( تابع . . . 1 ) : قال : Bه اعلم أن الجمعة فريضة بالكتاب والسنة أما الكتاب .
ولنا أن الخطبة ذكر والمحدث والجنب لا يمنعان من ذكر الله ما خلا قراءة القرآن في حق الجنب وليست الخطبة نظير الصلاة ولا بمنزلة شطرها بدليل أنها تؤدى غير مستقبل بها القبلة ولا يفسدها الكلام وتأويل الأثر أنها في حكم الثواب كشطر الصلاة لا في اشتراط شرائط الصلاة فيها وقد ذكرنا في باب الأذان أنه يعاد أذان الجنب ولم يذكر إعادة خطبة الجنب ولا فرق بينهما في الحقيقة غير أن الأذان لا يتعلق به حكم الجواز فذكر استحباب الإعادة والخطبة يتعلق بها حكم الجواز فذكر الجواز هنا واستحباب الإعادة ها هنا كهو في الأذان قال : وينبغي للإمام أن يقرأ سورة في خطبته لقوله تعالى : " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له " } الأعراف : 204 قيل الآية في الخطبة سماها قرآنا لما فيها من قراءة القرآن وكان رسول الله A يبلغهم ما أنزل الله تعالى في خطبته وذكر السورة لأنها أدل على المعنى والإعجاز .
ولو اكتفى بقراءة آية طويلة جاز أيضا لأن فرض القراءة في الصلاة يتأدى بهذا فسنة القراءة في الخطبة أولى قال : وإذا أحدث الإمام يوم الجمعة بعد الخطبة وأمر رجلا يصلي بالناس فإن كان الرجل شهد الخطبة جاز ذلك لأنه قام مقام الأول وهو مستجمع .
صفحة [ 27 ] شرائط افتتاح الجمعة ويستوي إن كان الإمام مأذونا في الاستخلاف أو لم يكن بخلاف القاضي فإنه إذا لم يكن مأذونا في الاستخلاف لا يكون له أن يستخلف لأن القضاء غير مؤقت لا يفوت بتأخيره عند العذر والجمعة مؤقتة تفوت بتأخيرها عند العذر إذا لم يستخلف ومن ولاه لما أمره بذلك مع علمه أنه قد يعرض له عارض يمنعه من أدائها في الوقت فقد صار راضيا باستخلافه .
وإن لم يكن المأمور شهد الخطبة لم يجز له أن يصلي بهم الجمعة لأن الخطبة من شرائط افتتاح الجمعة وهو المفتتح لها فإذا لم يستجمع شرائطها لم يجز له افتتاحها كالأول إذا لم يخطب وهذا بخلاف ما لو افتتح الأول الصلاة ثم سبقه الحدث فاستخلف من لم يشهد الخطبة أجزأهم لأن هناك الثاني بان وليس بمفتتح والخطبة من شرائط الافتتاح وقد وجد ذلك في حق الأصيل فيتعين اعتباره في حق التبع .
فإن قيل : لو أفسد الباني صلاته ثم افتتح بهم الجمعة جاز أيضا وهو مفتتح في هذه الحالة .
قلنا : نعم ولكنه لما صح شروعه في الجمعة وصار خليفة الأول التحق بمن شهد الخطبة حكما فلهذا جاز له افتتاحها بعد الإفساد . قال : وإن كان المأمور جنبا وقد شهد الخطبة فلما أمره الإمام بذلك أمر هو رجلا طاهرا قد شهد الخطبة فصلى بهم أجزأه لأن استخلاف الإمام إياه يثبت له ولاية إقامة الجمعة بدليل أنه لو اغتسل وصلى بهم أجزأهم فيفيده ولاية الاستخلاف أيضا بخلاف ما إذا كان المأمور الأول لم يشهد الخطبة فأمر غيره ممن شهد الخطبة لم يجز له أن يصلي بهم الجمعة لأن أمر الإمام إياه لم يفده ولاية إقامة الجمعة بنفسه فلا يفيده ولاية الاستخلاف الذي هو تبع له وكذلك إن كان المأمور الأول صبيا أو معتوها أو كافرا أو امرأة فأمر غيره بذلك لم يجز له إقامة الجمعة بأمره لأنه لم يفده ولاية إقامتها بنفسه وولاية الاستخلاف تثبت تبعا لثبوت ولاية الإقامة بنفسه قال : وإذا أحدث الإمام قبل افتتاح الصلاة فلم يأمر أحدا فتقدم صاحب الشرط إماما أو القاضي أو أمر رجلا قد شهد الخطبة فتقدم وصلى بهم أجزأهم لأن اقامة الجمعة من أمور العامة وقد فوض إلى القاضي وصاحب الشرط ما هو من أمور العامة فنزلا فيه منزلة الإمام في الإمامة والاستخلاف . قال : ولا ينبغي للإمام أن يتكلم في خطبته بشيء من حديث الناس لأنه ذكر منظوم والتكلم في خلاله يذهب بهاءه فلا يشتغل به كما في خلال الأذان والذي روي أن " عثمان " Bه كان يسأله الناس عن سعر الشعير وعن سعر الزيت فقد كان .
صفحة [ 28 ] ذلك قبل الشروع في الخطبة لا في خلالها والذي روى أن " عمر " Bه قال " لعثمان " Bه حين دخل وهو يخطب أية ساعة المجيء هذا الحديث فقد كان ذلك منه أمرا بالمعروف والخطبة كلها وعظ وأمر بمعروف والذي " روى أن النبي A كان يخطب إذ دخل أعرابي وقال هلكت المواشي وتقطعت السبل وخشينا القحط فاستسقى رسول الله A " قيل كان ذلك قبل نزول قوله تعالى : " وإذا قرئ القرآن " } الأعراف : 204 الآية وقيل كان ملكا مقيضا هبط في الجمعتين ليذكر رسول الله A دعاء الاستسقاء ودعاء الفرج من خوف الغرق والخطبة فيها الدعاء . قال : ولا ينبغي للقوم أن يتكلموا والإمام يخطب لقوله تعالى : " فاستمعوا له وانصتوا " } الأعراف : 204 الآية ولأنه في الخطبة يخاطبهم بالوعظ فإذا اشتغلوا بالكلام لم يفد وعظه إياهم شيئا وفي " حديث " أبي هريرة " رضي الله أن النبي A قال : من قال لصاحبه والإمام يخطب انصت فقد لغا ومن لغا فلا صلاة له " . و " قرأ رسول الله A سورة في خطبته فقال " أبو الدرداء " " لأبي بن كعب " رحمهما الله تعالى : متى أنزلت هذه السورة فلم يجبه فلما فرغ من صلاته قال أما أن حظك من صلاتك ما لغوت فجاء إلى رسول الله A يشكوه فقال E صدق " أبي " " وسمع " ابن عمر " رجلا يقول لصاحبه يوم الجمعة والإمام يخطب متى تخرج القافلة فقال صاحبه غدا فلما فرغ " ابن عمر " رضي الله تعالى عنهما من صلاته قال للمجيب أما إنك فقد لغوت وأما صاحبك هذا فحمار .
فإن كان بحيث لا يسمع الخطبة فظاهر الجواب أنه يسكت لأن المأمور به شيئان الاستماع والإنصات فمن قرب من الإمام فقد قدر عليهما ومن بعد عنه فقد قدر على أحدهما وهو الإنصات فيأتي بما قدر عليه وكان " محمد بن سلمة " رضي الله تعالى عنه يختار السكوت و " نصير بن يحيى " رضي الله تعالى عنه يختار قراءة القرآن في نفسه و " الحكم بن زهير " كان ينظر في الفقه وهو من كبار أصحابنا وكان مولعا بالتدريس .
قال " الحسن بن زياد " رضي الله تعالى عنه ما دخل " العراق " أحد أفقه من " الحكم بن زهير " .
قلت : فهل يردون السلام ويشتمون العاطس ويصلون على النبي A ويقرؤون القرآن ؟ قال : أحب إلي أن يستمعوا .
فقد أظرف في هذا الجواب ولم يقل لا ولكنه ذكر ما هو المأمور به وهو الاستماع والإنصات ولم يذكر أن العاطس هل يحمد الله تعالى ؟ والصحيح أنه يقوله في نفسه فذلك لا يشغله عن الاستماع وأما التشميت ورد السلام فلا يأتي بهما عندنا خلافا " للشافعي " رضي الله تعالى عنه .
صفحة [ 29 ] وهو رواية عن " أبي يوسف " رضي الله تعالى عنه لأن رد السلام فرض والاستماع سنة .
ولكنا نقول رد السلام إنما يكون فريضة إذا كان السلام تحية وفي حالة الخطبة المسلم ممنوع من السلام فلا يكون جوابه فرضا كما في الصلاة ثم ما طلب " أبو الدرداء " من " أبي بن كعب " رضي الله تعالى عنهما من تاريخ المنزل فقد كان فرضا عليهم ليعرفوا آية الناسخ من المنسوخ وقد جعله رسول الله A من اللغو في حالة الخطبة فكذلك رد السلام .
وأما الصلاة على النبي A فقد روي عن " أبي يوسف " C تعالى أن الخطيب إذا قال : يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه ينبغي لهم أن يصلوا عليه وهو اختيار " الطحاوي " لأنه يبلغهم أمرا فعليهم الامتثال . وجه ظاهر الرواية أن حالة الخطبة كحالة الصلاة في المنع من الكلام فكما أن الإمام لو قرأ هذه الآية في صلاته لم يشتغل القوم بالصلاة عليه فكذلك إذا قرأها في خطبته قال : والإمام إذا خرج فخروجه يقطع الصلاة حتى يكره افتتاحها بعد خروج الإمام وينبغي لمن كان فيها أن يفرغ منها يعني يسلم على رأس الركعتين لحديث " ابن مسعود " و " ابن عباس " رضي الله تعالى عنهم موقوفا عليهما ومرفوعا : إذا خرج الإمام فلا صلاة ولا كلام وقال " عقبة بن عامر " Bهما : الصلاة في حالة الخطبة خطيئة ولأن الاستماع واجب والصلاة تشغله عنه ولا يجوز الاشتغال بالتطوع وترك الواجب وقال " الشافعي " رضي الله تعالى عنه يأتي بالسنة وتحية المسجد إذا دخل والإمام يخطب " لحديث " سليك الغطفاني " أنه دخل المسجد ورسول الله A يخطب فجلس فقال له رسول الله A : أركعت ركعتين فقال لا فقال قم فاركعهما " ودخل " أبو الدرداء " المسجد و " مروان " يخطب فركع ركعتين ثم قال لا أتركهما بعد ما سمعت رسول الله A يقول فيهما ما قال .
وتأويل حديث " سليك " أنه كان قبل وجوب الاستماع ونزول قوله : " وإذا قرئ القرآن " وقيل لما دخل وعليه هيئة رثة ترك رسول الله A الخطبة لأجله وانتظره حتى قام وصلى ركعتين والمراد أن يرى الناس سوء حاله فيواسوه بشيء وفي زماننا الخطيب لا يترك الخطبة لأجل الداخل فلا يشتغل هو بالصلاة .
وقال " أبو حنيفة " Bه يكره الكلام بعد خروج الإمام قبل أن يأخذ في الخطبة وبعد الفراغ من الخطبة قبل الاشتغال بالصلاة كما تكره الصلاة وقال " أبو يوسف " و " محمد " رحمهما الله تعالى تكره الصلاة في هذين الوقتين ولا يكره الكلام لما جاء في الحديث : خروج الإمام .
صفحة [ 30 ] يقطع الصلاة وكلامه يقطع الكلام ولأن الصلاة تمتد وربما لا يمكنه قطعها حين يأخذ الإمام في الخطبة والكلام يمكن قطعه متى شاء والنهي عنه لوجوب استماع الخطبة فيقتصر على حالة الخطبة .
و " أبو حنيفة " Bه استدل بما " روى عن رسول الله A قال : إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على أبواب المساجد يكتبون الناس الأول فالأول الحديث إلى أن قال فإذا خرج الإمام طووا الصحف وجاؤوا يستمعون الذكر " وإنما يطوون الصحف إذا طوى الناس الكلام وأما إذا كانوا يتكلمون فهم يكتبونه عليهم قال الله تعالى : " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " ق : 18 ولأن الامام إذا صعد المنبر ليخطب فكان مستعدا لها فيجعل كالشارع فيها من وجه ألا ترى أن في كراهة الصلاة جعل الاستعداد لها كالشروع فيها فكذلك في كراهة الكلام ووجوب الإنصات غير مقصور على حال تشاغله بالخطبة حتى يكره الكلام في حالة الجلسة بين الخطبتين قال : وينبغي للرجل أن يستقبل الخطيب بوجهه إذا أخذ في الخطبة وهكذا نقل عن " أبي حنيفة " Bه أنه كان يفعلهالأن الخطيب يعظهم ولهذا استقبلهم بوجهه وترك استقبال القبلة فينبغي لهم أن يستقبلوه بوجوههم ليظهر فائدة الوعظ وتعظيم الذكر كما في غير هذا من مجالس الوعظ ولكن الرسم الآن أن القوم يستقبلون القبلة ولم يؤمروا بترك هذا لما يلحقهم من الحرج في تسوية الصفوف بعد فراغه لكثرة الزحام إذا استقبلوه بوجوههم في حالة الخطبة . قال : وإذا خطب بتسبيحة واحدة أو بتهليل أو بتحميد أجزأه في قول " أبي حنيفة " وقال " أبو يوسف " و " محمد " رحمهما الله تعالى لا يجزئه حتى يكون كلاما يسمى خطبة وقال " الشافعي " Bه لا يجزئه حتى يخطب خطبتين يقرأ فيهما شيئا من القرآن ويجلس بينهما جلسة واستدل بالتوارث من لدن رسول الله A إلى يومنا هذا والتوارث كالتواتر ولم ينكرالناس رأي مالك في استدلاله بإجماع فقهاء المدينة أوعمل أهلها البرنامج .
ولكنا قد " روينا أن النبي A في الابتداء كان يخطب خطبة واحدة فلما أسن جعلها خطبتين وجلس بينهما " فدل على أنه إنما فعل ذلك ليكون أروح عليه لا لأنه شرط .
و " أبو يوسف " و " محمد " قالا : الشرط الخطبة ومن قال الحمد لله أو قال لا إله إلا الله فهذه الكلمة لا تسمى خطبة وقائلها لا يسمى خطيبا لما لم يأت بما يسمى خطبة لا يتم شرط الجمعة و " أبو حنيفة " C تعالى استدل بما روى أن " عثمان " Bه لما استخلف صعد المنبر فقال الحمد لله فارتج عليه فقال إن " أبا بكر " و " عمر " Bهما كانا يعدان لهذا المكان مقالا .
صفحة [ 31 ] أو قال يرتادان أنتم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال وستأتي الخطب الله أكبر ما شاء الله فعل ونزل وصلى الجمعة ولم ينكر عليه أحد من الصحابة فدل أنه يكتفى بهذا القدر .
( يتبع . . . )