ما يرجع إلى المقذوف به .
فصل : و أما الذي يرجع إلى المقذوف به فنوعان : .
أحدهما : أن يكون القذف بصريح الزنا و ما يجري مجرى الصريح و هو نفي النسب فإن كان بالكناية لا يوجب الحد لأن الكناية محتملة و الحد لا يجب مع الشبهة فمع الاحتمال أولى و بيان هذه الجملة في مسائل : إذا قال لرجل : يا زاني أو قال : زنيت أو قال : أنت زان يحد لأنه أتى بصريح القذف بالزنا .
و لو قال : يا زانيء بالهمز أو زنأت بالهمز يحد و لو قال : عنيت به الصعود في الجبل لا يصدق لأن العامة لا تفرق بين المهوز و الملين و كذا من العرب من يمهز الملين فبقي مجرد النية فلا يعتبر و لو قال : زنأت في الجبل يحد و لو قال : عنيت به الصعود في الجبل لا يصدق في قولهما و عند محمد C : يصدق و لو قال : زنأت علىالجبل و قال : عنيت به الصعود لا يصدق بإجماع .
وجه قول محمد C : أن الزنا الذي هو فاحشة ملين يقال : زنا يزني زنا و الزنا الذي هو صعود مهموز يقال : زنأ يزنأ زنأ و قال الشاعر : .
( وراق إلى الخيرات ... زنا في الجبل ) .
و أراد به الصعود إلا أنه إذا لم يقل عنيت به الصعود حمل على الزنا المعروف لأن اسم الزنا يستعمل في الفجور عرفا و عادة و إذا قال كان عنيت به الصعود فقد عني به ما هو موجب اللفظ لغة فلزم اعتباره .
وجه قولهما أن اسم الزنا يستعمل في الفجور عرفا و عادة و العامة لا تفصل بين المهموز و الملين بل تستعمل المهموز ملينا و الملين مهموزا فلا يصدق في الصرف عن المتعارف كما إذا قال : زنيت في الجبل و قال : عنيت به الصعود او زنأت و لم يذكر الجبل إلا أنه استعمل كلمة في مكان كلمة على و أنه جائز قال الله سبحانه و تعالى : { ولأصلبنكم في جذوع النخل } أي على جذوع النخل D و من مشايخنا من علل لهما بأن المهوز منه يحتمل معنى الملين و هو الزنا المعروف لأن من العرب من يهمز الملين فيتعين معنى الملين بدلالة الحال و هي الحال الغضب لأن المسألة مقصورة فيها .
و إذا قال كان زنأت على الجبل و قال : عنيت به الصعود لأنه لا تستعمل كلمة على في الصعود فلا يقال : صعد علىالجبل و إنما يقال : صعد في الجبل و لو قال لرجل : يا ابن الزاني فهو قاذف لأبيه كأنه قال كان أبوك زاني و لو قال : يا ابن الزانية فهو قاذف لأمه كأنه قال : أمك زانية و لو قال : يا ابن الزاني و الزانية فهو قاذف لأبيه و أمه كأنه قال : أبواك زانيان .
و لو قال : يا ابن الزنا أو يا ولد الزنا قذفا لأن معناه في عرف الناس و عادتهم إنك مخلوق من ماء الزنا و لو قال : يا ابن الزانيتين يكون قذفا و يعتبر إحصان أمه التي ولدته لا إحصان جدته حتى لو كانت أمه مسلمة فعليه الحد و إن كانت جدته كافرة و إن كانت أمه كافرة فلا حد عليه و إن كانت جدته مسلمة لأن أمه في الحقيقة والدته و الجدة تسمى أما مجازا و كذلك لو قال : يا ابن مائة زانية أو يا ابن ألف زانية يكون قاذفا لأمه و يعتبر في الإحصان حال الأم لما قلنا و يكون المراد من العدد المذكور عدد المرات لا عدد الأشخاص أي : أمك زنت مائة أو ألف مرة .
و لو قال : يا ابن القحبة لم يكن قاذفا لأنه هذا الاسم كما يطلق على الزانية يستعمل على المهيأة المستعدة للزنا و إن لم تزن فلا يجعل قذفا مع الاحتمال و كذلك لو قال : يا ابن الدعية لأن الدعية هي المرأة المنسوبة إلى قبيلة لا نسب لها منهم و هذا لا يدل على كونها زانية لجواز ثبوت نسبها من غيرهم و لو قال لرجل : يا زاني فقال الرجل : لا بل أنت الزاني أو قال : لا بل انت يحدان جميعا لأن كل واحد منهما قذف صاحبه صريحا .
و لو قال لا مرأة : يا زانية فقالت : زنيت بك لا حد على الرجل لأن المرأة صدقته في القذف فخرج قذفه من أن يكون موجبا للحد و تحد المرأة لأنها قذفته بالزنا نصا و لم يوجد منه التصديق و لو قال لا مرأة : يا زانية فقالت زنيت معك لا حد على الرجل و لا على المرأة أما على الرجل فلوجود التصديق منها إياه و أما على المرأة فلأن قولها زنيت معك يحتمل أن يكون المراد منه زنيت بك و يحتمل أن يكون معناه زنيت بحضرتك فلا يجعل قذفا مع الاحتمال و لو قال لا مرأته : يا زانية فقالت : لا بل أنت حدت المرأة حد القذف و لا لعان على الرجل لأن كل واحد من الزوجين قذف صاحبه و قذف المرأة يوجب حد القذف و قذف الزوج امرأته يوجب اللعان و كل واحد منهما حد و في البداية بحد المرأة إسقاط الحد عن الرجل لأن اللعان شهادات مؤكدة بالأيمان و المحدود في القذف لا شهادة له .
و نظير هذا ما قالوا فيمن قال لا مرأته : يا زانية بنت الزانية فخاصمت الأم أولا فحد الزوج حد القذف سقط اللعان لأنه بطلت شهادته و لو خاصمت المرأة أولا فلاعن القاضي بينهما ثم خاصمت الأم يحد الرجل حد القذف و لو قال لا مرأته : يا زانية فقالت : زنيت يك لا حد و لا لعان لأنه يحتمل أنها أرادت بقولها زنيب بك أي : قبل النكاح و يحتمل أنها أرادت أي ما مكنت من الوطء غيرك فإن كان ذلك زنا فهو زنا لأن هذا متعارف فإن أرادت الأول لا يجب اللعان و يجب الحد لأنها أقرت بالزنا و إن أرادت به الثاني يجب اللعان لأن الزوج قذفها بالزنا و هي لم تصدقه فيما قذفها به و لا حد عليها فوقع الاحتمال في ثبوت كل واحد منهما فلا يثبت .
و لو قال لامرأة : أنت زانية فقالت المرأة : أنت أزنى مني يحد الرجل و لا تحد المرأة و أما الرجل فلأنه قذفها بصريح الزنا و لم يوجد منها التصديق و أما المراة فلأن قولها أنت مني يحتمل أنها أرادت به النسبة إلى الزنا على الترجيح و يحتمل أنها أرادت أنت أقدر على الزنا و أعلم به مني فلا يحتمل على القذف مع الاحتمال .
و كذلك إذا قال الإنسان : أنت أزنى الناس أو أزنى الزناة أو أزنى من فلان لا حد عليه لما قلنا .
و روي عن أبي يوسف : أنه فرق بين قوله أزنى الناس و بين قوله أزنى مني أو من فلان فقال في الأول : يحد و في الثاني لا يحد .
و وجه الفرق له كان أن قوله أنت أزنى أمكن حمله ما يقتضيه الصيغة و هو الترجيح في وجود فعل الزنا منه لتحقق الزنا من الناس في الجملة فيحمل عليه .
و قوله : أنت أزنى مني أو من فلان لا يمكن حمله على الترجيح في وجود الزنا لجواز أنه لم يوجد الزنا منه أو من فلان فيحمل على الترجيح في القدرة أو العلم فلا يكون قذفا بالزنا و لو قال لرجل : زنيت و فلان معك كان قاذفا لهما لأنه قذف أحدهما و عطف الآخر عليه بحرف الواو و أنها للجمع المطلق فكان مخبرا عن وجود الزنا من كل واحد منهما .
رجلان استبا فقال أحدهما لصاحبه : ما أبي بزان و لا أمي بزانية لم يكن هذا قذفا لأن ظاهره نفي الزنا عن أبيه و عن أمه إلا أنه قد يكنى بهذا الكلام عن نسبة أب صاحبه و أمه إلى الزنا لكن القذاف على سبيل الكناية و التعريض لا يوجب الحد و لو قال لرجل : أنت تزني لا حد عليه لأن هذا اللفظ يستعمل للاستقبال و يستعمل للحال فلا يجعل قذفا مع الاحتمال و كذلك لو قال : أنت تزني و أنا أضرب الحد لأن مثل هذا الكلام في عرف الناس لا يدل على قصد القذف و إنما يدل على طريق ضرب المثل على الاستعجاب أن كيف تكون العقوبة على إنسان و الجناية من غيره كما قال الله تبارك و تعالى : { و لا تزر وازرة وزر أخرى } و لو قال لا مرأة : ما رأيت زانية خيرا منك أو قال لرجل : ما رأيت زانيا منك لم يكن قذفا لأنه ما جعل هذا المذكور خير الزناة و إنما جعله خيرا من الزناة و هذا لا يقتضي وجود الزنا منه و لو قال لا مرأة : زنا بك زوجك قبل ان يتزوجك فهو قاذف فإنه نسب زوجها إلى زنا حصل منه قبل التزوج في كلام موصول فيكون قذفا .
و لو قال لا مرأة : وطئك فلان وطأ حراما أو جامعك حراما أو فجر بك أو قال لرجل : وطئت فلانة حراما أو باضعتها أو جامعتها حراما فلا حد عليه لأنه لم يوجد منه القذف بالزنا بل بالوطء الحرام و يجوز أن يكون الوطء حراما و لا يكون زنا كالوطء بشبهة و نحو ذلك .
و لو قال لغيرة : اذهب إلى فلان فقل له : يا زاني أو يا ابن الزانية لم يكن المرسل قاذفا لأنه أمر بالقذف و لم يقذف و أما الرسول فإن ابتدأ فقال لا على وجه الرسالة : يا زاني أو يا ابن الزانية فهو قاذف و عليه الحد و إن بلغه على وجه الرسالة بأن قال : أرسلني فلان إليك و أمرني أن قول لك يا زاني أو يا ابن الزانية لا حد عليه لأنه لم يقذف بل أخبر عن قذف غيره و لو قال لآخر : أخبرت أنك زان أو أشهدت على ذلك لم يكن قاذفا لأنه حكى خبر غيره بالقذف و إشهاد غيره بذلك فلم يكن قاذفا .
و لو قال لرجل : يا لوطي لم يكن قاذفا بالإجماع لأن هذا نسبة إلى قوم لوط فقط و هذا لا يقتضي أنه يعمل عملهم و هو اللوط و لو أفصح و قال : أنت تعمل عمل قوم لوط و سمى ذلك لم يكن قاذفا عند أبي حنيفة أيضا و عندهما هو قاذف بناء على أن هذا الفعل ليس بزنا عند أبي حنيفة و عندهما هو في معنى الزنا و المسألة مرت في موضعها .
و لو قال لرجل : يا زاني فقال له آخر : صدقت يحد القاذف و لا حد على المصدق أما الأول فلوجود القذف الصريح منه و أما المصدق فلأن قوله صدقت قذف بطريق الكناية و لو قال : صدقت هو كما قلت يحد لأن هذا في معنى الصريح و لو قال لرجل : أخوك زان فقال الرجل : لا بل أنت يحد الرجل لأن كلمة لا بل التأكيد الإثبات فقد قذف الأول بالزنا على سبيل التأكيد الإثبات فقد قذف الأول بالزنا على سبيل التأكيد و أما الأول فينظر إن كان للرجل إخوة أو أخوان سواء فلا حد عليه و إن لم يكن له إلا أخ واحد فله أن يطالبه بالحد و ليس لهذا الأخ المخاطب أن يطالبه لما ذكرنا فيما تقدم .
و لو قال : لست لأبيك فهو قاذف لأمه سواء قال : في غضب أو رضا لأن هذا الكلام لا يذكر إلا لنفي النسب عن الأب عن الأب فكان قذفا لأمه و لو قال : ليس هذا أبوك أو قال : لست أنت ابن فلان لأبيه أو قال أنت ابن فلان لأجنبي إن كان في حال الغضب فهو قذف و إن كان في غير حال الغضب فليس بقذف لأن هذا الكلام قد يذكر لنفي النسب و قد يذكر لنفي التشبيه في الأخلاق أي أخلاقك لا تشبه أخلاق أبيك أو أخلاقك تشبه أخلاق فلان الأجنبي فلا يجعل قذفا مع الشك و الاحتمال .
و كذلك إذ قال لرجل : يا ابن مزيقيا أو يا ابن ماء السماء أنه يكون قذفا في حالة الغضب لا في حالة الرضا لأنه يحتمل أنه أراد به نفي النسب و يحتمل أنه أراد به المدح بالتشبيه برجلين من سادات العرب فعامر بن حارثة كان يسمى ماء السماء لصفاته و سخائه و عمرو بن عامر كان يسمى المزيقيا لمزقه الثياب إذا الحال في ذلك فإن كان في حال الغضب فالظاهر أنه أراد به نفي النسب فيكون قذفا و إن كان في حال الرضا فالظاهر أنه أراد به المدح فلك يكن قذفا .
و لو قال لرجل : أنت ابن فلان لعمه أو لخاله أو لزوج أمه لم يكن قذفا لأن العم يسمى أبا و كذلك الخال و زوج الأم قال الله سبحانه و تعالى : { قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل } و إسماعيل كان عم يعقوب عليه السلام و قد سماه أباه و قال سبحانه و تعالى : { و رفع أبويه على العرش } و قيل : إنهما أبوه و خالته و إذا كانت الخالة أما كان الخال أبا .
و قال الله تعالى : { إن ابني من أهلي } قيل في التفسير : إنه كان ابن امرأته من غيره .
و لو قال : لست بابن فلان لجده لم يكن قاذفا لأنه صادق في كلامه حقيقة لأن الجد لا يسمي أبا حقيقة بل مجازا .
و لو قال للعربي : يا نبطي لم يكن قذفا و كذلك إذ قال : ليست من بني فلان للقبيلة التي هو منها لم يكن قاذفا عند عامة العلماء و قال ابن أبي ليلى : يكون قذفا و الصحيح قول العامة لأن بقوله يا نبطي لم يقذفه و لكنه إلى غير بلده كمن قال للبلدي كان يا رستاقي .
و كذلك إذا قال : يا ابن الخياط أو يا ابن الأصفر أو الأسود و أبوه ليس كذلك لم يكن قاذفا بل يكون كاذبا إذا قال : يا ابن الأقطع او يا ابن الأعور و أبوه ليس كذلك كاذبا لا قاذفا كما إذا قال للبصير : يا أعمى ثم القذف بلسان العرب و غيره سواء و يجب الحد لأن معنى القذف هو النسبة إلى الزنا و هذا يتحقق بكل لسان و الله تعالى أعلم .
و الثاني : أن يكون المقذوف به متصور الوجود من المقذوف فإن كان لا يتصور لم يكن قاذفا .
و على هذا يخرج ما إذا قال لآخر زنى : فخدك أو ظهرك أنه لا حد عليه لأن الزنا لا يتصور من هذه الأعضاء حقيقة فكان المراد منه المجاز من طريق النسب كما قال عليه الصلاة و الصلاة و السلام : [ العينان تزنيان و اليدان تزنيان والرجلان تزنيان و الفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه ] .
و كذلك لو قال : زنيت بأصبعك لأن الزنا بالإصبع لا يتصور حقيقة و لو قال : زنى فرجك يحد لأن الزنا بالفرج يتحقق كأنه قال : زنيت بفرجك و لو قال لا مرأة : زينب بفرس أوحمار أو بعير أو ثور لا حد عليه لأنه يحتمل أنه أراد به تمكينها من هذه الحيوانات لأن ذلك متصور حقيقة و يحتمل أنه أراد به جعل هذه الحيوانات عوضا و أجره على الزنا فإن أراد به الأول لا يكون قذفا لأنها بالتمكين منها لا تصير مزنيا بها لعدم تصور الزنا من البهيمة و إن أراد به الثاني يكون قذفا كما إذا قال : زنيت بالدراهم أو بالدنانير أو بشيء من الأمتعة فلا يجعل قذفا مع الاحتمال .
و لو قال لها : زنيت بناقة أو ببقرة أو أتان أو رمكة فعليه الحد لأنه تعذر حمله على التمكين فيحمل على العوض لأن حرف الباء قد يستعمل في الأعواض و لو قال ذلك لرجل لم يكن قذفا في جميع ذلك سواء كان ذكرا أو اثنى لأنه يمكن حمله على حقيقة الوطء ووطؤها لا يتصور أن يكون زنا فلا يكون قذفا و يمكن حمله على العوض فيكون قذفا فوقع الاحتمال في كونه قذفا فلا يجعل قذفا مع الاحتمال .
و من مشايخنا من فصل بين الذكر و الأنثى فقال : يكون قذفا في الذكر لا في الأنثى لأن فعل الوطء من الرجل يوجد في الأنثى فلا يحمل علىالعوض و لا يوجد في الذكر فيحمل على العوض و الصحيح أنه لا فرق بين الذكر و الأنثى لأن الوطء يتصور في الصنفين في الجملة .
و لو قال لا مرأة : زنيت و أنت مكرهة أو معتوهة أو مجنونة أو نائمة لم يكن قذفا لأنه نسبها إلى الزنا في حال لا يتصور منها وجود االزنا فيها مكان كلامه كذبا لا قذفا و بمثله لو قال لأمة أعتقت : زنيت و أنت أمة أو قال لكافرة أسلمت : زنيت و أنت كافرة يكون قذفا و عليه الحد لأن في المسألة الأولى قذفها للحال بالزنا في حال لا يتصور منها وجود الزنا فيها مكان كلامه كذبا لا قذفا D و في المسألة الثانية قذفها للحال لوجود الزنا منها في حال يتصور منها الزنا و هي الحال الرق و الكفر لأنهما لا يمتنعان وقوع الفعل زنا و إنما يمنعان الإحصان و الإحصان يشترط وجوده وقت القذف لأنه السبب الموجب للحد و قد وجد و لو قال لإنسان : لست لأمك لا حد عليه لأنه كذب محض لأنه نفي النسب من الأم و نفي النسب من الأم لا يتصور ألا ترى أن أمة ولدته حقيقة .
و كذلك لو قال له : لست لأبويك لأنه نفى نفسه عنهما و لا ينتفي عن الأم لأنها و لدته فيكون كذبا بخلاف قوله لست لأبيك لأن ذلك ليس بنفي لولادة الأم بل هو نفي النسب عن الأب و نفي النسب عن الأب يكون قذفا للأم و كذلك لو قال له : لست لأبيك و لست لأمك في كلام موصول لم يكن قذفا لأن هذا و قوله لست لأبويك سواء .
و لو قال له : لست لآدم أو لست لرجل أو لست لإنسان لا حد عليه لأنه كذب محض لأن نسبه لا يحتمل الانقطاع عن هؤلاء فكان كذبا محضا لا قذفا فلا يجب الحد .
و على هذا يخرج ما إذا قال لرجل : يا زانية أنه لا يكون قذفا عندهما و عند محمد : يكون قذفا .
وجه قوله : أن الهاء قد تدخل صلة زائدة في الكلام قال الله تعالى عز شأنه خبرا عن الكفار : { ما أغنى عني ماليه * هلك عني سلطانيه } و معناه مالي و سلطاني و الهاء زائدة فيحذف الزائد فيبقى قوله يا زاني و قد دخل في الكلام للمبالغة في الصفة كما يقال : علامة و نسابة و نحو ذلك فلا يختل به معنى القذف يدل عليه أن حذفه في نعت المرأة لا يخل بمعنى القذف حتى لو قال لامرأة : يا زاني يجب الحد بالإجماع فكذلك الزيادة في نعت الرجل .
و لهما : أنه قذفه بما يتصور فيلغو و دليل عدم التصور أنه قذفه بفعل المرأة و هو التمكين لأن الهاء في الزانية هاء التأنيث كالضاربة و القاتلة و السارقة و نحوها و ذلك لا يتصور من الرجل بخلاف ما إذا قال لامرأة : يا زاني لأنه أتى لأنه أتى بمعنى الاسم و حذف الهاء و هاء التأنيث قد تحذف في الجملة كالحائض و الطالق و الحامل و نحو ذلك و الله تعالى أعلم