( تابع . . . 2 ) : مصل سبقه الحدث في الصلاة من بول أو غائط أو ريح أو رعاف بغير .
قال : إمام افتتح الصلاة فركع قبل أن يقرأ ثم رفع رأسه فقرأ وركع وسجد وأدرك معه رجل هذا الركوع الثاني فهو مدرك للركعة لأن الركوع الأول انتقض بالثاني فإن الأول سبق أوانه لأن أوان الركوع بعد القراءة فما سبقه كان منتقضا والركوع الثاني حصل في أوانه فهو المعتد به وقد أدركه الرجل وإن كان قرأ قبل الركوع الأول فالركوع هو الأول ومن أدرك الركوع الثاني لا يصير به مدركا للركعة لأن الأول حصل في أوانه فهو المعتد به والثاني وقع مكررا ولا تكرار في الركوع في ركعة واحدة فالمنتقض ما وقع مكررا .
وذكر في باب السهو في نوادر " أبي سليمان " أن المعتبر هو الركوع الثاني ومدركه مدرك للركعة .
ووجهه : أن اعتبار الركوع باتصال السجود به وإنما اتصل السجود بالركوع الثاني دون الأول فكان المنتقض هو الأول .
والأصح ما ذكر في كتاب الصلاة أن الفرض بالركوع الأول صار .
صفحة [ 180 ] مؤدى فيقف ينتظر السجود متصلا به حكما وكذلك إن كان الإمام أحدث حين فرغ من الركوع واستخلف رجلا فإن الخليفة يعتد بذلك الركوع إن كان الإمام قرأ قبله وإن لم يكن قرأ قبله لم يعتد به لأنه قائم مقام الأول فحاله في هذا كحال الأول .
قال : إمام أحدث فقدم رجلا على غير وضوء فصلاته وصلاة القوم فاسدة لأن المحدث لا يصلح للاستخلاف فاشتغاله باستخلاف من لا يصلح خليفة له إعراض منه عن صلاته فتفسد صلاته وصلاة القوم وهذا عندنا فإن حدث الإمام إذا تبين للقوم بعد الفراغ فصلاتهم فاسدة فكذلك في حالة الإستخلاف .
وعند " الشافعي " C تعالى إذا اقتدوا به مع العلم بأنه محدث لا يصح الإقتداء به وإذا لم يعلموا به فصلاتهم تامة في حالة الإستخلاف واستدل بحديث روى عن " عمر " رضى الله تعالى عنه أنه أم في صلاة أصحابه ثم ظهر أنه كان جنبا فأعاد ولم يأمرهم بالإعادة .
ولنا ما " روى عن النبي A قال من أم قوما ثم ظهر أنه كان محدثا أو جنبا أعاد صلاته وأعادوا " وقد روى نحو هذا عن " عمر " و " علي " حتى ذكر " أبو يوسف " في الأمالي أن " عليا " رضى الله تعالى عنه صلى بأصحابه يوما ثم علم أنه كان جنبا فأمر مؤذنه ابن التياح أن ينادى ألا إن أمير المؤمنين كان جنبا فأعيدوا صلاتكم .
وتأويل حديث " عمر " ما ذكره في بعض الروايات أنه رأى أثر الإحتلام في ثوبه بعد الفراغ ولم يعلم متى أصابه فأعاد صلاته احتياطا .
وعندنا في هذا الموضع لا يجب على القوم إعادة الصلاة وكذلك لو قدم الإمام المحدث صبيا فسدت صلاتهم وصلاته لأن صلاة الصبي تخلق واعتياد أو نافلة فلا يصلح هو خليفة للإمام في الفرض كما لا يصلح للإمامة في هذه الصلاة أصلا بنفسه وهذا بناء على أصلنا أيضا .
فأما " الشافعي " رضى الله تعالى عنه فإنه يجوز الإقتداء بالصبي في المكتوبة وهو بناء على اقتداء المفترض بالمتنفل وقد مر .
وأما الإقتداء بالصبي في التطوع فقد جوزه " محمد بن مقاتل الرازي " للحاجة إليه .
والأصح عندنا أنه لا يجوز لأن نفل الصبي دون نفل البالغ حتى لا يلزمه القضاء بالإفساد وبناء القوى على الضعيف لا يجوز كيف وقد " قال رسول الله A الإمام ضامن " والصبي لا يصلح ضامنا لفلس فكيف يصح منه الضمان لصلاة المقتدى وكذلك إن قدم الإمام المحدث امرأة فصلاته وصلاتها وصلاة القوم كلهم فاسدة لأن المرأة لا تصلح لإمامة الرجال " قال E أخروهن من حيث أخرهن الله " فاشتغاله باستخلاف من لا يصلح خليفة له إعراض .
صفحة [ 181 ] منه عن الصلاة فتفسد صلاته وبفساد صلاته تفسد صلاة القوم لأن الإمامة لم تتحول منه إلى غيره .
وعند " زفر " C تعالى صلاة النساء صحيحة وإنما تفسد صلاة الرجال لأن المرأة تصلح لإمامة النساء إنما لا تصلح لإمامة الرجال وفيما ذكرنا الجواب عن كلامه .
قال : أمي صلى بقوم أميين وقارئين فصلاة الإمام والقوم كلهم فاسدة عند " أبي حنيفة " .
وعند " أبي يوسف " و " محمد " رحمهما الله تعالى صلاة الإمام والأميين تامة لأن الأمي صاحب لا عذر فإذا اقتدي به من هو في مثل حاله ومن عذر به جازت صلاته وصلاة من هو في مثل حاله كالعاري يؤم العراة واللابسين والمومئ يؤم من يصلي بالإيماء ومن يصلي بالركوع والسجود وصاحب الجرح السائل يؤم من هو في مثل حاله والأصحاء .
و " لأبي حنيفة " C تعالى طريقان : .
أحدهما : أنه لما جاءوا مجتمعين لأداء هذه الصلوات بالجماعة فالأمي قادر على أن يجعل صلاته بالقراءة بأن يقدم القارئ فتكون قراءة إمامه قراءة له " قال A من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة " فإذا تقدم بنفسه فقد ترك أداء الصلاة بالقراءة مع قدرته عليه بنفسه فتفسد صلاته وصلاة القوم أيضا بخلاف سائر الأعذار فلبس الإمام لا يكون لبسا للمقتدين والركوع والسجود من الإمام لا ينوب عن المقتدى ووضوء الإمام لا يكون وضوءا للمقتدي فهو غير قادر على إزالة هذا العذر بتقديم من لا عذر له .
فإن قيل لو كان الإمام يصلى وحده وهناك قارئ يصلى بتلك الصلاة جازت صلاة الأمي ولم ينظر إلى قدرته على أن يجعل صلاته بقراءة بالإقتداء بالقارئ .
قلنا ذكر " أبو حازم " أن على قياس قول " أبي حنيفة " C تعالى لا تجوز صلاته وهو قول " مالك " C تعالى وبعد التسليم قلنا لم يظهر هناك من القارئ رغبة في أداء الصلاة بالجماعة فلا يعتبر وجوده في حق الأمي بخلاف ما نحن فيه .
والطريق الثاني أن افتتاح الكل للصلاة قد صح لأنه أوان التكبير فالأمي قادر عليه كالقارئ فبصحة الإقتداء صار الأمي متحملا فرض القراءة عن القارئ ثم جاء أوان القراءة وهو عاجز عن الوفاء بما تحمل فتفسد صلاته وبفساد صلاته تفسد صلاة القوم بخلاف سائر الأعذار فإنها قائمة عند الإفتتاح فلا يصح الإقتداء ممن لا عذر له بصاحب العذر ابتداء .
فإن قيل لو اقتدى القارئ بالأمي بنية النفل لا يلزمه القضاء ولو صح شروعه في الإبتداء للزمه القضاء .
قلنا إنما لا يلزمه القضاء لأنه صار شارعا في صلاة لا قراءة فيها والشروع كالنذر ولو نذر صلاة بغير قراءة لا يلزمه شيء إلا في رواية عن " أبي .
صفحة [ 182 ] يوسف " C فكذلك إذا شرع فيها .
قال : أمي تعلم سورة وقد صلى بعض صلاته فقرأها فيما بقى فصلاته فاسدة مثل الآخرين لزوال أميته في خلال الصلاة وكذلك لو كان قارئا في الإبتداء فصلى بعض الصلاة بقراءة ثم نسى فصار أميا فصلاته فاسدة مثل الآخرين وهذا قول " أبي حنيفة " C تعالى .
وعند " زفر " C تعالى لا تفسد في الموضعين جميعا .
وعند " أبي يوسف " و " محمد " رحمهما الله إذا تعلم السورة استقبل وإذا نسى بنى استحسانا " لزفر " C تعالى إذ فرض القراءة في الركعتين ألا ترى أن القارئ لو ترك القراءة في الركعتين الأوليين وقد قرأ الأخريين أجزأه فإذا كان قارئا في الإبتداء فقد أدى فرض القراءة في الأوليين فعجزه عنه بعد ذلك لا يضره كتركه مع القدرة وإذا تعلم السورة وقرأ في الأخريين فقد أدى فرض القراءة فلا يضره عجزه عنه في الإبتداء كما لا يضره تركه .
و " أبو يوسف " و " محمد " رحمهما الله تعالى قالا : إذا تعلم السورة في خلال الصلاة فلو استقبلها كان مؤديا لها على أكمل الوجوه فأمرناه بالإستقبال فأما إذا نسي القراءة فلو أمرناه بالإستقبال كان مؤديا جميع الصلاة بغير قراءة فالأولى هو البناء ليكون مؤديا بعضها بقراءة .
و " أبو حنيفة " C تعالى يقول حين افتتحها وهو أمي فقد انعقدت صلاته بصفة الضعف فحين تعلم السورة فقد قوي حاله وبناء القوي على الضعيف لا يجوز كالعاري إذا وجد الثوب في خلال الصلاة وكالمتيمم إذا وجد الماء في خلالها وإذا كان قارئا في الإبتداء فقد التزم أداء جميع الصلاة بقراءة ثم عجز عن الوفاء بما التزم فكان عليه الإستقبال في الفصلين هذا وكذلك إن كان الإمام قارئا فقرأ في الركعتين الأوليين ثم أحدث فاستخلف أميا فسدت صلاتهم إلا على قول " زفر " C تعالى فإنه يقول : الإمام الأول أدى فرض القراءة وليس في الأخريين قراءة فاستخلاف القارئ والأمي فيه سواء .
ولنا أن القراءة فرض في جميع الصلاة تؤدي في موضع مخصوص فإذا كان الإمام قارئا فقد التزم أداء جميع الصلاة بقراءة والأمي عاجز عن ذلك فلا يصلح خليفة له واشتغاله باستخلاف من لا يصلح خليفة يفسد صلاته كما لو استخلف صبيا أو امرأة وعلى هذا لو رفع رأسه من آخر السجدة ثم سبقه الحدث فاستخلف أميا فسدت صلاته وصلاة القوم عندنا فأما إذا قعد قدر التشهد ثم أحدث فاستخلف أميا فهو على الخلاف المعروف بين " أبي حنيفة " C تعالى وصاحبيه .
قال : أمي اقتدى بقارئ بعد ما صلى ركعة فلما فرغ الإمام قام الأمي لإتمام صلاته فصلاته فاسدة في القياس وهو قول .
صفحة [ 183 ] " أبي حنيفة " C تعالى .
أبي حنيفة .
C تعالى و في الإستحسان يجزئه و هو قولهما . وجه القياس أنه بالإقتداء بالقارئ قد التزم أداء هذه الصلاة بقراءة و قد عجز عن ذلك حين قام للقضاء لأنه منفرد فيما يقضى فلا تكون قراءة الإمام له قراءة فتفسد صلاته . وجه الإستحسان أنه إنما يلتزم القراءة ضمنا للافتداء و هو مقتد فيما بقى على الإمام لا فيما سبقه به الإمام يوضحه أنه لو بنى كان مؤديا بعض الصلاة بالقراءة و لو استقبل كان مؤديا جميعها بغير قراءة و أداء البعض مع القراءة أولى من أداء الكل بغير قراءة قال رجل صلى أربع ركعات تطوعا و لم يقعد في الثانية ففي القياس لا يجزئه و هو قول " محمد " و " زفر " رحمهما الله لأن كل شفع من التطوع صلاة على حدة تفترض القعدة في آخرها فترك القعدة الأولى هنا كتركها في صلاة الفجر و الجمعة فتفسد به الصلاة و في الإستحسان تجزئه و هو قول " أبي حنيفة " و " أبي يوسف " رحمهم الله تعالى بالقياس على الفريضة لأن التطوع أخف من حكم الفريضة و يجوز أداء الفريضة أربع ركعات بقعدة واحدة فكذلك التطوع ألا ترى أن التطوع يجوز أداء الفريضة أربع ركعات بقعدة واحدة فكذلك في القعدة و على هذا قالوا لو صلى التطوع بثلاث ركعات بقعدة واحدة ينبغي أن يجوز بالقياس على صلاة المغرب و إلا صح أن لا يجوز لأن التطوع بالركعة الواحدة غير مشروع فيفسد ما اتصل به القعدة و بفسادها يفسد ما قبله . و اختلف مشايخنا فيمن تطوع بست ركعات بقعدة واحدة فجوزها بعضهم بالقياس على التحريمة و التسليمة و الأصح أنه لا يجوز لأن استحسانه في الأربع كان بالقياس على الفريضة و ليس على الفرائض ست ركعات يجوز أداؤها في قعدة واحدة فيعاد إلى أصل القياس لهذا قال إمرأة صلت خلف الإمام و قد نوى الإمام إمامة النساء فوقفت في وسط الصف فإنها تفسد صلاة من عن يمينها و من عن يسارها و من خلفها بحذائها عندنا استحسانا و قال " الشافعي " رضي الله تعالى عنه لا تفسد صلاة أحد بسبب المحاذاة لأن محاذاة المرأة الرجل لا تكون أقوى من محاذاة الكلب أو الخنزير إياه و ذلك غير مفسد لصلاة الرجل و لو فسدت الصلاة بسبب المحاذاة لكان الأولى أن تفسد صلاتها لأنها منهية عن الخروج إلى الجماعة و الإختلاط بالصفوف يدل عليه أن المحاذاة في صلاة الجنازة أو سجدة التلاوة غير مفسد على الرجل صلاته فكذلك في سائر الصلوات و لنا أنه ترك المكان المختار له في الشرع فتفسد صلاته كما لو أخرنا و شرها أولها فالمختار للرجال التقدم على النساء فإذا وقف بجنبها أو خلفها .
( يتبع . . . )