نية السفر .
فإذا نوى السفر وخرج من العمران حتى صار مسافرا تجب عليه صلاة المسافرين ثم إن كان الوقت فاضلا على الأداء يجب عليه أداء ركعتين في جزء من الوقت غير معين ! و يتعين ذلك بفعله و إن لم يتعين بالفعل إلى آخر الوقت يتعين آخر الوقت لوجوب تعيينه للأداء فعلا .
وكذا إذا لم يكن الوقت فاضلا على الأداء و لكنه يسع للركعتين يتعين للوجوب و يبني على هذا الأصل الطاهرة إذا حاضت في آخر الوقت أو نفست و العاقل إذا جن أو أغمى عليه و المسلم إذا ارتد و العياذ بالله و قد بقي من الوقت ما يسع الفرض لا يلزمهم الفرض عند أصحابنا لأن الوجوب يتعين في آخر الوقت عندنا إذا لم يوجد الأداء قبله فيستدعي الأهلية فيه لاستحالة الإيجاب على غير الأهل ولم يوجد و عندهم يلزمهم الفرض لأن الوجوب عندهم بأول الوقت و الأهلية ثابتة في أوله و دلائل هذا الأصل تعرف في أصول الفقه و لو صلى الصبي الفرض في أول الوقت ثم بلغ تلزمه الإعادة عندنا خلافا للشافعي و كذا إذا أحرم بالحج ثم بلغ قبل الوقوف بعرفة لا يجزيه عن حجة الإسلام عندنا خلافا له .
وجه قوله إن عدم الوجوب عليه كان نظرا له والنظر له هنا الوجوب كيلا تلزمه الإعادة فأشبه الوصية حيث صحت منه نظرا له وهو الثواب و لا ضرر فيه لأن ملكه يزول بالميراث إن لم يزل بالوصية .
و لنا : أن في نفس الوجوب ضررا فلا يثبت مع الصبي كما لو لم يبلغ فيه و إنما انقلب نفعا بحالة اتفقت و هي : البلوغ فيه و إنه نادر فبقي عدم الوجوب لأنه نفع في الأصل .
المسلم إذا صلى ثم ارتد عن الإسلام و العياذ بالله ثم أسلم في الوقت فعليه إعادة الصلاة عندنا و عند الشافعي : لا إعادة عليه و على هذا الحج و احتج بقوله تعالى : { و من يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة } علق حبط العمل بالموت على الردة دون نفس الردة لأن الردة حصلت بعد الفراغ من القربة فلا يبطلها كما لو تيمم ثم ارتد عن الإسلام ثم أسلم .
و لنا : قوله تعالى : { و من يكفر بالإيمان فقد حبط عمله } .
و قوله تعالى : { و لو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون } علق حبط العمل بنفس الإشراك بعد الإيمان و أما الآية فنقول : من علق حكما بشرطين و علقه بشرط فالحكم يتعلق بكل واحد من التعليقين و ينزل عند أيهما وجد كمن قال لعبده : أنت حر إذا جاء يوم الخميس ثم قال له : أنت حر إذا جاء يوم الجمعة لا يبطل واحد منهما بل إذا جاء يوم الخميس عتق و لو كان باعه فجاء يوم الخميس ولم يكن في .
ملكه ثم اشتراه فجاء يوم الجمعة و هو في ملكه عتق بالتعليق الآخر .
و أما التيمم فهو ليس بعبادة و إنما هو طهارة و أثر الردة في إبطال العبادات إلا أنه لا ينعقد مع الكفر لعدم الحاجة و الحاجة ههنا متحققة و الردة لا تبطلها لكونه مجبورا على الإسلام فبقيت الحاجة على ما ذكرنا في فصل التيمم و أما الكلام في المسألة الثانية فبناه على أصل مختلف بين أصحابنا و هو مقدار ما يتعلق به الوجوب في آخر الوقت .
قال الكرخي و أكثر المحققين من أصحابنا أن الوجوب يتعلق بآخر الوقت بمقدار التحريمة .
و قال زفر لا يجب إلا إذا بقي من الوقت مقدار ما يؤدي فيه الفرض و هو اختيار القدوري و بنى .
على هذا الأصل الحائض إذا طهرت في آخر الوقت و بلغ الصبي و أسلم الكافر و أفاق المجنون و المغمى عليه و أقام المسافر أو سافر المقيم و هي مسألة الكتاب فعلى قول زفر و من تابعه من أصحابنا لا يجب الفرض ولا يتعين إلا إذا بقي من الوقت مقدار ما يمكن فيه الأداء و على القول المختار يجب الفرض و يتعين الأداء و إن بقي مقدار ما يسع للتحريمة فقط .
وجه قول زفر : أن وجوب الأداء يقتضي تصور الأداء وأداء كل الفرض في هذا القدر لا يتصور فاستحال وجوب الأداء .
و لنا : أن آخر الوقت يجب تعيينه على المكلف للأداء فعلا على ما مر فان بقي مقدار ما يسع لكل الصلاة يجب تعيينه لكل الصلاة فعلا بالأداء و إن بقي مقدار ما يسع للبعض وجب تعيينه لذلك البعض لأن تعيين كل الوقت لكل العبادة تعيين كل أجزائه لكل أجزائها ضرورة .
و في تعيين جزء من الوقت لجزء من الصلاة فائدة و هي أن الصلاة لا تتجزأ فإذا وجب البعض فيه وجب الكل فيما يتعقبه من الوقت إن كان لا يتعقبه وقت مكروه و إن تعقبه يجب الكل ليؤدي في وقت آخر و إذا لم يبق من الوقت إلا قدر ما يسع التحريمة وجب تحصيل التحريمة ثم تجب بقية الصلاة لضرورة وجوب التحريمة فيؤديها في الوقت المتصل به فيما وراء الفجر و في الفجر يؤديها في وقت آخر لأن الوجوب على التدريج الذي ذكرنا قد تقرر و قد عجز عن الأداء فيقضي وهذا بخلاف الكافر إذا أسلم بعد طلوع الفجر من يوم رمضان حيث لا يلزمه صوم ذلك اليوم لأن هناك الوقت معيار للصوم فكل جزء منه على الإطلاق لا يصلح للجزء الأول من العبادة بل الجزء الأول من الوقت متعين للجزء الأول من العبادة .
ثم الثاني منه للثاني منها و الثالث للثالث و هكذا فلا يتصور وجوب الجزء الأول من الوقت في الجزء الثاني أو الخامس من الوقت .
و لا الجزء الخامس من العبادة من الجزء السادس من الوقت فإذا فات الجزء الأول من الوقت وهو ليس بأهل فلم يجب الجزء الأول من العبادة لاستحالة الوجوب على غير الأهل فبعد ذلك و إن أسلم في الجزء الثاني أو العاشر لا يتصور وجوب الجزء الأول من الصوم في ذلك الجزء من الوقت لأنه ليس بمحل لوجوبه فيه .
ولأن وجوب كل جزء من الصوم في جزء من الوقت و هو محل أدائه و الجزء الثاني من الصوم لا يتصور أن يكون محلا للجزء الأول من العبادة فلا يتصور وجوب الجزء الأول فلا يتصور وجوب الجزء الآخر لأن الصوم لا يتجزأ وجوبا ولا أداء بخلاف الصلاة لأن هناك كل جزء مطلق من الوقت يصلح أن يجب فيه الجزء الأول من الصلاة إذ التحريمة منها في ذلك الوقت لأن الوقت ليس بمعيار للصلاة فهو الفرق و الله أعلم .
ثم ما ذكرنا من تعلق الوجوب بمقدار التحريمة في حق الحائض إذا كانت أيامها عشرا فأما إذا كانت أيامها دون العشرة فإنما تجب عليها الصلاة إذا طهرت و عليها من الوقت مقدار ما تغتسل فيه فإن كان عليها من الوقت ما لا تستطيع أن تغتسل فيه أو لا تستطيع أن تتحرم للصلاة فليس عليها تلك الصلاة حتى لا يجب عليها القضاء .
و الفرق أن أيامها إذا كانت أقل من عشرة لا يحكم بخروجها من الحيض بمجرد انقطاع الدم ما لم تغتسل أو يمضي عليها وقت صلاة تصير تلك الصلاة دينا عليها و إذا كانت أيامها غرة بمجرد الانقطاع يحكم بخروجها عن الحيض فإذا أدركت جزءا من الوقت يلزمها قضاء تلك الصلاة سواء تمكنت من الاغتسال أو لم تمكن بمنزلة كافر أسلم و هو جنب أو صبي بلغ بالاحتلام في آخر الوقت فعليه قضاء تلك الصلاة سواء تمكن من الاغتسال في الوقت أو لم يتمكن و هذا لأن الحيض هو خروج اللوث في وقت معتاد فإذا انقطع اللوث كان ينبغي أن يحكم بزواله لأن الأصل أن ما انعدم حقيقة انعدم حكما إلا أنا لا نحكم بخروجها من الحيض ما لم تغتسل إذا كانت أيامها أقل من عشرة لإجماع الصحابة Bهم .
قال الشعبي حدثني بضعة عشر نفرا من الصحابة أن الزوج أحق برجعتها ما لم تغتسل و كان المعنى في ذلك أن نفس الانقطاع ليس بدليل على الطهارة لأن ذلك كثيرا ما يتخلل في زمان الحيض فشرطت زيادة شيء له أثر في التطهير و هو الاغتسال أو وجوب الصلاة عليها لأنه من أحكام الطهر بخلاف ما إذا كانت أيامها عشرا لأن هناك الإجماع .
و مثل هذا الدليل المعقول منعدمان و لأن الدليل قد قام لنا أن الحيض لا يزيد على العشرة و هذه المسألة تستقصى في كتاب الحيض و هل يباح للزوج قربانها قبل الاغتسال إذا كانت أيامها عشرا ؟ عند أصحابنا الثلاثة يباح و عند زفر لا يباح ما لم تغتسل .
و إذا كانت أيامها دون العشرة لا يباح للزوج قربانها قبل الاغتسال بالإجماع .
و إذا مضى عليها وقت صلاة فللزوج أن يقربها عندنا و إن لم تغتسل خلافا لزفر على ما يعرف في كتاب الحيض إن شاء الله تعالى