الأصل في صلاة المريض قوله تعالى : " الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم " التغابن : 16 قال الضحاك في تفسيره هو بيان حال المريض في أداء الصلاة على حسب الطاقة ودخل رسول الله A على " عمران بن حصين " يعوده في مرضه فقال كيف أصلى " فقال E صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى الجنب تؤمئ إيماء فإن لم تستطع فالله أولى بالعذر " أى بقبول العذر منك ولأن الطاعة على حسب الطاقة قال الله تعالى : " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها " البقرة : 286 ولقوله تعالى : { " فاتقوا الله ما استطعتم " التغابن : 16 فإذا عرفنا هذا فنقول المريض إذا كان قادرا على القيام يصلى قائما فإذا عجز عن القيام يصلى قاعدا بركوع وسجود وإذا كان عاجزا عن القعود يصلى بالإيماء لأنه وسع مثله فإن كان قادرا على القيام في أول الصلاة وعجز عن القيام فإنه يقعد وفرق بين هذا وبين الصوم فإن المريض إذا كان قادرا على الصوم في بعض اليوم ثم عجز فإنه لا يصوم أصلا وهنا يصلى .
وجه الفرق بينهما وذلك لأن في الصوم لما أفطر في آخر اليوم لم يكن فعله في أول اليوم معتدا فلا يشتغل به وفي الصلاة وإن .
صفحة [ 213 ] قعد في آخره ولكن فعله في أول الصلاة وقع معتدا فيشتغل به وأما إذا كان قادرا على القيام وعاجزا عن الركوع والسجود فإنه يصلى قاعدا بإيماء وسقط عنه القيام لأن هذا القيام ليس بركن لأن القيام إنما شرع لافتتاح الركوع والسجود به فكل قيام لا يعقبه سجود لا يكون ركنا ولأن الإيماء إنما شرع للتشبه بمن يركع ويسجد والتشبه بالقعود أكثر ولهذا قلنا بأن المومئ يجعل السجود أخفض من ركوعه لأن ذلك أشبه بالسجود إلا أن بشرا يقول : إنما سقط عنه بالمرض ما كان عاجزا عن إتيانه فأما فيما هو قادر عليه لا يسقط عنه ولكن الإنفصال عنه على ما بينا إن كان عاجزا عن القعود يصلى بالإيماء مضطجعا مستلقيا على قفاه ووجهه نحو القبلة عند علمائنا رحمهم الله تعالى وهو مذهب " عبد الله بن عمر " رضى الله تعالى عنهما .
وقال " الشافعي " C تعالى يضطجع على جنبه الأيمن ووجهه نحو القبلة واحتج " بحديث " عمران ابن حصين " قال له رسول الله A فعلى الجنب تومئ إيماء " فالنبي A نص على الجنب ولأن فيما قلنا وجهه إلى القبلة وكما إذا احتضر يضطجع على شقه الأيمن هكذا يصلى أيضا وكذلك يوضع في القبر هكذا .
إلا أن أصحابنا قالوا بأنه إذا استلقى على قفاه كان أقرب إلى استقبال القبلة فالجانبان منه إلى القبلة ووجهه إلى ما هو القبلة .
وفيما قاله " الشافعي " C تعالى وجهه إلى رجله وذا ليس بقبلة وكذلك إذا قدر على القيام فوجهه أيضا يكون إلى القبلة بخلاف ما إذا احتضر فإن هناك لم يكن مرضه على شرف الزوال فافترقا من هذا الوجه .
وأما الجواب عن احتجاجه بحديث " عمران بن حصين " رضى الله تعالى عنه فلما قيل بأن مرضه كان باسورا فلا يمكنه أن يستلقى على قفاه .
والثاني وهو " أن النبي A قال فعلى الجنب توميء إيماء " يعنى ساقطا على الجنب كقوله " فإذا وجبت جنوبها " أي سقطت فكذلك هنا .
قال : المومئ إذا اقتدى بالمومئ يصح اقتداؤه به " لقوله E الإمام ضامن " معناه صلاة الإمام تتضمن صلاة المقتدى وتضمن الشيء إنما يتحقق فيما هو مثله أو فوقه ولا يتحقق فيما هو دونه وها هنا حال المقتدي مثل حال الإمام أو دونه فيصح اقتداؤه به .
فإذا عرفنا هذا فنقول بأن الإمام إن كان قائما أو قاعدا أو مومئا يصح اقتداؤه به لأن حاله مثل حال الإمام أو دونه فإن كان الإمام قارئا والمقتدى قارئا أو أميا يصح اقتداؤه به لأن حاله مثل حال الإمام أو دونه فأما إذا كان الإمام قاعدا والمقتدى قائما يصح عند " أبي حنيفة " و " أبي يوسف " رحمهما الله تعالى استحسانا .
وعند " محمد " .
صفحة [ 214 ] C تعالى لا يصح قياسا .
وجه قول " محمد " C تعالى ما " روى عن النبي A أنه قال لا يؤمن أحد بعدي جالسا " وهذا نص عن " علي " رضى الله عنه أنه قال لا يؤم المتيمم المتوضئين ولا المقيد المطلقين وهذا نص والمعنى فيه وذلك أن الإمام صاحب عذر فمن كان حاله مثل حال الإمام يصح اقتداؤه به وما لا فلا كإمامة صاحب الجرح السائل للأصحاء ولأصحاب الجروح .
وتأثير هذا الكلام وهو أن القيام ركن والمقتدى ينفرد بهذا الركن فلو قلنا بأنه يصح اقتداؤه به يكون هذا مقتديا بالبعض دون البعض وهذا لا يجوز .
ووجه قول " أبي حنيفة " و " أبي يوسف " رحمهما الله تعالى ما " روى عن النبي A أنه صلى بأصحابه وكان قاعدا وهم قيام خلفه فإنه لما ضعف في مرضه قال مروا أبا بكر يصلي بالناس فقالت " عائشة " " لحفصة " قولي له إن " أبا بكر " رجل أسيف إذا وقف في مكانك لا يملك نفسه فلو أمرت غيره فقالت ذلك كرتين فقال : إنكن صاحبات يوسف مروا " أبا بكر " يصلي بالناس فلما شرع " أبو بكر " في الصلاة وجد رسول الله A خفة في نفسه فخرج وهو يهادي بين " الفضل بن عباس " وبين " علي " وكان رجلاه تخطان الأرض حتى دخل المسجد فسمع " أبو بكر " حس مجيء النبي A فتأخر وتقدم النبي A وقعد وكان " أبو بكر " يصلى بصلاة رسول الله A والقوم يكبرون بتكبير " أبي بكر " و " أبو بكر " يكبر بتكبير رسول الله A والصحابة يكبرون بتكبير " أبي بكر " " وهذا آخر فعل رسول الله A في مرضه فيكون ناسخا لما كان قبله على ما جاء في " حديث " جابر " رضي الله تعالى عنه أنه قال سقط رسول الله A عن فرسه فجحش شقه الأيسر فلم يخرج أياما " فالصحابة دخلوا عليه فوجوده في الصلاة قاعدا فاقتدوا به قياما فأشار إليهم أن اقعدوا فلما فرغ من صلاته قال إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا على أئمتكم فإن صلى قاعدا فصلوا قعودا أجمعين وإن صلى قائما فصلوا قياما أجمعين ولا يؤمن أحد بعدى جالسا .
ولكنا نقول صار هذا منسوخا بفعله الآخر وهو ما روينا في حديث مرض موته A وأما حديث " علي " رضى الله تعالى عنه قلنا لا يمكن العمل به لأن في الحديث زيادة وهو قوله ولا الماسح للغاسلين وبالإجماع إمامة الماسح للغاسل جائزة فدل أنه لا يمكن العمل به .
والفقه فيه أن الإمام صاحب بدل صحيح فاقتداء صاحب الأصل به صحيح كالماسح على الخفين إذا أم الغاسلين بخلاف صاحب .
صفحة [ 215 ] الجرح السائل ونحوه لأنه ليس بصاحب بدل صحيح ولأن بين القيام والقعود تقاربا في الصلاة حتى يجوز القعود في التطوع من غير عذر وهذا لأن القائم كلا الجانبين منه مستو فالقاعد أحد الجانبين منه منثن فكان بينهما تقارب فيصح اقتداؤه به كاقتداء القائم بالراكع .
وإن كان الإمام يصلي بالإيماء مضطجعا والمقتدى يصلى بركوع وسجود لا يصح اقتداؤه به عندنا .
خلافا " لزفر " C هو يقول كل واحد منهما مؤد ما هو مستحق عليه بصفة الصحة فيصح اقتداؤه به نظيره اقتداء المتوضئ بالمتيمم والغاسل وبالماسح .
ولكنا نقول بان حال المقتدى فوق الإمام لأن الإكتفاء بالإيماء مع القدرة على الركوع والسجود يمنع جواز الصلاة فيمنع صحة الإقتداء ولأن الإيماء ليس ببدل عن الركوع والسجود لأنه بعضه فلو قلنا بأنه يصح اقتداؤه به يكون هذا اقتداء بالبعض دون البعض وهذا لا يجوز بخلاف التيمم والمسح فإن التيمم بدل عن الوضوء والمسح بدل عن الغسل فيصح اقتداؤه به بالإجماع .
فإن كان الإمام يصلى قاعدا بالإيماء والمأموم يصلى قائما بالإيماء يصح اقتداؤه به لأن هذا القيام ليس بركن حتى كان الأولى تركه فيجعل كأن لم يكن ولو كان معدوما أصلا يصح اقتداؤه به لأن هذا اقتداء القاعد بالقاعد فكذلك هنا فإن كان الإمام يصلي بإيماء مضطجعا والمقتدى يصلي بالإيماء قاعدا أو قائما لا يصح اقتداؤه بالإجماع لأن حاله فوق حال الإمام فيمنع صحة الإقتداء .
قال : فإن نزع الماء من عينيه وأمر بأن يستلقى على قفاه أياما ونهى عن القيام والقعود له أن يصلى بالإيماء مضطجعا عند علمائنا وقال مالك C ليس له ذلك واحتج بما روى عن " عبدالله بن عباس " رضى الله تعالى عنهما أنه قال له طبيب بعدما كف بصره لو صبرت أياما مستلقيا على قفاك لصحت عيناك فشاور في ذلك " عائشة " رضى الله تعالى عنها والصحابة فلم يرخصوا له في ذلك وقالوا له أرأيت لو مت في هذه الأيام كيف تصنع بصلاتك فلو جاز ذلك لجوزوا له .
إلا أن علماءنا قالوا : بأن حرمة الأعضاء كحرمة النفس ثم إذا خاف الهلاك على نفسه من عدو أو سبع كان معه له أن يصلى مستلقيا على قفاه فكذلك هنا وأما حديث " عبدالله بن عباس " قلنا يحتمل أنه إنما لم يرخصوا له في ذلك لأنه لم يظهر عندهم صدق ذلك الطبيب فيما يدعى فلهذا لم يرخصوا له .
قال : ولو أن المريض إذا صلى إلى غير القبلة متعمدا لا تجوز وإن أخطأ تجوز معناه إذا اشتبهت عليه القبلة فتحرى إلى جهة وصلى إليها ثم تبين أنه أخطأ القبلة تجوز صلاته وإن تعمد لا تجوز لحديث " علي " رضى الله تعالى عنه أنه قال قبلة المتحري جهة قصده .
فالحاصل أن المريض إنما .
صفحة [ 216 ] يفارق الصحيح فيما هو عاجز عنه وأما فيما هو قادر عليه هو والصحيح سواء ثم الصحيح إذا اشتبهت عليه القبلة في المغارة فتحرى إلى جهة وصلى إليها ثم تبين أنه أخطأ القبلة تجوز صلاته ولو تعمد لا تجوز فكذلك هذا .
وقال " محمد بن مقاتل الرازي " C تعالى إذا كان وجهه إلى غير القبلة ولا يمكنه أن يحول وجهه إلى القبلة ولا يجد أحدا بأن يحول وجهه إلى القبلة له أن يصلى إلى غير القبلة فإذا برأ أعاد الصلاة .
ولكنا نقول في ظاهر الرواية : لا يجب عليه إعادة الصلاة لأن التوجه إلى القبلة شرط جواز الصلاة والقيام والقراءة والركوع والسجود أركان الصلاة ثم ما سقط عنه من الأركان بعذر المرض لا يجب عليه إعادة الصلاة .
وأما إذا صلى بغير طهارة أو بغير قراءة أو عريانا لا تجوز صلاته لما بينا أنه فيما هو قادر عليه هو والصحيح سواء ثم الصحيح إذا صلى بغير طهارة أو بغير قراءة أو عريانا لا تجوز صلاته فكذلك هنا .
قال : قوم مرضى في بيت مظلم اشتبهت عليهم جهة القبلة صلوا بجماعة فتحرى كل واحد منهم إلى جهة وصلى إليها جازت صلاة الكل لأنها تجوز من الأصحاء بهذه الصفة فمن المرضى أولى قال الحاكم C تعالى إنما جازت صلاة المقتدى إذا كان المقتدى لا يعلم أنه خالف إمامه فأما إذا علم أنه خالف إمامه لا تجوز صلاته لأنه اعتقد فساد صلاة الإمام والأصل أن المقتدى إذا اعتقد فساد صلاة الإمام تفسد صلاته وهذا بخلاف ما إذا صلى في جوف الكعبة وإن علم أنه خالف إمامه جازت صلاته لأنه ما اعتقد فساد صلاة الإمام إلا إذا كان مقدما على الإمام فحينئذ لا تجوز صلاته .
قال : مريض متحر أو مسافر متحر تبين له في خلال الصلاة أنه أخطأ القبلة له أن يحول وجهه إلى القبلة ويبنى على صلاته ولا يجب عليه أن يستقبل لحديث أهل قباء أخبروا في خلال الصلاة أن القبلة حولت من بيت المقدس إلى الكعبة فاستداروا كهيئتهم وهم في ركوع فجوز لهم رسول الله A ولأن المؤدي حصل بالإجتهاد وهذا اجتهاد آخر والإجتهاد لا ينقض باجتهاد مثله كالقاضي إذا قضى في حادثة بالإجتهاد ثم ظهر أن اجتهاده كان خطأ في تلك الحادثة باجتهاد آخر لا ينقض قضاؤه فكذلك ها هنا .
قال : المريض المومئ إذا وجب عليه سجدتا السهو يومئ إيماء لسهوه لأن سجدتي السهو دون الصلبية وتلك تتأدى بالإيماء فهذا اولى فلو أنه عجز عن الإيماء بالرأس سقط عنه الصلاة عند علمائنا .
صفحة [ 217 ] الثلاثة .
وقال " زفر " و " الحسن " رحمهما الله تعالى يوميء بعينيه وإن عجز عن الإيماء بالعينين قال " زفر " C تعالى وحده يوميء بالقلب لأنه وسع مثله .
ولكنا نقول : بأن الإيماء عبارة عن الإشارة والإشارة إنما تكون بالرأس فأما العين يسمي انحاء ولا يسمي إيماء وبالقلب يسمى نية وعزيمة وبمجرد النية لا تتأدي الصلاة ونصب الأبدال بالرأى لا يجوز .
ثم إذا برأ ينظر إن كان معتقا بعد هذه الحالة حتى إذا برأ يجب إعادة الصلاة .
فإن كان مغمي عليه ينظر إذا كان مغمى عليه يوما وليلة أو أقل يجب إعادة الصلاة وإن كان أكثر من يوم وليلة لا يجب عليه إعادة الصلاة عند علمائنا .
وقال " بشر " تجب عليه إعادة الصلاة وإن طال الإغماء . هو يقول الإغماء نوع مرض فلا يسقط القضاء كالنوم .
وقال " الشافعي " رضى الله تعالى عنه إذا استوعب وقت صلاة كاملة لا يجب عليه إعادة الصلاة ويقول وجوب القضاء ينبنى على وجوب الأداء ولا يجب عليه الأداء فلا يجب عليه القضاء .
ولنا ما روى عن " علي " رضى الله تعالى عنه أنه أغمي عليه في أربع صلوات فقضاهن وعن " عمار بن ياسر " أنه أغمي عليه يوما وليلة فقضاهما و " عبدالله بن عمر " أغمي عليه ثلاثة أيام ولياليها فلم يقضها .
والفقه فيه هو أن الإغماء إذا طال يجعل كالطويل عادة وهو الجنون والصغر وإذا قصر يجعل كالقصير عادة وهو النوم فيحتاج إلى الحد الفاصل بين القصير والطويل فإن كان يوما وليلة أو أقل فهو قصير لأن الصلاة لم تدخل في حد التكرار وإن كان أكثر من يوم وليلة يكون طويلا لأن الصلاة دخلت تحت حد التكرار .
وروى عن " أبي حنيفة " رضي الله تعالى عنه أنه قال إذا أغمى عليه يوما وليلة يجب عليه القضاء ولكن يعتبر بالساعات لا بالصلوات والأول أصح .
( يتبع . . . )