قال والعمرة لا تضاف إلى الحج والحج يضاف إلى العمرة قبل أن يعمل منها شيئا وبعد أن يعمل هكذا نقل عن " ابن عباس " - Bه - وهذا لأن الله تعالى جعل العمرة بداية والحج نهاية بقوله تعالى : { " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج " } البقرة : 196 فمن أضاف الحجة إلى العمرة كان فعله موافقا لما في القرآن ومن أضاف العمرة إلى الحج كان فعله مخالفا لما في القرآن فكان مسيئا من هذا الوجه ولكن مع هذا هو قارن فإن القارن هو جامع بين العمرة والحج وهو جامع بينهما على كل حال إلا أنه إذا أضاف الحج إلى العمرة بأن أهل بالعمرة أولا ثم بالحج فهو جامع مصيب للسنة فيكون محسنا ومن أهل بالحج ثم بالعمرة فهو جامع مخالف للسنة فكان مسيئا لهذا ويلزمه في الوجهين جميعا ما أوجب الله تعالى على المتمتع المترفق بأداء النسكين في سفر واحد كما قال الله تعالى : { " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي " } البقرة : 196 وهو شاة في قول علي و " ابن عباس " و " ابن مسعود " Bهم وفي قول " ابن عمر " و " عائشة " - Bهما - بدنة وأخذنا بالأول لحديث " جابر " Bه قال تمتعنا بالعمرة إلى الحج مع رسول الله - A - فاشتركنا في البدنة عن سبعة فإن لم يجد الهدي فعليه صوم ثلاثة أيام في الحج والأفضل أن يصوم قبل يوم التروية بيوم ويوم التروية ويوم " عرفة " لأن صوم اليوم بدل عن الهدي فالأولى أن يؤخره إلى آخر الوقت الذي يفوته بمضيه رجاء أن يجد الهدي .
قال ولو صام هذه الأيام الثلاثة بعد إحرامه للعمرة قبل إحرام الحجة جاز عندنا خلافا " للشافعي " C تعالى وحجته ظاهر الآية قال الله تعالى : { " فصيام ثلاثة أيام في الحج " } البقرة : 196 وحين صام قبل أن يحرم بالحج فصومه هذا ليس في الحج وحجتنا في ذلك أن نقول جعل الحج ظرفا للصوم وفعل الحج لا يصلح ظرفا للصوم فعرفنا أن المراد به الوقت كما قال الله تعالى : { " الحج أشهر معلومات " } البقرة : 197 وهذا قد صام في وقت الحج بعد ما تقرر السبب وهو التمتع لأن معنى التمتع في أداء العمرة في سفر الحج في وقت الحج وقد وجد ذلك وأداء العبادة البدنية بعد وجود سبب وجوبها جائز كالمسافر إذا صام شهر رمضان وإن لم يصم حتى جاء يوم النحر تعين عليه الهدي عندنا وهو قول " عمر " - رضي الله تعالى عنه - فإن رجلا أتاه يوم النحر فقال إني تمتعت بالعمرة إلى الحج فقال : اذبح شاة فقال : ليس معي شيء فقال : سل أقاربك فقال : ليس هنا أحد منهم فقال : لغلامه : يا مغيث أعطه قيمة شاة وذلك لأن البدل كان مؤقتا بالنص فبعد فوات ذلك الوقت لا يكون بدلا فتعين عليه الهدي .
و " الشافعي " C تعالى كان يقول : في الابتداء يصوم أيام التشريق وهو مروي عن " ابن عمر " و " عائشة " Bهما ولكن هذا فاسد فقد صح النهي عن الصوم في هذه الأيام عن رسول الله - A - فلا يجوز أداء الواجب بها ولو وجد الهدي بعد صوم يومين من الثلاثة كان عليه الهدي لأنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالخلف بخلاف ما إذا قدر على أصل الهدي بعد ما يحل يوم النحر لأن المقصود هو التحلل فإنما قدر على الأصل بعد حصول المقصود بالبدل وهو كالمتيمم إذا وجد الماء بعد الفراغ من الصلاة وأما صوم السبعة ليس ببدل فيما هو المقصود وهو التحلل ألا ترى أن أوان أدائها بعد التحلل ووجوب الهدي لا يمنع أداءها والمراد من الرجوع المذكور في قوله تعالى : { " وسبعة إذا رجعتم " } أيام التشريق حتى إذا صام بعد مضيها قبل أن يرجع إلى أهله جاز عندنا ولا يجوز عند " الشافعي " - C تعالى - إلا أن ينوي المقام فحينئذ يجوز الصوم .
قال وإن أهل الآفاقي بالحج فطاف لها شوطا ثم أهل بالعمرة رفضها وعليه قضاؤها ودم للرفض لأن إحرام الحج قد تأكد بما أتى به من الطواف فإن ذلك من عمل الحج ولو بقي إحرامه للعمرة كان بانيا عمل العمرة على أعمال الحج وذلك لا يجوز فلهذا يرفضها وإن كان أهل بالعمرة أولا فطاف لها شوطا ثم أهل بالحج مضى فيها لأنه يبني أعمال الحج على العمرة وذلك صحيح إلا أنه لو طاف للعمرة أقل الأشواط يكون قارنا وإن طاف لها أكثر الأشواط ثم أهل بالحج كان متمتعا لأن المتمتع من يحرم بالحج بعد عمل العمرة ولا كثر الطواف حكم الكل والقارن من يجمع بينهما وقد صار جامعا حين أحرم بالحج وقد بقي عليه أكثر طواف العمرة وقد بينا أن المكي لا يقرن بين الحج والعمرة ولا يضيف أحدهما إلى الآخر فإن قرن بينهما رفض العمرة ومضى في الحج لأنه ممنوع من الجمع بينهما فلا بد من رفض أحدهما ورفض العمرة أيسر لأنها دون الحج في القوة ولأنه يمكنه أن يقضيها متى شاء وكذلك إن أحرم أولا بالعمرة ثم أحرم بالحج رفض العمرة لأن الترجيح بالبداءة بعد المساواة في القوة ولا مساواة هنا فيرفض العمرة على كل حال وإن مضى فيهما حتى قضاهما أجزأه لأن النهي لا يمنع تحقق المنهي عنه وهذا بخلاف الجامع بين الحجتين والعمرتين فإن الجمع بينهما عملا منفي هناك ومع النفي لا يتحقق الاجتماع فيكون رافضا لأحدهما على كل حال وهنا الجمع بين الحج والعمرة في حق المكي منهي عنه ومع النهي يتحقق الجمع فيجب عليه الدم لجمعه بينهما ولكن هذا الدم ليس نظير الدم في حق الآفاقي إذا قرن بينهما فإن ذلك نسك يحل التناول منه وهذا جبر لا يحل التناول منه لأن وجوب هذا الدم بارتكاب ما هو منهي عنه فيكون واجبا بطريق الجبر للنقصان فلهذا لا يباح التناول منه وإن كان طاف للعمرة شوطا أو ثلاثة أشواط ثم أحرم بالحج رفض الحج في قول " أبي حنيفة " - C تعالى - وفي قول " أبي يوسف " و ا " محمد " - رحمهما الله تعالى - يرفض العمرة لأنه أهل بالحج فأكثر أعمال العمرة باق عليه وللأكثر حكم الكل فكأنه أهل بالحجة قبل أن يأتي بشيء من أعمال العمرة فيرفضها .
و " أبو حنيفة " C تعالى يقول : إن إحرام العمرة قد تأكد بما أتى به من طواف العمرة وإحرام الحج لم يتأكد بشيء من عمله والمتأكد بأداء العمل أقوى من غير المتأكد فلهذا يرفض الحجة والدليل على أن التأكد يحصل بشوط من الطواف ما بينا في الآفاقي إذا طاف للحج شوطا ثم أحرم للعمرة كان عليه رفضها لتأكد إحرام الحج بالعمل قبل الإهلال بالعمرة بخلاف ما لو أهل بالعمرة قبل أن يأتي بشيء من طواف الحج ولو كان المكي طاف للعمرة أربعة أشواط ثم أحرم بالحج فنقول : إنما أحرم بالحج بعد ما أتى بأكثر طواف العمرة وللأكثر حكم الكل فكأنه أحرم بالحج بعد الفراغ من العمرة فلا يرفض شيئا ولكن يفرغ من عمرته ومن حجته وعليه دم لأنه صار كالمتمتع وهو منهي عن التمتع إلا أنه لا يحل التناول من هذا الدم لأنه دم جبر كما بينا ولو كان هذا الطواف منه للعمرة في غير أشهر الحج كان عليه الدم أيضا لأنه أحرم بالحج قبل أن يفرغ من العمرة وليس للمكي أن يجمع بينهما فإذا صار جامعا كان عليه الدم ولو كان هذا آفاقيا لم يكن عليه هذا الدم لأنه غير ممنوع من الجمع بينهما قال في الأصل وعليه دم لترك الوقت في العمرة أيضا وإنما أراد به إذا كان أحرم للعمرة في الحرم فإن ميقات أهل " مكة " لإحرام العمرة هو الحل .
قال كوفي أهل بحجة وطاف لها ثم أهل بعمرة قال يرفض عمرته لأنه لو لم يرفضها كان بانيا للعمرة على الحجة هذا إذا أهل بعمرة " بعرفة " فإن أهل بها يوم النحر قبل أن يحل بحجته أو بعد ما حل قبل أن يطوف أمر أن يرفضها أيضا وإن لم يرفضها ومضى فيها أجزأه وعليه دم إن كان أهل بها قبل أن يحل بحجته وإن كان بعد ما حل من حجته فليس عليه شيء إن لم يترك الوقت فيها ولا يؤمر بأن يرفضها إذا أحرم بها بعد تمام الإحلال لأنه وإن كان منهيا عن الإحرام فبعد ما أحرم يجب عليه الإتمام لأنه غير جامع بينه وبين إحرام آخر فإذا أداها كان صحيحا بخلاف ما إذا أهل بها " بعرفات " فإن هناك قد صار رافضا للعمرة لتحقق المنافي على ما سبق ثم إن كان إهلاله بالعمرة قبل أن يحل من الحج فقد صار جامعا بين الإحرامين على وجه هو منهي عن ذلك فلزمه لذلك دم وإن كان بعد ما حل لم يصر جامعا بين الإحرامين فلا يلزمه شيء .
قال مكي أهل بالحجة فطاف لها شوطا ثم أهل بالعمرة قال يرفض العمرة لأن إحرامه للحج قد تأكد وقبل تأكده كان يؤمر برفض العمرة فبعد تأكده أولى فإن لم يرفضها وطاف لها وسعى أجزأه لما بينا أن النهي لا يمنع تحقق المنهي عنه ولكن عليه دم لإهلاله بها قبل أن يفرغ من حجته وقد صار جامعا بينهما وهو ممنوع من هذا الجمع .
قال محرم بعمرة جامع ثم أضاف إليها عمرة أخرى قال يرفض هذه ويمضي في الأولى لأن الفاسد معتبر بالصحيح في وجوب الإتمام ولو كانت الأولى صحيحة كان عليه أن يمضي فيها ويرفض الثانية فكذلك بعد فسادها وكذلك لو لم يجامع في الأولى ولكنه طاف لها شوطا ثم أحرم بالثانية يرفض الثانية لأن الأولى قد تأكدت لما طاف لها فتعينت الثانية للرفض وكذا هذا في حجتين .
قال وإذا أهل بحجتين معا ثم جامع قبل أن يسير فعليه للجماع دمان في قول " أبي حنيفة " لأن من أصله أنه لا يصير رافضا لأحدهما ما لم يأخذ في عمل الأخرى وعند " أبي يوسف " - C تعالى - عليه دم واحد للجماع لأنه كما فرغ من الإحرامين صار رافضا لأحدهما فجماعه جناية على إحرام واحد وإن كان ذلك الجماع منه بعد ما سار فعليه دم واحد لأنه صار رافضا لأحدهما حين سار إلى " مكة " فجماعه جناية على إحرام واحد ثم ما يلزمه بالرفض وبالإفساد من القضاء والدم قد بيناه فيما سبق فإن أحرم لا ينوي شيئا فطاف ثلاثة أشواط ثم أهل بعمرة فإنه يرفض هذه الثانية لأن الأولى قد تعينت عمرة حين أخذ في الطواف لما بينا أن الإبهام لا يبقى بعد الشروع في الأداء بل يبقى ما هو المتيقن وهو العمرة فحين أهل بعمرة أخرى فقد صار جامعا بين عمرتين فلهذا يرفض الثانية .
قال وإذا كان للكوفي أهل بالكوفة وأهل " بمكة " يقيم عند هؤلاء سنة وعند هؤلاء سنة فاعتمر في أشهر الحج وحج من عامه لم يكن متمتعا لأنه ملم بين النسكين بأهله إلماما صحيحا فإن لم يكن له أهل " بمكة " واعتمر من الكوفة في أشهر الحج وقضى عمرته ثم خرج إلى مصر ليس فيه أهله ثم حج من عامه ذلك كان متمتعا ما لم يرجع إلى المصر الذي كان فيه أهله ثم قال بلغنا ذلك عن عبدالله بن " عمر " وسعيد بن المسيب Bهما وإبراهيم C تعالى .
وقد بينا أن الطحاوي - C تعالى - ذكر في هذا الفصل خلافا بين " أبي حنيفة " وصاحبيه - رحمهما الله تعالى - وهو الصحيح أن عند " أبي حنيفة " - C تعالى - يكون متمتعا وحديث " زيد الثقفي " - Bه - أنه سأل " ابن عباس " Bهما فقال : أتينا عمارا فقضيناها ثم زرنا القبر ثم حججنا فقال أنتم متمتعون والأصل عند " أبي حنيفة " - C تعالى - أنه ما لم يصل إلى أهله فهو متمتع كمن لم يجاوز الميقات وعندهما من خرج من الميقات فهو كمن وصل إلى أهله في أنه لا يكون متمتعا بعد ذلك فإن كان له بالكوفة أهل وبالبصرة أهل فرجع إلى أهله بالبصرة ثم حج من عامه ذلك لم يكن متمتعا لأنه ألم بأهله بين النسكين حلالا .
قال وإن اعتمر الكوفي في أشهر الحج وساق هديا للمتعة وهو يريد الحج فطاف لعمرته ولم يحلق ثم رجع إلى أهله ثم حج كان متمتعا في قول " أبي حنيفة " و " أبي يوسف " - رحمهما الله تعالى - ولم يكن متمتعا في قول - ا " محمد " - C تعالى - إذا كان رجوعه إلى أهله بعد ما أتى بأكثر طواف العمرة وحجته وهو أنه ملم بأهله بين النسكين وهو إلمام صحيح فإن العود غير مستحق عليه حتى لو بعث بهديه لينحر عنه ولم يحج كان جائزا فهو بمنزلة المكي الذي اعتمر من الكوفة وساق الهدي لمتعته فهناك لا يكون متمتعا فكذلك هنا و " أبو حنيفة " و " أبو يوسف " - رحمهما الله تعالى - يقولان إلمامه غير صحيح بأهله هنا لأنه محرم على حاله ما لم ينحر عنه الهدي فكان العود مستحقا عليه وذلك يمنع صحة إلمامه بأهله كالقارن إذا أتى بعمل العمرة ثم رجع إلى أهله ثم عاد فحج كان قارنا ولم يصح إلمامه بأهله محرما فكذا هذا وهذا بخلاف من لا هدي معه وقد حل هناك من إحرام فإنما ألم بأهله حلالا فكان إلمامه صحيحا .
( يتبع . . . )