الأصل في سجود السهو ما روي أن النبي A سها في صلاته فسجد وفي " حديث " ثوبان " عن رسول الله A لكل سهو سجدتان بعد السلام " وكان " أبو الحسن الكرخي " يقول هو واجب استدلالا بما قال " محمد " C تعالى إذا سها الإمام وجب على المؤتم أن يسجد .
ووجهه أنه جبر لنقصان العبادة فكان واجبا كدماء الجبر في باب الحج وهذا لأن أداء العبادة بصفة الكمال واجب وصفة الكمال لا تحصل إلا بجبر النقصان .
وغيره من أصحابنا كان يقول إنه سنة استدلالا بما قال " محمد " C تعالى إن العود إلى سجود السهو لا يرفع التشهد ولو كان واجبا لكان رافعا للتشهد كسجدة التلاوة .
صفحة [ 219 ] ولأنه يجب بترك بعض السنن والخلف لا يكون أقوى فوق الأصل .
إذا عرفنا هذا فنقول إذا سها ولم يدر أثلاثا صلى أم أربعا ؟ وذلك أول ما سها استقبل الصلاة " لحديث " عبدالله ابن عمر " رضي الله تعالى عنهما قال رسول الله A من شك في صلاته فلم يدر كم صلى ؟ ثلاثا أم أربعا ؟ فليستقبل " ولأن الإستقبال لا يريبه والمضى يريبه بعد الشك والإحتياط في العبادة ليؤديها بكمالها واجب .
ومعنى قوله وذلك أول ما سها أن السهو ليس بعادة له لأنه لم يسه في عمره قط وإن لقى ذلك غير مرة تحرى الصواب وأتم الصلاة على ذلك " لحديث " ابن مسعود " رضي الله تعالى عنه قال رسول الله A من شك في صلاته فليتحر الصواب " ولأنا لو أمرناه بالإستقبال يقع في الشك ثانيا وثالثا إذا صار ذلك عادة له فيتعذر عليه المضى في الصلاة فلهذا تحرى وشهادة القلب في التحرى تكفى عندنا " لقوله A المؤمن ينظر بنور الله " .
وعند " الشافعي " رضى الله تعالى عنه لا يكفى ما لم ينضم إليه دليل آخر لأنه مجرد الظن وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا وإن لم يكن له تحر أخذ بالأقل " لحديث " عبدالرحمن بن عوف " رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله A من شك في صلاته فليأخذ بالأقل وليصل حتى يشك في الزيادة كما يشك في النقصان " ولأنه متيقن بوجوب الأداء عليه فلا يترك هذا اليقين إلا بيقين مثله وذلك في الأقل إلا أنه في كل موضع يتوهم أنه آخر صلاته فيقعد لا محالة لأن قعدة الختم ركن والإشتغال بالنافلة قبل إكمال الفرض مفسد لصلاته .
ثم يسجد للسهو بعد السلام عندنا .
وقال " الشافعي " رضى الله تعالى عنه قبل السلام " لحديث " عبدالله بن بحينة " أن النبي A سجد سجدتي السهو قبل السلام " وما روى بعد السلام أي بعد التشهد كما قلتم في قوله وفي كل ركعتين فسلم أي فتشهد ولأن سجود السهو مؤدى في حرمة الصلاة ولهذا لو أدرك الإمام فيه صح اقتداؤه به والسلام محلل له فينبغي أن يتأخر عن كل ما يؤدي في حرمة الصلاة فكان هذا قياس سجدة التلاوة .
ولنا " حديث " ابن مسعود " و " عائشة " و " أبي هريرة " رضى الله تعالى عنهم أن النبي A سجد للسهو بعد السلام " وما روى قبل السلام أي قبل السلام الثاني فإن عندنا يسلم بعد سجود السهو أيضا إذ بما وقع الإختلاف في فعل رسول الله A يصار إلى قوله وفي حديث ثوبان لكل سهو سجدتان بعد السلام ولأن سجود السهو مؤخر عن محله فلو كان .
صفحة [ 220 ] مؤدى قبل السلام لكان الأولى أن يؤدى في محله كسجدة التلاوة وإنما كان مؤخرا ليتأخر أداؤه عن كل حالة يتوهم فيها السهو وفيما قبل السلام يتوهم السهو فيؤخر عنه لهذا ولكنه جبر لنقصان الصلاة فبالعود إليه يكون عائدا إلى حرمة الصلاة ضرورة فلهذا يسلم بعده .
وقال " مالك " C تعالى أن كان سهوه عن نقصان سجد قبل السلام لأنه جبر للنقصان ولو كان عن زيادة سجد بعد السلام لأنه ترغيم للشيطان إلا أن " أبا يوسف " C تعالى قال له بين يدي الخليفة أرأيت لو زاد ونقص كيف يصنع فتحير " مالك " C .
ومن سها عن قيام أو قعود فعليه سجود السهو " لحديث " المغيرة بن شعبة " رضى الله تعالى عنه أن النبي A قام من الثانية إلى الثالثة ولم يقعد فسبحوا له فلم يعد وسجد لسهوه " ولأنه تارك للقعدة مقدم للقيام على وقته وكذلك إن قعد في موضع القيام فهو زائد في صلاته قعدة ليست منها مؤخر للقيام عن وقته فيتمكن النقصان في فعله فلهذا سجد للسهو .
قال : فإن سها عن قراءة التشهد في القعدة الأولى وتكبيرات العيد أو قنوت الوتر ففي القياس لا يسجد للسهو لأن هذه الأذكار سنة فبتركها لا يتمكن كثير نقصان في الصلاة كما إذا ترك الثناء والتعوذ ولهذا كان مبنى الصلاة على الأفعال دون الأذكار وسجود السهو عرف بفعل رسول الله A وما نقل ذلك عنه A إلا في الأفعال .
وجه الإستحسان أن هذه السنة تضاف إلى جميع الصلاة يقال تكبيرات العيد وقنوت الوتر وتشهد الصلاة فبتركها يتمكن النقصان والتغير للصلاة فأما ثناء الإفتتاح غير مضاف إلى جميع الصلاة بل الإفتتاح والتعوذ غير مضاف إلى الصلاة بل هو للقراءة فبتركه لا يتمكن النقصان والتغير في الصلاة .
قال : وإن سها عن التكبيرات سوى تكبيرة الإفتتاح فعليه سجود السهو عند " مالك " C تعالى إذا سها عن ثلاث تكبيرات فعليه سجود السهو بالقياس على تكبيرات العيد ولكنا نقول تكبيرة الإنتقال سنة لا تضاف إلى جميع الصلاة فبتركها لا يتمكن التغير في الصلاة وكذلك لو سها عن تسبيحات الركوع والسجود لأنها سنة تضاف إلى ركن منها لا إلى جميعها فكان كالتعوذ وثناء الإفتتاح .
قال : وإن سها عن القراءة في الأوليين فعليه سجود السهو لأن القراءة ركن والأوليان تعينتا لأداء هذا الركن واجبا وبترك الواجب يتمكن النقصان في الصلاة .
قال : وإن سها عن فاتحة الكتاب في الركعة الأولى وبدأ بغيرها فلما قرأ بعض .
صفحة [ 221 ] السورة تذكر يعود فيقرأ بفاتحة الكتاب ثم السورة لأن الفاتحة سميت فاتحة الكتاب لافتتاح القراءة بها في الصلاة فإذا تذكر في محله كان عليه مراعاة الترتيب كما لو سها عن تكبيرات العيد حتى اشتغل بالقراءة ثم تذكر عاد إلى التكبيرات ثم القراءة بعدها وعليه سجدتا السهو لأن الترتيب في القراءة واجب فبتركه يتمكن النقصان .
قال : وإن قرأ في الأوليين سورة ولم يقرأ بفاتحة الكتاب لم يعد قراءة الفاتحة في الأخريين لأن الأخريين محل الفاتحة أداء فلا يكون محلا لها قضاء فإنه لو قضى الفاتحة قرأها مرتين وذلك غير مشروع في قيام واحد .
قال : ولو قرأ الفاتحة في الأوليين ولم يقرأ السورة قضاها في الأخريين لحديث " عمر " رضى الله تعالى عنه أنه ترك القراءة في ركعة من صلاة المغرب فقضاها في الركعة الثالثة وجهر بها و " عثمان " رضى الله تعالى عنه ترك قراءة السورة في الأوليين من صلاة العشاء فقضاها في الأخريين وجهر ولأن الأخريين ليستا بمحل للسورة أداء فتكونان محلا لها قضاء .
ثم قال في الكتاب وجهر .
قال " البلخي " أي بالسورة خاصة لأن القضاء بصفة الأداء فأما الفاتحة فهو مؤد فيخافت بها في الأخريين .
والأصح أنه يجهر بهما لأن القراءة في قيام واحد لا يكون بعضه جهرا دون البعض وقد وجب عليه الجهر بالسورة فيجهر بالفاتحة أيضا .
وعن " أبي يوسف " C تعالى أنه يخافت فيهما لأن افتتاحه القراءة بالفاتحة والسنة المخافتة في الأخريين فكذلك ماينبني عليها .
وعنه في رواية أخرى : أنه لا يقضى السورة في الأخريين كما لا يقضى الفاتحة لأنها سنة فات موضعها .
وعن " الحسن بن زياد " C تعالى : أنه يقضى الفاتحة في الأخريين كما يقضى السورة لأن الفاتحة أوجب من غيرها فالقضاء فيها أولى .
ولكنا نقول : الفاتحة لافتتاح القراءة بها وذلك لا يحصل إذا قضاها في الآخريين لأنه لا يقرأ بعدها السورة وهذا كله إذا تذكر بعدما قيد الركعة بالسجدة فإن تذكر قراءة السورة في الركوع أو بعد ما رفع رأسه منها عاد إلى قراءة السورة وانتقض به ركوعه لأن القراءة ركن فإذا طولها فالكل فرض فلمراعاة الترتيب بين الفرائض ينتقض الركوع لبقاء محل القراءة ما لم يقيد الركعة بالسجدة .
قال : وإذا قرأ في كل ركعة من صلاته بآية أجزأه في قول " أبي حنيفة " رضى الله تعالى عنه الآخرة قصيرة كانت أو طويلة .
وفي قوله الأول وهو قول " أبي يوسف " و " محمد " رحمهما الله تعالى : لا تجزئ ما لم يقرأ في كل ركعة ثلاث آيات قصار أو آية طويلة .
وفي بعض الروايات عن " أبي يوسف " C تعالى لا يجزئه أقل من ثلاث آيات .
صفحة [ 222 ] لأن الواجب عليه قراءة المعجزة وهي السورة وأقصرها الكوثر وهي ثلاث آيات ولأنه لا بد أن يأتي بما يسمى به قارئا ومن قال : ثم نظر أو قال : مد هامتان لا يسمى به قارئا .
و " أبو حنيفة " C تعالى استدل بقوله تعالى : " فأقرؤا ما تيسر من القرآن " المزمل : 20 والذي تيسر عليه قراءة آية واحدة فيكون ممتثلا للأمر ولأنه يتعلق بالقراءة حكمان جواز الصلاة وحرمة القراءة على الجنب والحائض ثم في أحد الحكمين لا فرق بين الآية القصيرة والطويلة فكذلك في الحكم الآخر وهو بناء على الأصل الذي بيناه لأبي حنيفة C تعالى أن الركن يتأدي بأدنى ما يتناوله الإسم .
وإن جهر الإمام فيما يخافت فيه أو خافت فيما يجهر به يسجد للسهو لأن مراعاة صفة القراءة في كل صلاة بالجهر والمخافتة واجب على الإمام فإذا ترك فقد تمكن النقصان والتغير في صلاته فعليه السهو .
وذكر في نوادر " أبي سليمان " C تعالى إن جهر فيما يخافت فعليه السهو قل أو أكثر ذلك وإن خافت فيما يجهر فإن كان في أكثر الفاتحة أو في ثلاث آيات من غير الفاتحة فعليه السهو وإلا فلا .
ووجهه : أن صفة المخافتة في صلوات النهار ألزم من صفة الجهر في صلوات الليل ألا تري أن المنفرد في صلاة الجهر يتخير وفي صلاة المخافتة لا يتخير فبنفس الجهر في صلوات المخافتة يتمكن النقصان وبنفس المخافتة في صلوات الجهر لا يتمكن النقصان ما لم " والجماعة ولهذا لم يشترط " أبو حنيفة " Bه فيه الحرية كما لا تشترط في صلاة الجمعة قال : وإن صلى النساء مع الرجال " .
يكن في مقدار ثلاث آيات أو أكثر .
وروى " ابن سماعة " عن " محمد " C تعالى التسوية بين الفصلين أنه إن تمكن التغير في ثلاث آيات أو أكثر فعليه سجود السهو وإلا فلا .
وروى " الحسن " عن " أبي حنيفة " C تعالى في آية واحدة وهو بناء على ما سبق أن عندهما لا يتأدى فرض القراءة إلا بثلاث آيات فما لم يتمكن التغير في هذا المقدار لا يجب سجود السهو .
وعند " أبي حنيفة " C تعالى يتأدى الفرض بآية واحدة فإذا تمكن التغير في هذا القدر وجب السهو .
قال : وإن كان منفردا فليس عليه سجود السهو بهذا أما في صلاة الجهر هو مخير بين الجهر والمخافتة فلا يتمكن النقصان في صلاته جهر أو خافت وأما في صلاته المخافتة فجهر المنفرد بقدر إسماعه نفسه وهو غير منهى عن ذلك فلهذا لا يلزمه السهو .
قال : وسهو الإمام يوجب عليه وعلى المؤتم سجدتى السهو لأنه شريك الإمام تبع له وقدر تقرر السبب الموجب في حق الأصل فيجب على التبع بوجوبه على الأصل وسهو المؤتم لا يوجب شيئا أما على الإمام فلا إشكال لأنه ليس بتبع للمؤتم وأما على المؤتم فلأنه لو سجد كان مخالفا لإمامه وقد " قال E فلا تختلفوا عليه " .
قال : وإذا سلم .
صفحة [ 223 ] في الرابعة ساهيا بعد قعود مقدار التشهد ولم يقرأ التشهد أو كان عليه سجدة تلاوة أو سجدة صلاتية عاد إلى قضاء ما عليه لأن سلامه سلام سهو وقد بقى عليه واجب محل أدائه قبل السلام وقد ذكرنا أن بسلام السهو لا يصير خارجا من الصلاة ثم إن عاد إلى سجدة التلاوة أو قراءة التشهد انتقض به القعدة كما لو عاد إلى سجدة صلاتية لأن قراءة التشهد واجبة محله قبل الفراغ من القعدة وكذلك سجدة التلاوة محلها قبل القعدة فالعود إليها يرفع القعدة كالعود ألى الصلاتية حتى لو تكلم قبل أن يقعد بعدها فسدت صلاته لترك القعدة الأخيرة بخلاف العود إلى سجود السهو فإنه رافع للسلام دون القعدة لأن محله بعد الفراغ من القعدة والسلام إلا أن ارتفاع السلام به للضرورة حتى يكون مؤديا في حرمة الصلاة ولا ضرورة إلى ارتفاع القعدة به حتى لو تكلم بعدما سجد قبل أن يقعد فصلاته تامة وإن كان قد سلم عامدا فقد قطع صلاته بسلام العمد فإن كان ما ترك سجدة صلاتية فعليه إعادة الصلاة لأنها ركن .
وإن كان ما ترك سجدة التلاوة أو قراءة التشهد فليس عليه إعادة لأنها واجبة وترك الواجب يوجب الكراهة والنقصان ولا يفسد الصلاة لأن حكم الجواز متعلق بأداء الأركان .
وعن " زفر " C تعالى التسوية بين سجدة التلاوة والصلاتية .
والفرق بينهما واضح فإن سجدة الصلاتية من موجبات التحريمة وسجدة التلاوة ليست من موجبات التحريمة ولكنها وجبت بعارض قراءة آية السجدة فبتركها لا تفسد الصلاة وإنما يتمكن النقصان وليس عليه سجود السهو كما يجب عند تمكن السهو ولا سهو إذا كان عامدا .
قال : وإذا شك في شيء من صلاته ثم استيقن به فإن طال تفكره حين شك حتى شغله عن شيء من صلاته سجد للسهو وإن بطل تفكره فليس عليه سهو وفي القياس هما سواء ولا سهو عليه لأنه لا يتمكن النقصان في صلاته حين تذكر أنه أداها على وجهها ومجرد التفكر لا يوجب عليه السهو كما لو شك في صلاته قبل هذا ثم تذكر أنه أداها لا سهو عليه وإن طال تفكره .
( يتبع . . . )