( تابع . . . 1 ) : قال - Bه - محرم دل محرما أو حلالا على صيد فقتله .
ثم احتج ا ا " محمد " - C تعالى - بظاهر الآية فإنه قال : { " يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة " } فذكر الهدي منصوبا على أنه تفسير لقوله يحكم أو مفعول حكم الحكم فهو تنصيص على أن التعيين إلى الحاكم وفي تسمية الله تعالى فعلهما حكما دليل ظاهر على أن الإلزام إليهما وليس إليهما الزام أصل الواجب فعرفنا أن إليهما التعيين و " أبو حنيفة " و " أبو يوسف " - رحمهما الله تعالى - قالا : الحاجة إلى الحكمين لإظهار قيمة الصيد فبعد ما ظهرت القيمة فهي كفارة واجبة على المحرم فإليه التعيين لما يؤدي به الواجب كما في كفارة اليمين وكما في ضمان قيم المتلفات فإن تعيين ما يؤدي به الضمان إليه دون المقومين فكذا في هذا الموضع فإن اختار التكفير بالهدى فعليه الذبح في الحرم والتصدق بلحمه على الفقراء لقوله تعالى { " هديا بالغ الكعبة " } فالهدي اسم لما يهدي إلى موضع معين وإن اختار الإطعام اشترى بالقيمة طعاما فيطعم المساكين كل مسكين نصف صاع من حنطة وإن اختار الصيام يصوم مكان طعام كل مسكين يوما وإن كان الواجب دون طعام مسكين فأما أن يطعم قدر الواجب وأما أن يصوم يوما كاملا فالصوم لا يكون أقل من يوم وعندنا يجوز له أن يختار الصوم مع القدرة على الهدي والإطعام لقوله تعالى { " أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره " } المائدة : 95 وحرف أو للتخيير .
وعلى قول " " زفر " - C تعالى - لا يجوز له الصيام مع القدرة على التكفير بالمال وقاس بكفارة اليمين وهدي المتعة والقران وقال حرف أو لا ينفي الترتيب في الواجب كما في حق قطاع الطريق في قوله تعالى { " أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف " } الآية ولكن هذا خلاف الحقيقة والتمسك بالحقيقة واجب حتى يقوم دليل المجاز وقياس المنصوص على المنصوص باطل .
وإذا اختار الطعام فالمعتبر قيمة الصيد يشترى به الطعام عندنا .
وعند " الشافعي " - C تعالى - المعتبر قيمة النظير وهو قول ا ا " محمد " - C تعالى - بناء على أصلهما أن الواجب هو النظير فإنما يحوله إلى الطعام باختياره فتعتبر قيمة الواجب وهو النظير كمن أتلف شيئا من ذوات الأمثال فانقطع المثل من أيدي الناس فإنه يجب قيمة المثل وعندنا الواجب قيمة الصيد والأصل كما بينا فإذا اختار أداء الواجب بالطعام تعتبر قيمة الصيد لأنه هو الواجب الأصلي وإن اختار الصيام صام مكان كل نصف صاع يوما عندنا وعند " الشافعي " - C تعالى - يصوم مكان كل مد يوما وهذا بناء على الاختلاف في طعام الكفارة لكل مسكين عندنا يتقدر بنصف صاع وعنده بمد ومذهبه في هذا مروي عن " ابن عباس " - Bه - قال فإن أخرج الحلال صيد الحرم ولم يقتله فعليه جزاء استحسانا وإن أرسله في الحل ما لم يعلم عوده إلى الحرم لأنه بالحرم كان آمنا وقد زال هذا الأمن بإخراجه فيكون كالمتلف له إلا أن يعلم عوده إلى الحرم فحينئذ يعود إليه الأمن على ما كان وهو كالمحرم يأخذ صيدا فيموت في يده لزمه جزاؤه لأنه متلف معنى الصيدية فإن معنى الصيدية في نفره وبعده عن الأيدي قال وإذا رمى الحلال صيدا من الحل في الحرم أو من الحرم في الحل فعليه جزاؤه هكذا روي عن " جابر " و " ابن عمر " - Bهما - وهذا لأنه إذا كان الصيد في الحرم فهو آمن بالحرم وإن كان الرامي في الحرم فهو منهي عن الرمي إلى الصيد من الحرم قال الله تعالى { " لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم " } يقال أحرم إذا عقد عقد الإحرام وأحرم إذا دخل الحرم كما يقال أشأم إذا دخل " الشأم " فكان في الوجهين مرتكبا للنهي فيلزمه الجزاء إلا أن يكون الصيد والرامي في الحل فرماه ثم دخل الصيد الحرم فيصيبه فيه فحئنئذ لا يلزمه الجزاء لأنه في الرمي غير مرتكب للنهي ولكن لا يحل تناول ذلك الصيد وهذه هي المسألة المستثناة من أصل " أبي حنيفة " - C تعالى - فإن عنده المعتبر حالة الرمي إلا في هذه المسألة خاصة فإنه اعتبر في حل التناول حالة الإصابة احتياطا لأن الحل بالذكاة يحصل وإنما يكون ذلك عند الإصابة فإن كان عند الإصابة الصيد صيد الحرم لم يحل تناوله وعلى هذا إرسال الكلب قال ولا يحل تناول ما ذبحه المحرم لأحد من الناس وقال " الشافعي " - C تعالى - لا يحل للمحرم القاتل تناوله ويحل لغيره من الناس وحجته في ذلك أن معنى الذكاة في تسييل الدم النجس من الحيوان وشرط الحل التسمية ندبا أو واجبا على اختلاف الأصلين وذلك يتحقق من المحرم كما يتحقق من الحلال إلا أن الشرع حرم التناول على المحرم القاتل بطريق العقوبة ليكون زجرا له وهذا لا يدل على حرمة التناول في حق غيره كما يجعل المقتول ظلما حيا في حق القاتل حتى لا يرثه وهو ميت في حق غيره وحجتنا في ذلك قوله تعالى { " لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم " } والفعل الموجب للحل مسمي باسم الذكاة شرعا فلما سماه قتلا هنا عرفنا أن هذا الفعل غير موجب للحل أصلا والدليل عليه " أن النبي - A - قال لأصحاب " أبي قتادة " - رضي الله تعالى عنهم - هل أعنتم هل أشرتم هل دللتم فقالوا لا فقال A إذن فكلوا " فإذا ثبت بالأثر أن الإعانة من المحرم توجب الحرمة فمباشرة القتل هنا أولى فإن قيل كيف يصح هذا الاستدلال وعندكم الصيد لا يحرم تناوله بإشارة المحرم ودلالته قلنا فيه روايتان وقد بينا هما في الزيادات ومن ضرورة حرمة التناول عند الإشارة حرمة التناول عند مباشرة القتل فإن قام هذا الدليل على انتساخ هذا الحكم عند الإشارة فذلك لا يدل على انتساخه عند المباشرة والمعنى فيه أن هذا الاصطياد محرم لمعنى الدين ولهذا حرم التناول عليه فيكون نظير اصطياد المجوسي وذلك موجب للحرمة في حق الكل فهذا مثله .
قال فإن أدى المحرم جزاءه ثم أكل فعليه قيمة ما أكل في قول " أبي حنيفة " - C تعالى - وإن كان قتله غيره لم يكن عليه شيء فيما أكل وقال " أبو يوسف " و ا ا " محمد " - رحمهما الله تعالى - لا يلزمه شيء آخر سوى الاستغفار وحجتهما أن صيد المحرم كالميتة أو كذبيحة المجوسي وتناول الميتة لا يوجب إلا الاستغفار . ألا ترى أنه إذا أكل منه حلال أو محرم آخر لم يلزمه إلا الاستغفار فكذا إذا أكل هو منه . والدليل عليه أن الحلال إذا ذبح صيدا في الحرم فأدى جزاءه ثم أكل منه لا يلزمه شيء آخر وكذلك المحرم إذا كسر بيض صيد فأدى جزاءه ثم شواه فأكله لا يلزمه شيء آخر كذا هذا وجه قول " أبي حنيفة " - C تعالى - أنه تناول محظور إحرامه فيلزمه الجزاء كسائر المحظورات وبيانه أن قتل هذا الصيد من محظورات إحرامه والقتل غير مقصود لعينه بل للتناول منه فإذا كان ما ليس بمقصود محظور إحرامه حتى يلزمه الجزاء به فما هو المقصود بذلك أولى بخلاف محرم آخر فإن هذا التناول ليس من محظورات إحرامه وبخلاف الحلال في الحرم لأن وجوب الجزاء هناك باعتبار الأمن الثابت بسبب الحرم وذلك للصيد لا للحم وكذلك البيض وجوب الجزاء فيه باعتبار أنه أصل الصيد وبعد الكسر انعدم هذا المعنى يقرره أن المقتول بغير حق في حق القاتل كالحي من وجه حتى لا يرث وكالميت من وجه حتى تعتق أم الولد إذا قتلت مولاها ففيما ينبني أمره على الاحتياط جعلناه كالحي في حق القاتل وهو جزاء الإحرام فيلزمه بالتناول جزاء آخر وأما جزاء صيد الحرم غير مبني على الاحتياط في الإيجاب فلهذا اعتبرنا معنى اللحمية فلا يوجب فيه الجزاء قال وإذا أصاب الحلال صيدا في الحل فذبحه فلا بأس بأن يأكل المحرم منه وهو قول " عثمان " و " ابن عباس " - Bهما - وكان " ابن عمر " - Bه - يكره ذلك حتى روي أن " عثمان " - Bه - دعاه إلى طعام وكان محرما فرأى اليعاقيب في القصعة فقام فقيل ل " عثمان " - Bه - إنما قام كراهة لطعامك فبلغ ذلك " ابن عمر " - Bه - فقال ما كرهت طعامه ولكن كنت محرما فمن أخذ بقوله استدل بما " روي أن رجلا أهدى إلى رسول الله - A - رجل حمار وحش فرده فرأى الكراهة في وجهه فقال A ما بنارد لهديتك ولكنا حرم " .
ولنا في ذلك " حديث " طلحة " - Bه - قال تذاكرنا لحم الصيد في حق المحرم فارتفعت أصواتنا ورسول الله A نائم في حجرته فخرج إلينا فقال فيم كنتم فذكرنا ذلك له فقال A لا بأس به " وفي " الحديث أن النبي - A - مر " بالروحاء " مع أصحابه - رضوان الله عليهم أجمعين - وهم محرمون فرأى حمار وحش عقيرا وفيه سهم ثابت فأراد أصحابه - Bهم - أخذه فقال A دعوه حتى يأتي صاحبه فجاء رجل من بهز فقال يا رسول الله هذه رميتي فهي لك فأمر " أبا بكر " - Bه - أن يقسمها بين الرفاق " والحديث الذي روي أنه رده تصحيف وقع من الراوي والصحيح أنه أهدى إليه حمار وحش ولئن صح فليس المراد بالرجل القطعة من اللحم بل هو العدد من حمار الوحش كما يقال رجل جراد للجماعة منه وكان " مالك " - C تعالى - يقول إن اصطاد الحلال لأجل المحرم فليس للمحرم أن يتناول منه لما " روي أن النبي - A - قال للمحرمين : صيد البر حلال لكم إلا ما اصطدتموه أو صيد لكم " ولكنا نقول هذه اللام لام التمليك فإنما يتناول ما كان مملوكا للمحرم صيدا وسواء اصطاد الحلال لنفسه أو لمحرم فهو لم يصر مملوكا للمحرم صيدا وإنما يصير مملوكا للمحرم حين يهديه إليه بعد الذبح وهو عند ذلك لحم لا صيد فيه فلهذا حل تناوله .
قال محرم كسر بيض صيد فعليه قيمته وقال " ابن أبي ليلى " - Bه - عليه درهم ومذهبنا مروى عن " علي " و " ابن عباس " - Bهم - والمعنى فيه وهو أن البيض أصل الصيد فإنه معد ليكون صيدا ما لم يفسد فيعطى له حكم الصيد في إيجاب الجزاء على المحرم بإفساده كما أن الماء في الرحم جعل بمنزلة الولد في حكم العتق والوصية ولأنه منع حدوث معنى الصيدية فيه فيجعل كالمتلف بعد الحدوث بمنزلة المغرور يضمن قيمة الولد لأنه منع حدوث الرق فيه فإن كان فيه فرخ ميت فعليه قيمة الفرخ حيا وهذا استحسان وفي القياس لا يغرم إلا قيمة البيضة لأنه لم تعلم حياة الفرخ قبل كسره ولكنه استحسن فقال البيض ما لم يفسد فهو معد ليخرج منه فرخ حي والتمسك بهذا الأصل واجب حتى يظهر خلافه ولأن كسر البيضة سبب لموت الفرخ إذا حصل قبل أوانه فإذا ظهر الموت عقيب هذا السبب يحال به عليه وكذلك لو ضرب بطن ظبية فطرحت جنينا ميتا ثم ماتت فعليه جزاؤهما جميعا أخذا فيه بالثقة لأن الضرب سبب صالح لموتهما وقد ظهر الموت عقيبه وإنما أراد بقوله أخذا بالثقة الإشارة إلى الفرق بين هذا وبين الضمان الواجب لحق العباد فإن من ضرب بطن جارية فألقت جنينا ميتا وماتت لما وجب هناك ضمان الأصل لم يجب ضمان الجنين لأن الجنين في حكم الجزء من وجه وفي حكم النفس من وجه والضمان الواجب لحق العباد غير مبني على الاحتياط فلا يجب في موضع الشك فأما جزاء الصيد مبني على الاحتياط فلهذا رجح شبه النفس في الجنين فاوجب عليه جزاءهما