فصل : و أما بيان ما يسقطها بعد وجوبها .
فصل : و أما بيان ما يسقطها بعد وجوبها فالمسقط لها بعد الوجوب أحد الأشياء الثلاثة منها : هلاك النصاب بعد الحول قبل التمكن من الأداء و بعده عندنا .
و عند الشافعي : لا يسقط بالهلاك بعد التمكن و المسألة قد مضت .
و منها : الردة عندنا .
و قال الشافعي : الردة لا تسقط الزكاة الواجبة حتى لو أسلم لا يجب عليه الأداء عندنا و عنده يجب .
وجه قوله : أن المرتد قادر على أداء ما وجب عليه لكن بتقديم شرطه و هو الإسلام فإذا أسلم وجب عليه الأداء كالمحدث و الجنب أنهما قادران على أداء الصلاة لكن بواسطة الطهارة فإذا وجدت الطهارة يجب عليهما الأداء كذا هذا .
و لنا : قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ الإسلام يجب ما قبله ] و لأن المرتد ليس من أهل أداء العبادة فلا يكون من أهل وجوبها فتسقط عنه بالردة فتسقط عنه بالردة و ما ذكر أنه قادر على الأداء بتقديم شرطه و هو الإسلام كلام فاسد لما فيه من جعل الأصل تبعا لتبعه و جعل التبع أصلا لمتبوعه على ما بينا فيما تقدم .
و منها : موت من عليه الزكاة من غير وصية عندنا .
و عند الشافعي : لا تسقط .
و جملة الكلام فيه : أن من عليه الزكاة إذا مات قبل أدائها فلا يخلو إما إن كان أوصى بالأداء و إما إن كان لم يوص فإن كان لم يوص تسقط عنه في أحكام الدنيا حتى لا تؤخذ من تركته و لا يؤمر الوصي أو الوارث بالأداء من تركته عندنا و عنده تؤخذ من تركته و على هذا الخلاف إذا مات من عليه صدقة الفطر أو النذر أو الكفارات أو الصوم أو الصلاة أو النفقات أو الخراج أو الجزية لأنه لا يستوفى من تركته عندنا و عنده يستوفى من تركته و إن مات من عليه العشر فإن كان الخارج قائما فلا يسقط بالموت في ظاهر الرواية .
و روى عبد عبد الله بن المبارك عن أبي حنيفة أنه يسقط و لو كان استهلك الخارج حتى صار دينا في ذمته فهو على هذا الاختلاف و إن كان أوصى بالأداء لا يسقط و يؤدي من ثلث ماله عندنا .
و عند الشافعي : من جميع ماله .
و الكلام فيه بناء على أصلين : .
أحدهما : ما ذكرناه فيما تقدم و هو أن الزكاة عبادة عندنا و العبادة لا تتأدى إلا باختيار من عليه إما بمباشرته بنفسه أو بأمره أو إنابته غيره فيقوم النائب مقامه فيصير مؤديا بيد النائب و إذا أوصى فقد أناب و إذا لم يوص فلم ينب فلو جعل الوارث نائبا عنه شرعا من غير إنابته لكان ذلك إنابة جبرية و الجبر ينافي العبادة إذ العبادة فعل فعل يأتيه العبد باختياره و لهذا قلنا : أنه ليس للإمام أن يأخذ الزكاة من صاحب المال من غير إذنه جبرا و لو أخذ لا تسقط عنه الزكاة .
و الثاني : أن الزكاة وجبت بطريق الصلة ألا ترى أنه لا يقابلها عوض مالي و الصلاة تسقط بالموت قبل التسليم و العشر مؤنة الأرض و كما ثبت ثبت مشتركا لقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم و مما أخرجنا لكم من الأرض } أضاف المخرج إلى الكل الأغنياء و الفقراء جميعا فإذا ثبت مشتركا فلا يسقط بموته .
و عنده : الزكاة حق العبد و هو الفير فأشبه سائر الديون و إنها لا تسقط بموت من عليه كذا هذا .
و لو مات من عليه الزكاة في خلال الحول ينقطع حكم الحول عندنا .
و عند الشافعي : لا ينقطع بل يبني الوارث عليه فإذا تم الحول أدى الزكاة و الكلام فيه أيضا مبني على ما ذكرنا و هو أن الزكاة عبادة عندنا فيعتبر فيه جانب المؤدي و هو المالك و قد زال ملكه بموته فينقطع حوله .
و عنده : ليست بعبادة بل هي مؤنة الملك فيعتبر قيام نفس الملك و انه قائم إذا الوارث يخلف المورث في عين ما كان للمورث و الله تعالى أعلم