قال - Bه - محرم دل محرما أو حلالا على صيد فقتله المدلول فعلى الدال الجزاء عندنا استحسانا وفي القياس لا جزاء على الدال وبه أخذ " الشافعي " - C تعالى - قال : لأن الجزاء واجب بقتل الصيد بالنص قال الله تعالى { " ومن قتله منكم متعمدا " } المائدة : 95 والدلالة ليست في معنى القتل لأن القتل فعل متصل من القاتل بالمقتول فأما الدلالة والإشارة غير متصل بالمحل وهو الصيد والحكم الثابت بالنص لا يجوز إثباته فيما ليس في معنى المنصوص والدليل عليه جزاء صيد الحرم يجب على القاتل الحلال ولا يجب على الدال إذا كان حلالا بالاتفاق للمعنى الذي قلنا والدليل عليه أن حرمة الصيد في حق المحرم لا تكون أقوى من حرمة مال المسلم ونفسه ولا يضمن الدال على مال المسلم ولا على نفسه شيئا بسبب الدلالة فكذلك هنا إلا أنا تركنا القياس باتفاق الصحابة - Bهم - فإن رجلا سأل " عمر " - Bه - فقال إني أشرت إلى ظبي وأنا محرم فقتله صاحبي فقال " عمر " " لعبدالرحمن بن عوف " - Bه - ماذا ترى عليه فقال أرى عليه شاة فقال " عمر " - Bه - وأنا أرى عليه ذلك وإن " عليا " و " ابن عباس " - Bهما - سئلا عن محرم دل على بيض نعامة فأخذه المدلول عليه فشواه فقالا على الدال جزاؤه والقياس يترك بقول الفقهاء من الصحابة - Bهم - وما نقل عنهم في هذا الباب كالمنقول عن رسول الله - A - إذ لا يظن بهم أنهم قالوا جزافا . والقياس لا يشهد لقولهم حتى يقول قالوا ذلك قياسا فلم يبق إلا السماع ثم ثبت باتفاقهم أن الدلالة على الصيد من محظورات الإحرام وذلك ثابت بالنص أيضا " فإن النبي - A - قال لأصحاب " أبي قتادة " - Bهم - في صيد أخذه " أبو قتادة " وكانوا محرمين هل أعنتم هل أشرتم هل دللتم " فجعل الإشارة كالإعانة فعرفنا أنه من محظورات الإحرام وذلك يوجب الجزاء وبه فارق صيد الحرم فإن الموجب للحظر هناك معنى في الحل وهو أمن الصيد بسبب الحرم فلا بد من أن يكون فعله متصلا بالمحل حتى يكون جناية في إزالة الأمن عن المحل وهنا الحظر بسبب معنى في الفاعل وهو أنه محرم فكان فعله محظور الإحرام وإن لم يتصل بالمحل ولهذا كان معنى الجزاء هنا راجحا ومعنى غرامة المحل هناك راجح على ما نبينه إن شاء الله تعالى ثم الإحرام عقد خاص وقد ضمن له ترك التعرض بعقده فإذا تعرض له بالدلالة فقد باشر بخلاف ما التزمه فكان قياس المودع يدل سارقا على سرقة الوديعة بخلاف الدلالة على مال المسلم ونفسه فإنه ما التزم ترك التعرض لذلك بعقد خاص ثم الواجب هناك ضمان الحيوان فيكون بمقابلة المحل فيجب على من اتصل فعله بالمحل والدلالة المعتبرة لإيجاب الجزاء أن لا يكون المدلول عالما بمكان الصيد فأما إذا كان المدلول عالما به فلا جزاء على الدال لأن المدلول ما تمكن من قتله بدلالته .
وعلى هذا لو أعار المحرم سكينا من غيره ليقتل صيدا فإن لم يكن مع ذلك الغير ما يقتل به الصيد فعلى المعير الجزاء وإن كان معه ما يقتل به الصيد فلا شيء على المعير لأن تمكنه من قتله لم يكن بإعارة السكين وإنما يجب على الدال الجزاء إذا صدقه المدلول في دلالته فأما إذا كذبه ولم يتبع الصيد بدلالته حتى دله عليه آخر فصدقه وقتل الصيد فالجزاء على الدال الثاني إذا كان محرما دون الأول وكذلك أو لأمر المحرم إنسانا بأخذ الصيد فأمر المأمور به إنسانا آخر فالجزاء على الآمر الثاني دون الأول لأن المأمور الأول لم يمتثل أمر الآمر فإنه أمره بالأخذ دون الأمر وإنما يجب الجزاء على الدال الأول إذا أخذ المدلول الصيد والدال محرم فأما إذا حل الدال عن إحرامه قبل أن يأخذ المدلول الصيد فلا جزاء على الدال لأن فعله إنما يتم جناية عند زوال معنى النفرة بإثبات يد الأخذ عليه فإذا كان الدال عند ذلك حلالا لم يكن أخذ الغير في حقه أكثر تأثيرا من أخذه بنفسه ولو أخذه بنفسه لم يلزمه شيء فكذا إذا أخذه غيره بدلالته قال وإذا اشترك رهط محرمون في قتل صيد فعلى كل واحد منهم جزاء كامل عندنا وقال " الشافعي " عليهم جزاء واحد لأن من أصله أن المعتبر هو المحل ولهذا قال الدال الذي لم يتصل فعله بالمحل لا يلزمه شيء والمحل هنا واحد فلا يلزمهم إلا جزاء واحد وقاس بصيد الحرم فإن جماعة من الحلالين إذا اشتركوا في قتل صيد الحرم لا يلزمهم إلا جزاء واحد وقاس بحقوق العباد أيضا فإن الصيد إذا كان مملوكا لا يجب على الذين قتلوه إلا قيمة واحدة لصاحبه كذلك فيما يجب لحق الله تعالى . وحجتنا ما بينا أن الواجب على المحرم جزاء فعله وفعل كل واحد من الفاعلين كامل جنى به على إحرام كامل فيجعل في حق كل واحد منهم كأنه ليس معه غيره كما في كفارة القتل وكما في القصاص الواجب بطريق جزاء الفعل يجعل كل قاتل كالمنفرد به وبه فارق صيد الحرم لأن وجوب الضمان هناك باعتبار المحل ويسلك بضمان الصيد مسلك الغرامات ولهذا لا مدخل للصوم فيه وفي إباحة الدم روايتان أيضا فالغرامات تكون واجبة بدلا عن المتلف فإذا كان المتلف واحدا لا يجب إلا بدل واحد كالدية فإنها لا تتعدد بتعدد القاتلين فأما هذه كفارة تجب بطريق جزاء الفعل والفعل يتعدد بتعدد الفاعلين يوضح الفرق أن المعتبر هنا حرمة الإحرام وإحرام " زيد " غير إحرام " عمرو " وهناك المعتبر حرمة الحرم وهي متحدة في حق الفاعلين فأما ضمان حقوق العباد فوجوبه بطريق الجبران وذلك يتم بإيجاب بدل واحد وما يجب لحق الله تعالى لا يكون بطريق الجبران لأن الله تعالى يتعالى عن أن يلحقه نقصان ليكون ما يجب له جبرانا وعلى هذا الأصل القارن إذا قتل صيدا فعليه جزآن عندنا وعنده جزاء واحد لأن المعتبر عنده اتحاد المحل وعندنا هو الجناية على الإحرام والقارن جان على إحرامين وحقيقة المسألة تنبني على الأصل الذي أشرنا إليه فإن عنده يدخل إحرام العمرة في إحرام الحج ولهذا قال يطوف القارن طوافا واحدا فيدخل أحدهما في الآخر وعندنا لا يدخل أحدهما في الآخر فإن القران ينبئ عن الضم والجمع دون التداخل فصار القارن بقتل الصيد جانيا على إحرامين فيلزمه جزاآن ثم .
قال " الشافعي " - C تعالى - إحرام العمرة في حكم التبع لإحرام الحج ولهذا يتحقق الجمع بين النسكين أداء فإن الأصلين لا يجتمعان أداء كالحجتين والعمرتين وإذا كان تبعا لا يظهر مع الأصل كحرمة الحرم مع حرمة الإحرام فإن المحرم إذا قتل صيدا في الحرم لا يلزمه إلا جزاء واحد وقيل إن حرمة الحرم تبع لحرمة الإحرام فلا يظهر تأثيره مع الإحرام .
ولكنا نقول كل واحد من الإحرامين أصل مثل صاحبه لأن كل واحد منهما يعم البقاع كلها فلا يكون أحدهما تبعا للآخر بل يعتبر كل واحد منهما في إيجاب موجبه كأنه ليس معه صاحبه كما أن حرمة الجماع بسبب حرمة الصوم وعدم الملك إذا اجتمعا بأن زني الصائم في رمضان يجب عليه الحد والكفارة جميعا وكذلك حرمة الخمر ثابتة لعينها فيثبت باليمين إذا حلف لا يشربها حرمة أخرى ثم عند الشرب يلزمه الحد والكفارة جميعا وهذا بخلاف حرمة الحرم فإنها دون حرمة الإحرام . ألا ترى أنه لا يعم البقاع كلها وأنه لا بد من اعتباره في حق المحرم فإن المحرم لا يستغني عن دخول الحرم وإذا كان في حكم التبع لم يعتبر في حق المحرم ولأنه لا مقصود هناك سوى وجوب ترك التعرض للصيد وذلك حاصل في حق المحرم بإحرامه فلا يزداد بالحرم في حقه فأما هنا العمرة بعقد مقصود يحوي ترك التعرض للصيد فوجب اعتباره في حق المحرم بالحج كما يجب اعتباره في حق غير المحرم بالحج .
قال فإن قتل حلالان صيدا في الحرم بضربة واحدة فعلى كل واحد منهما نصف جزاء كامل بخلاف ما إذا ضربه كل واحد منهما ضربة فإنه يجب على كل واحد منهما ما تقتضيه ضربته ثم يجب على كل واحد منهما نصف قيمته مضروبا بضربتين لأن عند اتحاد فعلهما جميع الصيد صار متلفا بفعلهما فيضمن كل واحد منهما نصف الجزاء وعند اختلاف محل الفعل الجزء الذي تلف بضربة كل واحد منهما كان هو المختص بإتلافه فعليه جزاؤه والباقي متلفا بفعلهما فضمانه عليهما وقد قررنا هذا الفرق فيما أمليناه من شرح الجامع .
قال وإذا قتل المحرم صيدا فعليه قيمة الصيد في الموضع الذي قتله فيه إن كان الصيد يباع ويشترى في ذلك الموضع وإلا ففي أقرب المواضع من ذلك الموضع مما يباع ذلك الصيد ويشترى في ذلك الموضع مما له نظير من النعم أو لا نظير له في قول " أبي حنيفة " و " أبي يوسف " - رحمهما الله تعالى - وقال ا ا " محمد " و " الشافعي " - رحمهما الله تعالى - فيما له نظير ينظر إلى نظيره من النعم الذي يشبهه في المنظر لا إلى القيمة حتى يجب في النعامة بدنة وفي حمار الوحش بقرة وفي الظبي شاة وفي الأرنب عناق وفي اليربوع جفرة .
وقال " الشافعي " - C تعلى - في لحمامة شاة وهو قول " ابن أبي ليلى " وزعم أن بينهما مشابهة من حيث أن كل واحد منهما يعب ويهدر وفيما لا نظير له تعتبر القيمة واحتجا في ذلك بقوله تعالى : { " فجزاء مثل ما قتل من النعم " } المائدة : 95 وحقيقة المثل ما يماثل الشيء صورة ومعنى ولا يجوز العدول عن الحقيقة إلى المجاز إلا عند تعذر العمل بالحقيقة والنظير مثل صورة ومعنى والقيمة مثل معنى لا صورة وفي قوله من النعم تنصيص على أن المعتبر هو المثل صورة وعلى هذا اتفقت الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - نقل ذلك عن " علي " و " عمر " و " عبدالله بن مسعود " - رضي الله تعالى عنهم - أنهم أوجبوا ما سمينا من النظائر و " أبو حنيفة " و " أبو يوسف " - رحمهما الله تعالى - أخذا بقول " ابن عباس " - رضي الله تعالى عنه - فإنه فسر المثل بالقيمة والمعنى الفقهي يشهد له فإن الحيوان لا مثل له من جنسه .
ألا ترى أن في حق حقوق العباد يكون الحيوان مضمونا بالقيمة دون المثل فكذلك في حقوق الله تعالى وكما أن المثل منصوص عليه هنا فكذلك في حقوق العباد في قوله تعالى { " فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " } البقرة : 194 يوضحه أن المماثلة بين الشيئين عند اتحاد الجنس أبلغ منه عند اختلاف الجنس فإذا لم تكن النعامة مثلا للنعامة كيف تكون البدنة مثلا للنعامة والمثل من الأسماء المشتركة فمن ضرورة كون الشيء مثلا لغيره أن يكون ذلك الغير مثلا له ثم لا تكون النعامة مثلا للبدنة عند الإتلاف فكذلك لا تكون البدنة مثلا للنعامة وإذا تعذر اعتبار المماثلة صورة وجب اعتبارها بالمعنى وهو القيمة فأما قوله من النعم فقد قيل فيه تقديم وتأخير ومعناه { " فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة " } المائدة : 95 ثم ذكر الأصمعي وأبو عبيدة أن اسم النعم يتناول الأهلي والوحشي جميعا ومعناه فجزاء قيمة ما قتل من النعم الوحشي وحمله على هذا أولى لأن قوله " فجزاء " مصدر وما ذكر بعده وصف فإنما يكون وصفا للمذكور وذلك إذا حمل على ما بينا وإيجاب الصحابة - Bهم - لهذه النظائر لا باعتبار أعيانها بل باعتبار القيمة إلا أنهم كانوا أرباب المواشي فكان ذلك أيسر عليهم من النقود وهو نظير ما قال " علي " - Bه - في ولد المغرور يفك الغلام بالغلام والجارية بالجارية المراد القيمة .
والاختلاف في هذه المسألة في فصول أحدهما ما بينا والثاني أن الذي أتي الحكمين يقوم الصيد فإذا ظهرت قيمته فالخيار إلى المحرم بين التكفير بالهدي والإطعام والصيام في قول " أبي حنيفة " و " أبي يوسف " - رحمهما الله تعالى - وعند ا ا " محمد " - C تعالى - الخيار إلى الحكمين فإذا عينا نوعا عليه يلزمه التكفير به بعينه فأما اعتبار الحكمين بالنص وهو قوله تعالى { " يحكم به ذوا عدل منكم " } وعلى طريقة القياس يكفي الواحد للتقويم وإن كان المثنى أحوط ولكن يعتبر المثنى بالنص وبيانه في حديث " عمر " - Bه - فإن رجلين أتياه فقال أحدهما إن صاحبي هذا كان محرما وأنه رمى إلى ظبي وأصاب أحشاءه فماذا يجب عليه فسار " عمر " " عبدالرحمن بن عوف " - Bهما - بشيء ثم قال عليه شاة فقاما من عنده وجعل السائل يقول لصاحبه أن فتوى أمير المؤمنين لا تغني عنك شيئا ألا ترى أنه لم يعرفه حتى سأل غيره فأرى أن تنحر راحلتك هذه وتعظم شعائر الله فسمع ذلك " عمر " - Bه - فدعاه وعلاه بالدرة فقال يا أمير المؤمنين أني لا أحل لك من نفسي شيئا حرم الله عليك فانظر لنفسك فقال " عمر " - Bه - أراك حسن اللهجة والبيان أما سمعت الله يقول " يحكم به ذوا عدل منكم " } فأنا ذو عدل و " عبدالرحمن " ذو عدل ومن يعمل بكتاب الله تعالى يسمى جاهلا فيكم فتاب الرجل عن مقالته .
( يتبع . . . )