ منه بخلاف الزكاة فإنها تسقط بموت من هي عليه و كذا ملك الأرض ليس لوجوب العشر و إنما الشرط ملك الخارج فيجب في الأراضي التي لا مالك لها و هي الأرض الموقوفة لعموم قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم و مما أخرجنا لكم من الأرض } .
و قوله D : .
{ و آتوا حقه يوم حصاده } .
و قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ ما سقته السماء ففيه العشر و ما سقي بغرب أو دالية ففيه نصف العشر ] و لأن الشعر يجب في الخارج لا في الأرض فكان ملك الأرض و عدمه بمنزلة واحدة و يجب في أرض المأذون و المكاتب لما قلنا و لو آجر أرضه العرية فعشر الخارج على المؤاجر عنده و عندهما : على المستأجر .
وجه قولهما : ظاهر لما ذكرنا أن العشر يجب في الخارج و الخارج ملك المستأجر فكان العشر عليه كالمستعير .
و لأبي حنيفة : إن الخارج للمؤاجر معنى لأن بدله و هو الأجرة له فصار كأنه زرع بنفسه و فيه إشكال لأن الأجر مقابل للمنفعة لا الخارج و العشر يجب في الخارج عندهما و الخارج يسلم المستأجر من غير عوض فيجب فيه العشر .
و الجواب : أن الخارج في إجارة الأرض و إن كان عينا حقيقه فله حكم المنفعة فيقابله الآجر فكان الخارج للآجر معنى فكان العشر عليه فإن هلك الخارج فإن كان قبل الحصاد فلا عشر على المؤاجر و يجب الأجر على المستأجر لأن الأجر يجب التمكن من الانتفاع و قد تمكن منه و إن هلك بعد الحصاد لا يسقط عن المؤاجر عشر الخارج لأن العشر كان يجب عليه دينا في ذمته و لا يجب في الخارج عنده حتى يسقط بهلاكه فلا يسقط عنه العشر بهلاكه و لا يسقط الأجر عن المستأجر أيضا .
و عند أبي يوسف و محمد : العشر في الخارج فيكون على من حصل له الخارج و لو هلك بعد الحصاد أو قبله هلك بما فيه من العشر .
و لو أعارها من مسلم فزرعها فالعشر على المستعير عند أصحابنا الثلاثة و عند زفر : على المعير و هكذا روى عبد الله بن المبارك عن أبي حنيفة و لا خلاف في أن الخراج على المعير .
وجه قول زفر أن الإعارة تمليك المنفعة بغير عوض فكان هبة المنفعة فأشبه هبة الزرع .
و لنا : أن المنفعة حصلت للمستعير صورة و معنى إذ لم يحصل للمعير في مقابلتها عوض فكان العشر على المستعير و لو أعارها من كافر فكذلك الجواب عندهما لأن العشر عندهما في الخارج على كل حال .
و عن أبي حنيفة : فيه روايتان : في رواية العشر في الخارج و في رواية : على رب المال و لو دفعها مزارعه فأما على مذهبهما فالمزارعة جائز و العشر يجب في الخارج و الخارج بينهما فيجب العشر عليهما و أما على مذهب أبي حنيفة فالمزارعة فاسدة و لو كان يجيزها كان يجب على مذهبه جميع العشر على رب الأرض إلا أن حصته جميع العشر يجب في عينه و في حصة المزارع يكون دينا في ذمته .
و لو غضب غاضب أرضا عشرية فزرعها فإن لم تنقصها الزراعة فالعشر على الغاضب في الخارج لا على رب الأرض لأنه لم تسلم له منفعة كما في العارية و إن نقصتها الزراعة فعلى الغاصب نقصان الأرض كأنه آجرها منه و عشر الخارج على رب الأرض عند أبي حنيفة .
و عندهما : في الخارج و لو كانت الأرض خراجية في الوجوه كلها فخراجها على رب الأرض بالإجماع إلا في الغضب إذا لم تنقصها الزراعة فخراجها على الغاصب و إن نقصتها فعلى رب الأرض كأنه آجرها منه و قال محمد : انظر إلى نقصان الأرض و إلى الخراج فإن كان ضمان النقصان أقل من الخراج فالخراج على الغاصب و سقط عنه ضمان النقصان .
و لو باع الأرض العشرية و فيها زرع قد أدرك مع زرعها أو باع الزرع خاصة فعشره على البائع دون المشتري لأنه باعه بعد وجوب العشر و تقرره بالإدراك و لو باعها بقل فإن قصله المشتري للحال فعشره على البائع أيضا لتقرر الوجوب في البقل بالقصل و إن تركه حتى أدرك فعشره على المشتري في قول أبي حنيفة و محمد لتحول الوجوب من الساق إلى الحب .
و روي عن أبي يوسف أنه قال : عشر قدر البقل على البائع و عشر الزيادة على المشتري و كذلك حكم الثمار على هذا التفصيل و كذا عدم الدين ليس بشرط لوجوب العشر لأن الدين لا يمنع وجوب العشر في ظاهر الرواية بخلاف الزكاة المعهودة و قد مضى الفرق فيما تقدم