: في الأئمة الأربعة إذا كانوا مسبوقين وقد صلى كل واحد منهم ركعة وسجدة ثم أحدث الرابع وقدم رجلا خامسا وتوضأ الأئمة الأربعة وجاءوا فينبغي للخامس أن يسجد السجدة الأولى ويسجدها معه القوم والأمام الأول ولا يسجدها معه الإمام الثاني والثالث والرابع لأنهم مسبوقون في تلك الركعة .
وفي رواية النوادر : يسجدونها معه للمتابعة ثم يسجد السجدة الثانية ويسجدها معه القوم والإمام الثاني لأنه صلى تلك الركعة بعد ولا يسجدها معه الإمام الأول لأنه ما صلى تلك الركعة بعد ولا الثالث ولا الرابع لأنهما مسبوقان في هذه الركعة إلا على رواية النوادر ثم يسجد الثالثة ويسجدها معه القوم والإمام الثالث لأنهم صلوا هذه الركعة ولم يسجدوا هذه السجدة ثم يسجد الرابعة ويسجدها معه القوم والإمام الرابع ثم يتشهد ويتأخر ويقدم سادسا ليسلم بهم ويسجد سجدتي السهو ثم يقوم الخامس فيصلى أربع ركعات لأنه مسبوق فيها فيقرأ في الأوليين وفي الأخريين هو بالخيار وأما الإمام الأول يقضي ثلاث ركعات بغير قراءة لأنه أدرك أول الصلاة ولا قراءة على اللاحق فيما يقضي والإمام الثاني يقضى ركعتين بغير قراءة لأنه لاحق فيهما ركعة بقراءة والإمام الثالث يقضي الرابعة أولا بغير قراءة ثم يقضي ركعتين بقراءة لأنه مسبوق فيهما والإمام الرابع يقضي ثلاث ركعات يقرأ في ركعتين منها وفي الثالثة هو بالخيار لأنه مسبوق فيها .
فإن قيل : لماذا أورد هذا المسائل مع تيقن كل عاقل بأنها لا تقع ولا يحتاج إليها ؟ قلنا : لا يتهيأ للمرء أن يعلم ما يحتاج إليه إلا بتعلم ما لا يحتاج إليه فيصير الكل من جملة ما يحتاج إليه لهذا الطريق وإنما يستعد للبلاء قبل نزوله .
قال : مسافر أم مسافرين فصلى بهم ركعة ثم نوى الإقامة فعليه أن يكمل بهم الصلاة لأن نيته استندت إلى أول الصلاة وهم قد التزموا متابعته فعليهم ما عليه من إتمام الصلاة بخلاف ما إذا كان الناوي للإقامة خليفة الإمام المسافر لأن القوم ما التزموا متابعته وإنما لزمهم ذلك لضرورة إصلاح صلاتهم ففيما وراء ذلك ليس عليهم متابعته .
قال : إمام أحدث فاستخلف مدركا ثم نام خلفه حتى صلى الإمام ركعة وقدمه فإن تأخر هو وقدم غيره فهو أولى لأن غيره أقدر على إتمام صلاة الإمام فإنه محتاج إلى البداءة بما فرغ منه الإمام وإن لم يفعل ولكنه أشار عليهم بأن ينتظروه ليصلي ركعة أولا ثم يصلي بهم بقية الصلاة جاز أيضا لأنه شريك الإمام .
صفحة [ 243 ] فيصلح أن يكون خليفة الإمام وإن لم يفعل ولكنه صلى بهم الثلاث ركعات بقية صلاة الإمام وتشهد ثم قدم مدركا وسلم بهم وقام وقضى ما عليه أجزأه ذلك عندنا .
وقال " زفر " C تعلى : لا يجزئه لأنه مأمور بالبداءة بالركعة الأولى فإذا لم يفعل فقد ترك الترتيب المأمور به فتفسد صلاته كالمسبوق إذا بدأ بقضاء ما فاته قبل أن يتابع الإمام فيما أدرك معه .
ولنا أن مراعاة الترتيب في أفعال الصلاة الواحدة واجبة وليست بركن ألا ترى أنه لو ترك سجدة من الركعة الأولى إلى آخر صلاته لم تفسد صلاته وأن المسبوق إذا أدرك الإمام في السجود يتابعه فيه فدل أن مراعاة الترتيب في صلاة واحدة ليست بركن فتركها لا يفسد الصلاة بخلاف المسبوق ففساد صلاته هناك للعمل بالمنسوخ لا لترك الترتيب ولأن حكم ما هو مسبوق فيه مخالف لحكم ما أدركه معه لأنه فيما هو مسبوق فيه كالمنفرد فإذا انفرد في موضع يحق عليه الإقتداء تفسد صلاته وههنا حكم الكل واحد في حقه فترك الترتيب لا يكون مفسدا صلاته .
قال : وإن صلى بهم ركعة ثم ذكر ركعته تلك فالأفضل أن يومئ إليهم لينتظروه حتى يقضي تلك الركعة ثم يصلي بهم بقية الصلاة كما كان في الإبتداء يفعله وإن لم يفعل وتأخر حين تذكر ذلك وقدم رجلا منهم فصلى بهم فهو أفضل أيضا كما في الإبتداء وإن لم يفعل ولكنه صلى بهم وهو ذاكر لركعته أجزأه أيضا لما بينا .
قال : وليس للمسافر أن يقتدي بالمقيم بعد فوات الوقت وللمقيم أن يقتدي بالمسافر في الوقت وبعد فوات الوقت أما في الوقت فلأن النبي A جوز اقتداء أهل " مكة " " بعرفات " حين قال أتموا صلاتكم يا أهل " مكة " فإنا قوم سفر وكذلك بعد فوات الوقت لأن فض المقيم لا يتعين بالإقتداء .
وأما إقتداء المسافر بالمقيم في الوقت يجوز ويتغير فرضه هكذا روى عن " ابن عمر " و " ابن عباس " رضى الله تعالى عنهما وبعد فوات الوقت لا يصح إقتداؤه لأن فرضه لا يتغير بالإقتداء فإن المغير للفرض إما نية الإقامة أو الإقتداء بالمقيم ثم الفرض بعد خروج الوقت لا يتغير بنية الإقامة فكذلك الإقتداء بالمقيم وإذا لم يتغير فرضه كان هذا عقدا لا يفيد موجبه ولو صلى ركعتين وسلم كان قد فرغ قبل إمامه وإن أتم أربعا كان خالطا النفل بالمكتوبة قصدا وذلك لا يجوز ثم القعدة الأولى نفل في حق الإمام فرض في حقه وإقتداء المفترض بالمتنفل لا يجوز على ما بينا هذا الفروق كما أمليناه من شرح الجامع .
قال : والغلام المراهق إذا كان معه رجل في الصف أجزأهما .
صفحة [ 244 ] ذلك لحديث " أنس " رضى الله تعالى عنه فأقامني واليتيم من ورائه .
قال : رجل ترك صلاة واحدة ثم صلى شهرا وهو ذاكر لها فعليه أن يقضي تلك الصلاة وحدها استحسانا وإن كان صلى يوما أو أقل من ذلك أعاد ما صلى بعدها في هذه عند " أبي حنيفة " C تعالى وهذه المسألة التي يقال لها : واحدة تفسد خمسا وواحدة تصحح خمسا لأنه إن صلى السادسة قبل الإشتغال بالقضاء صح الخمس عنده وإن أدى المتروكة قبل أن يصلي السادسة فسد الخمس .
وعلى قولهما عليه قضاء الفائتة وخمس صلوات بعدها وهو القياس لأن الخمس فسدت بسبب ترك الترتيب حتى لو اشتغل بالقضاء في ذلك الوقت كان عليه قضاء الكل فبتأخر القضاء لا ينقلب صحيحا .
و " أبو حنيفة " رضى الله تعالى عنه يقول : الفساد كان بوجوب مراعاة الترتيب وقد سقط ذلك عنه بالإتفاق عند تطاول الزمان . والدليل عليه أنه لو أعادها غير مرتب يجوز فكيف يلزمه إعادتها لترك الترتيب مع أنه ليس عليه مراعاة الترتيب بالإعادة ولا يبعد أن يتوقف حكم الصلاة المؤداة على ما تبين في الثاني كمصلي الظهر يوم الجمعة إن أدرك الجمعة تبين أن المؤداة كانت تطوعا وإلا كان فرضا وصاحبة العادة إذا انقطع دمها فيما دون عادتها وصلت صلوات ثم عاودها الدم تبين أنها لم تكن صلاة صحيحة وإن لم يعاودها كانت صحيحة .
قال : وإذا زاد على أيام عادتها فإذا انقطع لتمام العشرة تبين أن الكل حيض وليس عليها قضاء الصلوات وإن جاوزها كان عليها قضاء الصلوات وقال " أبو حنيفة " و " محمد " رحمهما الله تعالى إذا صلى الحاج المغرب في طريق " المزدلفة " فعليهم إعادتها إن وصل إلى " المزدلفة " قبل طلوع الفجر وإن لم يصل فليس عليهم إعادتها فهذا مثله .
وحاصل كلام " أبي حنيفة " C تعالى أن هذا الصلوات مؤداة في أوقاتها والفساد بسبب ترك الترتيب فساد ضعيف فلا يبقى حكمه بعد سقوط الترتيب .
وهما يقولان : ما يحكم بفساده لمراعاة الترتيب لا يصح لسقوط الترتيب كمن افتتح الصلاة في أول الوقت وهو ذاكر للفائتة فطولها حتى يضيق الوقت لم يحكم بجوازها .
إلا أن " أبا حنيفة " C تعالى قال هناك لم يسقط الترتيب لأن بعد السقوط لا يعود الترتيب وهناك إذا خرج الوقت فعليه مراعاة الترتيب .
وعلى قول " زفر رحمه " الله تعالى يلزمه إعادة المتروكة وصلاة شهر بعده بناء على مذهبه في حد الكثرة التي سقط بها الترتيب وقد بينا .
قال : رجل صلى الظهر على غير وضوء ثم صلى العصر على وضوء ذاكرا لذلك وهو يظن أنه يجزئه فعليه أن يعيدهما جميعا لوجوب مراعاة الترتيب وظنه جهل فلا .
صفحة [ 245 ] يسقط عنه ما هو مستحق عليه .
وكان " الحسن بن زياد " C تعالى يقول : إنما يجب مراعاة الترتيب على من يعلم فأما من لا يعلم فليس عليه ذلك لأنه ضعيف في نفسه فلا يثبت حكمه في حق من لا يعلم به .
وكان " زفر " C تعالى يقول : إذا كان عنده أن ذلك يجزئه فهو في معنى الناسي للفائتة فيجزئه فرض الوقت .
ولنا أن نقول إذا كان الرجل مجتهدا قد ظهر عنده أن مراعاة الترتيب ليس بفرض فهو دليل شرعي وكذلك إذا كان ناسيا فهو معذورغير مخاطب بأداء الفائتة قبل أن يتذكر فأما إذا كان ذاكرا وهو غير مجتهد فمجرد ظنه ليس بدليل شرعي فلا يعتبر فإن أعاد الظهر وحدها ثم صلى المغرب وهو يظن أن العصر له جائز قال يجزئه المغرب ويعيد العصر فقط لأن ظنه هذا استند إلى خلاف معتبر بين العلماء فكان دليلا شرعيا .
وحاصل الفرق أن فساد الصلاة بترك الطهارة فساد قوى مجمع عليه فيظهر أثره فيما يؤدي بعده فأما فساد العصر بسبب تذكر الترتيب فساد ضعيف مختلف فيه فلا يتعدى حكمه إلى صلاة أخرى فهو كمن جمع بين حر وعبد في البيع بثمن واحد بطل العقد فيهما بخلاف ما إذا جمع بين قن ومدبر .
قال : رجل أسلم في دار الحرب فمكث فيها شهرا ولم يصل ولم يعلم أن عليه الصلاة فليس عليه قضاؤها وقال " زفر " C تعالى عليه قضاؤها لأن بقبول الإسلام صار ملتزما لما هو من أحكامه ولكن قصر عنه خطاب الأداء لجهله به وذلك غير مسقط للقضاء بعد تقرر السبب الموجب كالنائم إذا انتبه بعد مضي وقت الصلاة عليه .
وجه قولنا : أن ما يجب بخطاب الشرع لا يثبت حكمه في حق المخاطب قبل علمه به ألا ترى أن أهل قباء افتتحوا الصلاة إلى " بيت المقدس " بعد فرضية التوجه إلى الكعبة وجوز لهم رسول الله A لأنه لم يبلغهم .
وشرب بعض الصحابة الخمر بعد نزول تحريمها قبل علمه بذلك وفيه نزل قوله تعالى : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " المائدة : 93 وهذا لأن الخطاب بحسب الوسع وليس في وسع المخاطب الائتمار قبل العلم فلو ثبت حكم الخطاب في حقه كان فيه من الحرج ما لا يخفى ولهذا قلنا إن عزل الوكيل والحجر على المأذون لا يثبت في حقه ما لم يعلم .
وإن كان ذميا أسلم في دار الإسلام فعليه قضاؤها استحسانا وفي القياس لا قضاء عليه أيضا وهو الحد لما بينا .
ووجه الاستحسان هو أن الخطاب شائع في دار الإسلام فيقوم شيوع الخطاب مقام العلم لأنه ليس في وسع المبلغ أن يبلغ كل أحد إنما الذي وسعه أن يجعل الخطاب شائعا وهذا لأنه في دار الإسلام يسمع الأذان .
صفحة [ 246 ] والإقامة ويرى شهود الناس الجماعات في كل وقت فإنما يشتبه عليه ما لا يشتبه ولأن في دار الإسلام يجد من يسأل منه فترك السؤال تقصير منه بخلاف دار الحرب .
فإن بلغه في دار الحرب رجل واحد فعليه القضاء فيما ترك بعد ذلك عندهما وهو إحدى الروايتين عن " أبي حنيفة " C تعالى .
وفي رواية " الحسن " عن " أبي حنيفة " C تعالى : ما لم يخبره رجلان أو رجل وامرأتان لا يلزمه القضاء لأن هذا خبر ملزم ومن أصله اشتراط العدد في الخبر الملزم كما قال في حق الحجر على المأذون وعزل الوكيل والإخبار بجناية العبد .
وجه الرواية الأخرى وهو الأصح أن كل أحد مأمور من صاحب الشرع بالتبليغ قال E نضر الله أمرا سمع منا مقالة فوعاها كما سمعها ثم أداها إلى من لم يسمعها فهذا المبلغ نظير الرسول من المولى والموكل وخبر الرسول هناك ملزم فههنا كذلك .
قال : رجل ترك الظهر والعصر من يومين مختلفين لا يدرى لعل الظهر الذي ترك أولا أو العصر فإنه يتحرى في ذلك لأن عليه مراعاة الترتيب ولا يتوصل إليها إلا بالتحرى فعليه أن يتحرى كما إذا اشتبهت عليه القبلة فإن لم يكن له في ذلك رأي وأراد الأخذ بالثقة صلاهما ثم أعاد الأولى منهما عند " أبي حنيفة " C تعالى .
وقالا : ليس عليه سوء التحرى لأنا نعلم يقينا أنه ما ترك إلا صلاتين فكيف يلزمه قضاء ثلاث صلوات وهذا نظير من اشتبهت عليه القبلة لا يؤمر بالصلاة إلى الجهات كلها احتياطا .
و " أبو حنيفة " C تعالى يقول الأخذ بالاحتياط في العبادات أصل وفي إعادة الأولى منهما تيقن بأداء ما كان عليه من الترتيب بخلاف أمر القبلة فإن الصلاة إلى غير جهة القبلة لا تكون قربة فلا يحصل معنى الاحتياط بمباشرة ما ليس بقربة .
فأما ههنا إعادة الأولى إما أن تكون فرضا أو نفلا وهو قربة وهو نظير من تذكر فائته لا يدرى أيما هي من صلوات اليوم أو الليلة فعليه صلاة يوم وليلة احتياطا وكذلك لو تذكر أنه ترك سجدة من صلاة .
وكان " محمد بن مقاتل الرازي " C تعالى يقول يعيد الفجر والمغرب ثم يصلى أربعا بنية ما عليه .
ومن أصحابنا من يقول : يصلى أربع ركعات بنية ما عليه بثلاث قعدات .
وهذا كله فاسد فإن القضاء لا يتأدى إلا بتعيين النية وفيما قالوا تضييع النية فكيف يتأدى به القضاء .
والصحيح ما قلنا أنه يعيد صلاة يوم وليلة احتياطا فهذا مثله .
قال : رجل أم نساء ليس معهن رجل فأحدث فذهب وتوضأ فصلاته تامة وصلاة النسوة فاسدة لأن الإمام في حق نفسه كالمنفرد لا تتعلق صلاته بصلاة غيره ولم يبق للنسوة إمام في المسجد فتفسد .
صفحة [ 247 ] صلاتهن لهذا .
قال : فإن استخلف امرأة فسدت صلاته وصلاتهن وقال " زفر " C تعالى تجوز صلاة النسوة لأن المرأة تصلح لإمامة النساء دون الرجال بدليل الابتداء .
ولكنا نقول اشتغاله باستخلاف من لا يصلح أن يكون خليفة له مفسد لصلاته فإنما فسدت صلاته قبل تحول الإمام منه إلى غيره فتفسد به صلاة المقتدين .
قال : فإن تقدمت امرأة منهن من غير أن يقدمها قبل أن يخرج من المسجد فهذا والأول سواء وهذا جواب مبهم فقد تقدم فصلان حكمهما مختلف ثم ذكر الفصل الثالث ولم يبين بأي فصل يعتبره .
( يتبع . . . )