( تابع . . . 1 ) : : في الأئمة الأربعة إذا كانوا مسبوقين وقد صلى كل واحد منهم ركعة .
ولهما أن نية الإقامة في آخر الصلاة كهي في أولها ولو كان مقيما في أولها لم تفسد صلاته بترك القراءة في الأوليين فهذا مثله وتبين بهذا أن المفسد لم يتقرر لأن صلاة المسافر بعرض أن يلحقه مدد نية الإقامة والمفسد خلو الصلاة عن القراءة في ركعتين منها ولا يتحقق ذلك بترك القراءة في الأوليين بخلاف فجر المقيم وكذلك إن قام إلى الثالثة وركع ثم نوى الإقامة إلا أنه إن كان لم يقرأ في الأوليين يعيد القراءة وإن كان قرأ في الأوليين يعيد القيام والركوع لأن ما أدى كان نفلا لأنه حين قام إلى الثالثة لم يكن نوى الإقامة فكانت هذه الركعة بقدر ما أدى إلى وقت نية الإقامة نافلة فلا تنوب عن الفرض فكان عليه الإعادة لهذا .
قال : مسافر دخل في صلاة المقيم ثم ذهب الوقت لم تفسد صلاته لأن الإتمام لزمه بالشروع مع الإمام في الوقت فالتحق بغيره من .
صفحة [ 248 ] المقيمين بخلاف ما لو اقتدى به بعد خروج الوقت فإن الإتمام لم يلزمه بهذا الاقتداء فإن أفسدها الإمام على نفسه كان على المسافر أن يصلى صلاة السفر لأن وجوب الإتمام عليه بمتابعة الإمام وقد زال ذلك بالإفساد .
فإن قيل فقد كان هو مقيما في هذه الصلاة عند خروج الوقت فبأن صار في حكم المسافر بعد خروج الوقت لا يتغير ذلك الفرض .
قلنا لم يكن مقيما فيها وإنما يلزمه الإتمام لمتابعة الإمام ألا ترى أنه لو أفسد الاقتداء في الوقت كان يصلى صلاة السفر والقصر في السفر في الظهر والعصر والعشاء لأن القصر عبارة عن سقوط شطر الصلاة وفي هذه الصلاة بعد سقوط الشطر تبقى صلاته كاملة بخلاف الفجر فإن بعد سقوط الشطر منها لا يبقى إلا ركعة وهي لا تكون صلاة تامة وكذلك في المغرب بعد سقوط شطر منها لا تبقى صلاة تامة فلهذا لم يدخلها القصر والسنن والتطوعات لا يدخلها القصر بسبب السفر لأن القصر في الصلاة بسبب السفر توقيف لم يعرف بالرأي ومن الناس من قال بترك السنن في السفر ويروون عن بعض الصحابة أنه قال لو أتيت بالسنن لأتممت الفريضة وتأويل هذا عندنا في حالة الخوف على وجه لا يمكنه المكث في موضع لأداء السنن .
قال : ويخفف القراءة في جميع الصلوات لما " روي أن رسول الله A قرأ في الفجر في السفر قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد وأطال القراءة في صلاة الفجر " ولأن السفر لما أسقط عنه شطر الصلاة دفعا للحرج فلأن يسقط مراعاة سنة القراءة أولى ولكن المستحب أن تكون قراءته في الفجر والظهر أطول اعتبارا بحالة الإقامة فيقرأ والسماء والطارق والشمس وضحاها وما أشبههما وفي العصر والمغرب والعشاء قل هو الله أحد وما أشبهها .
قال : ودخول المسافر في صلاة المقيم يلزمه الإكمال إن دخل في أولها أو في آخرها قبل السلام لأن الاقتداء بالمقيم في تغير الفرض كنية الإقامة ولا فرق فيه بين أول الصلاة وآخرها فهذا مثله .
قال : وتوطين أهل العسكر أنفسهم على الإقامة وهم في دار الحرب محاصرون لأهل المدينة ساقط وهم مسافرون لحديث " ابن عباس " رضى الله تعالى عنه أن رجلا سأله فقال إنا نطيل الثوى في دار الحرب فقال صل ركعتين حتى ترجع إلى أهلك ولأن نية الإقامة لا تصح إلا في موضع الإقامة ودار الحرب ليس بموضع لإقامة المحاربين من المسلمين لأنه غير متمكن من الفرار بنفسه بل هو بين أن يهزم العدو فيفر وبين أن ينهزم فيفر ولأن فناء البلدة تبع لجوفها والبلدة في يد أهل الحرب فالموضع الذي فيه العسكر كان في أيديهم أيضا .
صفحة [ 249 ] حكما .
وكذلك إذا نزلوا المدينة وحاصروا أهلها في الحصن فلا قرار لهم ما داموا محاربين فكأن نية الإقامة في غير موضع الإقامة مقاس نية السفر في غير موضعها وكذلك إن حاربوا أهل البغي في دار الإسلام وحاصروهم .
وقال " زفر " C تعالى : في الفصلين جميعا إن كانت الشوكة والغلبة للعدو لم تصح نيتهم الإقامة وإن كانت الشوكة لهم صحت نيتهم الإقامة لأنهم يتمكنون من الفرار باعتبار الظاهر .
وقال " أبو يوسف " C تعالى إن كانوا في الأخبية والفساطيط خارج البلدة لم تصح نيتهم الإقامة وإن كانوا في البيوت والأبنية صحت نيتهم الإقامة لأن الأبنية موضع الإقامة دون الصحراء .
وعلى هذا اختلف المتأخرون في الذين يسكنون الأخبية في دار الإسلام كالأعراب والأتراك .
فمنهم من يقول : لا يكونون مقيمين أبدا لأنهم ليسوا في موضع الإقامة .
والأصح : أنهم مقيمون لأن الإقامة للمرء أصل والسفر عارض وهم لا ينوون السفر قط انما ينتقلون من ماء إلى ماء ومن مرعى إلى مرعى فكانوا مقيمين باعتبار الأصل قال وإذا مر الإمام بمدينة وهو مسافر فصلى بهم الجمعة أجزأه وأجزأهم وقال " زفر " C تعالى لا يجوز لأنه لا جمعة على المسافر " قال A أربعة لا جمعة عليهم المسافر والمريض والعبد والمرأة " فكان هذا في معنى افتداء المفترض بالمتنفل ولكنا نقول قد أقام رسول الله A الجمعة " بمكة " وهو كان مسافرا بها ثم صلاة الجمعة من غيره في هذا الموضع انما تجوز بأمره فلأن تجوز منه أولى وانما لا يجب الحضور على المسافر لدفع الحرج فإذا حضر وأدى كان مفترضا كالمريض وكذلك الأمير يطوف في بلاد عمله وهو مسافر فهو والإمام سواء في هذا قال : ويصلي المسافر التطوع على دابته بإيماء حيثما توجهت به " لحديث " ابن عمر " رضي الله تعالى عنهما أن النبي A كان يصلي على دابته تطوعا حيثما توجهت به وتلا قوله تعالى " فأينما تولوا فثم وجه الله " وعن " جابر " رضي الله تعالى عنه قال رأيت رسول الله A في غزوة إنما يتطوع على دابته بالإيماء ووجهه إلى المشرق " إلا أن في حديث " ابن عمر " رضي الله تعالى عنه أنه كان ينزل للوتر والمكتوبة وفي حديث " جابر " رضي الله تعالى عنه ذكر أنه كان يوتر على دابته وينزل للمكتوبة ولو لم يكن له في التطوع على الدابة من المنفعة إلا حفظ اللسان وحفظ النفس عن الوساوس والخواطر الفاسدة لكان ذلك كافيا .
قال وإن كان على سرجه قذر فكذلك تجوز صلاته وكان " محمد بن مقاتل " و " أبو حفص النجاري " رحمهما الله تعالى يقولان لا تجوز إذا كانت النجاسة في .
صفحة [ 250 ] موضع الجلوس أو في موضع الركابين أكثر من قدر الدرهم اعتبارا للصلاة على الدابة بالصلاة على الأرض وكانا يقولان تأويل ما ذكره من القذارة عرق الدابة وأكثر مشايخنا رحمهم الله تعالى يقولون تجوز لما قال في الكتاب والدابة أشد من ذلك يعني أن باطنها لا يخلو عن النجاسات ويترك عليها لركوع والسجود مع التمكن من النزول والأداء والأركان أقوى من الشرائط فإذا سقط اعتبار الأركان هنا لحاجة فشرط طهارة المكان أولى ثم الإيماء لا يصيب موضعه إنما هو إشارة في الهواء وإنما يشترط طهارة الموضع الذي يؤدي عليه ركنا وهو لا يؤدي على موضع سرجه وركابيه ركنا فلا تضره نجاستهما . وكذلك المقيم يخرج من مصره فرسخين أو ثلاثة فله أن يتطوع على دابته لأنه في معنى المسافر يحتاج إلى قطع الوساوس عن نفسه ولا سير على الدابة ها هنا مديد كسير المسافر ولم يذكر في الكتاب إذا كان راكبا في المصر هل يتطوع على دابته وذكر في الهارونيات أن عند " أبي حنيفة " C تعالى لا يجوز التطوع على الدابة في المصر وعند " محمد " C تعالى يجوز ويكره وعند " أبي يوسف " C تعالى لا بأس به و " أبو حنيفة " C تعالى قال التطوع على الدابة بالإيماء جوزناه بالنص بخلاف القياس وإنما ورد النص به خارج المصر والمصر في هذا ليس في معنى خارج المصر لأن سيره على الدابة في المصر لا يكون مديدا عادة فرجعنا فيه إلى أصل القياس . وحكى أن " أبا يوسف " C تعالى لما سمع هذا من " " أبي حنيفة " C تعالى قال حدثني فلان عن فلان أن النبي A ركب الحمار في المدينة يعود " سعد بن عبادة " وكان يصلي وهو راكب فلم يرفع " أبو حنيفة " C تعالى رأسه قيل إنما لم يرفع رجوعا منه إلى الحديث " وقيل بل هذا حديث شاذ فيما تعم به البلوى والشاذ في مثله لا يكون حجة عنده فلهذا لم يرفع رأسه و " أبو يوسف " C تعالى أخذ بالحديث و " محمد " C تعالى كذلك إلا أنه كره ذلك في المصر لأن اللغط يكثر فيها فكثرة اللغط ربما يبتلى باللغط في القراءة فلذلك كره .
قال ولا يصلى المسافر المكتوبة على الدابة من غير عذر لأن المكتوبة في أوقات محصورة فلا يشق عليه النزول لأدائها فيها بخلاف التطوع فإنه ليس بمقدر بشيء فلو ألزمناه النزول لأدائها تعذر عليه إذا ما ينشطه فيه من التطوعات أو ينقطع سفره وكذلك ينزل للوتر عند " أبي حنيفة " C تعالى لأنها واجبة وعندهما له أن يؤثر على الدابة لما " روي عن النبي A أنه كان مع أصحابه في سفر فمطروا .
صفحة [ 251 ] فأمر مناديا ينادي حتى نادى صلوا على رواحلكم فنزل " ابن رواحة " فطلب موضعا يصلي فيه فأخبر بذلك رسول الله A فدعاه فلما أقبل إليه فقال أما أنه يأتيكم وقد لقن حجته قال ألم تسمع ما أمرت به أمالك في أسوة قال يا رسول الله أنت تسعى في رقبة قد فكت وأنا أسعى في رقبة لم يظهر فكاكها قال ألم أقل لكم أنه يأتيكم وقد لقن حجته ثم قال له إني لأرجو على هذا أن أكون أخشاكم لله تعالى " فقد جوز لهم الصلاة على الدابة عند تعذر النزول بسبب المطر فكذلك بسبب الخوف من سبع أو عدو ولأن موضع الضرورة مستثناة .
وكان " زفر " C تعالى يقول : إذا كان عنده أن ذلك يجزئه فهو في معنى الناسي للفائتة فيجزئه فرض الوقت .
قال وإذا افتتح التطوع على الأرض ثم ركب فأتمها راكبا لم تجزه ولو افتتحها راكبا ثم نزل فأتمها أجزأه قيل لأن النزول عمل يسير والركوب عمل كثير لأنه يحتاج فيه إلى استعمال اليدين عادة وفي النزول يجعل رجليه من جانب فينزل من غير حاجة إلى معالجة وقيل إذا افتتح على الأرض فلو أتمها راكبا كان دون ما شرع فيها لأنه شرع فيها بركوع وسجود والإيماء دون ذلك والراكب إذا نزل يؤديها أتم مما شرع فيها لأنه شرع فيها بالإيماء ويؤديها بركوع وسجود وعن " زفر " C تعالى فيهما جميعا يبنى لأنه لما جاز له افتتاح التطوع على الدابة بالإيماء مع القدرة على النزول فالإتمام أولى وعند " أبي يوسف " C تعالى فيهما جميعا يستقبل لأنه لو بنى بعد النزول كان هذا بناء القوي على الضعيف وذلك لا يجوز كالمريض المومئ يقدر على الركوع والسجود في خلال الصلاة وفي ظاهر الرواية فرق فقال هناك ليس له أن يفتتح بالإيماء على الدابة مع القدرة على الركوع والسجود فكذلك إذا قدر على ذلك في خلال الصلاة لا يبنى وبينا له أن يفتتح بالإيماء على الدابة مع القدرة على الركوع والسجود فقدرته على ذلك بالنزول لا تمنعه من البناء .
قال ومن قال لله علي أن أصلي ركعتين فصلاهما على الدابة من غير عذر لم يجز اعتبارا بما يوجبه على نفسه بما أوجب الله عليه وكذلك أن سمع تلاوة على الأرض فسجدها على الدابة بالإيماء لم تجزه لأنها لزمته بالسجود بالسماع على الأرض حيث سمعها قبل الركوب ولو سمعها وهو راكب فسجدها بالإيماء جاز لأنه أداها كما لو التزمها ولو سجد على الأرض أجزأه لأنه أداها أتم مما التزمها .
قال رجلان في محل اقتدى أحدهما بالآخر في التطوع أجزأهما كما لو كانا على الأرض إذ ليس بين المقتدي والإمام ما يمنع من الاقتداء ويكره له أن يأتم إذا كان عن يسار الإمام اعتبارا بما لو كان على الأرض وإن كان كل واحد منهما على .
صفحة [ 252 ] دابة لم تجز صلاة المؤتم لأن بين الدابتين طريقا والطريق العظيم بين المقتدي والإمام يمنع الاقتداء وعن " محمد بن الحسن " C تعالى قال أستحسن أن يجوز اقتداؤه بالإمام إذا كانت دابتهم بالقرب من دابة الإمام على وجه لا يكون الفرجة بينهم وبين الإمام إلا بقدر الصف بالقياس على الصلاة على الأرض .
قال ونية اللاحق للإقامة وهو في قضاء ما عليه وقد فرغ الإمام من صلاته ساقطة لا يلزمه الإتمام لأنه فيما يتم مقتد بالإمام فنيته في هذه الحالة كنية إمامه ونية الإمام للإقامة لا يلزمه اتمام هذه الصلاة ويعني بعد ما فرغ منها فكذلك نيته إن قيل نية المقتدي معتبرة في حقه ما لم يخرج من حرمة الصلاة وفي حق الإمام انما تعتبر بخروجه عن حرمة الصلاة .
قلنا المقتدي تبع فيجعل كالخارج من الصلاة حكما لخروج إمامه منها وكذلك لو دخل مصره فإن دخول موضع الإقامة ونية الإقامة في الحكم سوء النية المسبوق في قضاء ما عليه للإقامة أو دخوله مصره يلزمه الإتمام لأن المسبوق فيما يقضى كالمنفرد ونية المنفرد الإقامة معبر فرضه في الوقت فكذلك نية المسبوق لأنه أصل بنفسه ونية المنفرد الإقامة بعد خروج الوقت في صلاة افتتحها في الوقت ساقطة وكذلك دخوله المصر لأن بخروج الوقت صار صلاة السفر دينا في ذمته فلا يتغير بإقامته فأما في الوقت لا يصير دينا في ذمته بعد ألا ترى أن في الوقت يسقط بعذر الحيض وبعد خروج الوقت لا يسقط .
قال خراساني قدم الكوفة فأقام بها شهرا ثم خرج منها إلى الحيرة فوطن نفسه على إقامة خمسة عشر يوما ثم خرج منها يريد " خراسان " ويمر ب " الكوفة " فإنه يصلي ركعتين لأن وطنه ب " الكوفة " كان وطنا مستعارا فانتقض بمثله فالحاصل أن الأوطان ثلاثة .
( يتبع . . . )