( تابع . . . 1 ) : قال Bه : ومن ابتلع جوزة رطبة وهو صائم فعليه القضاء ولا .
وجه قولهما : أن المسافر إنما يفارق المقيم في الترخص بالفطر فإذا ترك هذا الترخص كان هو والمقيم سواء وصوم المقيم لا يكون إلا عن رمضان لأنه لم يشرع في هذا الزمان إلا هذا الصوم فنيته جهة أخرى تكون لغوا فكذلك في حق المسافر .
ولأبي حنيفة .
C تعالى حرفان : .
أحدهما : أن أداء صوم رمضان غير مستحق على المسافر في هذا الوقت ولكنه مخير بين الصوم والفطر مع قدرته على الصوم كالمقيم في شعبان ثم هناك يتأدى صومه عما نوى فكذلك هنا وعلى هذا الطريق يقول إذا نوى التطوع يكون صومه عن التطوع والطريق الآخر أنه ما ترك الترخص حين نوى واجبا آخر كان مؤاخذا به ولكنه صرف صومه إلى ما هو أهم عليه لأن الواجب الآخر دين في ذمته لو مات قبل إدراك عدة من أيام أخر كان مؤاخذا به فيكون هو مترخصا بصرف الصوم إلى ما هو الأهم فإنه في رمضان لو مات قبل إدراك عدة من أيام أخر لم يكن مؤاخذا به . وعلى هذا الطريق يقول : .
إذا نوى التطوع كان صائما عن الفرض لأنه ترك الترخص حين لم يصرف الصوم إلى ما هو الأهم عنده وإذا ترك الترخص كان هو والمقيم سواء فيكون صومه عن رمضان .
ولو قال لله علي أن أصوم هذا اليوم شهرا فعليه أن يصوم ذلك اليوم كلما دار إلى تمام ثلاثين يوما منذ قال هذا القول فيكون صومه في أربعة أيام أو خمسة أيام من الشهر لأن معنى كلامه لله علي أن أصوم هذا اليوم كلما دار في شهر ويتعين له الشهر الذي يعقب نذره بمنزلة ما لو أجر داره شهرا .
ولو قال لله علي أن أصوم هذا الشهر يوما كان عليه أن يصوم ذلك الشهر متى شاء وهو في سعة ما بينه وبين أن يموت لأن معنى كلامه لله علي أن أصوم هذا الشهر وقتا من الأوقات فيكون موسعا عليه في مدة عمره وحقيقة الفرق أن اليوم قد يكون بمعنى الوقت قال الله تعالى : { " ومن يولهم يومئذ دبره " } الأنفال : 16 والمراد منه الوقت والرجل يقول انتظر يوم فلان أي وقت إقباله أو إدباره وقد يكون عبارة عن بياض النهار .
صفحة [ 144 ] على ضد الليل وهذا ظاهر فإذا قرنه بذكر الصوم عرفنا أن المراد بياض النهار لأنه وقت للصوم ومعيار له ففي المسألة الأولى قرن اليوم بالصوم فقال : أصوم هذا اليوم فحملناه على بياض النهار ثم ذكر الشهر لبيان مقدار الأيام التي تناولها نذره وفي المسألة الثانية قرن الشهر بذكر اليوم فصار مقدار الصوم بذكر الشهر معلوما ثم ذكر اليوم بعد ذلك من غير أن جعله معيارا للصوم فعرفنا أن المراد به الوقت فجعلنا كأنه قال أصوم هذا الشهر وقتا .
قال : ولو قال لله علي صوم هذا اليوم غدا فإن قال هذا قبل الزوال ولم يكن أكل فيه شيئا فعليه صوم هذا اليوم وإن قال بعد الزوال أو بعد ما أكل فلا شيء عليه ولو قال لله علي صوم غد اليوم كان عليه الصوم غدا لأنه ذكر الوقتين من غير أن ذكر بينهما حرف العطف فيكون المعتبر من كلامه أو الوقتين ذكرا ويلغو آخر الوقتين ذكرا .
وقد بينا هذا الأصل في الطلاق إذا قال لامرأته أنت طالق اليوم غدا فهي طالق اليوم ولو قال غدا اليوم تطلق غدا ففي المسألة الأولى المعتبر من كلامه ذكر اليوم فكأنه اقتصر على قوله لله علي صوم هذا اليوم فإن كان قبل الزوال ولم يكن أكل صح نذره وإلا فلا وفي المسألة الثانية المعتبر من كلامه قوله غدا فيكون ملتزما صوم الغد بنذره وذلك صحيح فإن أفطر في الغد فعليه القضاء .
قال : ولو قال لله علي صوم الأيام ولا نية له ففي قول " أبي حنيفة " C تعالى عليه صوم عشرة أيام وفي قولهما عليه صوم سبعة أيام لأن حرف اللام حرف العهد والمعهود هي الأيام السبعة التي تدور عليها الشهور والسنون كلما مضت عادت فإليها ينصرف مطلق لفظه .
وأبو حنيفة .
C تعالى يقول ذكر الألف واللام دليل الكثرة فإنما ينصرف كلامه إلى أكثر ما يتناوله اسم الأيام في اللغة مقرونا بالعدد وذلك عشرة أيام لأنه يقال لما بعد العشرة أحد عشر يوما .
وإنما قلنا : إن الألف واللام دليل الكثرة لأنهما لاستغراق الجنس وقد بينا هذا في كتاب الأيمان .
وعلى هذا الأصل إذا قال لله علي صيام الشهور فعليه في قول " أبي حنيفة " C تعالى عشرة أشهر لأنه أكثر ما يتناوله لفظ الجمع مقرونا بالعدد فإنه يقال عشرة أشهر أو شهور ثم يقال لما بعده أحد عشر شهرا .
وعندهما : يلزمه صوم اثني عشر شهرا باعتبار المعهود قال الله تعالى : { " إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا " } التوبة : 36 وهي التي تدور عليها السنون .
وإن قال لله علي صيام شهور فعليه صيام ثلاثة أشهر لأنه أدنى ما يتناوله اسم الجمع لأنه ليس في كلامه حرف العهد ولا ما يدل على الكثرة .
ولو قال لله علي صوم الجمع فعند " أبي حنيفة " C صفحة [ 145 ] تعالى هذا على عشر جمع .
وعندهما : على جمع العمر .
ولو قال : لله علي صوم جمع هذا الشهر فعليه أن يصوم كل جمعة تمر عليه في ذلك الشهر لأن الجمع جمع جمعة وهو اسم لليوم الذي تقام فيه صلاة الجمعة .
وقد روي عن " أبي حنيفة " C تعالى أنه يلزمه صوم جميع ذلك الشهر لأن الجمعة تذكر بمعنى الأسبوع في العادة يقول الرجل لغيره لم ألقك منذ جمعة وإنما يريد به الأسبوع .
قال Bه : والأصح ما ذكر في ظاهر الرواية لأنه لا يلزمه بالنذر إلا القدر المتيقن به وكل واحد من هذين المعنيين من محتملات كلامه فيلزمه المتيقن .
ولو قال : لله علي صوم أيام الجمعة كان عليه صوم سبعة أيام لأن الأيام اسم جمع فبه يتبين أن مراده الأسبوع دون اليوم الذي تقام فيه الجمعة خاصة .
ولو قال لله علي صوم جمعة فهذا على وجهين .
قد يقع على أيام الجمعة السبعة وقد يقع على الجمعة بعينها فأي ذلك نوى عملت نيته وإن لم تكن له نية فهذا على أيام الجمعة سبعة أيام وهذا يؤيد رواية " أبي يوسف " C تعالى في الفصل الأول فإنه لم يعتبر المتيقن هنا واعتبر ما تعارفه الناس ولكن الفرق بينهما في ظاهر الرواية أن هنا ذكر الجمعة مطلقا ولو كان المراد بهذا اللفظ اليوم الذي تقام فيه الجمعة لقيد بذكر اليوم فترك التقييد هنا دليل على أن مراده الأيام السبعة وفي الفصل الأول وإن لم يذكر اليوم ففي لفظه ما يدل على أنه هو المراد لأنه أضاف الجمع إلى الشهر فذلك دليل على أن مراده أيام الجمعة التي تدور في الشهر .
قال : ولو قال لله علي صوم كذا كذا يوما فإن نوى عددا هو من محتملات لفظه كان على ما نوى وإن لم يكن له نية فهو على أحد عشر يوما لأن كذا اسم لعدد مبهم فقد ذكر عددين مبهمين ليس بينهما حرف العطف وأقل عددين مفسرين ليس بينهما حرف العطف أحد عشر فعلى ذلك يحمل ما ذكر من العددين المبهمين . ولو قال كذا وكذا يوما لزمه صوم أحد وعشرين يوما لأنه ذكر حرف العطف بين العددين المبهمين وأقل عددين مفسرين بينهما حرف العطف أحد وعشرون فعلى ذلك يحمل مبهم كلامه إذا لم ينو شيئا آخر .
قال : ولو قال لله علي صوم بضعة عشر يوما لزمه صيام ثلاثة عشر يوما لأن البضع أدناه الثلاثة على ما روى أنه لما نزل قوله تعالى : { " وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين " } الروم : 1 - 3 خاطر " أبو بكر " مع قريش على أن الروم تغلب فارس في ثلاث سنين إلى أن " قال له رسول الله A كم تعدون البضع فيكم فقال من الثلاث إلى سبع فقال E زد في الخطر وأبعد في الأجل " فقد بين أن أدنى ما .
صفحة [ 146 ] يتناوله اسم البضع ثلاثة فإنما يلزمه القدر المتيقن فلهذا كان عليه صيام ثلاثة عشر يوما .
قال : ولو قال لله علي صوم السنين فهو على عشر سنين في قول " أبي حنيفة " C تعالى للأصل الذي بينا له .
وفي قولهما : إن نوى شيئا فهو على ما نوى وإن لم يكن له نية فهو على جميع العمر لأنه ليس في السنين شيء معهود فيحمل لفظه على استغراق الجنس وذلك جميع عمره في حقه .
قال : ولو قال لله علي صوم زمان أو صوم الزمان فهذا على ستة أشهر لأن الزمان والحين يستعملان استعمالا واحدا فإن الرجل يقول لغيره لم ألقك منذ زمان لم ألقك منذ حين ولفظ الحين يتناول ستة أشهر سواء قرن به الألف واللام أو لم يقرن فكذلك لفظ الزمان وإنما حملنا لفظ الحين على ستة أشهر لقوله تعالى " : { تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها " } إبراهيم : 45 قال " ابن عباس " رضي الله تعالى عنه : المراد ستة أشهر ثم لفظ الحين في كتاب الله تعالى ورد بمعنى أشياء بمعنى الوقت قال الله تعالى : { " حين تمسون وحين تصبحون " } الروم : 17 والمراد وقت الصلاة .
وبمعنى أربعين سنة . قال الله تعالى : { " هل أتى على الإنسان حين من الدهر } " الإنسان : 1 والمراد أربعون سنة .
وبمعنى قيام الساعة : قال الله تعالى : { " فذرهم في غمرتهم حتى حين " } المؤمنون : 54 يعني قيام الساعة وقد علمنا أنه لم يرد بنذره ساعة واحدة ولا أربعين سنة لأن بقاء الآدمي إلى هذه المدة الطويلة للصوم فيها نادر فعرفنا أن المراد ستة أشهر وهو المتوسط في هذه الأعداد وخير الأمور أوسطها .
ولو قال : لله علي صوم أبد أو الأبد فهو على جميع العمر لأن الأبد ما لا غاية له ولكن علمنا أنه لم يرد به زيادة على مدة عمره .
وإن قال : صوم الدهر " فأبو حنيفة " C تعالى لم يوقت فيه شيئا وقال لا أدري ما الدهر .
و " أبو يوسف " و " محمد " رحمهما الله تعالى جعلا لفظ الدهر كلفظ الحين والزمان وقد بينا ذلك في كتاب الأيمان والنذور والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب