( تابع . . . 2 ) : قال وإذا حلف بالمشي إلى بيت الله تعالى فحنث فعليه حجة أو عمرة .
قال وإن اشترك قوم في هدي المتعة وهم يؤمون البيت فقلدها بعضهم بأمر أصحابه صاروا محرمين لأن فعله بأمر شركائه كفعلهم بأنفسهم وإن قلدها بغير أمرهم صار هو محرما دونهم لأن فعله بغير أمرهم لا يقوم مقام فعلهم وبدون فعل من جهتهم لا يصيرون محرمين ألا ترى أنه لو قلدها أجنبي بغير أمرهم لا يصيرون محرمين فكذلك إذا قلد بعضهم بغير أمر الشركاء يصير هو محرما دونهم . قال ويتصدق بجلال هديه إذا نحره " لقول النبي A لعلي Bه تصدق بجلالها وخطامها " . قال ولا يعطي شيئا من ذلك في أجر جزارته لا من جلده ولا من لحمه ولا من جلاله هكذا " قال النبي - A - " لعلي " - Bه - ولا تعط الجزار منها شيئا وقال من باع جلد أضحيته فلا أضحية له . " .
قال ويستحب له أن يأكل من هدي المتعة والقران والتطوع فإن الله تعالى أمر به بقوله : { " فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها " } وأدنى ما يثبت بالأمر الاستحباب فلذلك يستحب له ولا ينبغي له أن يتصدق بأقل من الثلث هكذا روي عن " ابن مسعود " Bه أنه بعث بهدي مع " علقمة " فأمره أن يتصدق بثلث وأن يأكل ثلثا وأن يبعث إلى " آل عبدالله بن مسعود " Bه بثلث .
قال وإن ساق بدنة لا ينوي بها الهدي قال : إذا كان ساقها إلى " مكة " فهو هدي وإنما أراد بهذا إذا قلدها وساقها لأن هذا لا يفعل عادة إلا بالهدي فكان سوقها بعد إظهار علامة الهدي عليها بمنزلة جعله إياها بلسانه هديا .
قال ولا يجزي في الهدايا والضحايا إلا الجذع من الضأن إذا كان عظيما فما فوق ذلك أو الثني من المعز والإبل والبقر " لقوله A ضحوا بالثنيان ولا تضحوا بالجذعان " إلا أن الجذع من الضأن إذا كان عظيما يجزي لما روي أن رجلا ساق جذعانا إلى منى فبادت عليه " فقال " أبو هريرة " - Bه - : سمعت النبي A يقول نعمت الأضحية الجذع من الضأن فانتهزوها " ولما " قال النبي - A - في خطبة يوم النحر من ضحى قبل الصلاة فليعد " قال أبو " بردة بن نيار " : إني ذبحت نسكي لأطعم أهلي وجيراني " فقال A : تلك شاة لحم فأعد نسكك فقال عندي عتود خير من شاتين فقال صلوات الله عليه : يجزيك ولا يجزي أحدا بعدك " فدل أن ما دون الثني من المعز لا يجوز والجذع من الضأن عند الفقهاء ما أتى عليه سبعة أشهر وعند أهل اللغة ما تم له ستة أشهر والثني من الغنم عند الفقهاء ما أتى عليه سنة وطعن في الثانية وعند أهل اللغة ما تم له سنتان والثني من المعز والبقر ما تم له سنتان وطعن في الثالثة ومن الإبل الجذع ما تم له أربع سنين والثني ما تم له خمس سنين .
قال ولا يجزي في الهدايا العوراء أو المقطوعة الذنب أو الأذن اشتراها كذلك أو وجدت عنده بعد الشراء " لحديث " جابر " - رضي الله تعالى عنه - أن النبي A قال : استشرفوا العين والأذن " و " نهى رسول الله - A - أن يضحى بالعوراء البين عورها والعجفاء التي لا تبقى والعرجاء التي لا تمشي إلى منسكها " والحادث من هذه العيوب بعد الشراء بمنزلة الموجود وقت الشراء في المنع من الجواز وهكذا إن أضجعها ليذبحها فأصابها شيء من ذلك في القياس ولكن في الاستحسان هذا لا يمنع الجواز لأنها تضطرب عند الذبح فيصيبها شيء من ذلك ولا يمكن التحرز في هذه الحالة فجعل عفوا لهذا ولأنه أضجعها ليتلفها فتلف جزء منها في هذه الحالة لا يؤثر في المنع من الجواز بخلاف ما قبله . قال وإن كان الذاهب من العين أو الأذن أو الذنب بعضه فإن كان ما ذهب منه كثيرا يمنع الجواز أيضا لما " روي أن النبي - A - نهى أن يضحى بالشرقاء والخرقاء والمقابلة والمدابرة " فالشرقاء : مشقوفة الأذن عرضا والخرقاء : طولا والمقابلة : التي ذهب قدام أذنها والمدابرة : أن يكون الذاهب خلف أذنها إلا أن القليل لا يمكن التحرز عنه عادة فجعل عفوا والحد الفاصل بين القليل والكثير عند " أبي حنيفة " - C تعالى - في ظاهر الرواية أن يكون الذاهب أكثر من الثلث " فإن النبي A قال الثلث كثير " ولكن جعله من الكثير الذي يجزى في الوصية بخلاف ما وراءه فعرفنا أن ما زاد على الثلث حكمه مخالف للثلث وما دونه وذكر " ابن شجاع " عن " أبي حنيفة " - رحمهم الله تعالى - : أن الذاهب إذا كان بقدر الربع يمنع على قياس ما تقدم من المسائل : أن الربع ينزل منزلة الكمال كما في المسح والحلق . وعلى قولهما إذا كان الذاهب أكثر من الباقي لم يجز وإن كان الباقي أكثر من الذاهب أجزأه لأن القلة والكثرة من الأسماء المشتركة فإنما يظهر عند المقابلة وإن كان الذاهب والباقي سواء لم يجز في قول " أبي يوسف " C تعالى لأن المانع من الجواز إذا استوى بالمجوز يترجح المانع وقال " أبو يوسف " أخبرت بقولي " أبا حنيفة " - C تعالى - فقال قولي قولك أو مثل قولك قيل : هذا رجوع من " أبي حنيفة " - C تعالى - إلى قوله وقيل هو إشارة إلى التفاوت بين القولين قال ويجزى في الهدي الخصي ومكسورة القرن لأن ما لا قرن له يجزى فمكسور القرن أولى وهذا لأنه لا منفعة للمساكين في قرن الهدي وأما جواز الخصي فلأنه أطيب لحما وقال " الشعبي " - C تعالى - : ما زاده الخصا في طيبة لحمه خير للمساكين مما فات من الخصيين والأصل فيه ما " روي أن النبي - A - ضحى بكبشين أملحين موجوأين ينظران في سواد ويمشيان في سواد ويأكلان في سواد أحدهما عن نفسه والآخر عن أمته " قال فإن اشترى هديا ثم ضل منه فاشترى مكانه آخر وقلده وأوجبه ثم وجد الأول فإن نحرهما فهو أفضل لأنه أتى بالواجب وزاد ولأنه كان وعد أن ينحر كل واحد منهما والوفاء بالوعد مندوب إليه وإن نحر الأول وباع الثاني جاز لأنه ما أوجب الثاني ليكون أصلا بنفسه وإنما أوجبه ليكون خلفا عن الأول قائما مقامه فإذا أوجد ما هو الأصل سقط اعتبار الخلف وإن باع الأول وذبح الآخر فإن كانت قيمتهما سواء أو كانت قيمة الثاني أكثر جاز لأنه مثل الأول أو أفضل منه وإن كانت قيمة الأول أكثر فعليه أن يتصدق بالفضل لأنه جعل الأول هديا أصلا فإنما يجوز إقامة الثاني مقام الأول بشرط أن لا يكون أنقص من الأول فإذا كان أنقص كان عليه أن يتصدق بقدر النقصان لأنه قصد أن يمنع شيئا مما جعله لله تعالى وليس له ذلك فيتصدق بالفضل ليتم جعل ذلك القدر من المالية لله تعالى وهدي المتعة والتطوع في هذا سواء لأنهما صارا لله تعالى إذا جعلهما هديا في الوجهين جميعا فإن عرف بهدي المتعة فهو حسن لأن هدي المتعة نسك فينبني أمره على الشهرة وإن ترك ذلك لم يضره لأن الواجب هو التقرب بإراقة الدم فالتعريف فيه ليس من الواجب في شيء وإن كان معه للمتعة هديان فنحر أحدهما حل لأن ما زاد على الواحد تطوع فلا يتوقف حكم التحلل عليه .
قال وهدي التطوع إذا بلغ الحرم فعطب فنحر وتصدق به أجزأه بخلاف هدي المتعة فإن ذلك مختص بيوم النحر فلا يجوز ذبحه قبل يوم النحر فأما هدي التطوع غير مختص بيوم النحر وإنما عليه تبليغه محله بأن يذبحه في الحرم وقد فعل ذلك .
قال فإن اشترى بدنة لمتعته ثم اشترك ستة نفر فيها بعد ما أوجبها لنفسه خاصة لا يسعه ذلك لأنه لما أوجبها لنفسه صار الكل لازما عليه فإن قدر ما يجزئ من هدي المتعة كان واجبا عليه وما زاد على ذلك وجب بإيجابه فإشراكه الغير بعد ذلك مع نفسه يكون رجوعا عما أوجب في البعض وكما لا يجوز له أن يرجع في الكل فكذلك لا يجوز له أن يرجع في البعض ولأن إشراكه بيع للبعض منهم وليس له أن يبيع شيئا مما أوجبه هديا وإن فعل فعليه أن يتصدق بالثمن وإن كان نوى عند الشراء أن يشرك فيها ستة نفر أجزأه ذلك لأنه ما أوجب الكل على نفسه بمجرد الشراء فكان هذا وما لو اشتراه السبعة سواء فإن لم يكن له نية عند الشراء ولكن لم يوجبها حتى أشرك فيها ستة نفر أجزأه ولكن الأفضل أن يكون ابتداء الشراء منهم أو من أحدهم بأمر الباقين حتى تثبت الشركة منهم في الابتداء .
قال وإذا ولدت البدنة بعدما اشتراها لهديه ذبح ولدها معها لأنه جعلها لله تعالى خالصا والولد جزء منها فإن كان انفصاله بعد ما جعلها لله تعالى سرى حق الله تعالى إليه فعليه أن يذبحها والولد معها وإن باع الولد فعليه قيمته اعتبارا للجزء بالكل وإن اشترى بها هديا فحسن وإن تصدق بها فحسن اعتبارا للقيمة بالولد فإن الأفضل أن يذبح ولو تصدق به كذلك أجزأه فكذلك بقيمته .
قال وإذا مات أحد الشركاء في البدنة أو الأضحية فرضي وارثه أن يذبحها معهم عن الميت أجزأهم وهو الاستحسان وفي القياس لا يجوز لأن الميت إذا لم يوص بأن يذبح عنه فقد انقطع حكم القربة عن نصيبه فصار ميراثا لوارثه والوارث لم يقصد التقرب بذبحه عن نفسه فخرج ذلك القدر من أن يكون قربة وهذا لأن التقرب بالذبح تقرب بطريق الإتلاف وذلك لا يجوز عن الميت بغير أمره كالعتق ولكنه استحسن فقال يجوز لأن المقصود هو التقرب وتقرب الوارث بالتصدق عن الميت صحيح وإن لم يوص به فكذلك تقربه بإيفاء ما قصد المورث في نصيبه بإراقة الدم فالتصدق به يكون صحيحا .
قال وإن كان أحد الشركاء في البدنة كافرا أو مسلما يريد به اللحم دون الهدي لم يجزهم أما إذا كان أحدهم كافرا فلا يتحقق معنى القربة في نفسه لوجود ما ينافي معنى القربة وهو كفره وإراقة الدم الواحد إذا اجتمع فيه ما ينافي معنى القربة مع الموجب لها يترجح المنافي وأما إذا كان مراد أحدهم اللحم فلا يجزئ الباقين عندنا .
وقال " الشافعي " - C تعالى - : يجزيهم لأن المنافي لمعنى القربة لم يتحقق هنا ليكون معارضا ونصيب كل واحد منهم بمنزلة هدي على حدة ولكل واحد منهم ما نوى ولكننا نقول الذي نوى اللحم فكأنه نفى معنى القربة في نصيبه . ألا ترى " أن النبي A قال فيما ذبحه أبو بردة قبل الصلاة : تلك شاة لحم " فعرفنا أن هذه عبارة عما لا يكون قربة وما يمنع الجواز وإراقة الدم لا يتجزى فإذا اجتمع فيه المانع من الجواز مع المجوز يترجح المانع كما لو كان أحدهم كافرا فأما إذا نووا القربة ولكن اختلفت جهات قصدهم فعلى قول " زفر " C تعالى لا يجوز أيضا لأن إراقة الدم لا يتبعض فلا تسع فيها الجهات المختلفة ولكنا نقول قصد الكل التقرب فكانت الإراقة لله خالصا فلا يعتبر فيه اختلاف الجهات بعد ذلك ألا ترى أن الواحد إذا وجبت عليه دماء من جهات مختلفة فنحر بدنة ينوي عن ذلك كله أجزأه فكذلك الشركاء .
قال ولا يركب البدنة بعدما أوجبها لأنه جعلها لله جلت قدرته خالصا فلا ينبغي له أن يصرف شيئا من عينها أو منافعها إلى نفسه قبل أن يبلغ محله إلا أن يحتاج إلى ركوبها فحينئذ لا بأس بذلك لما " روي أن رسول الله A رأى رجلا يسوق بدنة فقال اركبها فقال : إنها بدنة يا رسول الله فقال : اركبها ويلك " وإنما أمره بذلك لأنه رآه عاجزا عن المشي محتاجا إلى ركوبها فإذا ركبها وانتقص بركوبه شيء ضمن ما نقص ذلك لأنه صرف جزء منها إلى حاجته وكذلك لا يحلب لبنها لأن اللبن متولد منها