كتاب البيوع .
{ باب السلم } .
قوله : فالقول قول رب السلم الأصل فيه أنهما إذا اختلفا فى الصحة والفساد فإن خرج كلام أحدهما مخرج التعنت والعناد كان باطلا وكان القول قول من يدعي الصحة لأن قول المتعنت مردود فبقي قول صاحبه بلا معارض وإن خرج مخرج الخصومة قال أبو حنيفة : القول قول من يدعي الصحة أيضا إذا اتفقا على عقد واحد وإن كان خصمه هو المنكر وقال أبو يوسف ومحمد : القول قول المنكر وإن أنكر الخصومة بيانه أنه إذا ادعى رب السلم الأجل وأنكر المسلم إليه فالقول قول رب السلم بالإجماع لأن كلام المسلم إليه خرج مخرج التعنت لأنه ينكر ما ينفعه فتعين الفساد غرضا له فصار باطلا وإن ادعى المسلم إليه الأجل وأنكر رب السلم فعند أبي حنيفة القول قول المسلم إليه وعندهما قول رب السلم وإن ادعى المسلم إليه شرط الردى وأنكر رب السلم الشرط أصلا فكلام رب السلم خرج مخرج التعنت فبطل قوله وإن ادعى رب السلم شرط الردى وأنكر المسلم إليه الشرط أصلا يجب أن يكون على الاختلاف فعنده القول قول رب المسلم وعندهما القول قول المسلم إليها .
قوله : باطل أما إذا أطلق السلم بمائتي درهم في كرحنطة ثم قاصا المائة بما عليه وأدى المائة فلا يشكل لأن الفساد ههنا بسبب عدم القبض وذلك طار وأما إذا أضاف العقد إلى الدين فكذلك لأن الدين لا يتعين إذا كان ثمنا فصار الإضافة والإطلاق سواء .
قوله : فلا خير فيه لأن في السلم يتأخر التسليم فربما يهلك القفيز فيؤدي إلى المنازعة .
قوله : في المكان الذي أسلم فيه ما ليس له حمل ومؤنة لا يشترط بيان مكان الإيفاء فيه لصحة العقد بالإجماع لكن هل يتعين مكان العقد مكانا للإيفاء ؟ ذكر ههنا أنه يتعين وذكر في كتاب الإجارات أنه لا يتعين فإنه قال : يوفيه فى أي مكان شاء وبه أخذ بعض مشايخنا .
قوله : فهو جائز هذا الاختلاف مبني على أن مكان العقد هل يتعين مكانا للإيفاء ؟ عند أبي حنيفة لا يتعين وعندهما يتعين وعلى هذا الخلاف الأجرة في الإجارات إذا كانت دينا ولها حمل ومؤنة نص عليه في كتاب الإجارات وعلى هذا الخلاف القسمة إذا وقع في أحد النصيبين بناء أو شئ آخر فزادوا في نصيب الآخر مكيلا أو موزونا دينا مؤجلا وله حمل ومؤنة فإنه بيان مكان الإيفاء على هذا الخلاف لهما أن سبب وجود التسليم وجد في هذا المكان فوجب أن يتعين هذا المكان مكان الإيفاء كما في بيع العين وكما في الغصب والقرض وكما إذا لم يكن له حمل ومؤنة ولأبي حنيفة أن التعيين موجب التعين أو ضرورة موجب التسليم ولم يوجد فلا يتعين مكان العقد .
قوله : والجوز وإن أسلم في الجوز كيلا لا بأس به أيضا عندنا خلافا لزفر لأنه مما يعلم بالكيل ولا يتفاوت إلا باعتبار الصغير والكبير الذي هو هدر بالإصطلاح .
قوله : والفلوس لأن ثمنيتها بطلت باصطلاح المتعاقدين وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد : لا يبطل فلا يجوز السلم لأن ثمنيته ثبت باصطلاح الناس فلا يبطل باصطلاحها فيه .
قوله : وفي السمك المالح لاستجماع الشرائط فيه وإن أسلم فيه عددا لم يجز لأنه متفاوت .
قوله : سواء لاصطلاح الناس على إهدار التفاوت .
قوله : إلا في حينه لأنه قد ينقطع في زمان الشتاء فإن كان لا ينقطع يجوز .
قوله : جاز لأنه أسلم في موزون معلوم ألا يرى أنه يضمن بالمثل ضمان العدوان ؟ ولأبي حنيفة أن المسلم فيه مجهول لتفاوت يقع باختلاف العظم فإذا كان مخلوع العظم فعن أبي حنيفة فيه روايتان .
قوله : فلا خير فيه لأنه يباع دينا والدين لا يعرف إلا بالوصف وإذا عرف يجوز إذا استجمع سائر شرائط الجواز .
قوله : فهو بالخيار إلخ الاستصناع جائز بإجماع المسلمين وهو بيع عند عامة المشايخ وقال بعضهم : هو عدة والصحيح ما قاله عامة المشايخ فإذا صار بيعا فإذا رأه فهو بالخيار إن شاء أخذه وإن شاء ترك لأنه اشترى شيئا لم يره .
قوله : فأمره بقبض الكر جاز أصل هذا أن من اشترى الحنطة أو مثيلا آخر بشرط الكيل بأن اشترى الحنطة على أنها عشرة أقفزة أو اشترى عشرة أقفزة من هذه الصبرة أو اشترى كرا من هذه الصبرة ( والكراسم لأربعين قفيزا ) وقبض ما اشترى لم يكن له أن يتصرف فيه ولا أن يأكله حتى يكيله لأنه لو زاد لا يكون له الزيادة بل يكون للبائع ولو انتقص يرجع على البائع بحصة من الثمن فلو جاز البيع أو الأكل قبل الكيل ربما يصير بائعا أو آكلا بمال غيره فإن اشترى بشرط الكيل وكاله ثم باعه من غيره بشرط الكيل لا يكتفي بذلك الكيل بل على المشتري الثاني أن يكيله ثانيا وليس له أن يتصرف قبل الكيل لأنه إذا كيل ثانيا عسى أن يزداد شيئا فلا يسلم له وإذا ثبت هذا فنقول : إذا أمر المسلم إليه رب السلم أن يأخذ ذلك الكر من البائع اقتضاء لحقه الذي له عليه لا يكون له أخذه حتى يكيل مرتين : مرة للمسلم إليه ومرة لنفسه لاجتماع الصفقتين بشرط الكيل بخلاف ما إذا كان قرضا لأن القرض إعادة فيكون المقبوض عين حقه في التقدير فيصح القبض من غير كيل فوجب كيل واحد للمشتري .
قوله : لم يكن ذلك قبضا لأن الأمر يتناول عينا مملوكا للمسلم إليه مستعيرا للغرائر لا مودعا فانقطع يد رب السلم عن الغرائر فلم يصر قابضا .
قوله : كان قبضا لأن الأمر يتناول ملك الآمر فيصح وإذا صح صار البائع وكيلا في إمساك الغرائر فبقيت في يد المشترى ببقاء يد الوكيل عليها : ولو كان الغرائر للبائع روي عن محمد : أنه لا يصير قابضا لأن المشترى صار مستعيرا ولم يقبض فلم يصح العارية فلا تصير الغرائر واقعا في يده فلم يصر الواقع فيها واقعا في يد المشتري .
قوله : فزاد جاز لأنه يصير قرضا ويصير بالاتصال بملكه قابضا .
قوله : فعليه القيمة أيضا لأن الإقالة فسخ البيع فيصلح إضافته إلى محل البيع والمسلم فيه محل البيع لأن المسلم فيه مبيع كالجارية فيصح إضافة الإقالة إليه بعد هلاك الجارية ابتداء وبقي العقد عليه بعد هلاك الجارية فيفسخ المسلم فيه ويجب عليه ردها فيفسخ في الجارية ضرورة وهو عاجز عن ردها فيجب رد قيمتها .
قوله : بطلت الإقالة لأن محل العقد هي الجارية دون الدراهم فإذا ماتت لم يبق محلا للعقد فلا يصح الفسخ لفوات المحل .
قوله : لم يكن له إلخ لما روى عن أبي سعيد الخدرى عن النبي ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) أنه قال لرب السلم : [ لا تأخذ إلا سلمك أو رأس مالك ] وإنما أراد به السلم حال بقاء العقد أو رأس المال حال انفساخ العقد ولأن رأس المال أخذ شبها بالبيع فيثبت حرمة الاستبدال .
قوله : فاسد لأن القبض المعين واجب في بدل الصرف والاستبدال يبطل القبص المعين .
قوله : فهو جائز لأنه إذا أطلق البيع وجب به ثمن يجب تعيينه ووجب بالعقد قبض معين احترازا عن الربا والدين لا يصلح وفاء به فلذلك لم يصر قصاصا فإن تقاصا صح استحسانا عند علمائنا الثلاثة ولم يصح عند زفر