قال Bه : النفاس هو الدم الخارج عقيب الولادة قيل إنه مشتق من تنفس الرحم به وقيل هو من النفس الذي هو عبارة عن الدم وقيل هو من النفس التي هي الولد فخرجه لا ينفك عن دم يتعقبه .
وأكثر مدته أربعون يوما عندنا وقد بينا اختلاف العلماء فيه واعتمادنا فيه على السنة فقد روي عن " أم سلمة " Bها قالت : كانت النفساء يقعدن على عهد رسول الله A أربعين يوما وكنا نطلي وجوهنا بالورس من الكلف وفي " حديث " أبي الدرداء " و " أبي هريرة " Bهما قالا وقت رسول الله A للنفساء أربعين صباحا " ألا أن ترى الطهر قبل ذلك ولا غاية لأفلة لعموم قوله إلا أن ترى الطهر قبل ذلك حتى إذا رأت الدم يوما ثم طهرت فذلك اليوم نفاس لها بخلاف الحيض فإن أقله مقدر لأن دم الحيض والنفاس ما يكون من الرحم ولدم النفاس دليل .
صفحة [ 211 ] يستدل به على أنه من الرحم وهو تقدم خروج الولد فلا حاجة إلى الاستدلال عليه بالامتداد بخلاف دم الحيض .
والذي ذكره " أبو موسى " C تعالى في مختصره أن أقل النفاس عند " أبي حنيفة " C تعالى خمسة وعشرون يوما وعند " أبي يوسف " C تعالى أحد عشر يوما ليس المراد به أنه إذا انقطع فيما دون ذلك لا يكون نفاسا ولكن المراد به إذا وقعت الحاجة إلى نصب العادة لها في النفاس لا ينقص ذلك من خمسة وعشرين يوما عند " أبي حنيفة " C تعالى إذا كانت عادتها في الطهر خمسة عشر لأنه لو نصب لها دون هذا القدر أدى إلى نقض العادة فمن أصل أبي حنيفة C تعالى أن الدم إذا كان محيطا بطرفي الأربعين فالطهر المتخلل لا يكون فاصلا طال أو قصر فلو قدر نفاسها بأقل من خمسة وعشرين يوما فعادوها الدم قبل تمام الأربعين كان الكل نفاسا فلهذا قدر بخمسة وعشرين وفي الإخبار بانقضاء العدة قدر مدة نفاسها بخمسة وعشرين على ما سنبينه .
وكذلك " أبو يوسف " C تعالى إنما قدر بأحد عشر يوما في الإخبار بانقضاء العدة فأما إذا انقطع الدم دون ذلك فلا خلاف في أنه نفاس .
ثم " أبو حنيفة " C تعالى مر على أصله فقال : الأربعون للنفاس كالعشرة للحيض ثم الطهر المتخلل في العشرة عنده لا يكون فاصلا .
وإذا كان الدم محيطا بطرفي العشرة يجعل الكل كالدم المتوالي فكذلك في النفاس إذا أحاط الدم بطرفي الأربعين .
و " أبو يوسف " C تعالى مر على أصله أن الطهر المتخلل إذا كان أقل من خمسة عشر لا يصير فاصلا ويجعل كالدم المتوالي فإذا بلغ خمسة عشر يوما صار فاصلا بين الدمين فهذا مثله .
و " محمد " C تعالى فرق بين النفاس وبين ما تقدم في الحيض فقال هناك : إذا كانت الغلبة للطهر يصير فاصلا بين الدمين وإن كان دون الخمسة عشر وهنا لا يصير فاصلا لأنه لا يتصور هنا في مدة الأربعين طهر ما دون خمسة عشر وهو غالب على الدم إنما يتصور ذلك في مدة الحيض ثم هناك الدم قد يتقدم وقد يتأخر فلو لم يعتبر غلبة أحدهما على الآخر أدى إلى القول بجعل زمان هو طهر كله حيضا وذلك لا يجوز بخلاف النفاس وإنما قال إن الطهر خمسة عشر هنا يصير فاصلا بين الدمين لأن طهر خمسة عشر صالح للفصل بين الحيضتين فكذلك للفصل بين الحيض والنفاس فكان المتقدم نفاسا والمتأخر حيضا .
وبيان هذا : إذا رأت الدم يوما بعد الولادة ثم طهرت ثمانية وثلاثين يوما ثم رأت الدم يوما فعند " أبي حنيفة " C تعالى الأربعون كلها نفاس .
وعندهما النفاس هو اليوم الأول فقط .
ثم .
صفحة [ 212 ] يخرج على هذا الأصل المسائل إلى أن يقول : .
رأت الدم خمسة بعد الولادة والطهر خمسة عشر يوما والدم خمسة والطهر خمسة عشر ثم استمر بها الدم : فعندهما نفاسها الخمسة الأولى وعادتها في الطهر خمسة عشر لأنها رأت مرتين وحيضها الخمسة التي بعد العشرين وصار ذلك عادة لها بالمرة الواحدة لأنها مبتدأة .
وعند " أبي حنيفة " C تعالى نفاسها خمسة وعشرون والطهر الأول غير معتبر لإحاطة الدم بطرفيه في مدة الأربعين فأما الطهر الثاني فهو صحيح معتبر لأن به تتم الأربعون فيصير ذلك عادة لها في الطهر بالمرة الواحدة ولا عادة لها في الحيض فيجعل أول الاستمرار حيضها عشرة وطهرها خمسة .
وعندهما يجعل حيضها من أول الاستمرار خمسة وطهرها خمسة عشر .
وعادتها في النفاس عندهما تكون خمسة . وعند " أبي حنيفة " C تعالى خمسة وعشرون لأن العادة في النفاس في حق المبتدأة تثبت بالمرة الواحدة كالعادة في الحيض . ويختلفون في أول وقت النفاس : فقال " أبو حنيفة " و " أبو يوسف " رحمهما الله تعالى وقت الولادة أول وقت النفاس .
وقال " محمد " و " زفر " رحمهما الله تعالى : وقت فراغ رحمها أول وقت النفاس .
وإنما يتبين ذلك فيما إذا ولدت ولدا وفي بطنها ولد آخر : فعند " أبي حنيفة " و " أبي يوسف " رحمهما الله تعالى تصير نفساء .
وعند " محمد " و " زفر " رحمهما الله تعالى لا تصير نفساء ما لم تضع الولد الثاني قالا : .
لأنها حامل بعد والحامل كما لا تحيض فكذلك لا تصير نفساء لأن النفاس أخو الحيض واستدلا بحكم انقضاء العدة فإنه لا يثبت إلا بوضع آخر الولدين فكذلك حكم النفاس .
و " أبو حنيفة " و " أبو يوسف " رحمهما الله تعالى قالا : النفاس هو الدم الخارج عقب الولادة وقد تحقق ذلك وإنما لا يجعل لما تراه المرأة الحامل من الدم حكم الحيض لأنه ليس من الرحم فإن الله تعالى أجرى العادة أن المرأة إذا حبلت انسد فم رحمها وهذا المعنى غير موجود هنا لأن فم الرحم قد انفتح بوضع أحد الولدين فالدم المرئي من الرحم كان نفاسا وهذا بخلاف حكم انقضاء العدة لأنه متعلق بفراغ الرحم ولا فراغ مع بقاء شيء من الشغل وهنا حكم النفاس للدم الخارج من الرحم بعد الولادة وقد تحقق ذلك .
فإن كان بين الولدين عشرة أيام واستمر بها الدم وهي مبتدأة في النفاس : فعند " أبي حنيفة " و " أبي يوسف " رحمهما الله تعالى تترك الصوم والصلاة بعد ولادة الولد الأول ونفاسها بعد وضع الولد الثاني ثلاثون يوما .
وعند " محمد " و " زفر " رحمهما الله تعالى لا تترك الصوم والصلاة ما لم تضع الولد الثاني ونفاسها بعد ذلك أربعون يوما .
وحكي أن " أبا يوسف " قال " لأبي حنيفة " رحمهما الله تعالى : أرأيت لو كان بين الولدين .
صفحة [ 213 ] أربعون يوما قال هذا لا يكون . قال فإن كان قال لا نفاس لها من الولد الثاني وإن رغم أنف أبي يوسف ولكنها تغتسل كما تضع الولد الثاني وهذا صحيح لأنه لا يتوالى نفاسان ليس بينهما طهر كما لا تتوالى حيضتان ليس بينهما طهر .
قال : فإن خرج بعض الولد ثم رأت الدم فروى " خلف بن أيوب " عن " أبي يوسف " وهو قول " أبي حنيفة " رحمهم الله تعالى أنه إن خرج الأكثر منه فهي نفساء لأن بقاء الأقل لا يمنع خروج الدم من الرحم وكذلك لو انقطع الولد فيها فإذا خرج الأكثر كانت نفساء لأن للأكثر حكم الكمال .
فأما إذا أسقطت سقطا فإن كان قد استبان شيء من خلقه فهي نفساء فيما ترى من الدم بعد ذلك وإن لم يستبن شيء من خلقه فلا نفاس لها ولكن إن أمكن جعل المرئي من الدم حيضا يجعل حيضا وإن لم يمكن بأن لم يتقدمه طهر تام فهو استحاضة .
وقال " الشافعي " C تعالى يمتحن السقط بالماء الحار فإن ذاب فيه فليس بولد فلا نفاس لها وان لم يذب فهو ولد وتصير به نفساء .
وهذا من باب الطب ليس من الفقه في شيء فلم نقل به لهذا ولكن حكمنا السيما والعلامة فإن ظهر فيه شيء من آثار النفوس فهو ولد والنفاس هو الدم الخارج بعقب خروج الولد وإن لم يستبن فيه شيء من الآثار فهذه علقة أو مضغة فلم يكن للدم المرئي بعدها حكم النفاس .
فإن قالت : اعلم أني لم أكن مستحاضة : فعلى قول " أبي يوسف " C تعالى يكفيها لنصب العادة لأنه يرى انتقال العادة بالمرة الواحدة .
فإن قالت : اعلم أني لم أكن مستحاضة : فعلى قول " أبي يوسف " C تعالى يكفيها لنصب العادة لأنه يرى انتقال العادة بالمرة الواحدة .
وعلى قول " أبي حنيفة " و " محمد " رحمهما الله تعالى : لا يكفيها لنصب العادة لأن عندهما لا تنتقل العادة بالمرة الواحدة .
فإن قالت : اعلم أني لم أكن مستحاضة : فعلى قول " أبي يوسف " C تعالى يكفيها لنصب العادة لأنه يرى انتقال العادة بالمرة الواحدة .
ثم المسألة على وجهين : .
إما أن ترى الدم قبل إسقاط السقط أو لا تراه .
فإن رأت الدم قبل إسقاط السقط فإن كان السقط مستبين الخلق لا تترك الصلاة والصوم بالدم المرئي قبله وإن كانت تركت الصلاة فعليها قضاؤها لأنه تبين أنها كانت حاملا حين رأت الدم وليس لدم الحامل حكم الحيض وهي نفساء فيما تراه بمد السقط وإن لم يكن السقط مستبين الخلق فما رأته قبل السقط حيض إن أمكن أن يجعل حيضا بأن وافق أيام عادتها وكان مرئيا عقيب طهر صحيح لأنه تبين أنها لم تكن حاملا ثم إن كان ما رأت قبل السقط مدة تامة فما رأت بعد السقط استحاضة وإن لم تكن مدة تامة تكمل مدتها مما رأت بعد السقط ثم هي مستحاضة بعد ذلك فإن كانت أيامها ثلاثة فرأت قبل السقط ثلاثة دما ثم استمر بها الدم بعد السقط فحيضها الثلاثة التي رأتها قبل السقط وهي مستحاضة فيما رأت بعد السقط .
وإن كان ما رأت قبل السقط يوما أو يومين تكمل مدتها ثلاثة أيام مما تراه بعد السقط ثم هي مستحاضة بعد ذلك .
وإن لم ترد ما قبل السقط ورأته بعده فإن كان السقط مستبين الخلق فهي نفساء وإن لم يكن مستبين الخلق فإن أمكن جعل ما تراه بعد السقط حيضا يجعل حيضا لها بعدل .
صفحة [ 214 ] أيام عادتها وإن لم يمكن جعله فهي مستحاضة في ذلك . فإن أسقطت في بئر المخرج سقطا لا تدري أنه كان مستبين الخلق أو لم يكن فهذا أيضا على وجهين : .
إما أن ترى الدم قبل السقط أو لا تراه إلا بعد السقط : .
فإن لم تر الدم إلا بعد السقط وأيامها في الحيض عشرة وفي الطهر عشرون فنقول : إذا كان السقط مستبين الخلق فلها نفاس أربعين لأنها مبتدأة في النفاس وقد استمر بها الدم فيكون نفاسها أكثر النفاس كالمبتدأة بالحيض إذا استمر بها الدم وإن لم يكن السقط مستبين الخلق فحيضها عشرة فتترك الصلاة عقيب السقط عشرة أيام بيقين لأنها في هذه العشرة إما حائض وإما نفساء ثم تغتسل وتصلي عشرين يوما بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك لأنه تردد حالها فيها بين الطهر والنفاس ثم تترك عشرة بيقين لأنها في هذه العشرة إما حائض أو نفساء ثم تغتسل لتمام مدة النفاس والحيض ثم بعده طهرها عشرون وحيضها عشرة وهكذا دأبها أن تغتسل في كل وقت تتوهم أنه وقت خروجها من الحيض والنفاس .
فإن كانت قد رأت قبل إسقاط السقط دما فإن كان ما رأت قبل الإسقاط مستقلا لا تترك الصلاة بعد الإسقاط وإن لم يكن مستقلا تركت بعد الإسقاط قدر ما تتم به مدة حيضها ولا تترك الصلاة فيما رأت قبل الإسقاط على كل حال ولو تركت فعليها قضاؤها لأنه إن كان السقط مستبين الخلق لم يكن ما رأت قبله حيضا وإن لم يكن مستبين الخلق كان ذلك حيضا فتردد حالها فيما رأت قبل السقط بين الحيض والطهر فلا تترك الصلاة بالشك .
ثم إن كان حيضها عشرة وطهرها عشرون : فإن رأت قبل الإسقاط عشرة ثم أسقطت اغتسلت وصلت عشرين يوما بعد السقط لأنه تردد حالها فيه بين الطهر والنفاس ثم تترك عشرة بيقين لأنها فيه نفساء أو حائض ثم تغتسل وتصلي عشرين يوما عشرة بالشك لأنه تردد حالها فيها بين النفاس والطهر ثم تغتسل وتصلي عشرة أخرى بيقين الطهر ثم تصلي عشرة بالشك لتردد حالها فيها بين الحيض والطهر ثم تغتسل وهكذا دأبها .
وإن كانت رأت قبل السقط خمسة أيام دما ثم أسقطت كما بينا فإنها تترك الصلاة خمسة أيام بعد السقط لأن السقط إن لم يكن مستبين الخلق فهذه الخمسة تتمة مدة حيضها وإن كان مستبين الخلق فهذا أول نفاسها فتترك الصلاة في هذه الخمسة بيقين ثم تغتسل وتصلي عشرين يوما بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك لتردد حالها فيه بين النفاس والطهر ثم تترك عشرة بيقين لأنها في هذه العشرة إما حائض أو نفساء فبلغ الحساب خمسة .
صفحة [ 215 ] وثلاثين ثم تغتسل وتصلي خمسة أيام بالوضوء بالشك ثم تغتسل لتمام الأربعين لأنه وقت خروجها من النفاس إن كان السقط مستبين الخلق ثم تصلي خمسة عشر يوما بالوضوء بيقين لأنه طهرها فبلغ الحساب خمسة وخمسين ثم تصلي خمسة أيام بالوضوء بالشك لتردد حالها فيها بين أول الحيض إن لم يكن السقط مستبين الخلق وبين آخر الطهر إن كان السقط مستبين الخلق فبلغ الحساب ستين ثم تترك خمسة لأنها تتيقن بأن هذه الخمسة إما أول حيضها أو آخر حيضها ثم تغتسل وتصلي خمسة أيام بالوضوء بالشك ثم تغتسل مرة أخرى لأن هذا آخر حيضها إن كان السقط مستبين الخلق ثم تصلي خمسة عشر يوما بالوضوء بيقين وهكذا دأبها أن تترك في كل مرة الصلاة في كل خمسة فيها يقين الحيض وأن تغتسل في كل وقت تتوهم أنه وقت خروجها من الحيض .
وإن ولدت ولدا أو أسقطت سقطا مستبين الخلق واستمر بها الدم وشكت في حيضها أو طهرها فهذه المسألة على ثلاثة أوجه : .
إما أن شكت في حيضها أنه خمسة أو عشرة وتيقنت بأن طهرها عشرون أو شكت في طهرها أنه خمسة عشر أو عشرون وعلمت أن حيضها عشرة أو شكت فيهما جميعا .
( يتبع . . . )