قال Bه : ومن ابتلع جوزة رطبة وهو صائم فعليه القضاء ولا كفارة عليه وإن ابتلع لوزة رطبة أو بطيخة صغيرة فعليه القضاء والكفارة والأصل في هذا أنه متى حصل الفطر بما لا يتغذى به أو يتداوى به عادة فعليه القضاء دون الكفارة لأن وجوب الكفارة يستدعي كمال الجناية والجناية تتكامل بتناول ما يتغذى به أو يتداوى به لانعدام الإمساك صورة ومعنى ولا تتكامل الجناية بتناول ما لا يتغذى به ولا يتداوى به لأن الإمساك ينعدم به صورة لا معنى ولأن الكفارة مشروعة للزجر والطباع السليمة تدعو إلى تناول ما يتغذى به وما يتداوى به لما فيه من إصلاح البدن فتقع الحاجة إلى شرع الزاجر فيه ولا تدعو الطباع السليمة إلى تناول ما لا يتغذى به ولا يتداوى به فلا حاجة لشرع الزاجر فيه .
إذا عرفنا هذا فنقول الجوزة الرطبة لا تؤكل كما هي عادة واللوزة الرطبة تؤكل كما هي عادة وهذا إذا ابتلع الجوزة فأما إذا مضغها وهي رطبة أو يابسة فعليه الكفارة ذكره " الحسن " عن " أبي حنيفة " رحمهما الله تعالى لأنه تناول لبها ولب الجوز مما يتغذى به وأكثر ما فيه أنه جمع بين ما يتغذى به وبين ما لا يتغذى به في التناول وذلك موجب للكفارة عليه .
وإذا ابتلع أهليلجة فعليه القضاء والكفارة أراد به الدواء أو لم يرد هكذا ذكره " ابن سماعة " و " هشام " عن " محمد " رحمهم الله تعالى .
وذكر " ابن رستم " عن " محمد " رحمهما الله تعالى أن عليه القضاء دون الكفارة قال : لأنها لا تؤكل كما هي للتداوي عادة .
والأصح ما ذكره هنا فإن الهليلجة مما يتداوى به فسواء أكلها على الوجه المعتاد أو على غير الوجه المعتاد قلنا إنه تجب عليه الكفارة وكذلك إن أكل مسكا أو غالية أو زعفرانا فعليه القضاء والكفارة لأن هذه الأشياء تؤكل عادة للتغذي أو للتداوي .
وذكر " الحسن " عن " أبي حنيفة " رحمهما الله تعالى أنه لو أكل عجينا لا تلزمه الكفارة لأن العجين لا يؤكل عادة قبل الطبخ ولا يدعو الطبع إلى تناوله وهكذا ذكر " ابن رستم " عن " محمد " رحمهما الله تعالى . وقال : لو أكل الدقيق أيضا لا تلزمه الكفارة لأنه يصير عجينا في فمه قبل أن يصل إلى جوفه .
قال : ولو أكل حنطة يجب عليه القضاء .
صفحة [ 139 ] والكفارة لأن الحنطة تؤكل كما هي عادة فإنها مادامت رطبة تؤكل وبعد اليبس تغلى فتؤكل وتقلى فتؤكل .
قال : ولو أكل طينا أرمنيا فعليه الكفارة ذكره " ابن رستم " عن " محمد " رحمهما الله تعالى . قال : لأنه بمنزلة الغاريقون يتداوى به .
قال " ابن رستم " فقلت له : فإن أكل من هذا الطين الذي يأكله الناس . قال : لا أعرف أحدا يأكله .
وفي رواية أخرى عن " محمد " C تعالى أنه لا تلزمه الكفارة في الطين الأرمني أيضا إذا أكله كما هو إلا أن يسويه على الوجه المعتاد الذي يتداوى به والأول أصح .
قال : ومن أفطر في شهر رمضان بعذر والشهر ثلاثون يوما فقضى شهرا بالأهلة وهو تسعة وعشرون يوما فعليه قضاء يوم آخر لقوله تعالى : { " فعدة من أيام أخر " } البقرة : 184 ففي هذا بيان أن المعتبر في القضاء إكال العدة بالأيام .
قال : ولو شهد رجل واحد برؤية هلال رمضان وبالسماء علة قبلت شهادته إذا كان عدلا وقد بينا هذه المسألة في كتاب الصوم والاستحسان وشرط في الكتاب أن يكون الشاهد عدلا .
والطحاوي .
يقول : عدلا كان أو غير عدل .
قيل مراده : أنه يكتفي بالعدالة الظاهرة ولا يشترط أن يكون الشاهد عدلا في الباطن .
وقيل : إنما لا تشترط العدالة في هذا الموضع لانتفاء التهمة لأنه يلزمه من الصوم ما يلزم غيره وإنما لا يقبل خبر الفاسق لتمكن التهمة .
والأصح اشتراط العدالة فيه لأن هذا من أمور الدين ولهذا يكتفى فيه بخبر الواحد وخبر الفاسق في باب الدين غير مقبول بمنزلة رواية الحديث عن رسول الله A .
قال : وأما على الفطر فلا تقبل إلا شهادة رجلين إذا كان بالسماء علة وأشار في بعض النوادر إلى الفرق فقال المتعلق بهلال رمضان هو الشروع في العبادة وخبر الواحد فيه مقبول كما لو أخبر بإسلام رجل والمتعلق بهلال شوال الخروج من العبادة وذلك لا يثبت إلا بشهادة رجلين كما في الشهادة على ردة المسلم . وأشار هنا إلى فرق آخر فقال : المتعلق بهلال شوال ما فيه منفعة للناس وهو الترخص بالفطر فيكون هذا نظير الشهادة على حقوق العباد والمتعلق بهلال رمضان محض حق الشرع وهو الصوم الذي هو عبادة يؤخذ فيها بالاحتياط فلهذا يكتفى فيه بخبر الواحد إذا كان بالسماء علة وهذا صحيح على ما روى " الحسن " عن " أبي حنيفة " رحمهما الله تعالى أنهم يصومون بخبر الواحد ولا يفطرون إذا لم يروا الهلال وإن أكملوا العدة ثلاثين يوما بدون التيقن بانسلاخ رمضان للأخذ بالاحتياط في الجانبين .
فأما " ابن سماعة " يروي عن " محمد " C تعالى : أنهم يفطرون إذا أكملوا العدة ثلاثين يوما لأن صوم الفرض في رمضان لا يكون .
صفحة [ 140 ] أكثر من ثلاثين يوما .
وقال " ابن سماعة " : فقلت " لمحمد " : كيف يفطرون بشهادة الواحد ؟ قال : لا يفطرون بشهادة الواحد بل بحكم الحاكم لأنه لما حكم بدخول رمضان وأمر الناس بالصوم فمن ضرورته الحكم بانسلاخ رمضان بعد مضي ثلاثين يوما .
والحاصل أن الفطر هنا مما تفضي إليه الشهادة لا أنه يكون ثابتا بشهادة الواحد وهو نظير شهادة القابلة على النسب فإنها تكون مقبولة ثم يفضي ذلك إلى استحقاق الميراث والميراث لا يثبت بشهادة القابلة ابتداء ويستوي إن شهد رجل أو امرأة على شهادة نفسه أو على شهادة غيره حرا كان أو عبدا محدودا في القذف أو غير محدود بعد أن يكون عدلا في ظاهر الرواية بمنزلة رواية الأخبار فإن الصحابة كانوا يقبلون رواية " أبي بكرة " بعد ما أقيم عليه حد القذف .
وفي رواية " الحسن " عن " أبي حنيفة " رحمهما الله تعالى لا تقبل شهادة المحدود في القذف على رؤية الهلال وإن حسنت توبته لأنه محكوم بكذبه شرعا . قال الله تعالى : { " فإن لم يأتوا بالشهادة فأولئك عند الله هم الكاذبون " } النور : 13 فإذا كان المتهم بالكذب وهو الفاسق غير مقبول الشهادة هنا فالمحكوم بكذبه كان أولى .
فأما إذا لم يكن بالسماء علة فلا تقبل شهادة الواحد والمثنى حتى يكون أمرا مشهورا ظاهرا في هلال رمضان وهكذا في هلال الفطر في رواية هذا الكتاب وفي رواية " الحسن " عن " أبي حنيفة " رحمهما الله تعالى قال : .
تقبل فيه شهادة رجلين أو رجل وامرأتين بمنزلة حقوق العباد .
والأصح ما ذكر هنا فإن في حقوق العباد إنما تقبل شهادة رجلين إذا لم يكن هناك ظاهر يكذبهما وهنا الظاهر يكذبهما في هلال رمضان وفي هلال شوال جميعا لأنهما أسوة سائر الناس في الموقف والمنظر وحدة البصر وموضع القمر فلا تقبل فيه الشهادة إلا أن يكون أمرا مشهورا ظاهرا وقد بينا اختلاف الأقاويل في ذلك في كتاب الصوم .
قال : ولو أن رجلا جامع امرأته ناسيا في رمضان فتذكر ذلك وهو مخالطها فقام عنها أو جامعها ليلا فانفجر الصبح وهو مخالطها فقام عنها من ساعته فلا قضاء عليه في الوجهين جميعا وقال " زفر " C تعالى عليه القضاء في الوجهين لوجود جزء من المجامعة بعد التذكر وانفجار الصبح إلى أن نزع نفسه منها وذلك يكفي لإفساد الصوم .
ولكنا نقول : ذلك مما لا يستطاع الامتناع عنه ومما لا يمكن التحرز عنه فهو عفو .
وأصل هذه المسألة فيما إذا حلف لا يلبس هذه الثوب وهو لابسه فنزعه من ساعته فهو حانث في القياس وهو قول " زفر " C تعالى لوجود جزء من اللبس بعد اليمين .
وفي الاستحسان لا حنث لأن .
صفحة [ 141 ] ما لا يستطاع الامتناع عنه فهو عفو .
يوضحه أن نزع النفس كف عن المجامعة والكف عن المجامعة ركن الصوم فلم يوجد منه بعد انفجار الصبح ولا بعد التذكر إلا ما هو ركن الصوم وذلك غير مفسد لصومه .
ألا ترى أن اللقمة لو كانت في فيه فألقاها بعد التذكر أو بعد انفجار الصبح لم يفسد صومه إلا أن " زفر " C تعالى يفرق فيقول : .
الموجود هناك جزء من إمساك اللقمة في فيه إلى أن يلقيها وذلك غير مفسد للصوم والموجود هنا جزء من الجماع وذلك مفسد للصوم .
وعن " أبي يوسف " C تعالى قال في الناسي : لا يفسد صومه إذا نزع نفسه كما تذكر وإذا انفجر الصبح فعليه القضاء وإن نزع نفسه لأن آخر الفعل من جنس أوله وأول الفعل من الناسي غير مفسد للصوم مع مصادفته وقت الصوم فكذلك آخره وأول الفعل في حق الذي انفجر له الصبح عمد مفسد للصوم إذا صادف وقت الصوم فكذلك آخره .
ويوضحه : أن الشروع في الصوم يكون عند طلوع الفجر فاقتران المجامعة بطلوع الفجر يمنع صحة الشروع في الصوم فيلزمه القضاء وفي حق الناسي شروعه في الصوم صحيح ولم يوجد بعده ما يفسد الصوم فلهذا لا يلزمه القضاء .
ولم يذكر في الكتاب أنه بعد ما نزع نفسه لو أمنى هل يلزمه القضاء أم لا ؟ قال Bه : .
والصحيح أنه لا يفسد صومه لأن مجرد خروج المني لا يفسد الصوم وإن كان على وجه الشهوة كما لو احتلم ولم يوجد بعد التذكر وطلوع الفجر إلا ذلك .
وإذا أتم الفعل بعد التذكر وطلوع الفجر فعليه القضاء دون الكفارة عندنا .
وعلى قول " الشافعي " C تعالى عليه القضاء والكفارة لوجود المجامعة بعد التذكر وطلوع الفجر والموجب للكفارة عنده الجماع المعدم للصوم وقد وجد .
فأما عندنا الموجب للكفارة هو الفطر على وجه تتكامل به الجناية وذلك لم يوجد فيما إذا طلع الفجر وهو مخالط لأهله فداوم على ذلك لأن شروعه في الصوم لم يصح مع المجامعة والفطر إنما يكون بعد الشروع في الصوم ولم يوجد ولئن كان الموجب للكفارة الجماع المعدم للصوم فالجماع هو إدخال الفرج في الفرج ولم يوجد منه بعد التذكر ولا بعد طلوع الفجر إدخال الفرج في الفرج وإنما وجد منه الاستدامة وذلك غير الإدخال ألا ترى أن من حلف لا يدخل دار فلان وهو فيها لم يحنث وإن مكث في الدار ساعة فهذا مثله .
ولو أنه نزع نفسه ثم أولج ثانيا فعليه الكفارة بالاتفاق لأنه وجد منه إبتداء المجامعة بعد صحة الشروع في الصوم مع التذكر فيكون عليه القضاء والكفارة وهذا على الرواية الظاهرة فيما إذا جامع ثانيا وهو يعلم أن .
صفحة [ 142 ] صومه لم يفسد به ثم أفطر بعد ذلك متعمدا فإنه تلزمه الكفارة فأما على الرواية التي رويت عن " أبي حنيفة " C تعالى أنه لا يلزمه الكفارة وإن كان عالما لشبهة القياس فهنا أيضا يقول لا تجب الكفارة .
قال : ولو أن صائما ابتلع شيئا كان بين أسنانه فلا قضاء عليه سمسمة كانت أو أقل منها لأن ذلك مغلوب لا حكم له كالذباب يطير في حلقه وإن تناول سمسمة وابتلعها ابتداء فهو مفطر لأن هذا يقصد إبطال صومه ومعنى هذا أنه إذا أدخل سمسمة في فمه فابتلعها فقد وجد منه القصد إلى إيصال المفطر إلى جوفه وذلك مفسد لصومه فأما إذا كان باقيا بين أسنانه فلم يوجد منه القصد إلى إيصال المفطر إلى جوفه والذي بقي بين أسنانه تبع لريقه ولو ابتلع ريقه لم يفسد صومه فهذا مثله .
يوضح الفرق أنه لا يمكنه التحرز عن اتصال ما بقي بين أسنانه إلى جوفه خصوصا إذا تسحر بالسويق وما لا يمكنه التحرز عنه فهو عفو ألا ترى أن الصائم إذا تمضمض فإنه يبقى في فمه بلة ثم تدخل بعد ذلك حلقه مع ريقه وأحد لا يقول بأن ذلك يفطره .
وذكر " الحسن بن أبي مالك " عن " أبي يوسف " رحمهما الله تعالى أنه لو بقي لحم بين أسنان الصائم فابتلعه فعليه القضاء قال : وهذا إذا كان قدر الحمصة أو أكثر فإن كان دون ذلك فلا قضاء عليه . فبهذه الرواية يظهر الفرق بين القليل الذي لا يستطاع الامتناع عنه وبين الكثير الذي يستطاع الامتناع عنه .
ثم في قدر الحمصة أو أكثر إذا ابتلعه فعليه القضاء دون الكفارة عند " أبي يوسف " C تعالى وهو قول " أبي حنيفة " و " محمد " رحمهما الله تعالى أيضا .
وعند " زفر " C تعالى عليه القضاء والكفارة لأن ذلك مما يتغذى به ولو أدخله في فيه وابتلعه كان عليه القضاء والكفارة فكذلك إذا كان باقيا بين أسنانه فابتلعه وليس فيه أكثر من أنه متغير وذلك لا يمنع وجوب الكفارة عليه كما لو أفطر بلحم منتن .
ولكنا نقول : ما بقي بين الأسنان مما لا يتغذى به ولا يتداوى به في العادة مقصودا فالفطر به لا يوجب الكفارة كالفطر يتناول الحصاة .
يوضحه : أنه لم يوجد منه ابتداء الأكل في حالة الصوم لأن ابتداء الأكل بإدخال الشيء في فيه وإتمامه بالاتصال إلى جوفه وحين أدخل هذا في فيه لم يكن فعله جناية على الصوم فتتمكن الشبهة في حقه في فعله والكفارة تسقط بالشبهة .
ولو أن مسافرا صام في رمضان عن واجب آخر أجزأه من ذلك الواجب في قول " أبي حنيفة " C تعالى وعليه قضاء رمضان .
وفي قول " أبي يوسف " و " محمد " رحمهما الله تعالى يقع صومه عن رمضان ولا يكون عن غيره بنيته مريضا كان أو مسافرا .
ولم يذكر قول " أبي .
صفحة [ 143 ] حنيفة " C تعالى في المريض نصا ولكن أطلق الجواب في حق من كان مقيما أنه يكون صومه عن فرض رمضان وهو الصحيح لأنه لا فرق في ذلك بين المريض والصحيح لأن المريض إنما يباح له الترخص بالفطر إذا كان عاجزا عن الصوم فأما إذا كان قادرا على الصوم فهو والصحيح سواء فيكون صومه عن فرض رمضان .
وأما المسافر إذا نوى التطوع في رمضان فلا إشكال في قولهما أنه يكون صومه عن فرض رمضان .
وعن " أبي حنيفة " C تعالى فيه روايتان .
( يتبع . . . )