( تابع . . . 1 ) : أعلم أن المسح على الخفين جائز بالسنة فقد اشتهر فيه الأثر عن رسول .
روى " حماد " C تعالى عنه كما هو مذهبنا .
وروى " ابن أبي يعلى " عن " الحكم " C أنه لا شيء عليه .
وروى " الحسن بن عمارة " عن " الحكم " أن عليه استقبال الوضوء .
وجه هذه الرواية : أن انتقاض الوضوء لا يحتمل التجزى كانتقاضه بالحدث .
ووجه الرواية الأخرى : أن الطهارة الكاملة لا تنتقض إلا بالحدث في شيء من الأعضاء ونزع الخف ليس بحدث .
صفحة [ 103 ] ووجه قولنا : أن استتار القدم بالخف كان يمنع سراية الحدث إلى القدم وذلك الإستتار بالخلع يزول فيسري ذلك إلى القدم فكأنه توضأ ولم يغسل رجليه فعليه غسلهما والرجلان في حكم الطهارة كشيء واحد فإذا وجب غسل إحداهما وجب غسل الأخرى ضرورة أنه لا يجمع بين المسح والغسل في عضو واحد .
قال : ولو مسح على الجرموقين ثم نزع أحدهما مسح على الخف الظاهر وعلى الجرموق الباقي وفي بعض روايات الأصل قال ينزع الجرموق الثاني ويمسح على الخفين .
وقال " زفر " C تعالى عنه : يمسح على الخف الذي نزع الجرموق عنه وليس عليه في الآخر شيء .
وجه قوله أن الإستتار باق فكان الفرض المسح ففيما زال الممسوح بالنزع عليه أن يمسح وفيما كان الممسوح باقيا لا يلزمه شيء بخلاف ما إذا خلع إحدى خفيه .
ووجه ما ذكر في بعض النسخ أن نزع أحد الجرموقين كنزعهما جميعا كما إذا خلع أحد الخفين يكون كخلعهما . ووجه ظاهر الرواية أنه في الإبتداء لو لبس الجرموق على إحدى الخفين كان له أن يمسح عليه وعلى الخف الباقي فكذلك إذا نزع أحد الجرموقين إلا أن حكم الطهارة في الرجلين لا يحتمل التجزي فإذا انتقض في أحدهما بنزع الجرموق ينتقض في الآخر فلهذا مسح على الخف الظاهر وعلى الجرموق الباقي .
قال : وإذا انقضى مدة مسحه ولم يحدث فعليه نزع الخفين وغسل القدمين لأن الإستتار كان مانعا في المدة فإذا انقضى سرى ذلك الحدث إلى القدمين فعليه غسلهما وليس عليه إعادة الوضوء كما لو كانت السراية بخلع الخفين .
قال : وإذا توضأ فنسى مسح خفيه ثم خاض الماء فإنه يجزئه من المسح لأن تأدى الفرض بإصابة البلة ظاهر الخف وقد وجد .
وهل يصير الماء مستعملا بهذا ؟ قال " أبو يوسف " C : لا يصير الماء مستعملا بهذا .
وعن " محمد " C تعالى : أن الماء يصير مستعملا ولا يجزئه من المسح إذا كان الماء قليلا غير جار وأصل الخلاف في الرأس " فأبو يوسف " C يقول تأدى فرض المسح بالبلة الواصلة إلى موضعها لا بالماء الباقي في الإناء فبقى الإناء كما كان .
و " محمد " C يقول لو تأدى به الفرض لصار الماء مستعملا بإزالة الحدث فإنما أخرج رأسه من الماء المستعمل وذلك يمنع من جواز المسح به .
قال : وإذا استكمل المقيم مسح الإقامة ثم سافر نزع الخف لأن حكم الحدث سرى إلى القدمين بانقضاء مدة المسح فلا يتغير ذلك بالسفر .
قال : وإن لبس خفيه وهو مقيم ثم سافر قبل أن يحدث فله أن يمسح كمال مدة السفر لأن ابتداء المدة انعقد وهو مسافر .
فأما إذا أحدث وهو مقيم أو مسح قبل استكمال يوم وليلة .
صفحة [ 104 ] ثم سافر جاز له عندنا أن يمسح كمال ثلاثة أيام ولياليها .
وقال " الشافعي " C تعالى لا يمسح إلا يوما وليلة قال لأن المدة انعقدت وهو مقيم فلا يمسح أكثر من يوم وليلة والشروع في مدة المسح كالشروع في الصلاة ومن افتتح الصلاة في السفينة وهو مقيم ثم صار مسافرا لم يجز له أن يتم صلاة السفر وإنما يتم صلاة المقيمين .
ولنا أن المسح جاز له وهو مسافر فله أن يمسح كمال مدة السفر كما لو سافر قبل الحدث وفعل الصلاة .
دليلنا أنه بالحدث صار شارعا في وقت المسح فوزانه أن لو دخل وقت الصلاة وهو مقيم ثم صار مسافرا فهناك يصلي صلاة المسافرين .
قال : وإذا قدم المسافر مصره بعد ما مسح يوما وليلة أو أكثر من ذلك فعليه نزع الخفين لأنه صار مقيما والمقيم لا يمسح أكثر من يوم وليلة إلا أنه إذا كان قدومه بعد ما مسح يومين نزع خفيه ولم يعد شيئا من الصلاة لأنه حين مسح كان مسافرا .
قال : وإذا توضأ ومسح على الجبائر ولبس خفيه ثم أحدث فله أن يمسح على الخفين ما لم يبرأ جرحه لأن المسح على الجبائر كالغسل لما تحته ما دامت العلة قائمة وقد بينا هذا فيما مضى فكان اللبس حاصلا على طهارة تامة ما بقيت العلة فله أن يمسح على الخفين فإن برئ جرحه فعليه أن ينزع خفيه لأن المسح على الجبائر طهارة تامة ما بقيت العلة واللبس بعد البرء غير حاصل على طهارة تامة فلم يكن له أن يمسح وإن لم يحدث بعد لبس الخف حتى برئ جرحه فإن لم يحدث حتى غسل ذلك الموضع جاز له أن يمسح على الخفين لأن أول الحدث بعد اللبس طرأ على طهارة تامة وإن أحدث قبل غسل ذلك الموضع لم يجز له أن يمسح على الخف لأن أو الحدث بعد اللبس طرأ على طهارة ناقصة .
قال : وللماسح على الخفين أن يؤم الغاسلين لأنه صاحب بدل صحيح وحكم البدل حكم الأصل ولأن المسح على الخف جعل كالغسل لما تحته في المدة بدليل جواز الإكتفاء به مع القدرة على الأصل وهو غسل الرجلين فكان الماسح في حكم الإمامة كالغاسل .
قال : وإذا أراد أن يبول فلبس خفيه ثم بال فله أن يمسح على خفيه لأن لبسهما حصل على طهارة تامة ولما سئل " أبو حنيفة " C عن هذا فقال لا يفعله إلا فقيه فقد استدل بفعله على فقهه لأنه تطرق به إلى رخصة شرعية .
قال : وإذا بدا للماسح أن يخلع خفيه فنزع القدم من الخف غير أنه في الساق بعد فقد انتقض مسحه لأن موضع المسح فارق مكانه فكأنه ظهر رجله وهذا لأن ساق الخف غير معتبر حتى لو لبس خفا لا ساق له جاز له المسح إذا كان الكعب مستورا فيكون الرجل في ساق الخف .
صفحة [ 105 ] وظهوره في الحكم سواء .
وإن نزع بعض القدم عن مكانه : فالمروي عن " أبي حنيفة " C تعالى في الإملاء نه إذا نزع أكثر العقب انتقض مسحه لأنه لا يمكنه المشى بهذه الصفة وللأكثر حكم الكمال .
وعن " أبي يوسف " C تعالى إن نزع من ظهر القدر قدر ثلاثة أصابع انتقض مسحه .
وعن " محمد " C تعالى قال إن بقى من ظهر القدم مقدار ثلاثة أصابع لم ينتقض مسحه لأنه لو كان بعض رجله مقطوعا وقد بقى من ظهر القدم مقدار ثلاثة أصابع فلبس عليه الخف جاز له أن يمسح فهذا قياسه والله أعلم .
قال : وإذا لبس الخفين على طهارة التيمم أو الوضوء بنبيذ ثم وجد الماء نزع خفيه لأن طهارة التيمم غير معتبرة بعد وجود الماء وكذلك طهارة النبيذ فصار بعد وجود الماء كأنه لبس على غير طهارة .
قال : وإذا لبست المستحاضة الخفين فإن كان الدم منقطعا من حين توضأت إلى أن لبست الخفين فلها أن تمسح كمال مدة المسح لأن وضوءها رفع الحدث السابق ولم يقترن الحدث بالوضوء ولا باللبس فإنما طرأ أول الحدث بعد اللبس على طهارة تامة فأما إذا توضأت والدم سائل أو سال بعد الوضوء قبل اللبس فلبست الخفين كان لها أن تمسح في الوقت إذا أحدثت حدثا آخر ولم يكن لها أن تمسح بعد خروج الوقت عندنا .
وقال " زفر " C تعالى لها أن تمسح كمال مدة المسح لأن سيلان الدم عفو في حقها بدليل جواز الصلاة معه فكان اللبس حاصلا على طهارة .
ولنا أن سيلان الدم عفو في الوقت لا بعده حتى تنتقض الطهارة بخروج الوقت وخروج الوقت ليس بحدث فكان اللبس حاصلا على طهارة معتبرة في الوقت لا بعد خروج الوقت فلهذا كان لها أن تمسح في وقت الصلاة لا بعد خروج الوقت .
قال : وإذ كان مع المسافر ماء قدر ما يتوضأ به وفي ثوبه دم أكثر من قدر الدرهم غسل الدم بذلك الماء ثم تيمم للحدث وقال " حماد بن أبي سليمان " C تعالى يتوضأ بذلك الماء وهو رواية عن " أبو يوسف " C تعالى .
وقيل : هذه أول مسألة خالف فيها " أبو حنيفة " C تعالى استاذه .
ووجه قول " حماد " C تعالى أن حكم الحدث أغلظ من حكم النجاسة بدليل أن القليل من النجاسة عفو ومن الحدث لا وبدليل جواز الصلاة في الثوب النجس إذا كان لا يجد ماء يغسله به ولا تجوز الصلاة مع الحدث بحال فصرف الماء إلى أغلظ الحدثين أولى .
ووجه قول " أبي حنيفة " C أنه قادر على الجمع بين الطهارتين بأن يغسل النجاسة بالماء فيطهر به الثوب ثم يكون عادما للماء فيكون طهارته التيمم ومن قدر على الجمع بين الطهارتين لا يكون له .
صفحة [ 106 ] أن يأتي بأحدهما ويترك الآخر فلهذا كان صرف الماء إلى النجاسة أولى والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب